فوائد من درس دلائل الإعجاز 20


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف يوم الأحد: 19 من ربيع الأول 1446ه الموافق 22 من سبتمبر 2024م:

• درسُ اليوم في إعجاز القرآن، ونحن ليس عندنا شيءٌ أفضلُ من القرآن، وإعجاز القرآن، وتفسير القرآن.

• قبل أن أبدأ الدرسَ - والدرسُ في غاية الأهمية - كان قد سألني سائلٌ الأسبوع الماضي عن إمكانية دراسة القرآن الكريم في ضوء المناهج الأدبية الحديثة، فقلت له: أَرجئ إجابةَ هذا السؤال للدرس المقبل؛ حتى أُسمِعَها لبقية الطلاب، وهذه المسألة لا تحتاج إلى أن تسألني، المسألة تحتاج إلى أن تُعمِلَ عقلَك؛ القرآنُ بلِسانٍ عربيٍّ مُبِين وأسرارُ اللِّسان العربي هي أن تبحث في الكلمات القرآنية؛ لماذا قُدِّمتْ هذه الكلمةُ؟ لماذا عُرِّفَتْ؟ لماذا نُكِّرتْ.. إلى آخره، وستجد وراءَ كلِّ حالةٍ من أحوال اللفظ وأحوال التركيب دلالةً قرآنيةً، وكلُّ كُتب التفسير قائمةٌ على ذلك، وهذا هو الطريق الوحيد لفَهْم القرآن؛ فلا يجوز أن نَحِيدَ عنه. إن كنتم تريدون فَهْم كلام الله فقد أنزل الله كتابَه بلِسانٍ عربيٍّ مُبِين، وذكر ذلك - سبحانه – وقالوا: إن الله لمَّا قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} لم يكن هذا وصفًا للقرآن، ولا مدحًا له، ولا ثناءً عليه؛ لأن القرآن لا يُمدَحُ ولا يُثنَى عليه بأفضلَ مِن أنه كلامُ الله، وإنما كان هذا ثناءً على هذا اللِّسان العربيِّ المُبِين.

• لمَّا وَقفَ العلماء عند القول بأن القرآنَ كلامُ الله، والتوراةَ كلامُ الله، والإنجيلَ كلامُ الله، والزَّبورُ كلامُ الله، بحثوا: لماذا كان كلامُ الله في القرآن مُعجِزًا ولم يكن مُعجِزًا في التَّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبُور، لاحِظْ أنه لو كان كلامُ الله مُعجِزًا في التوراة والإنجيل لما استطاعوا تغييرَ التوراة ولا تغيير الإنجيل، وأجاب العلماءُ مِن لَدُن الباقلاني ولَدُن ابن خلدون بأن كلَّ اللُّغات التي نزلتْ بها هذه الكتبُ لم تكن أُعدَّت وتهيَّأتْ لأن يُقال بها كلامٌ مُعجِز، وذكر ابنُ خلدون أن «العربيَّة» التقديمُ فيها له معنى، والتعريفُ فيها له معنى، والذِّكرُ فيها له معنى، والحذفُ فيها له معنى؛ فطاقة «العربيَّة» في الإبانة بَلغتْ غايتَها واتَّسعتْ لأن يُقالَ بها كلامٌ معجزٌ، واللُّغاتُ الأخرى لم تكن كذلك، وابنُ جنِّي يقول إن الله أعدَّ لهذه العربيَّة في الأزمان الأقدم عقلياتٍ أكثرَ منا بصيرةً؛ وَضَعَتْها وهيَّأتْها لنُزول القرآن الكريم، فلا يُفهَمُ القرآنُ الكريمُ إلَّا بفَهْم اللِّسان العربي المُبين، تَحِيدُ هنا أو هناك فأنت تُغمِضُ القرآنَ أو تُفسِدُ معانِيَ القرآن.

• منذ زمنٍ كتب أحدُهم دراسةً عن سورة «الحُجُرات» وَفْقَ المناهج الأدبية الحديثة، فرَفضتُ هذا رفضًا قاطعًا؛ لأن هذا بابٌ يَجِبُ أن يُغلق، إلَّا إذا أردتُم العبثَ بكتاب الله، ولا تَدخُلْ فيه لتَدفَعه عنه؛ لأنه لا يَحتاج لأحدٍ أن يَدفعَه عن كتاب الله؛ لأنه مُخالِفٌ للسان كتاب الله.

• علماؤنا وضعوا علومًا تُسمَّى «علوم القرآن»، أي لا يُفهَمُ القرآنُ إلَّا في ضوء هذه العلوم.

• إذا أردتَ أن تَكتُبَ عن سورة «البقرة» دراسةً بِنْيويةً فاكتب!، إذا أردتَ أن تشهد بأن هناك آلهةً ثلاثةً فاشهد!، إذا أردتَ أن تقول إن محمدًا ليس رسولًا فقُلْ!، قُلْ ما شئتَ!، أردتَ أن تكون حُرَّ الرأي فكُنْ، لكن يا مولانا حريةُ الرأي أنْ تَفهَمَ دقائق المعرفة، حريةُ الرأي في أن تتكلَّم بما تَرى وليس بما يرى غيرُك، حريةُ الرأي ليست أن تُدخِلَ على القرآن مناهجَ تُفسِدُ معناه.

• الشِّعرُ الجاهليُّ مع ما فيه من أكاذيب رَفعَ الله عنَّا الحَرَجَ في روايته؛ لأنه يَدلُّ ويُعِينُ على فَهْم طرائق الإبانة في اللِّسان العربيِّ المُبين، طرائقُ الإبانة هذه هي التي نَدخُلُ بها على كتاب الله، هذا هو الصَّواب، وإذا لم يُعجِبْك كلامي لأني رجلٌ متخلِّف فتَفضَّلْ!، تريد أن تكون مُتنوِّرًا وتَكتبَ في كلام الله فتفضَّلْ!

• قال شيخُنا بعد أن استشعرَ التَّعبَ لإطالته الجواب عن السؤال آنِفِ الذِّكر: الطاقة محدودة، وحين أُضيِّعُ منها شيئًا في غير الدَّرس يكون على حساب الدَّرس.

• قال شيخُنا لموظَّف الجامع الأزهر (الأستاذ عاكف) وقد جاء ليُسلِّمَ عليه، قال له: اختارَ الله لك الخيرَ يا عاكف، اختارَ الله لك الجامعَ الأزهرَ لتَعمَلَ فيه فقد اختارَ لك الجنة، وأظنُّ أن هذا المكانَ تُستجَابُ فيه الدَّعواتُ؛ لأنه لم يَعِشْ فيه إلَّا عُلماء مُخلِصون.

• كنتُ أقرأ الشِّعرَ الجاهليَّ فأفهمُه، وأقرأ الشِّعرَ الجاهليَّ في ضوء الدِّراسات العصرية فلا أفهمُه.

• وجدتُ أن الشِّعرَ الجاهليَّ مُغيَّب؛ لأنه مَدروسٌ بغير منهجه، فقلتُ لنفسي: هل تَركْنا الجيلَ لهؤلاء المُتفلِّتين؟! إنَّ مِن حقِّ الجيلِ أن نَعرِضَ عليه منهج «العربيَّة» في دراسةِ شِعرِها، ثم يَقرأُ الجِيلُ أو لا يَقرأ؛ فكتبتُ كتابَ «الشِّعرُ الجاهليُّ - دراسة في مَنازِع الشعراء» وأنا واثقٌ بأن الكتابَ لن يُقرأ؛ لأنه مُخالِفٌ مُخالفةً كاملةً للذي يَجري على السَّاحة؛ لأنه دراسةٌ تحليليةٌ للشِّعر الجاهليِّ في ضوء طرائق «العربيَّة» في الإبانة، ثم أُفاجأُ بأن الكتابَ طُبِعَ طَبَعاتٍ، فعَرَفْتُ أن الجِيلَ مُحِبٌّ لأن يتعرَّفَ على علوم أمَّته بالطريقة الصَّواب.

• حين أَدْرُسُ النَّابغةَ الذُّبيانيَّ فلا بُدَّ أن أَدْرُسَه في ضوء طرائقِ لِسانِه في الإبانة.

• يا سيِّدنا، «العِبريَّة» لها مناهج، وأصحابُها لا يَقبلون أن يَدْرُسوها بغير مناهجها، «الفرنسية» لها طرائقُ لا تُدْرَسُ إلَّا بها، الأدبُ في كلِّ لغةٍ يُدرَس في ضوء طرائق اللغة التي جاء بها.

• في الخراب الذِّهنيِّ الذي نحن فيه، اصْنَعْ زَوبعةً تُعرَفْ في النَّاس؛ لأن الجَهلَ جَعَل الناسَ لا يتعرَّفون إلَّا على صانعي الزَّوابع، أمَّا لو كانت الشعوبُ قارئةً فستَتَّبِع طريقَ العلم والبحث.

• القرآنُ يُخبِرُ الله بأنه مُعجِز: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا}، كان يَكفي إخبارُ الله بأن الجِنَّ والإنسَ لو اجتمعوا ودَعَوا شُهداءهم مِن دون الله ليأتوا بسُورة مِن مِثلِه فلن يستطيعوا، ولكنَّ أهلَ العلم أرادوا أن يبحثوا عن الشيء الذي يَعجِزُ عنه الناس، وقالوا إن الله لا يُطالِبهم بأن يأتوا بمِثْلِه إلَّا إذا كانوا يَعرفون هذا المِثلَ؛ فما هو هذا المِثلُ؟

• تعليقًا على القَولِ المَنسُوب لمُسَيلمة الكذَّاب في معارضة القرآن: «إنَّا أعطيناك الجَمَاهِرَ، فصَلِّ لرَبِّك وجَاهِرْ»، قال شيخُنا: لا أهتمُّ بهذه الأشياء؛ لأنني على يقينٍ مِن أن سَليقَةَ مُسَيلمة الكذَّاب أعلى مِن أن تقول هذا.

• الجاهليون لمَّا فَتَحَ اللهُ أقفالَ قلوبهم كانوا خيرَ أجيال الأرض، وكانوا هم الفاتحين، وكانوا هم المُبلِّغين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• الرَّافعيُّ - رحمه الله رحمةً واسعة - كان يقول: لم أَعرفْ أن العربَ قاتلوا قِتالًا بضَعْفٍ كما قاتلوا مُحمَّدًا؛ لأنهم قاتَلوه وهم يَعلمون أنه على حقٍّ، فلمَّا قاتلوا معه كانوا من أفضلِ المُجاهدين في سبيل الله.

• أُحِبُّ أن أخطوَ مع العلماء خُطوةً خُطوة، وأشعرُ أن العَالِم آخِذٌ بيدي، يَعْنِي وأنا أقرأُ خُطوات عبدالقاهر كأنَّ عبدالقاهر الذي تُوفِّي في القرن الخامس حَيٌّ، ويَصْحَبُني معه ليُعلِّمَني كيف أُفكِّر.

• قرأتُ كتابَ «الفُصُول والغَايات» لأبي العلاء المعري، لُغتُه ونِهايات فِقَرِه هي نِهاياتُ آيات القرآن، ولذلك بعضُهم لم يقرأ الكتاب واتَّهم أبا العلاء بأنه يُحاول أن يأتِيَ بمِثلِ القرآن، وأنا حين قرأتُ هذا الكتابَ وجدتُ هذا الكلامَ الذي يَنتهي بما تَنتهي به الآياتُ فيه رِقَّةٌ ومُناجاةٌ لله وخَوفٌ من الله ودُعاءٌ إلى الله وضَراعةٌ إلى الله، بما يَنفي عن أبي العلاء نفيًا قاطعًا أن يكونَ قد فعلَ ذلك ليأتِيَ بمِثلِ القرآن.

• كثيرٌ من الناس «الطيِّبين الخائبين الذين لم يَقرأوا» إذا ذُكِرَ الزمخشريُّ استعاذوا بالله؛ لأنه مُعتزِلِي، وأنا قرأتُ للزمخشريِّ مَخطوطاتٍ فيها مِن التوجُّه إلى الله والضَّراعة إلى الله ما يَجعل مِن المستحيل - لو قرأتَها - الإصغاءَ إلى هؤلاء الذين يَستعيذون من الزمخشري.

• الزَّمخشريُّ مُعتزليٌّ، وأنا لا أرضى ببعض ما قاله، مع يَقيني بأن الاعتزالَ مِن دِين الله، وأن خلافَ المعتزلة مع أهل السُّنة ينحصر في خمس قضايا لو مُتَّ ودخلتَ القبر وأنت لم تَعرفْ عنها شيئًا فلن تُسألَ عنها بين يَدَي الله، مثلًا مسألة «هل يُريد اللهُ القَبيحُ؟»: أهل السُّنة - وأنا قلبي وعقلي معهم - يقولون إنه لا يَقعُ في مُلكِ الله إلَّا ما يُريده الله، نَعَمْ، لن يكون مالكًا لهذا الوجود إلَّا إذا كان كلُّ ما يَقعُ في هذا الوجود داخلًا في إرادتِه، المُعتزلِةُ فكَّروا تفكيرًا آخرَ فقالوا إن إرادةَ القَبيحِ قَبيحَةٌ، واللهُ مُنزَّهٌ عن كلِّ قبيح؛ فلا يُريدُ القَبيحَ، المعتزلِة يُريدون تنزيه الله وأهلُ السُّنة يُريدون تَحقيق سُلطان الله على أرضه وسمائه؛ فهما في الجنَّة؛ لأن مِن فَضلِ الله أنك إنْ طلبتَ الحقَّ بنِيةٍ صادقةٍ وأخطأك الحقُّ فلك أجرٌ وإنْ أصبتَ الحقَّ فلك أجران.

• عبدالقاهر يرى أنه لا إعجاز في النَّغَم والتلاؤم الصَّوتي، والرُّمَّاني يرى التلاؤمَ الصَّوتيَّ وجهًا مِن وجوه الإعجاز، والرَّافعيُّ يرى ما يراه الرُّمَّانيُّ، وأنا مع الرُّمَّانيِّ والرَّافعيِّ، وربما يكون نَفْيُ عبدالقاهر للتلاؤم الصَّوتي مُتوجهًا إلى أن يكون هو أساسَ الإعجاز وأصلَه؛ لأنه ذَكرَ في النهاية الوجهَ الذي يراه أساسًا وأصلًا في الإعجاز.

• ابنُ الأثير لم يَكتب «المَثَل السَّائر» إلَّا لمَّا قرأ كلَّ شِعرِ العرب، وحَفِظَ شِعرَ شُعراءَ ثلاثةٍ: أبي تمَّام والبحتري والمُتنبِّي، فكوَّن عقليتَه، ثم بعد ذلك أمسكَ القلمَ وبدأ يَعمل؛ فأعدُّوا عقولَكم واجتهِدوا في ذلك حتى تَفهموا كلامَ العلماء.

• إذا حَفِظتَ شِعرَ العرب، إذا حَفِظتَ ما حَفِظَه ابنُ الأثير مِن شِعرِ شُعراءَ ثلاثةٍ، ستدرك أن في {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًا وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَٰكُمْ أَزْوَٰجًا} تلاؤمًا صوتيًّا لا تَجِدُه في شِعرٍ ولا نَثر، وليس عندي مانعٌ مِن أن يكون هذا مِن إعجازه، وليس أصلَ إعجازه.

• أقرأُ كلامَ عبدالقاهر، وأُقدِّر هذه العقليةَ الفذَّةَ الرائعة؛ لأنني حين أقتنع بعالِم لا آخُذُ كلامَه قضيةً مُسلَّمة؛ لأني أراه هو اعترضَ على مَن هم أفضلُ منه، وما دام اعترضَ على مَن هم أفضلُ منه فقد أعطاني حقًّا في أن أعترضَ عليه.

• كما أن الله يَختلف عن خَلْقِه فيما لا حُدودَ له فكذلك كلامُه يَختلف عن كلام خَلْقِه فيما لا حُدودَ له.

• لمَّا وجدتُ أن الله وَصَفَ القرآنَ بأنه «كريم» أردتُ أن أتعرَّف على كَرَم القرآن، أردتُ أن أفهمَ كلام الله، ولم أُرِدْ أن أتأكَّد مِن أنه صوابٌ أو خطأٌ؛ لأن كلامَ الله حقٌّ لا يأتيه باطل، وأنا أمامَ كلامِ الله وكلامِ رسولِه ليس لي إلَّا كلمةٌ واحدةٌ، هي: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، فأحببتُ أن أَختبِرَ كلمةَ «كريم» فوجدتُ أن الكلمةَ القرآنيةَ - سُبحانَ الله - كلَّما أمعنتَ فيها النظرَ أعطتَك مَعنًى، أقرأُ الآياتِ وأتدبَّرُها وأكتبُ ما فيها، ثم تَعودُ الآيةُ أمامي وأتدبَّرها فأجِدُ شيئًا غيرَ الذي كتبتُه.

• ما تَدبَّرتُ آيةً بعد تَدبُّراتٍ إلَّا أعطتْني.

• لمَّا أقرأ في الكُتُب، في أيِّ كتابٍ من الكُتُب، وتأتيني شَواهدُ من التَّشبيه في الشِّعر العالي، وشواهدُ من التَّشبيه في كلامِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وشواهدُ من التَّشبيه في القرآن الكريم، أحفظُ الشَّواهدَ وأتدبَّرُها، وأقول لنفسي: يا وَلَد، هذه فرصةٌ وَضَعَها بين يديك المؤلِّفُ؛ القاعدةُ أن كلامَ سيِّد الخَلْق أفضلُ كلامٍ نطقَ به لِسانٌ بَشَري، وأن كلامَ خالِقِ الخَلْق بينه وبين أفضلِ كلامٍ نطقَ به لِسانٌ بَشَريٌّ بَينونةٌ تَقطعُ الأطماعَ وتَقْهَرُ القُوى والقُدَر، والآن بين يديك الكلامُ (كلامُ الله، وكلامُ الرسول، وكلامُ نوابغ الشعراء) فتدبَّرْ وتَبيَّنْ؛ لأن الحقائقَ أمامَك، ماذا تُريد أكثرَ مِن ذلك؟ إذا قلتَ إن هنا تَشبيهًا وهنا تَشبيهًا ومَضيتَ فأنتَ مُغفلٌ لا قِيمةَ لك، ولو عَلِمُوا أن مِثلَك سيقرأ كتابَهم ما كَتبوه، وإنما هم وَضعوا أمامَك الأنواعَ الثلاثةَ لتَتبصَّرَ وتُدرِكَ حقيقةَ أنَّ كلامَ الشَّاعر مهما بلغَ فكلامُ سيِّد الخَلْق يَفْضُلُ كلامَ الشَّاعر بمقدار فَضْلِ سيِّد الخَلْق على الشَّاعر.

• وأنا في سِنِّكم كنتُ أقرأ في كُتب الإعجاز مسألة «الخُلُوّ مِن العُيوب» فأقول: يا ربّ، أيُّ إعجاز؟! كلُّ كلامِ الناسِ خالٍ من العيوب، ثم لمَّا كَبرتُ قليلًا تنبَّهتُ إلى أن الخُلُوَّ من العيوب قاطعٌ في أنه لم يَصْدُرْ عن نَفْسٍ بشرية؛ لأنه ليس هناك نَفْسٌ بشريةٌ صَدَرَ عنها كلامٌ يَخلُو كلُّه مِن العيوب؛ قُدوةُ الشُّعراء قالوا فيه: «قال كذا، ولو قال كذا لكان أفضل»، وكأن خُلُوَّ القرآنِ من العيوب قاطعٌ في أنه لم يَكنْ مِن الناس، لأنه لو كان مِن الناس لمَا سَلِمَ كلُّه مِن العيوب، وما دام قد سَلِمَ مِن العيوب فليس مِن كلام الناس، وما دام ليس مِن كلام الناس فهو مِن كلام خَالِق الناس.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply