حلقة 447: إكمال الحديث عن حجة النبي - حكم حج من لم يصل في مسجد النبي - الهدي لا بد أن يكون ذبائح - حكم من لم يستطع الهدي - حكم الإطعام بدل الهدي أو الصيام - هل يؤثر تأخير رمي الجمرات إلى الليل

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

47 / 50 محاضرة

حلقة 447: إكمال الحديث عن حجة النبي - حكم حج من لم يصل في مسجد النبي - الهدي لا بد أن يكون ذبائح - حكم من لم يستطع الهدي - حكم الإطعام بدل الهدي أو الصيام - هل يؤثر تأخير رمي الجمرات إلى الليل

1- في حلقة مضت وصل بنا الحديث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى إحرامه من مكة بعد وصوله إليها، أرجو أن تتفضلوا باستكمال حديثكم عن تلكم الحجة المباركة؟ جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد سبق في حلقة مضت أن ذكرت صفة إحرامه صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة وما بينه للأمة وكيف سار من ذي الحليفة إلى مكة المكرمة، وماذا فعل، كل ذلك تقدم بيانه، من حين أحرم صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة إلى أن وصل إلى مكة وصلى وبات بذي طوى وصلى بها الصبح عليه الصلاة والسلام، واغتسل بها، ثم بعد ذلك أقام بمكة عليه الصلاة والسلام بعدما طاف وسعى عليه الصلاة والسلام، لما طاف وسعى لأنه كان قارناً ولم يحل كما تقدم بل بقي على إحرامه؛ لأنه كان قارناً ساق الهدي، ومن ساق الهدي ليس له الإحلال حتى يحل يوم النحر، فبقي على إحرامه صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي أن يحلوا في الطواف والسعي والتقصير، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: (لولا أن معي الهدي لأحللت معكم)، فسمعوا وأطاعوا وطافوا وسعوا وقصروا، وهم الذين أحرموا بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة جميعاً وليس معهم هدي، أما الذين أحرموا بالعمرة فقد طافوا وسعوا وقصروا وحلوا لأنه ليس لديهم مانع، ولهذا بين صلى الله عليه وسلم للذين أفردوا الحج أو جمعوا بين الحج والعمرة وليس لهم هدي أن يحلوا من إحرامهم بالطواف والسعي والتقصير كالذين أحرموا بالعمرة، وقال لهم عليه الصلاة والسلام: (لولا أن معي الهدي لأحللت)، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولما سقت الهدي)، فطابت نفوسهم رضي الله عنهم، وطافوا وسعوا وقصروا وحلوا، وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يهدوا هدياً، يذبح في أيام منى، وهو هدي التمتع، واشترك المسلمون السبعة في بدنة، والسبعة في بقرة، وهذا يعم الهدايا والضحايا، فمن ضحى بواحدة أو أهدى واحدة عن تمتعه أجزأه ذلك، ومن ضحى بسُبُع أو أهدى سُبعاً يجزئه عن تمتعه أو قرانه بالحج والعمرة أجزأه ذلك، وإن اجتمع الجماعة في سبعة في ضحاياهم أو في هديهم عن قرانهم وتمتعهم أجزأ ذلك، كما فعله أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بأمره عليه الصلاة والسلام، وبقي المسلمون في مكة في اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع حلالاً إلا من كان معه الهدي فإنه بقي على إحرامه، كالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ساق الهدي، فلما كان يوم الثامن أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتوجهوا إلى منى، وأن يلبوا في الحج من مكانه وكانوا نزلوا بالأبطح رضي الله عنهم، فأحرموا من الأبطح، أحرموا من الأبطح بالحج، وتوجهوا إلى منى، ولم يأمرهم أن يدخلوا إلى مكة ليطوفوا طواف وداع، فعلم بأنه ليس هناك وداع، وأن المتوجه من مكة إلى منى لا يحتاج إلى وداع، سواء كان حلالاً أو محرماً، النبي صلى الله عليه وسلم توجه من مكانه في الأبطح إلى منى على إحرامه لأنه لم يحل، وهكذا المسلمون الذين ساقوا الهدي لم يحلوا وتوجهوا من مكانهم إلى منى، ولم يدخلوا المسجد الحرام للطواف، وهكذا الذين أحلوا من عمرتهم لم يؤمروا أن يدخلوا إلى مكة ليطوفوا للوداع، بل أحرموا من مكانهم فدل ذلك على أن السنة الإحرام من محله للقادم الذي نزل فيه، حين فرغ من عمرته، فإن يحل من مكانه، وهكذا أهل مكة الذين ينوون الحج يهلون من مكانهم، ما فيه حاجة إلى أنهم يذهبون إلى البيت ويطوفون، فكل إنسان يحرم من مكانه ويتوجه إلى منى، هذا هو السنة؛ ولهذا توجه الصحابة من منازلهم إلى منى، والأفضل للحلال أن يفعل عند إحرامه مثلما فعل في الميقات، الأفضل أن يغتسل وأن يتطيب، ويقلم أظافره إن كانت طويلة ويقص شاربه، ويحلق شعر عانته، كما فعل في الميقات، وإذا كانت سليمة ليس فيها شيء فلا حاجة في هذا، إنما هذا في حق من كانت عنده حاجة إلى ذلك، كأن يكون شاربه طويلاً أو إبطه أو أظفاره أو عانته، كالذين أقاموا في مكة مدة طويلة قبل شهر ذي الحجة، وكأهل مكة المقيمين فيها، فالمقصود أن يفعل عند إحرامه للحج مثلما يفعل عند إحرامه من الميقات، يعني يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء الرجل، وتلبس المرأة من ثيابها ما تشاء، لكن السنة أن تكون ليست جميلة ولا تلفت النظر، حتى لا يحصل بها الفتنة، ثم يلبي الجميع بالحج: "اللهم لبيك حجاً"، أو "لبيك حجة"، والأفضل بعد الركوب إذا اغتسل وتطيب وفرغ من حاجته يركب السيارة؛ لأن الموجود السيارات الآن ومن كان عنده دابة فلا مانع، عند وجود الدابة، فالأفضل أنه بعد الركوب، مثلما فعل في الميقات، تهيأ من كل شيء، وإن توضأ وصلى ركعتين -كما تقدم- كما قاله جمهور أهل العلم فلا بأس فالإنسان إذا توضأ يشرع له أن يصلي ركعتين، فإذا صلى ركعتين وأحرم بالحج فلا بأس؛ لفعله صلى الله عليه وسلم لما أحرم من الميقات،..... عليه الصلاة والسلام؛ ولما قاله الجمهور من شرعية أن يكون النسك بعد صلاة ركعتين، قياساً على فعله صلى الله عليه وسلم في الميقات، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من ربي فقال: "صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة")، بهذا تعلق الجمهور رحمهم الله، ثم نزل عليه الصلاة والسلام في منى بعدما وصلها، وكانوا توجهوا ملبين، كلهم يلبون: لبيك حجاً، ثم بعده: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، مثلما فعل من الميقات سواء سَواء، يلبون في طريقهم حتى وصلوا إلى منازلهم في منى، فنـزلها عليه الصلاة والسلام واستقر فيها ذلك اليوم، يوم الثامن، وصلى بها الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، والفجر ركعتين، لم يجمع عليه الصلاة والسلام في منى؛ لأنه نازل مستريح فلم يجمع، فدل ذلك على أن الأحوط للناس المسافرين عدم الجمع لعدم الحاجة إليه، وهكذا في أيام منى، يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر ليس فيها جمع، هذا هو الأفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم استمر في منى إلى يوم الثالث عشر، ورمى الجمار كلها عليه الصلاة والسلام بعد الزوال، ولم يجمع بل صلى الصلوات في أوقاتها قصراً، من دون جمع عليه الصلاة والسلام، فأخذ من ذلك العلماء أن هذا هو الأفضل: أن الحجاج في منى لا يجمعون، بل يقصرون، يصلون ركعتين من دون جمع، يعني الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، والفجر في وقتها، هكذا فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، فالسنة للأمة أن تتأسى به في مثل هذا عليه الصلاة والسلام وأن تقصر الرباعية ركعتين من دون جمع، لكن إن دعت الحاجة إلى الجمع .... فلا بأس، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع وهو نازل في تبوك، للحاجة إلى ذلك، إن احتاج المسافر وهو نازل أن يجمع، أما لقلة الماء أو لمشقة الاجتماع على الصلوات، فرأى الجمع من المصلحة فلا بأس بذلك. ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما طلعت الشمس يوم عرفة توجه من منى إلى عرفات ملبياً عليه الصلاة والسلام، وكان بعض الصحابة يهل يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، قال أنس: "كان يلبي الملبي فلا ينكر عنه، ويكبر المكبر فلا ينكر عنه"، فالأمر في هذا واسع، فإن توجهوا إلى عرفات ملبين، أو مهللين ومكبرين كله لا بأس، والتلبية أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم. فلما وصل إلى نمرة وهي قرية غربي عرفة نزل هناك، ضربت له قبة من شعر فنـزل بها واستظل بها عليه الصلاة والسلام. يقول المقدم: كانت قرية في ذلك الوقت سماحة الشيخ؟ الشيخ: يقولون: كانت قرية، ولكن الظاهر -والله أعلم- أنها ليست قرية مستقيمة، وإنما بقيَّة قرية، ولهذا نزلوا بها، فلعلها كانت ثم خربت، فنـزل بها صلى الله عليه وسلم ونزل بها المسلمون واستظل بقبة، فدل ذلك على أن هذا هو الأفضل، الحجاج ينـزلون فيها، ولا بأس أن يستظلوا بالخيمة والشجر ونحو ذلك ، لا حرج في ذلك، ثم لما زالت الشمس ركب دابته صلى الله عليه وسلم وأتى الناس في الوادي، في بطن الوادي وادي عرنة، فجعل يخطب الناس ويذكرهم عليه الصلاة والسلام، ويعلمهم مناسك حجهم، حتى انتهى من خطبته صلى الله عليه وسلم، وأمر جريراً وغيره أن يستنصت الناس، أي يأمرهم بالإنصاب لخطبته صلى الله عليه وسلم، ففتح الله أسماع الناس وسمعوا خطبته عليه الصلاة والسلام، وسمعوا توجيهاته عليه الصلاة وبين لهم صلى الله عليه وسلم ما يلزم في هذه الخطبة وأن أمور الجاهلية موضوعة، والربا موضوع، ودم الجاهلية موضوع، كل هذا بينه عليه الصلاة والسلام، وأن الواجب الاستقبال لأمر دينهم عما يتلقونه عن نبيهم عليه الصلاة والسلام وبكتاب ربهم، وأن أمور الجاهلية كلها موضوعة، إلا ما وافق الشرع منها، إلا ما أقره الشرع منها، وبين لهم صلى الله عليه وسلم ما حق النساء عليهم، وحقهم النساء عليهم، عليه الصلاة والسلام، وبين لهم بقوله: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن يجد نعلين فليلبس الخفين)، وبين لهم صلى الله عليه وسلم أنه تارك فيهم ما لم يضلوا إن اعتصموا به كتاب الله، قال: (إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله)، رواه مسلم، وزاد الحاكم في رواية: (وسنتي)، (إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنتي)، وهذا أمر معلوم؛ لأن كتاب الله يأمر بالسنة وتعظيم السنة، وتعظيم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن التمسك بكتاب الله إلا مع التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا لا بد منه، أمران متلازمان، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ.. (12) سورة التغابن، فالتمسك بالسنة أمر لازم لأمر الله في القرآن سبحانه وتعالى، فدل ذلك على أن السنة للإمام أن يخطب الناس في عرفات ويذكرهم، أو نائبه ممن يقوم مقامه، يعلمهم دينهم وأحكام حجهم ومناسكهم ويبصرهم بدين الله؛ لأنه مجمع عظيم، فيبصرهم بدين الله، ولهذا بين لهم صلى الله عليه وسلم أمور دينهم، وتوحيد ربهم والإخلاص له، وبين لهم التمسك بالقرآن وتعظيم القرآن، وأنهم لن يضلوا أبداً إذا اعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. وهذا هو الواجب على الناس، الواجب على جميع الثقلين أن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وألا يحيدوا عن ذلك أبداً، وأن يعرضوا كلام العلماء على هذين الأصلين: على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق ذلك من كلام أهل العلم قبل، وما خالف ذلك رد على قائله، مع الترحم عليه، والترضي له إذا كان من أهل الإيمان، والدعاء له، لأنه مجتهد، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، لكن كل قول وكل رأي يخالف كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه يطرح، وإن كان قائله عظيماً في الناس، هذا هو ما أمر به عليه الصلاة والسلام، وهو معنى قوله جل علا: ..فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ.. (59) سورة النساء، وهو معنى قوله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.. (10) سورة الشورى، ثم لما خطبهم عليه الصلاة والسلام قال: (إنكم تُسألون عني فما أنتم قائلون؟)، قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم يشير بها إلى الناس ويقول: (اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فنحن نشهد كما شهد الصحابة رضي الله عنهم أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا وعن جميع أمته خير الجزاء. إذاً نستكمل ما بقي إن شاء الله تعالى في لقاء قادم شيخ عبد العزيز؟إن شاء الله. 
 
2- يسأل أيضاً سماحة الشيخ عن الحج أو عما يدور في الحج ويقول: إذا لم أصلِّ في مسجد رسول الله وأنا جئت للحج هل يكون حجي صحيحاً أو لا؟
نعم، الحج صحيح، والزيارة للمسجد النبوي ليست واجبة، الزيارة مستحبة، فإن زار في وقت الحج، أو في غير وقت الحج، فذلك سنة وقربة وطاعة، ولكنها ليست واجبة عند أهل العلم، بإجماع العلماء ليست الزيارة واجبة، ولكنها سنة، إنما الواجب الحج حج الفريضة، والعمرة، وأما الزيارة فهي سنة، فمن تيسرت له فعلها، ومن تركها فلا حرج عليه، ويكفيه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان، يكفيه أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه، ويعظم سنته ويدعو إلى سنته في أي مكان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، خاف من الغلو، خاف من التشدد والتنطع، ولهذا قال: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، اللهم صلِّ عليه، فمن تيسرت له الزيارة وصلى في المسجد النبوي، وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، ودعا له ولهما رضي الله عنهما، ثم ينصرف ويزور البقيع ويسلم على أهل البقيع، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ويزور الشهداء أيضاً شهداء الصحابة ممن استشهدوا هناك في أحد، يزورهم ويسلم عليهم ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة، هذه السنة، ويزور قباء أيضاً مسجد قباء، ويصلي فيه ركعتين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزوره عليه الصلاة والسلام، يزوره كل سبت ويصلي فيه ركعتين، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته فأحسن الطهور ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه ركعتين كان كعمرة)، وهذا فضل عظيم، فالسنة للزائر أن يصلي في مسجده صلى الله عليه وسلم وأن يكثر من الصلاة فيه ويلزم ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في مسجد سواه، إلا المسجد الحرام)، فمن زاره فليغتنم يصلي في هذا المسجد ما تيسر ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه كما تقدم، يفعل هذا ويسلم عليه قائلاً: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن الأمة خير الجزاء، وإن قال: أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، فكل هذا حق، لا بأس بذلك، لكن لا يتسمح بالحجرة ولا يتمسح بالشباك ولا يدعو النبي ولا يستغيث به، ولا يطلب منه الشفاعة، لا، كل هذا لا يجوز، بل هذا من الشرك، كونه يدعو النبي ويستغيث به هذا من الشرك، أما التمسح بجدران المسجد أو جدران الحجرة أو الشباك هذا بدعة لا يجوز، فالواجب على المؤمن أن يتأدب بالأدب الشرعي ويبتعد عن العادات المبتدعة فيقف أمامه من دون التمسح بالحجرة ولا غيرها ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم ويدعو له، كما شرع الله، ثم يسلم على صاحبيه، ويترضى عنهما ويدعو لهما ثم ينصرف، وهكذا في البقيع يزورهم ويسلم عليهم ويدعو لهم، ولكن لا يدعوهم مع الله، ولا يستغيث بهم، ولا ينذر لهم، كل هذا لا يجوز، وهكذا الشهداء، يزورهم ويسلم عليهم ولكن لا يدعوهم مع الله ولا يستغيث بهم ولا يسألهم قضاء حاجة، كل هذا من عمل الجاهلية، وكل هذا من الغلو المحرم، بل من الشرك الأكبر، ثم يزور مسجد قباء كما ذكرنا يستحب زيارة مسجد قباء للصلاة فيه فقط، والله ولي التوفيق.     
 
3- هل يشترط في الهدي أو الفدية أن تكون لحماً ذبائح، أم أن هناك أشياء بديلة جائزة؟
لا بد أن تكون ذبائح، تذبح، لا يشتري لحماً من السوق ولا يجزئ عنها القيمة، لا بد أن يشتري هدياً أو يسوقه من بلاده إذا كان متمتعاً أو قارناً حتى يذبحه في منى أو في مكة، ولا يجزئ القيمة، ولا يجزئ شراء لحم من المجزرة، لا، لا بد أن يذبح الحاج لله عز وجل، يتقرب إليه سبحانه وتعالى، من الإبل أو البقر أو الغنم، الشاة الواحدة عن واحد، والبقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة، فلو أخرج الصدقة، أخرج المال بالنقود لم تجزئ أو اشترى لحماً لم يجزئ لا بد أن يشتري حياً، حيواناً حياً من الإبل أو البقر أو الغنم ثم يذبحه لله بنفس الحرم في مكة أو في منى، ويأكل ويهدي ويتصدق من هذا الهدي كما فعله نبينا عليه الصلاة والسلام، فإنه أهدى وأكل من لحم الإبل، وشرب من مرقها عليه الصلاة والسلام، والله يقول: ..فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (27) سورة الحـج، هكذا شرع الله عز وجل.   
 
4- إذا لم يستطع الهدي - سماحة الشيخ- إما لمشقة أو لعدم وجود القيمة، أو لقلة ما بيده من نقود، هل هناك أشياء أخرى ممكن أن يفعلها حتى تنوب مناب الهدي أو الفدية؟
نعم، إذا عجز بأن صارت النقود عنده قليلة لا تكفي لشراء الهدي فإنه يصوم ..... عن الهدي لفقره وحاجته أو ضياع نفقته أو نحو ذلك، فإنه يصوم عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، لقوله جل وعلا: ..فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.. (196) سورة البقرة، يعني أن هذا للآفاق، لمن يأتي من خارج مكة، فإنه إذا عجز يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج قبل عرفة أفضل، ثم في العشر قبل عرفة، أو في ذي القعدة، بعد فراغه من العمرة يصومها، والسبعة تؤخر إلى بلده لأن هذا أسهل عنه، وإن صامها في مكة بعد الحج فلا بأس، لكن تأخيرها إلى بلده أفضل له، فإن لم يصم الثلاثة قبل عرفة صامها في أيام النحر، في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه رخصة خاصة لمن عجز عن الهدي يصوم في أيام التشريق، ولا يجوز صيامها لغيره، لأنها أيام عيد فلا تصام إلا لمن عجز عن الهدي ولم يصم قبل عرفة، فإنه يصومها، ثم يصوم السبعة بعد ذلك في مكة أو في أهله، وصومها في أهله أفضل، لقوله سبحانه: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)، يعني هذا رحمة من الله وتيسير منه سبحانه وتعالى أنه يؤخر صوم السبع حتى يصل إلى أهله، لأنه في الغالب أرفق، لكن لو أقام في مكة وأحب أن يصوم في مكة فلا بأس.  
 
5- ماذا عن الإطعام في مثل هذه الحالة سماحة الشيخ؟
لا، ما في إطعام، ما فيه إلا الصوم، إما الهدي وإما الصوم، فقط، إن قدر على الهدي أهدى -كما تقدم-، وإن عجز عن الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، ثم الهدي يذبح في أيام العيد لا قبله، لا يقدم؛ لأن العبادة لا تقدم قبل وقتها، والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذبحوا في أيام العيد، وبعض الفقهاء أجاز التقديم ولكنه قول ضعيف مرجوح، والصواب أن هذه الهدايا تذبح يوم العيد، وفي أيام النحر الثلاثة، أربعة أيام، في أيام ذبح الهدي والضحايا، فإن فاتت شُغل عن ذلك، أو فقد الهدي أو ضاقت نفقته فلم يتيسر له الذبح أيام العيد فإنه يقضي بعد العيد الهدايا هذه، يسن أن يذبحها ولو بعد العيد قضاء، كما تقضى الصلاة، فإذا لم يتيسر له الذبح أيام النحر الأربعة فإنه يذبح هديه التمتع والقران بعد ذلك قضاء، يذبحها في مكة، ويأكل ويطعم كما يفعل في أيام العيد الأربعة، أما الضحايا وهدي التمتع وهدي التطوع فهذا ينتهي بانتهاء أيام النحر، إذا لم يذبح الضحية أيام النحر انتهى وذهب وقتها، وهكذا هدي التطوع ذهب وقته، لكن الهدي الواجب الذي يلزم المعتمر الهدي الذي يلزم المتمتع والقارن هذا لو فات في الأيام الأربعة لسبب من الأسباب فإنه يقضيه بعد ذلك، ويفعل فيه كما يفعل لو ذبحه في أيام النحر، من الأكل والإطعام.  
 
6- هل يؤثر تأخير رمي الجمرات إلى الليل؟ وهل يجوز الرمي في أيام أخر؟
الواجب أن يرمي في النهار، يوم العيد إلى غروب الشمس، وأيام التشريق بعد الزوال إلى غروب الشمس، هذا هو المشروع، فإن لم يتيسر ذلك جاز الرمي في الليل على الصحيح، لأن الوقت قد لا يتسع للناس مع كثرتهم، فإذا رمى بعد الغروب فلا بأس بذلك، عند الزحمة وعند الكثرة والمشقة، فلا بأس بعد الغروب، لكن في اليوم الذي غابت شمسه، مثل يوم العيد يرمي بعد الغروب ليوم العيد، ليلة إحدى عشر، ويوم الحادي عشر يرمي بعد الغروب ليلة اثنا عشر لليوم الحادي عشر، لليوم الذي غابت شمسه، مو لليوم المستقبل، وهكذا في يوم الثاني عشر، يرمي بعد الغروب لليوم الثاني عشر، وأما اليوم الثالث عشر فلا يؤخر؛ لأن ليلة أربعة عشر ليس فيها مناسك، فلا بد أن يرمي قبل الغروب في اليوم الثالث عشر، والغالب أنه لا يشق في اليوم الثالث عشر، لأن الناس في الغالب يتعجلون في اليوم الثاني عشر، ولا يبقى في اليوم الثالث عشر إلا القليل، فالغالب أنه لا يشق الرمي بعد الزوال، فلا يجوز تأخيرها إلى بعد الغروب في اليوم الثالث عشر، أما يوم العيد الحادي عشر والثاني عشر فإن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر أو في يوم العيد رمى بعد الغروب، وإن أخرها ورماها في اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر مرتبةً فلا بأس عند جمعٍ من أهل العلم، لكن يكون خالف السنة، السنة أن يرمي؟؟؟؟ في الحادي عشر من وقته هذا هو السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمن ليس يمديه ذلك، والعاجز في وقته المريض والحبلى والمرضع التي تشق عليها الرمي لعدم وجود من يحفظ ولدها ونحو ذلك يوكلون، وهكذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، وضعيف البنية والذي لا يحسن الرمي يوكل من يرمي عنه، والصبيان كذلك، والبنات الصغار، كل هؤلاء يرمي عنهم أوليائهم حتى لا يزحموا ولا يؤذوا؛ لأنهم لا يتحملون، والمرضى كذلك لا يتحملون، والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والحبلى والأطفال كل هؤلاء إذا وكلوا من يرمي عنهم جاز ذلك. إذا ًتأخير الرمي إلى آخر يوم مثلاً جائز لكنه خالف السنة؟ نعم، مع الترتيب، يرمي ليوم العيد ثم يرمي ليوم الحادي عشر ثم الثاني عشر ثم الثالث عشر مرتبة، كونه يرمي يوم العيد في وقته والحادي عشر في وقته والثاني عشر في وقته هذا هو السنة.

484 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply