موائد رمضان تشهد لهم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

فإن الصوم عبادة روحانية عظيمة، وفيها من تزكية الروح والبدن كما ليس في غيرها، والصائم يصيبه الجوع والعطش، ولكنه يصبر احتسابًا للأجر والتقرب من الله، ثم يمضي في صيامه، ويزداد تعبه ومعاناته، التي يتجاوزها بالتصبر بالقرآن والصلاة، والذِّكر والنوم والراحة، وغيرها من العبادات والمباحات، وينتظر أذان المغرب حتى يبل عروقه بالماء، ويشفي عطشه، وفي هذا الانتظار تربية له؛ حتى يُحِسَّ بمعاناة الفقراء والجوعى، كما أن فيه تطهيرًا للنفس وتزكية لها بتعلُّم الصبر على طاعة الله، ومشاهدة النفس لأجلها.

ويمضي يوم الصائمين بسلام، وفي نهاية اليوم يبدأ الناس في الاستعداد للإفطار، فتجد أبسطة الإفطار قد فُرِشت في الطُّرُقات، وأمام المنازل والمساجد، وتجد كثيرًا من الطيبين قد أحضروا صواني الأكل، مليئة بمختلف الأصناف وأطيبها، وبينها صحون البلح، وأباريق اللبن والماء، لم يُوقِفْهم عن ذلك غلاء الطعام ولا قِلَّتُه، يفعلون ذلك عن طِيب نفسٍ؛ طمعًا في مرضاة الله، وتحصيلًا لأجر إفطار الصائمين؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من جهَّز غازيًا، أو جهز حاجًّا، أو خَلَفَه في أهله، أو أفطر صائمًا، كان له مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء"[1]، وتجد في تلك الأثناء الناس قد اجتمعوا وتلاقوا بالترحاب، ثم جلسوا متقابلين على تلك المفارش ينتظرون الأذان، ويتبادلون الابتسامات ويسأل بعضهم عن أحوال بعض، وكأنهم ضيوف الرحمن على موائد في الجنة.

وعندما يحين المغرب يلقي المؤذن أذان المغرب بصوته العذب، فيُنصت له الحضور، ويرددون وراءه أذكار الأذان، ويُتبعونها بأدعية الإفطار، ثم بما شاؤوا من الدعاء، فدعاء الصائم يُرجى منه الخير الكثير؛ قال صلى الله عليه وسلم: "للصَّائمِ عندَ فطرهِ دعوة لا تُرَدُّ"[2]، ويفرح الصائمون بإتمام الصوم وبفطرهم، كما يتطلعون للأجر والقبول من الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان: فرحة حين يُفطِر، وفرحة حين يلقى ربه"[3].

وبعد الأذان يأخذ كل منهم تمرة ليبدأ بها إفطاره مصحوبة بقليل من الماء أو الحليب، وبعد الإفطار يقوم الناس لصلاة المغرب ويصطفون في أدب وحياء من الله في المساجد، ثم تبدأ الصلاة في خشوع وسكينة تَغْشيان تلك الجموع المصطفة، ويُتمُّون صلاتهم وأذكارهم بتُؤَدَةٍ، ثم يرجعون لحصائرهم لجمع الأواني وتنظيفها، ويرجعون لبيوتهم في أمن وسلام بعد أن يودع بعضهم بعضًا، ويحملون حصائرهم وصوانيهم، ليعودوا بها في الغد، فيا لهم من كرماء طيبين، تشهد لهم أبسطتهم وصوانيهم، وتحدِّث موائدهم عن جودهم وسخائهم وحُسْنِ خلقهم، كما تشهد لهم مساجدهم بصلاتهم وقيامهم، ويشهد لهم الأشهاد بذلك!

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنهم، ويجعلهم قدوة لغيرهم من المسلمين، ويزيدهم من فضله، ويجزيهم خير الجزاء.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

[1] أورده المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 152)، وحكمه عليه: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.

[2] ذكره ابن عساكر في معجم الشيوخ (1/ 307)، وحكمه عليه: حسن غريب.

[3] أخرجه البخاري (7492) واللفظ له، ومسلم (1151).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply