حلقة 463: معنى حديث لا يدخل بيتك إلا مؤمن

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

13 / 50 محاضرة

حلقة 463: معنى حديث لا يدخل بيتك إلا مؤمن

1- يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل بيتك إلا مؤمن، ولا يأكل طعامك إلا تقي). هل هذا حديث صحيح، وإن كان صحيح فكيف أعرف المؤمن والتقي، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (التقوى هاهنا) . يشير إلى قلبه، والتقوى والإيمان مكانهما القلب ، والله المطلع على القلوب، وإذا دخل بيتي جاحد كافر جائع ماذا أفعل معه، أفيدوني جزاكم الله خيراً؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فلفظ الحديث الثابت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - : (لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي). ومعناه لا تتخذ الفساق أصحاباً ، وإنما تتخذ الأخيار، أهل الصفات الحميدة ، أهل المحافظة على الصلوات ، الذين يحفظون ألسنتهم وجوارحهم عن محارم الله ، هذا معنى ذلك (لا تصاحب إلا مؤمنا). والمؤمن من أظهر أعمال الخير، والقلوب لا يعلم ما فيها إلا الله - سبحانه وتعالى - وليس للناس إلا الظاهر ، فمن أظهر الاستقامة على دين الله بالمحافظة على الصلوات ، وأداء حق الله ، وترك محارم الله فهذا يقال له مؤمن ويقال له مسلم ، ويقال له متقي أيضاً حسب ما ظهر من أعماله ، أما القلوب فإلى الله - عز وجل - لا يعلم ما فيها إلا الله ، وإنما يؤخذ الناس بما أظهروا من الأعمال ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (التقوى هاهنا) يعني أن أصل التقوى في القلب متى صلح القلب صلحت الجوارح ، ومتى فسد القلب فسدت الجوارح ، والنبي يشير إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يعتني بقلبه ، وأن يجتهد في صلاح قلبه وطهارته حتى تصلح أعماله وأقواله؛ كما في الحديث الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وفي اللفظ الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق على صحته. فالقلب هو الأساس ، فمتى عمر بتقوى الله ومحبته وخشيته سبحانه والخوف منه والنصح له ولعباده استقامت الجوارح على دين الله وعلى فعل ما أوجب الله وعلى ترك ما حرم الله. وقوله: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي لا تدعو إلى طعامك إلا الأخيار لا تدعوا الفساق والكفار ، قال العلماء هذا فيما يختار يختاره الإنسان ويتخذه عادةً له. أما الضيوف فلهم شأن آخر ، الضيوف لا مانع من أن يقدم لهم الطعام ، وإن كانوا ليسوا أتقياء ، وإن كانوا فجاراً وإن كانوا كفاراً ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقدم عليه الضيوف من الكفرة وغير الكفرة فيطعمهم ويكرمهم - عليه الصلاة والسلام - تعريفاً لهم على الإسلام ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) . فإكرام الضيف مأمور به شرعاً ولو كان غير مسلم ، وفي إكرامه دعوة إلى الإسلام ، وتوجيه له إلى الخير ليعرف محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق ، أما أن تتخذ أصحاباً ليسو مسلمين يأكلون طعامك ويصحبونك فلا ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر الصحيح: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك أما أن يحذيك - يعني يعطيك - وإما أن تبتاع منه - يعني تشتري منه - وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، أما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) . ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله - يعني صاحبه - فلينظر أحدكم من يخالل). فالمؤمن ينظر في أصحابه وأخلائه ويختار الأخيار الطيبين أهل الصلاح ، أهل الاستقامة ، أهل السمعة الحسنة حتى يعينوه على طاعة الله ، وحتى يستشيرهم فيما يشكل عليه ، وحتى يتعاون معهم في الخير ، ولا يتخذ أهل الفسق والكفر أصحاباً وأولياء ؛ لأنهم يضرونه ويجرونه إلى أباطيلهم ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي) . يعني حسب الاستطاعة ، وفي الاختيار ، أما إذا هجم الضيف فإن الإنسان يكرم الضيف بما يليق بمقامه ، ويدعوه إذا كان فاجراً أو كافراً يدعوه إلى الخير ، ينصح له ، يدعوه إلى طاعة الله والاستقامة على دينه إن كان فاسقاً ، يدعوه إلى الإسلام إن كان كافراً ، وقد جاء وفد ثقيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وهم كفار، فأكرمهم ودعاهم إلى الله - عز وجل - حتى أسلموا ، فالضيف له شأن آخر. وكذلك قد يدعى الإنسان إلى وليمة فيجتمع بأناس لا خير فيهم فلا يضره ذلك ، لكونه لم يقصد صحبتهم ، وإنما جمعه معهم الطعام كما يجمعه معهم السوق ، والمساجد، ونحو ذلك وهم فساق. فالحاصل أن الشيء الذي ينهى عنه هو أن يتخذ الفاجر أو الكافر صاحباً وصديقاً يأكل طعامه ، ويزوره ويتزاور معه ونحو ذلك ، أما ما قد يعرض للإنسان من مجيء الضيف إليه أو اتصاله بغير مسلم من دعوته إلى الله ، أو لشراء حاجة منه ، فقد اشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكفرة، واشترى من اليهود حاجات - عليه الصلاة والسلام -، وقد دعاه اليهود فأكل طعامهم ، وأحل الله لنا طعامهم ، فهذه أمور ينبغي أن يعلمها المؤمن ، وأن تكون منه على بينة حتى لا ينهى عما أذن الله فيه ، وحتى لا يحرم ما أحل الله - سبحانه وتعالى - ، والله المستعان.  
 
2- اشتريت فاكهة من بائع أمام إحدى البقالات وحينما دفعت الحساب وجدت أن ما معي من نقود لا تكفي، فطلب مني البائع إحضار الباقي مرة أخرى، وعندما رجعت بعد مدة لمكان البائع لم أجده، وسألت صاحب البقالة فقال: إنه ترك البيع معه ولا يعلم له مكان، ورفض صاحب البقالة استلام المبلغ مني، والآن أسأل كيف أتصرف بذلك الدين الذي لم أجد صاحبه؟
إذا استدان هذا الإنسان دين ولم يعرف صاحب الدين بأن انتقل إلى مكان آخر أو سافر ، وهكذا لو كان عنده وديعة أو عارية وذهب صاحبها ولم يدر عنه ولم يعرفه فإنه بعد التحري وبعد بذل المستطاع في التعرف عليه أو على مكانه إذا عجز فإنه ينتظر المدة المناسبة لعله يأت صاحبه إليه إن كان يعرفه، وإن لم يأتِ فإنه يتصدق بذلك على الفقراء والمساكين ، أو يصرف ذلك في بعض المشاريع الخيرية ؛ كتعمير المساجد ودورات المياه وما أشبه ذلك من المشاريع الخيرية ، ويكون الأجر لصاحبه ، ينويه عن صاحبه ، عن صاحب المال ، والله يوصل إليه أجره - سبحانه وتعالى -، لكن إذا تريث بعض المدة لعله يأتي من باب الاحتياط فحسن ، ثم إذا جاء صاحب الحق فهو بالخيار إن شاء قبل الصدقة وصارت إليه الصدقة ، وإن شاء طلب حقه فتعطيه حقه ويكون أجر ذلك لك فيما تصدقت به.  
 
3- كثير من أخواتي في الله يدرسن بالجامعات، وبعض الجامعات مختلطة، تجد الشباب الشوعي - كما تصفهم سماحة الشيخ - والنصراني، والذي ينتمي للأحزاب غير الإسلامية أيضاً - هذا هو قولها - فهل يحق للمرأة السلفية، أي التي تنتهج منهج السلف هل يحق لها الدراسة في هذا المجال؟  وهل دراستهن ضرورة للقانون والأحياء والرياضيات، هل هذا ضرورة تبيح للمرأة المسلمة الدراسة مع الشباب سالفي الذكر، مع العلم بأن الدارسات يقلن: إنهن سلفيات ويدرسن في هذا الجو المختلط، وأيضاً بحجة الضرورة، فهل يبيح لهن الشرع ذلك، مع أنهن لا يلتزمن أيضاً بلبس النقاب ذلك بأنه ليس بضرورة كما يقلن، وترجو التوضيح في هذه القضايا جزاكم الله خيراً؟
هذه قضية عظيمة، وأمر خطير ، وليس للنساء أن يدرسن في المدارس والمعاهد والكليات المختلطة لما فيه من الفتنة العظيمة ، والفساد الكبير ، ولأنه وسيلة قريبة إلى وقوع ما حرم الله - عز وجل - ، فليس لهن أن يدرسن في هذه المدارس أو الكليات أو المعاهد بل يلتمسن الدراسة في جوٍ آخر من المدارس السليمة التي ليس فيها اختلاط أو بالمكاتبة بينها وبين أهل العلم حتى تسأل عن دينها أو بحضور حلقات العلم في المساجد وهن متحجبات مستورات كما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلين معه - صلى الله عليه وسلم - وهن متحجبات ، فإذا صلين خرجن يسمعن الخطبة ويسمعن العلم ، أما دراستهن مع الرجال مختلطات فهذا لا يجوز أبداً حتى ولو تحجبن، فكيف إذا كن غير متحجبات يكون الشر أكبر وأعظم ، ثم ليس هناك ضرورة إلى أن تدرس فيما لا حاجة لها في دينها من دراسة الجيولوجيا أو الحساب أو الرياضيات أو غير ذلك ، إنما تدرس ما تحتاج له في دينها، في صلاتها ، وصومها ، والمعاملات ، النكاح ، الطلاق ، إلى غير هذا مما تحتاج إليه في دينها ، وأهم شيء العقيدة ، ودرس القرآن الكريم ، ومعرفة ما حرم الله ، وما أوجب الله ، هذا هو المطلوب ، وما زاد على ذلك فالرجال يقومون بذلك وليست بحاجة إلى أن تدرس ذلك ، لا مانع من دراسة الطب حتى تطب أخواتها النساء ، فالشيء الذي هناك للمجتمع حاجة فيه لا بأس للمرأة من جنس تعلم الطب أن تطب أخواتها هذا لا حرج فيه وطيب ونافع ، لكن بشرط عدم الاختلاط ، أما إذا كان اختلاط فلا ، وهذا هو الواجب على المؤمنة أن تتقي الله وأن تبتعد عن أسباب الفتنة ، وأن لا تتخذ رأيها وهواها سبيلاً إلى ما حرم الله - عز وجل - ، بل تسأل أهل العلم ، وتستفيد مما عندهم من العلم ، والله - جل وعلا - قال: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [(33) سورة الأحزاب]. وقال: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [(32) سورة الأحزاب]. وقال سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [(33) سورة الأحزاب]. فالمرآة مأمورة بأن تبقى في بيتها إلا إذا ظهرت المصلحة في خروجها ، ومنهية عن التبرج ، ومنهية عن الخلطة بالرجال ، والخلوة بالرجال ، والخضوع للرجال بالقول ، كل هذا مما يضرها في دينها وأخلاقها ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرهما : رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد بمسيرة كذا وكذا). فبين عليه الصلاة والسلام أن هذا الصنف من النساء وهن الكاسيات العاريات المائلات عن الحق والمميلات إلى الباطل هن من المتوعدين بالنار لعدم قيامهن بواجب الستر والحجاب ، ولتساهلهن بما يجر الفتنة عليهن، ويسبب وقوعهن في الفاحشة - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فنسأل الله لأخواتنا في الله الهداية والتوفيق.  
 
4- يصف بعض الناس في منطقتهم دواء لكنه نجس، واستعمله البعض فعوفي ولاسيما أولئك الذين لهم حبيبات في وجوههم، ويسأل عن التوجيه لو تكرمتم
هذا لا يجوز ، التداوي بالحرام والنجاسات أمرٌ منكر لا يجوز ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (عباد الله: تداووا ولا تداووا بحرام) . وقال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) . وسأله رجل عن الخمر يصنعها للدواء فقال: (إنها ليست في دواء ولكنها داء) . فلا يجوز لمسلم ولا لمسلمة أن يتداووا بالحرام لا من أبوال ولا من العذرة ولا من الدماء ولا من سائر النجاسات ، فالدواء يكون بالمباح والطاهر ، وعلى من أصيب بشيء من الدواء يسأل أهل الخبرة من الأطباء ، وأهل الاختصاص ، فالله - جل وعلا- ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيلتمس من أهل الطب من يعرف داءه حتى يعطيه الدواء المناسب ، ولا ييئس ، ولا يعمل بما يغضب الله عليه - جل وعلا -، ولكن يتصبر ويتحمل حتى يسهل الله له الشفاء ، أما التساهل مع الناس ، والأخذ بما يقوله الناس من الرخص الباطلة التي لا أساس لها هذا لا يجوز ، وليس العامة قدوة في هذه الأمور إذا فعلوا الأدوية الرديئة النجسة المحرمة ، هؤلاء ليسوا بقدوة ولا يجوز تقليدهم في ذلك ولا متابعتهم في ذلك - والله المستعان-.  
 
5- إذا أردت الزواج من بنت وهي ملتزمة بالحجاب، ولكن ليست من منطقتي ولا أعرف هل هي جميلة أم لا، هل يصح النظر إليها إذا كنت قد عزمت على الزواج منها، وكيف يكون ذلك؟ جزاكم الله خيراً؟
نعم ، يشرع لك النظر إليها ، إذا خطبت امرأة أو أردت أن تخطبها يشرع لك النظر إليها إذا تيسر ذلك ، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا خطب أحدكم المرأة فإذا استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) . وذكر له رجل أنه خطب امرأة وقال: (أنظرت إليها؟ قال: لا . قال: اذهب فانظر إليها) . فالمشروع لك أن تنظر إليها إن تيسر ذلك وإلا ففي إمكانك أن تبعث الثقات من النساء أو من محارمها إن كنت تعرف محارمها من يعطيك الخبر ، فتبعث المرأة من أقاربك كأمك وخالتك وعمتك وأختك تنظر إليها ثم تعطيك صفاتها ، أو تسأل محارمها يعطونك صفاتها ، وإذا تيسر لك النظر إليها من دون خلوة فلا بأس ، تطلب من أبيها أو أمها أو أخيها أو نحو ذلك أن يسمح لك بالنظر إليها ، لكن من دون خلوة ، فتنظر إليها بحضرة أبيها أو أمها أو أخيها أو غيرهم من الناس من دون خلوة.  
 
6- كنت متزوجاً امرأة لكن حدث بيننا خلاف وطلقتها، وكانت صيغة الطلاق التي تمت: أنت طالق بالثلاث مرة واحدة فقط، وقد مضى على ذلك أكثر من عشر سنين بعد هذه المدة يرغب كل منا بالعودة إلى صاحبه ، هل لنا ذلك أو لا؟
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم - رحمهم الله - ، من أهل العلم من قال إن هذا الطلاق يحرمها حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يدخل بها يعني يطأها ثم يفارقها بموت أو طلاق ثم تخرج من العدة، وهذا هو قول الأكثرين من أهل العلم ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الطلاق بالثلاث بلفظ واحد بكلمة واحدة يعتبر واحدة ، ويباح للمطلق أن يتزوجها بعقد جديد إن كانت قد خرجت من العدة ، أو يراجعها إن كانت في العدة ، وهذا هو القول هو الأصح وهو الذي نفتي به وهو الذي أفتى به جمع من أهل العلم ، وصح عن ابن عباس في رواية أنه أفتى بذلك ، وأفتى به جماعة ، وهو قول طاووس بن كيسان التابعي الجليل، ....... بن عمرو وجماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام بن تيمية - رحمة الله عليه - والعلامة ابن القيم - رحمه الله - وجماعة من أهل العلم ، والحجة في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الطلاق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث بواحدة- يعني يعتبر واحدة - ثم إن عمر - رضي الله عنه - قال إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ كانت لهم في أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم . فهذا يدل على أنه كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر الطلاق الثلاث واحدة ، يعني الطلاق المجموعة تعتبر واحدة ، فلما رأى عمر - رضي الله عنه - تتابع الناس في إيقاع الطلاق الثلاث ، وتسرعهم في ذلك أمضاه عليهم عقوبة وردعاً لهم عن التساهل في ذلك ، ولكن اجتهاد عمر - رضي الله عنه - لا يمنع من الرجوع إلى الأصل لما فيه من رحمة الناس ، وجمع شمل الزوجين ، ولاسيما قد يكون لهما أولاد ، وقد يكون الزوج عازماً على النكاح. فالحاصل أن هذا القول كما أنه موافق للدليل فهو أرفق بالأمة ، وأنفع للأمة ، وأكثر لجمع الشمل ، فيجوز اعتبارها واحدة ، ويراجعها الزوج مادامت في العدة ، فإن كانت خرجت من العدة لم تحل إلا بنكاح جديد هذا هو الأرجح من القولين ، أما إذا فرّقها قال : طالق ، ثم طالق ، ثم طالق، أو طلق ، ثم راجع ثم طلق ثم راجع ثم طلق الثالثة تحرم عليه إلا بعد زوج لقوله سبحانه: [فإن طلقها فلا تحل من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، هذه الثالثة يعني طلقها قبل، الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ثم قال بعد هذا سبحانه: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، يعني حتى تنكح نكاح رغبة وحتى يجامعها لأن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امرأة اشتكت إليه أنه طلقت من زوجها الأول طلاقاً باتاً وأنها نكحت شخصاً بعده لم يجامعها قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، ولم يسمح لها بالرجوع إلى زوجها الأول بالنكاح الجديد الذي ليس فيه جماع.

17.4K مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply