ميزانية الأسرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فمما هو كالمجمع عليه ولا يخالف فيه أحد أن المال هو من عصب الحياة وضرورة في المعيشة الطيبة يتفيؤ صاحبه فضل الله تبارك وتعالى عليه ورزقه له، ليكون صاحب المال شاكرًا لله تبارك وتعالى بقوله وفعله من خلال حُسن تصرفه بهذا المال، وإن من أولى الموضوعات في الطرح المالي هو ما يتعلق بميزانية الأسرة وذلك للأهمية البالغة التي يحتاجها وليّها لتصريف معيشتهم في مأكلولهم ومشروبهم وملبوسهم وسائر حاجاتهم، وثمت أيها الكرام عشرون نقطة في هذا الموضوع:

 ‏أولا: أن الأرزاق مقدّرة من عند الله تبارك وتعالى فما جاءك منه فاحمد الله تعالى عليه يزدك من واسع فضله وعطائه وما مُنعت منه فلا تجزع فإن الأمر كله بيده عز وجل فهو يعطي ويمنع لحكمة، ولكنك مطالب ببذل السبب لتحصيله.

 ‏ثانيا: احتسب ما تنفقه على أسرتك وانو به الخير وذلك بمجرد استحضار هذا في قلبك ولو للحظة أن يمر على قلبك الاحتساب في هذا فإنك مأجور عليه، قال عليه الصلاة والسلام (حتى ما تضعه في في امرأتك).

 ‏ ثالثا: احرص على أسباب البركة في المال فاعملها ومن ذلك الصدقة من المال ولو بالقليل وحمد الله تعالى عليه وصرفه في المشروع والمباح والدعاء أن يبارك الله فيه وعدم الشماتة بأحد أصيب بالفقر والعوز وأخذه بسماحة نفس وعدم الاستشراف فيه وغير ذلك مما يكون من أسباب البركة فمن فعل ذلك بورك له في ماله فتأمل ذلك كثيرً يبارك الله لك في مالك .

 ‏ رابعا: كن متوسطًا في الإنفاق، لا إفراط ولا تفريط قال الله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) في حين أننا نرى صنفين من الناس، أولهما من يُمسك على نفسه وعلى أولاده حتى في بعض الضروريات مع توفر ماله، وآخر يصرف ويُغرق حتى في الأشياء الثانوية غير اللازمة، فالوسط بينهما هو المشروع.

 ‏ خامسا: لا تحرص على تحمل الديون ما وجدت إلى ذلك سبيلا، فإنها همٌّ ومذلة في الليل والنهار ، فإذا اضطُررت فلا تُغرق وخذ ما توجبه الضرورة بخلاف من يستدين لأجل لوازم ثانوية يمكن تركها أو تأجيلها، وكم هو جميل جدًا قبل استدانتك أن تستشير ذا خبرة، فلربما أرشدك إلى أشياء كانت بعيدة عن فكرك، وفيها فتح من الله تبارك وتعالى عليك وربما أرشدك إلى آراء أخَر تستفيد منها.

 ‏ سادسا: ينبغي تفقيه زوجتك بالأمانة على هذا الصرف فلا تطلب منك إلا اللازم وحسب ما تستدعيه الحاجة مدًا وقصرا في دائرة المعقول فالأصل في الكسب والإنفاق أنه على الزوج والأصل في طلب الصرف أنه على الزوجة فكل منهما يتعين عليه أن يكون مؤتمنًا في مقامه ومكانته.

 سابعا: إعلم أن الحكمة في الإنفاق هي وضع الشيء في موضعه بذلًا ومنعًا، ومن الضروري أن يكون هناك قاعدة توازن في الإنفاق، تتفق هذه القاعدة مع إمكانياتك الواردة والصادرة فلا بد أن يكون البذل في الصادر منك على مستوى الوارد إليك من المال قدر الإمكان، وبقدر مخالفتك لذلك قد تضطر أن تحمّل نفسك مالا تحتمل من الدَّين لا قدر الله.

 ‏ ثامنا: جميل جدًا أن يضع الأب تقسيمًا للحاجيات المعيشية عامة ولو تقريبية، فنسبة تكون للاستهلاك المعيشي وأخرى للخدمات من الماء والكهرباء والهاتف ونسبة أخرى للطوارئ بأنواعها، ونسبة أخرى للصدقة، ونسبة أخرى مدّخرة وما يرى من نسب أخرى يرى أنها مناسبة فيضع ذلك على اختلاف في النسب، بما يتوافق مع وضعه المالي، خصوصًا إذا كانت الحالة المالية قليلة فهو يحتاج إلى هذا كثيرًا

 ‏ تاسعا: من النقاط في موضوع ميزانية الأسرة في سفرياتك الطويلة والقصيرة لا يلزم إن كنت من ذوي الدخل المحدود أن تجعل نفسك كغيرك من الأغنياء فتضطر للاستدانة مقابل كماليات بل تعمل ما يعمله الآخرون بقدر المتاح لديك ماليًا قلة وكثرة فنرى أناسًا تحملوا حمالات مالية مقابل كماليات في السفر أو الترفيه، والعاقل يعرف كيف يتصرف حيال ذلك.

 عاشرا: إن التنازل عن بعض الكماليات سواءً في المناسبات أو الأثاث أو غيرها مقابل ألا يستدين هو من التصرف الحكيم فإذا فتح الله عليك من فضله فاعمل ما تريد عمله من تلك الحاجيات الكمالية.

 ‏الحادي عشر: إن من أهم أسباب البركة في المال أن يكون المال حلالًا بحيث يعمل بأمانة وإتقان أما إذا كان المال حرامًا فإن البركة قد تُنزع منه فيكون صاحبه يأخذ كثيرًا ولا يستفيد إلا قليلًا وما أجمل قول المرأة الصالحة لزوجها حال خروجه إلى عمله: يا أبا فلان احذر أن نأكل حرامًا أو أن نشرب حرامًا، مُشيرة في كلامها إلى إتقانه وأمانته في عمله.

 ‏ الثاني عشر: أخي الكريم في حال إنفاقك وكسبك لا تنس قول النبي صلى الله عليه وسلم (وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) فإن المال فيه غُنم وغُرم فاحرص على تحصيل الغُنم وذلك من خلال ما يقع بيدك فلا يقع إلا الحلال واحذر من الغُرم، وهو ما جاء حرامًا أو متشابها ففي الحلال ولو كان قليلا غنية عن الحرام ولو كثُر و البركة مع الحلال لا مع الحرام.

الثالث عشر: هنيئًا لمن احتسب النفقة على الأهل ففي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك) فاجعل ذلك الاحتساب سجية من سجاياك في جميع نفقاتك لا تغفل عنه ولو كان قليلًا، وفي البخاري قال صلى الله عليه وسلم (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة).

 الرابع عشر: قواعد يجب أن ينظر إليها رب الأسرة في دراسة ميزانية الأسرة لديه وهذه القواعد منها:

 أولًا: المدة الزمنية للميزانية.

 ‏ثانيًا: التوازن بين الصادر والوارد في المال.

 ‏ثالثًا: الواقعية في الصرف مع المرونة.

 ‏رابعًا: الاستشارة للآخرين والاستفادة منهم.

 ‏خامسًا: التوصيات لأسرته بهذا الشأن.

 ‏فهذه وأمثالها قواعد لجريان الميزانية الأسرية وهي من ضمن التخطيط خصوصًا على ذوي الدخل المحدود.

 ‏الخامس عشر: الجود هو إصابة موضع البذل والمنع فالبذل في غير محِله إسراف والمنع في غير محِله بخل وشح والجود هو معرفة نقطتين مهمتين وهما متى يكون البذل ومتى يكون المنع.

 ‏ السادس عشر: إجلس مع نفسك، وخطط في ميزانيتك واعرضها على من تراه مناسبًا يتضح لك أشياء كثيرة كنت غافلًا عنها فمن استخار الخالق وشاور المخلوق لم يندم بإذن الله تعالى.

 ‏ السابع عشر: عندما يُطرح سؤال على المجتمع بأكمله هل لديك إدارة مالية لأسرتك فسيكون الجواب من الكثيرين (لا يوجد) فهذه خسارة.

  ‏ الثامن عشر: كن قنوعًا فالقناعة توفر عليك الكثير من مالك واجعل ذلك ثقافة لأسرتك

ولو جربت سنة واحدة لعرفت الفرق الكبير والربح الواضح . ‏

التاسع عشر: اجعل لك في كل شهر طريقة في الصرف وقارن بينها واختر أفضلها.

العشرون: إحذر الدَّين فقد يتحول إلى مرض إجتماعي كبير وما الفائدة أن يسعد لحظات مقابل همّ طويل في تحمّل هذا الدين، فلا تستدن إلا للضرورات اللازمة حتى ولو تم تأجيل الطلب فهو أولى من الدّين.

 ‏وفقنا الله تعالى لكل خير ورزقنا من واسع فضله ورحمته وإلى لقاء آخر

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply