فوائد من درس دلائل الإعجاز 19


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف.

الأحد: 5 من ربيع الأول 1446هـ الموافق لـ 8 من سبتمبر 2024م:

• التحدِّي يُوجِب أن يكون المُتحدَّى عالمًا بالشيء الذي يُتحدَّى به، وأن يتَّجِهَ بعقله وقلبه إليه، وأن يَعجِزَ عن أن يأتيَ بمِثْله.

• عبد القاهر يقول إن الشيء الذي أعجزَ به القرآنُ لا بُدَّ أن يكون قد تَجدَّد بالقرآن، ولا يجوز أن يكون في الكلام قبل القرآن؛ لأنه ما دام القرآنُ أعجزَ به - وليس هناك مُعجِزٌ إلَّا القرآن - فلا يجوز أن يكون في غير القرآن، وهذا كلامٌ قد يبدو لك أنه قريب، فإذا قرأتَ بعُمقٍ ستجد أن عبدَ القاهر هنا يتغلغل في القضية ويبحث عن أصولها.

• أُحِبُّ العلم، وأُحِبُّ مسائل العلم، وأُحِبُّ المعرفة، وأُحِبُّ الفكرةَ التي في المعرفة كحُبِّي للمعرفة.

• هناك أشياءُ - باعتبار ملازمتي للمعرفة عُمرًا أطولَ منكم - تؤثِّر في نفسي وربما لا تؤثِّر في نفوسكم: حين يُورِدُ عبد القاهر تساؤلًا ثم يقول في الجواب عنه: «لا بُدَّ مِن لا» هذا جيدٌ جدًّا؛ لأنك لن تجد أحدًا إلَّا وهو يقول فيها: «لا»، ولأنك لن تجد عاقلًا يقول غيرَ «لا»، أرأيتَ الثقةَ بالمعرفة.

• يا عزيزي، تَعلَّمْ، ثم تَعلَّمْ كيف تُعلِّم؛ لأنك لو تَعلَّمْتَ ولم تُعلِّم كان عِلمُك لا قيمة له.

• عِلمُ المسلم عِلمٌ يُوجِبُ عليه أن يُعلِّمَه لأهل الإسلام.

• العلمُ إذا احتفظتَ به في ذات نفسِك تكون قد مَسَخْتَ المعرفة وأدخلْتَها في باب الأثَرَة والأنانية، وكما أنك تحتفظ بدِرْهمِك لنفسك كذلك تحتفظ بعلمِك لنفسك؛ فأنت لا تُفرِّق بين العِلم والدِّرْهم، والأمرُ ليس كذلك، وإنما ما تَعلَّمْنا إلَّا لنُعلِّم.

• ما تَعلَّمْنا إلَّا لنُعلِّم؛ حتى يَشيعَ العلمُ في الأمَّة، ويَشيعَ التقدُّم، وتَشيعَ القوَّة؛ لأن القوَّة مع العلم، الخِصْب مع العلم، الحرية مع العلم، الازدهار مع العلم، العدل مع العلم، كلُّ طيِّبٍ في حياة الأمَّة إنَّما هو مع العلم.

• الاستبدادُ جَهْل، ولذلك لا تجد عالِمًا يَستبِدُّ، إذا وجدتَ مُستبدًّا فاحلف على المصحف واحلف بالطلاق أنه جاهلٌ وغبيٌّ وأنت لا يَقعُ عليك لا يَمِينُ المصحف ولا يَمِينُ الطلاق.

• العلمُ يرتقي بالنَّفس الإنسانية، والاستبدادُ انحطاطٌ بها؛ فلا يَستبدُّ ويَنحطُّ بنفسه إلَّا جاهل.

• العقل الواعي يحترم الإنسان، واحترامي للإنسان هو فَضْلُ احترامي لنفسي، وبمقدار احترامي لنفسي أحترم الإنسان.

• حُبِّي للقراءة في الفكر كحُبِّي للقراءة في العلم.

• لا تُعلِّم إلَّا الذي لا يُعارِضُ فيه مُعارض، ولا يَشكُّ فيه شاكٌّ، فضلًا عن أن يُنكرَه مُنكِر؛ لأن هذه العقول التي أمامك أمانة؛ فلا تَزرَعْ فيها إلَّا الزَّرعَ الصَّالح، واعلم أن الله سائِلُك عن كل نَبْتةٍ غرسَتْها يدُك في قلوب أبناء المسلمين، وأبناء غير المسلمين؛ لأن الكلَّ عبادُ الله.

• أَعجَبُ كلَّ العَجَب من الذين بين أيديهم القرآن ولا يقرؤونه؛ لأنك لو كان بين يديك القرآن، ولن أقول: «لو كان بين يديك القرآنُ وفَهِمْتَه»؛ لأنه لا أحدَ فَهِمَ القرآنَ إلَّا سيدُنا رسول الله وإنما أقول: لو كان بين يديك القرآنُ وفَهِمْتَ منه ما تستطيع، ثم تركتَه، كان بين يديك نعمةٌ جليلةٌ أغمضتَ عينَك عنها.

• حين يُطالِب اللهُ أهلَ الجاهلية بأن يأتوا بسورة من مِثْل القرآن فكأنه يُطالبهم بخَلْق شمسٍ كهذه الشمس، وخَلْق سماءٍ كهذه السماء، وخَلْق أرضٍ كهذه الأرض؛ لأن المُعجِزَ واحدٌ؛ قَليلُه ككثيره، المُعجِزُ في بناء جملة قرآنية واحدة كالمُعجِز في خَلْق السماوات والأرض.

• إذا لم تَعْرِف الشيءَ الذي أعجزَ به القرآنُ تكون قد أبطلتَ الإعجازَ؛ لأن الإعجاز يعني وجودَ شيءٍ عجز الناسُ عنه، فإذا لم تُحدِّد في القرآن الشيءَ الذي عَجَز الناسُ عنه تكون قد أبطلتَ الإعجاز.

• يَقِيني أن {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}يَقِيني أن هذا مُعجِزٌ للجنِّ والإنس، ليس لأن الله قال ذلك، وإنما إحساسي به وبغيره من الكلام، لو لم يَقُل الله إنه مُعجِزٌ لأدركتِ الفطرةُ البيانيةُ التي خلقها الله فينا أنه مُعجِز.. لا شكَّ في هذا.

• لاحِظْ شيئًا - حتى أبرِّئ نفسِي بين يَدَي الله - أني أقول لك نصف الحقيقة، وعليك أنت أن تُدرِكَ النِّصفَ الآخر، وإذا كنتَ حاضرًا في مجلسي هذا لأُبيِّنَ لك كلَّ شيء أو لتَسمعَ الحقيقةَ فأنت مُخطئ؛ لأني لا أملكها، ولا أملك أن أُبِينَ إلَّا عمَّا أستطيع الإبانةَ عنه.

• أحسستُ أن الله - جلَّ وتقدَّس - أحيانًا يقول لنا نصف الحقيقة ويترك لنا نصفَها الآخر، أتعرفُ أين؟ في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، فهل هناك أحدٌ في الدُّنيا يتعلَّم الأسماءَ مِن غير أن يتعلَّم المُسمَّيات؛ فالله قال: «الأسماء» وترك للعقل الذي غرسَه فينا أن يُدرِك المُسمَّيات.

• قيمةُ المعرفة أنَّ العالِم مهما جلَّ إنَّما يقول نصفَ الحقيقة، وقد وجدتُ ذلك عند الباقلانيِّ وغيرِه من علمائنا، وقلت لكم إن الباقلانيَّ يَسير معك شيئًا، ثم يَضعُ قلمَه في يدِك ويقول لك: الآن أتركك؛ فامضِ على الطريق الذي عَرَّفْتُك سبيلَه.

• لا طبقيَّةَ في العِلْم.

• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «ثم إن هذا الوصفَ ينبغي أن يكون وصفًا قد تجدَّد بالقرآن»، قال شيخُنا: جيِّدةٌ جدًّا هذه الكلمة، وناهيك عن كتابٍ فيه جديدٌ في البيان ينزل على أمَّةٍ لا شاغِلَ لها إلَّا البيان؛ أمَّة بلغتْ في البيان أقصى ما تَبْلغُه ألسنة البشر فجاءها الإعجاز في البيان.

• قرأتُ وسَمعْتُ أن بعضَ الباحثين يهاجمون الشِّعرَ الجاهليَّ، ويقولون إنه شِعرٌ ليس فيه إلَّا غرائبُ الألفاظ، وإنه شِعرٌ شَبَقِيٌّ، شِعرٌ جِنْسيٌّ، شِعرٌ حِسِّيٌّ، مهاجمةٌ شديدةٌ جدًّا!؛ فدعوتُ إلى حوارٍ علميِّ، وقلتُ لهم إني أجد في سورة «هود» آيةً تدلُّ على أن العربَ في مستقبل أيَّامهم إلى أن تقومَ السَّاعة لن يكونوا في بيانهم أفضلَ من الشعر الجاهلي، فقالوا: وما هذه الآية؟ فقرأتُ لهم قولَه تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}، ولو عَلِمَ الله أنه سيأتي جيلٌ أقوى منهم لَمَا قال: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}؛ لأنهم إن لم يَستجيبوا فقد يأتي جيلٌ آخرُ يَستجيب، ولكنَّه - سبحانه - لمَّا رتَّب على عدم استجابتِهم وجوبَ العلم بأنه ليس من كلام البشر، دلَّ ذلك على أنَّ عِلمَ العليم ليس فيه جيلٌ أقوى من هذا الجيل.

• كان الشيخ شاكر - رحمه الله تعالى - يقول إن دراسة الشِّعر الجاهليِّ بمَعزِلٍ عن قضية الإعجاز هي دراسةٌ للعصر الجاهليِّ بمَعزِلٍ عن العصر الجاهلي نفسِه.

• لا أشكُّ في أن الأُذنَ تَسمعُ في نغم القرآن نغمًا لا تَسمعُه في بيانٍ ولا في شِعْر، وهذا هو الذي تنبَّه إليه الرُّمَّانيُّ في الزمن القديم، وذكر أن التلاؤم الصوتيَّ في الكتاب العزيز وَجهٌ من وجوه الإعجاز، ثم رأيتُ الرافعيَّ يُعوِّل على ذلك.

• يا عزيزي، إذا أنتَ قرأتَ العلمَ مِن غير أن تتذوَّقه فقد ظلمتَ نفسَك؛ لأن تَذوُّقَه شيءٌ حُلوٌ جدًّا، ورائعٌ جدًّا، ويُذهِبُ عنك المللَ، ويُحبِّبه إليك، ويُحبِّبك إليه.

• طالبُ العلم يُحبُّ العلمَ، والمُخلِصُ في طلب العلم يُحبُّه العلمُ، وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام الأئمَّة الكبار.

• مِن عطاء العلم أنه يَبعثُ في النَّفس علمًا جديدًا، والمبدعون في العلم ليس لهم شيءٌ إلَّا أنَّ ما حصَّلوه مِن العلم بعث في نفوسهم علمًا جديدًا؛ فالعِلمُ في النفس يَصنعُ فيها علمًا.

• أحيانًا أجدُ الكلمةَ القرآنيةَ تدلُّ على هَولٍ يُفزِعُ القلوب، ومع ذلك سهلة وسَلِسة وحُلْوة، والمفروض أن الكلماتِ في الشِّعر إذا كانت تدلُّ على أهوالٍ تكون صعبةً على النَّفس؛ يقول تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ}، أرأيتَ السَّلاسةَ والسُّهولةَ والعذوبةَ مع فظاعة المعنى ومع أهوال المعنى؟!

• تدبُّرًا لقوله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، قال شيخُنا: الذي عَقَرَ الناقةَ واحدٌ، ولكنَّ الله أهلك قومَه معه لأنهم سكتوا على ظُلم الظَّالم، مَنْ يَسكُتْ على ظُلمِ الظالم ظَالمٌ، ويُعاقَبْ مُعاقبةَ الظالم، فكأنه يقول لهم: الذي يَجْلِبُ الخرابَ وأنتم تنظرون إليه وأنتم ساكتون-عوقبتم بعقوبته.

• خَبرُ الله إعجازٌ، والإبانةُ عن خبر الله إعجاز؛ فأنتَ أمام إعجازَيْن: إعجازٍ في الفعل، وإعجازٍ في الإبانة عن الفعل.

• التزم القرآنُ في كلِّ كلمة منه بالمعنى الذي وَضَعه لها العربُ، أرأيتَ الإكرامَ للعرب؟! والقرآنُ لا يُوصَفُ بشيءٍ أفضلَ من أنه كلامُ الله، ولكنَّ الله وَصَفَه بقوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} ثَناءً على هذا اللِّسان العربيِّ؛ فالله - سبحانَه وتعالى - لا يَمدَحُ القرآنَ بأنه بلسانٍ عربيٍّ مُبين، وإنَّما مَدَح اللسانَ العربيَّ المبينَ بأن القرآن أنزله الله به.

• تدبُّرًا لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}، قال شيخنا: فَهِمْتُ أنه ذِكرٌ لرسول الله لأنه أنزلَه عليه، لكنْ كيف يكون ذِكرًا لقومِه؟ فوجدتُ أن الله - سبحانَه وتعالى - الذي قال للسَّماوات والأرضِ كُونا فكانتا استعمل كتابُه اللغةَ على الأصولِ التي وضعها العربُ الذين كانوا يَبولون على أقدامهم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply