حلقة 523: حكم ذهاب النساء إلى المقابر لدفن الميت - حكم زيارة القبور للمرأة إذا كانت جاهلة - الأصل في النهي التحريم - المسافة التي يحرم فيها المرور بين يدي المصلي - حكم وقوع النجاسة على موضع معين من الثوب

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

23 / 50 محاضرة

حلقة 523: حكم ذهاب النساء إلى المقابر لدفن الميت - حكم زيارة القبور للمرأة إذا كانت جاهلة - الأصل في النهي التحريم - المسافة التي يحرم فيها المرور بين يدي المصلي - حكم وقوع النجاسة على موضع معين من الثوب

1- تتحدث عن القبور والبدع التي تثار حول الجنائز والتي يرتكبها كثير من الناس، ولخصت ذلك في خمسة أسئلة، لا أدري سماحة الشيخ هل أقرأ الأسئلة وتتفضلون بمعالجة الموضوع دفعة واحدة، تسأل في سؤالها الأول وتقول: ما حكم الدين في ذهاب النساء إلى المقابر لدفن الميت، وهل من تذهب لن تشم نسيم الجنة كما روي عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عندما رأى فاطمة آتيت وعليها غبار الطريق فظن أنها كانت تشيع الجنازة؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه لعن زائرات القبور ، ونهى عن إتباع النساء للجنائز ، فلا يجوز أن يتبع النساء الجنائز للمقابر ، ولا أن يزرن المقابر ، هذا هو المحفوظ عن النبي - عليه الصلاة والسلام -. وأما الوعيد بعدم شمها نسيم الجنة فهذا في سنده نظر ، ولكن الثابت أنها منهية فلا تذهب مع الجنائز إلى المقابر، ولا تزور المقابر ، هذا الثابت عن النبي - عليه الصلاة والسلام -. والحكمة في ذلك - والله أعلم- لأنهن فتنة، وصبرهن قليل ، فكان من حكمة الله أن نهاهن عن ذلك سداً لباب الفتنة بهن ومنهن أيضاً. 
 
2- ما حكم من فعلت هذا وهي تجهل عدم الجواز؟
إذا كانت لا تعلم فلا حرج عليها وعليها أن تنتبه في المستقبل.  
 
3- هناك عادات تقضي بأن يذهب أهل الميت من رجال ونساء إلى قبره كل يوم خميس خلال الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الوفاة، وذلك للتصدق بالفطائر والخبز، ما حكم الإسلام في ذلك، أليس الأولى أن يتم التصدق على الفقراء والمحتاجين في أي مكان آخر دون الذهاب إلى المقابر، خاصة بعد أن ثبت أن معظم من يتواجدون بها من الأحياء يبيعون ما يجمعونه من أهل الموتى ويتاجرون فيه؟
ليس لهذا أصل ، ليس لتحديد الزيارة كل أسبوع أو الصدقة عند القبور أصل ، بل الواجب أن تكون الزيارة غير محددة ، متى تيسرت الزيارة شرع أن تزار القبور من الرجال ، يزورها الرجال لذكر الآخرة ، وذكر الموت ، والدعاء للموتى ، فيقول : السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، يغفر الله لنا ولكم. هكذا كان يعلم النبي أصحابه - عليه الصلاة والسلام - . كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا : (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية). وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا زار القبور يقول : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غداً مؤجلون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد). هكذا كان يفعل النبي - عليه الصلاة والسلام-. ويقول : (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ، زوروا القبور فإنها تذكركم الموت). وهذا كله في حق الرجال. أما النساء فلا يزرن القبور كما تقدم ، وأما تخصيص يوم معين ، الخميس أو الجمعة للزيارة فلا أصل له ، وهكذا تخصيص توزيع الصدقات من خبز أو لحوم أو غير ذلك عند القبور لا أصل له ، بل المشروع أن صاحب الصدقة يتبع الفقراء في بيوتهم وفي محلاتهم ، ويعطيهم الصدقة ولا يكلف عليهم ولا يدعوهم إلى المقابر. فالحاصل أن المشروع أن المؤمن يتبع الفقراء ، ويعرف محلاتهم حتى يذهب إليهم بالصدقة ، وإذا جاءوا إليه في بيته وطلبوه تصدق عليهم ، أما يتخذ المقبرة محلاً صدقة فهذا لا أصل له.   
4- ما حكم زيارة المقابر بالنسبة للمرأة، سواء في تلك الأسابيع أو في أي وقت آخر من العام؟
مثل ما تقدم لا يجوز لها أن تزور القبور مطلقاً ، لا في أول أسابيع الموت ولا في غير ذلك ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور ، فدل ذلك على أنهن لا يزرن القبور مطلقاً ، لا حين الموت ولا بعده بأسابيع ولا بعده بأعوام.  
 
5- ما حكم قراءة القرآن للميت بعد الدفن بعدة أيام، هل يستفيد منها خاصة قراءة سورة يس ، وتبارك ، وقل هو الله أحد، أم أن الدعاء له أن يرحمه ويغفر له ربه أنفع، وما الذي ورد عن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؟
الذي ورد هو الدعاء للموتى ، والترحم عليهم ، أما أن يقرأ لهم القرآن عند القبور أو في مكان آخر فهذا لا نعلم له أصلاً ، وإن كان قاله بعض أهل العلم واستحبه بعض أهل العلم ، وقال أنه يلحق بالميت وينفعه، لكن ليس عليه دليل ، فالذي ينبغي أن يكون الإحسان للميت بالدعاء ، والصدقة له ، سواءً الحج عنه، أو العمرة عنه، وقضاء دينه هذا الذي ينفعه ، هذا هو الذي جاء في الأحاديث الصحيحة : الصدقة عن الميت ، والدعاء بالمغفرة والرحمة ، قضاء دينه ، والحج عنه ، والعمرة عنه ، هذا هو المحفوظ. أما أن يقرأ عنه ، أو يقرأ له سورة يس أو تبارك في أي مكان أو عند القبور هذا لا أصل له ولا ينبغي ، وليس بمشروع ، وإنما تشرع قراءة سورة يس عند المحتضر قبل أن يموت لينتفع بذلك ، وليوعظ ، ويذكر ، ويقرأ عنده القرآن ، هذا ينفعه قبل أن يموت ، أما بعد الموت فقد انتهى الأمر. ومما قد يقع من بعض الناس أن بعض الناس يقرأ في القبر ، فإذا حفر القبر جعل يقرأ فيه ، وبعضهم يأذن فيه ويقيم ، هذا كله بدعة لا أصل له ، لا أذان في القبر ولا إقامة في القبر ، ولا قراءة في القبر ، كل هذا مما أحدثه الناس - والله المستعان -.   
 
6-   جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن عمل كذا من الأعمال، فهل النهي هو التحريم، أو أن النهي يعني الكراهية؟
هذا هو الأصل ، الأصل أن النهي للتحريم ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوه منه ما استطعتم). هكذا قال صلى الله عليه وسلم : (إنما هلك من كان قبلكم لكثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوه منه ما استطعتم). فالأصل في النهي هو التحريم ، هذا هو الأصل ، ولا ينقل عن التحريم من الكراهة إلا بدليل يدل على ذلك ، فإذا نهى عن شيء ثم فعله دل على أن النهي للكراهة ، مثلما نهى عن الشرب قائماً ثم شرب قائماً في بعض الأحيان دل على أنه ليس نهي للتحريم ، وأنه يجوز الشرب قائماً وقاعداً ، ولكنه إذا شرب قاعداً يكون أفضل وأحسن. ومثلما أمر بالقيام للجنازة ، قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا). ثم جلس في بعض الأحيان دل على أن الأمر ليس للوجوب في هذه الحال، فالقاعدة أنه متى نهى عن شيء ثم فعله دل على أن النهى ليس للتحريم بل للكراهة وترك الأولى، وإذا أمر بشيء ثم تركه دل على أنه ليس للوجوب ، وإلا فالقاعدة أن الأوامر في الوجوب والنهي في التحريم ، هذا هو القاعدة.    
 
7- سمعت حديثاً يحرم المرور بين يدي المصلي، فكم هي المسافة التي يحرم فيها المرور بين يدي المصلي إذا لم يضع أمامه شيئاً؟
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لو يعلم المار بين يدي المصلي إن هذا عليه -يعني من الإثم - لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يدي المصلي). متفق عليه. قال الراوي - أبو هريرة - رضي الله عنه : لا أدري أقال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة. والمقصود أن هذا يدل على تحريم ذلك ، وإن فيه خطر عظيما، لكان وقوفه أربعين ولو يوماً خير له من أن يمر بين يديه هذا يدل أنه أمر خطير لا يجوز ، وأرجح ما قيل في ذلك أن الحد ثلاثة أذرع ، إذا كان ماله ستره ، إذا كان وراء ثلاثة أذرع فلا حرج، أو كان وراء السترة فلا حرج، أما أن كان بينه وبين السترة فهذا لا يجوز ، أو كان قريباً منه في أقل من ثلاثة أذرع فهذا لا يجوز ، والأصل في هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلًّى في الكعبة جعل بينه وبين جدار الكعبة الغربي ثلاثة أذرع ، قالوا: هذا يدل على أن هذا المقدار هو الذي يعتبر بين يدي المصلي ، فإذا كان بعيداً من هذا المقدار من قدم المصلي فإنه لا يعتبر مار بين يديه هذا هو الأرجح.  
 
8- كيف تنصحون من وقع على بعض ملابسه نجاسة والبعض الآخر لم يقع عليه شيء، هل يغسلهما جميعاً أم يغسل كل جزء على حدة؟
يغسل موضع النجاسة فقط، إذا أصاب ثوبه نجاسة غسل موضعها، مثل قطرة بول على طرف ثوبه يغسل ما أصابه، أو قطرة دم أصاب المرأة من حيضها أو غيره تغسل محل القطرة، وباقي الثوب طاهر. المقصود أنه يغسل ما أصاب الثوب من بول أو غيره من النجاسة، وباقي الثوب طاهر ليس فيه شيء. ولو غسل النجس مع غير النجس هل في ذلك محظور؟ ما فيه حرج، لكن لا يكون للوسواس، إذا كان من طريق الوسوسة لا، أما أذا كان من باب النظافة لأنه وسخ وأراد أن يغسله كله فلا بأس، أما التكلف والوساوس كما يفعل بعض الناس يغسل الثوب كله من أجل الوسوسة، لا، ما ينبغي هذا، يغسل ما أصابه فقط.
 
9- يسأل عن تفسير قول الحق - تبارك وتعالى -: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ [الزمر:6] ما معنى: الظلمات الثلاث؟ جزاكم الله خيراً؟.
ذكر أهل العلم - رحمة الله عليهم - في التفسير أن معنى الآية أن العبد يطور في الرحم خلقاً بعد خلق ، أولاً يخلقه الله نطفة من مني المرأة ومن مني الرجل جميعاً ، أمشاج ، ثم تحول هذه النطفة إلى علقة - قطعة من الدم - ، وهذا طور ثاني ، ثم هذه العلقة يخلقها الله مضغة - قطعة لحم - بقدر ما يمضغ الماضغ، ثم يكون في هذه المضغة التخليق من الرأس والرجلين واليد ونحو ذلك ، هذه معنى: خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ أي تطوير ، يطور في بطن أمه ، خلق بعد خلق ، من طور إلى طور. وأما : في ظلمات ثلاث. فسرها العلماء بأن الظلمات الثلاث هي : ظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة التي فيها الرحم ، وظلمة البطن - بطن المرأة - ، فهي ظلمات ثلاث: في الرحم ، ثم في كيس المشيمة، ثم بعد ذلك من وراء البطن ، في داخل بطنها ، داخل بطنها ، فظلمتة في بطن ظلمة ، ظلمة الرحم، وظلمة المشيمة التي فيها كيس يكون فيه الولد يكون فيه الرحم، كيس يكون فيه الولد ثم الرحم.... في الرحم ، ثم الولد في البطن ، والمشيمة تسقط في الغالب، تسقط مع الولد أو بعده ، هذا الكيس الذي يكون فيه الولد في ......... الرحم ، ثم الرحم ظلمة ثانية، ثم البطن ظلمة ثالثة، وربك حفيظ عليم سبحانه لا إله إلا هو.   
 
10- كثيراً ما أسمع عن الأحاديث القدسية، بودي أن تنوروني بعض الشيء بخصوصها؟ جزاكم الله خيراً.
الأحاديث القدسية هي التي يرويها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - جل وعلا - يقال لها أحاديث قدسية ، أي مقدسة منزهة ؛ لأنها من كلام الرب - عز وجل - ، وهي مثل القرآن كلام الله - جل وعلا - ، لكن القرآن معجزة مستمرة ، مأمور الناس أن يتطهروا عند لمس المصحف ، وهو قرآن معجز ، وهو كلام الله - عز وجل - ، وأما الأحاديث القدسية فهي كلام الرب - عز وجل - لكن ليس لها حكم القرآن في وجوب التطهر عند مسها ، بل لها لون آخر ؛ فهي من كلام الرب لكنها غير القرآن الذي هو المعجز المستمر للنبي - عليه الصلاة والسلام - ، فهو معجزة من دلائل النبوة ، وكلام الرب - عز وجل- في الأحاديث القدسية كلام الرب منزه غير مخلوق لكنه ليس من جنس القرآن ، بل القرآن معجزة مستمرة دالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وله أحكام غير أحكام الأحاديث القدسية ، والأحاديث القدسية مثل ما ثبت في الصحيح عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : يقو الله - عز وجل - : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه). أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. هذا الحديث العظيم يسمى حديث قدسياً ، وهو دل على فوائد عظيمة من كلام الرب - عز وجل - كما سمعتم - أيها المستمعون - ، وهو حديث قدسي عظيم دال على تحريم الظلم ، ودل على افتقار العباد إلى ربهم ، وأنهم فقراء إليه ، هو المنعم عليهم ، الذي يهدي من يشاء ، ويطعم من يشاء ، ويغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، والله - سبحانه وتعالى - الذي يغفر الذنوب ، ويستر العيوب - جل وعلا - ، وهو الغني عن عباده ، لا يستطيعون أن يضروه ولا أن ينفعوه ، هو عني عنهم - سبحانه وتعالى -، وهو - جل وعلا - لا تنقصه معاصيهم ، ولا تنفعه طاعاتهم ، فطاعتهم لهم ، تنفعهم ، ومعاصيهم تضرهم ، أما هو - سبحانه - فلا تنفعه طاعاتهم ، ولا تزيده في ملكه شيئاً ، كما أن معاصي الناس لا تنقصه ولا تضره - سبحانه وتعالى - شيئاً. ثم بين - سبحانه - أن العباد لو اجتمعوا في صعيد واحد وسألوا ربهم كلما يريدون من المسائل والحاجات ما نقص ذلك مما عنده شيء - سبحانه - ؛ لأن خزائنه ملآ، لا يضرها شيء - سبحانه وتعالى -. ثم بين سبحانه أن الحاصل والخلاصة أنها أعمالهم ، يحصيها الرب - جل وعلا - لهم ثم يوفيهم إياها ، يعني أجورهم إن كانت طيبة ، أو عقابهم إن كانت سيئاً ، ولهذا قال : (فمن وجد خيراً فليحمد الله). الذي وفقه لطاعته ، وهداه وأعانه ، (ومن وجد غير ذلك) يعني وجد أعماله خبيثة ، توجب النار (فلا يلومنَّ إلا نفسه) لأنه فرط ، وأضاع وتساهل ، وتابع الهوى والشيطان - ولا حول ولا قوة إلا بالله - .  
 
11- هل يجوز أن أرسل زكاة الفطر إلى بلدي، مع العلم أن المملكة تفطر قبلهم، وإذا كان هذا يجوز فهل أرسلها حسب قيمتها في المملكة أو في بلادي؟ أرجو من سماحتكم أن تبينوا لي هذا، وحبذا لو كتبتم لأمثالي من المغتربين فالأمر فيما أرى مشكل عليهم، جزاكم الله خيراً؟.
المشروع للمغترب أن يخرج زكاة الفطر في محله ، محل إقامته، إذا كان في الرياض في الرياض ، في المدينة في المدينة ، في مكة في مكة ، هذا هو السنة ، تخرج صدقات الفطر من الأغنياء وتعطى للفقراء ، تؤخذ منهم لإخوانهم الفقراء في البلد ، هذا هو المشروع أن يدفعها للفقراء في البلد الذي هو فيه ، أو فيما حوله ، أما نقله إلى بلاد بعيده فالأولى ترك ذلك ، وفي خلاف بين أهل العلم كثير منهم لا يرى جواز ذلك ، فالمؤمن يحتاط ويوزعها في البلاد التي أقام فيها ، أو ما يقاربها من القرى المجاورة ، هذا هو المشروع، وهذا هو الأحوط للمؤمن ، فإن نقلها إلى بلده أو غيرها وأعطاه الفقراء أجزأت على الصحيح ، لكنه ترك ما هو الأحوط والأفضل.  
 
12- إن زوجها غاب عنها أكثر من سبع سنوات، وحتى كتابة هذه الرسالة لم يصل إليهم، وترجو من سماحتكم توجيه المغتربين عن أزواجهم جزاكم الله خيرا؟
نعم ، إني أنصح المغتربين جميعاً في أي مكان أن لا يطولوا السفر عن أزواجهم ، وأن يحرصوا على سرعة الإياب ؛ لأن بقاء المرأة بدون زوج فيه خطر عظيم ، على عرضها وعلى زوجها وعلى أولادها ، وعلى المجتمع كله ، فالمشروع للمؤمن أن يراعي هذا الأمر ، وأن لا يطول الغربة بالنسبة لزوجته وأولاده ، بل تكون الغربة قصيرة ، ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت في الشرور ، وقلّ فيه العلم ، وقلّت فيه التقوى ، وغلب فيه الجهل والشر والفساد ، فالمؤمن يتقي الله في أهله ، ولا يطول ، أو ينقلهم معه إلى محله الذي هو فيه ولا يتركهم وحدهم ، إما أن ينقلهم إذا كان المحل الذي هو فيه آمن وليس فيه خطر، وإلا فليعجل الغربة ، ولا يتأخر ، وليعمل في بلد حولهم ، أو في بلدهم ، حتى يمكنه الوصول إليهم بين وقت وآخر من دون مشقة ولا خطر. فالحاصل أن الواجب على الأزواج أن يتقوا الله في أزواجهم وأن يحذروا إهمالهم فإن في ذلك خطر عظيماً على الجميع ، وقد كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى الجنود ألا يتأخروا أكثر من ستة أشهر عن أزواجهم ، لما علم رضي الله عنه من الخطر في ذلك ، فكيف لو رأي الحال ورأى الزمان اليوم ، فينبغي أن لا يطول ولا ستة أشهر بل شهرين ثلاثة أقل من ذلك وإذا أمكن أن يأتي إليهم بين وقت وآخر في أقصر وقت ويرجع إلى عمله إذا أمكن ذلك ، فهذا هو الأحوط والذين ينبغي ، وإذا أمكن أن ينقلهم إلى محله إذا كان نقله ليس فيه خطر فهو أولى وأحوط لهم فالحاصل أنه ينبغي للزوج أن لا يطول الغربة وأن يسرع في إيابه إلى أهله حتى لاتقع المصيبة التي يخشى منها ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

915 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply