حلقة 643: توجيه الآباء إلى الإهتمام بتريية الأولاد تربية إسلامية - السفر في هذا الزمن إلى بلاد الكفار وغيرها - السفر للطب أو للتجارة أو للدعوة إلى الله - السفر للسياحة - الإمام يتقدم على المأموم - حكم التيمم مع وجود الماء

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

43 / 50 محاضرة

حلقة 643: توجيه الآباء إلى الإهتمام بتريية الأولاد تربية إسلامية - السفر في هذا الزمن إلى بلاد الكفار وغيرها - السفر للطب أو للتجارة أو للدعوة إلى الله - السفر للسياحة - الإمام يتقدم على المأموم - حكم التيمم مع وجود الماء

1-   ألاحظ يا سماحة الشيخ أن هناك كثيراً من الآباء قد أهملوا تربية أبنائهم مما أعاد عليهم بأمور سيئة للغاية؛ لذلك فإني أطلب من سماحتكم أن تتفضلوا بتوجيه الآباء كي ما يهتموا كثيراً بأبنائهم ولا سيما في هذا الزمان؟ جزاكم الله خيراً

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعـد: فهذا الذي ذكره السائل جدير بالعناية، لأن مراعاة الأولاد ذكوراً وإناثاً، والعناية بهم وتربيتهم الإسلامية أمر من أهم المهمات، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والأمير الذي ولي على الناس راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته ثم قال: ألا وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). خرجه الإمام البخاري في الصحيح وغيره، فهذا الحديث العظيم يدل على وجوب العناية بالرعية، وأعظم مسؤول في ذلك الإمام الذي على الناس، وهو أمير المسلمين وسلطانهم يجب عليه أن يرعاهم في كل ما فيه صلاحهم وسلامة دينهم ودنياهم والعناية بكل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة حسب الطاقة والإمكان، وأعظم ذلك العناية بالدين حتى يستقيموا عليه وحتى يلتزموا به وذلك بأداء الواجبات وترك المحارم، كما يجب على كل والٍ على الناس أن يحكم بهم شريعة الله، وأن يلزمهم بشرع الله، وأن لا يحكم فيهم غير شرع الله، وهو مسؤول عن ذلك كما قال جل وعلا: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون. وكما في هذا الحديث الصحيح: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فالذي تولى على الناس راعٍ ومسؤول عن رعيته، نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لكل ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين جميعهم، وهكذا كل إنسان مسؤول عن أهل بيته، فالأب مسؤول عن أولاده، والأم مسؤولة عن أولادها من جهة تربيتهم الإسلامية وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإلزامهم بالحق وترك ما خالف شرع الله، ومن ذلك أمر الصلاة فإنها عمود الإسلام، فالواجب على الأب أن يعتني بأولاده وهكذا الأم حتى يستقيموا على الصلاة، وحتى يحافظوا عليها في بيوت الله مع المسلمين، يقول الله عز وجلا: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، ويقول سبحانه: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، ويقول جل وعلا: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة، والوالدان داخلان في هذا، يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة، والعناية بأمر الصلاة من أسباب الوقاية من النار، للوالد والولد جميعاً، وقال تعالى يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، ويقول عليه الصلاة والسلام : (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)، فالولد ذكراً كان أو أنثى يؤمر بالصلاة إذا بلع سبعاً، ويضرب عليها إذا بلغ عشراً، لأنه بهذا قد ناهز الاستلام وقارب، وإذا بلغ وجبت عليه عيناً وفرضاً واستحق بذلك إذا تركها أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي الأمر، فالأمر عظيم فالواجب على الآباء والأمهات وإخوان الأولاد الكبار وأعمامهم التعاون في هذا الأمر، وأن يجتهدوا في إصلاح الأولاد وتربيتهم التربية الإسلامية ومن ذلك إلزامهم بالصلاة وأمرهم بها، إذا بلغوا سبعاً وضربهم عليها إذا بلغوا عشراً وقصروا في ذلك، وهكذا يؤمرون بما أمر الله به من بر الوالدين وحفظ اللسان عن السب والشتم والكذب، وعلى غير هذا من المعاصي، مما حرم الله عز وجل، وهكذا يمنعون من شرب المسكرات والتدخين حتى لا ينشؤوا على هذا الباطل، فيجب على الآباء والأمهات العناية بالأولاد بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وعليهم أن يمنعوهم مما حرم الله عز وجل، حتى ينشؤوا نشأةً صالحة، وحتى يستقيموا على دين الله، فإذا بلغوا فإنهم قد عرفوا ما يجب عليهم وما يحرم عليهم وقد تربوا على فعل الخير وعلى ترك الشر ولأبيهم وأخيهم وأمهم ومن سعى في هذا الخير له مثل أجورهم، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله). وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى. 
 
2-  سماحة الشيخ كانت الأسفار في الماضي كثيرة الفائدة أما في هذه الأزمنة فالعكس هو الصحيح توجيهكم لو سمحتم سماحة الشيخ؟
الأسفار خطيرة إذا كانت لغير بلاد المسلمين، أما السفر في بلدان المسلمين للمصلحة التي يراها والد الأطفال أو إخوتهم الكبار للحج أو للعمرة أو لمصلحة يراها والدهم ويصطحب معه أولاده فلا حرج في ذلك، مع مراعاتهم من جهة الصلاة وغيرها، أما تذهب إلى بلاد الكفرة هذا أمر لا يجوز، يجب الحذر من سفر الأولاد إلى بلاد الكفرة لما في ذلك من الخطر العظيم، فالواجب أن لا يسافروا إلى بلاد الكفار، ولو كانوا يطلبون العلم أو لأمرٍ آخر يجب منعهم من ذلك، وأن يكون طلبهم في بلادهم بين إخوانهم المسلمين؛ لأن ذهابهم إلى بلاد الكفار فيه خطر عظيم، ولو كان باسم طلب العلم، أو باسم الطب أو بغير ذلك من الأسماء لأن الخطر عظيم والعاقبة وخيمة في الأغلب، فالواجب الحرص على سلامة دينهم وأخلاقهم وأن لا يسمح لهم بالسفر إلى بلاد الكفار، وعلى الدولة وفقها الله أن تلاحظ هذا الأمر، وأن تعتني به، وإذا دعت الضرورة إلى سفر جماعةٍ لأمر مهم، لا يتيسر تعلمه في البلاد فليكن ذلك عن اختيار الطلبة المعروفين بالخير والاستقامة، وأن يكون بصحبتهم من يراقبهم ويعتني بهم ويلاحظهم حتى يعودوا إلى بلادهم سالمين إن شاء الله، أما التساهل في هذا الأمر فلا يجوز أبداً، لا من الدولة ولا من غيرها، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. فيما يخص الوالدين والأسفار بالذات سماحة الشيخ؟ مثل ما تقدم، حتى الوالدان ليس لهما السفر، حتى الوالدان الكبيران ليس لهما السفر، إلى بلاد الكفار للخطر العظيم، والنبي يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله من مشركٍ عملاً بعد ما أسلم أو يفارق المشركين)، يعني حتى يفارق المشركين، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على وجوب الهجرة على من أسلم في بلاد الشرك أن ينتقل إلى بلاد الإسلام، وأن لا يبقى بين المشركين إلا إذا أظهر دينه وأمن الفتنة، أما إذا كان لا يستطيع إظهار دينه بينهم، أو لا يأمن الفتنة على نفسه من الوقوع في الباطل فإنه يلزمه أن يهاجر ليسلم في دينه وليبتعد عن أسباب الفتنة، والعامة لا يستطيعون إظهار دينهم، ولا يعرفون دينهم بالتفصيل ولا يأمنون الفتنة فالواجب عليهم أن لا يسافروا، وإنما يسافر أهل العلم والبصيرة للدعوة إلى الله وتوجيه الناس إلى الخير وإدخالهم في الإسلام، أما العامة وضعفاء العلم والشباب الذين ليس عندهم الحصانة الكافية، فليس لهم السفر إلى بلاد الشرك إلا عند الضرورة بالطريقة التي ذكرتها آنفاً من طريق ولي الأمر بأن يكونوا مختارين معروفين بالاستقامة، وأن يكون معهم من يلاحظهم ويراقبهم حتى يرجعون. إذا دعت الضرورة إلى ذلك. 
 
3-  قد يسأل سائل سماحة الشيخ عن السفر للتجارة، عن السفر للطب، عن السفر للدعوة إلى الله؟
مثل ما تقدم، لا يجوز السفر للتجارة ولا للطب إلى بلاد الشرك، إلا ممن عَرف دينه وتبصر في دينه ويقوم بالدعوة إلى الله ويأمن الفتنة، أما السفر لمجرد التجارة من جاهلٍ أو عامي أو ليس عنده المعلومات الكافية عن الشرك وأهله وعن ما يضره في دينه، وعن الأسباب التي تقيه شرهم وفتنتهم والسلامة من شبههم هذا لا يسافر، إنما يسافر أهل العلم والإيمان الذين عندهم البصيرة في دفع الشبه وإزالتها والدعوة إلى الخير، مع المعرفة بوسائل السلامة والبعد عن أسباب الفتنة، وهكذا السفر إلى الطب كما تقدم، إلا من طريقةٍ سليمة يراها ولي الأمر، بواسطة طلبة معروفين بالخير والاستقامة عقلاء قد تعلموا دينهم، وتبصروا في دينهم ويكون معهم من يلاحظهم ويعتني بهم، ويراقبهم حتى يرجعوا فهذا لا بأس به عند الضرورة لمصلحة المسلمين خاصة. 
 
4-  ماذا يقول سماحة الشيخ عن السفر للسياحة؟
منكر لا يجوز، لا يجوز مطلقاً السفر للسياحة، إنما يجوز السفر لبلاد الشرك إذا كان للدعوة إلى الله من أهل الإيمان والبصيرة الذين لهم قدم صدقٍ في هذا الباب وعندهم بصيرة ولا يخشون الفتنة على أنفسهم؛ لأن عندهم من العلم والإيمان و البصيرة والاستعداد لكشف الشبة ما يدفعون به عن أنفسهم وما ينفعون به غيرهم في دعوتهم إلى الله عز وجل. 
 
5-   إذا فاتتني صلاة الجماعة وأنا رجل بالغ فأردت أن أصلي فأتى أولاد في سن العاشرة والثاني عشرة والثالث عشرة والرابع عشرة والخامس عشرة، أي: من عشر إلى خمس عشرة سنة، فهل أتقدمهم، أم يكون الجميع في صف واحد معي على اليمين، فقد قال أحد الرجال: إنه لا يتقدم إذا كان كل من معك في هذا العمر أو أقل؛ لأنهم لا يضبطون صلاتهم؟ أفتوني جزاكم الله خيراً.
إذا كان الواقع ما ذكره السائل فإنه يتقدم بهم ويصلي بهم ويكونون خلفه صفاً أو أكثر إذا كانوا أبناء سبعٍ فأكثر، من سبعٍ فأكثر لقوله- صلى الله عليه وسلم -: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع)، فابن سبع مأمور بالصلاة فهو مميز، فإذا كانوا أبناء سبعٍ فأكثر وهم اثنان فأكثر فإنهم يصفون خلف الإمام، وقد صلى النبي- صلى الله عليه وسلم - بأنس واليتيم وصار خلفه عليه الصلاة والسلام، أما إذا كان الصبي واحداً فقط فإنه يصلي عن يمين الإمام كالرجل الكبير يصلي عن يمين الإمام، كما صلى ابن عباس عن يمين الإمام عن يمين النبي- صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل، وكما صلى أنس عن يمينه لما زار- صلى الله عليه وسلم -جدة أنس، فالمقصود أنه إذا كان واحداً ولو كبيراً يكون عن يمين الإمام، أما إذا كان المأمومون اثنين فأكثر ولو لم يبلغوا الحلم فإنهم يصفون خلف الإمام إذا كانوا من أهل الصلاة وأبناء سبعٍ فأكثر.  
 
6-   عندما دخلت المسجد رأيت رجلاً يضرب بيديه على الأرض المفروشة حتى أخرجت الغبار ثم مسح يديه ووجهه ودخل في الصلاة، السؤال: هل تجوز وتصح صلاة هذا على هذه الطريقة مع أن المياه قريبة من المسجد، ولم أر عليه أي أثر يمنعه من الوضوء، وهل إذا كان صلاته غير صحيحة يجب علي أن أخبره كي يعيدها؟ جزاكم الله خيراً.
نعم، ليس له التيمم إذا كان يستطيع الوضوء بالماء، والماء موجود فالصلاة باطلة والتيمم باطل، لأن الله يقول: فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً، فالواجد للماء لا يسن له التيمم إلا إذا كان عاجزاً مريضاً يضره الماء، فهذا الذي رأيته تنصحه وتقول له: لا يجزئك التيمم إذا كنت صحيحاً سليماً لا يضرك الماء، أما لو كان يضره الماء أجزأه التيمم من الفرش التي فيها غبار، ولكن كونه يتيمم من التراب الذي في صحبة المسجد أو غيرها من المواضع التي فيها التراب الطاهر يكون أولى من غبار الفراش، لقوله- صلى الله عليه وسلم - : (وجعل تربتها طهوراً إذا لم نجد الماء). فكونه يتيمم بالتربة نفسها أولى من الغبار الذي في الفراش، والغبار يجزي كما نص عليه أهل العلم، لكن كونه يتيمم من التراب الموجود الطاهر يكون أكمل وأوفق للسنة، أما إذا كان الرجل عنده مانع من الوضوء لأن به مرضاً يمنعه من استعماله للماء، ويضره استعمال الماء فإن التيمم يجزئه والحمد لله.  
 
7-   سمعت من بعض الناس أنك إذا كنت تصلي ولم تجعل أمامك خطاً أو حاجزاً ومر أحد ولو على بعد مائة متر أو أكثر فإنه يقطع صلاتك، وأنا لم أصدق بهذا، أرجو توجيهي حول هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيراً.
السنة للمؤمن والمؤمنة وضع السترة إذا أراد أن يصلي وهو مفرد أو إمام، يضع السترة أمامه، لقول النبي- صلى الله عليه وسلم - :(إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها)، أخرجه الإمام أبي داود رحمه الله بإسنادٍ صحيح وغيره، فالسنة له أن يقرب من السترة وأن تكون قائمة كالعصا والكرسي أو يستقبل جداراً أو ساريةً، تكون سترةً له، هذا هو السنة، وفي اللفظ الآخر يقول- صلى الله عليه وسلم -:(إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فليصب عصا، فإن لم يجد فليخط خطا، ثم لا يضره من مر بين يديه)، خرجه الإمام أحمد وابن ماجه، بإسنادٍ حسن، لكن لو صلى إلى غير سترة فإنه لا يمر بين يديه، ولكن يمر بعيدا، إذا كان مر بعيداً أكثر من ثلاثة أذرع لا يضره ذلك، لأنه- صلى الله عليه وسلم -لما صلى في الكعبة جعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع فدل ذلك على أن هذه المسافة كافية، أما إذا كان له سترة فإنه لا يمر بين يديه وبين السترة بل يمر من ورائها، ولكن لا يقطع الصلاة المار إلا إذا كان أحد ثلاثة: إما امرأة أو حمار أو كلب أسود، هذه هي التي تقطع الصلاة، صلاة الرجل والمرأة جميعاً، لقوله- صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود، قيل: يا رسول الله ما شأن الأسود من الأصفر والأحمر؟ قال الكلب الأسود شيطان)، وفي لفظٍ من حديث ابن عباس: (المرأة الحائض)، يعني البالغة، أما الصبية التي لم تبلغ فلا تقطع، إنما يقطع المرأة البالغة المكلفة إذا مرت تقطع، وهكذا الحمار وهكذا الكلب الأسود أما غيرهم فلا ينبغي مروره، يمنع من المرور، لكن لو مر وغلب لا يقطع الصلاة، لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم -خص القطع بهؤلاء الثلاثة، ومع ذلك ممنوع أن يمر بين يدي أخيه ولو كان رجلاً، فالمصلي يمنع المار بين يديه سواء كان رجلا أو دابةً أو صبياً أو صبيةً أو كلباً أو غير ذلك، ولو كان غير أسود، لقوله- صلى الله عليه وسلم -:(إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فلا يدع أحد يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)، وفي لفظ: (فأراد أحد أن يجتاز بين يده فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان)، فالحاصل أنه يمنع المار بالتي هي أحسن، فإذا لم يتيسر بالتي هي أحسن دفعه بالقوة من غير أن يتعمد قتلاً أو ضرباً يضره، ولكن يدفعه بالقوة التي تشعر المار بأن المصلي عازم على رده وواصل دفعة بالقوة، لقوله- صلى الله عليه وسلم -(يقاتله) يعني فليدفعه بالقوة لكن لا يتعمد ضربه بالسلاح أو شيئاً يقتله، ولكن يدفعه بالقوة حتى يرجع، ولا يمر بين يديه، لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - أمر بهذا والحديث صحيح. أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين.   
 
8-   أرجو التوضيح مفصلاً عن مسألة وجوب ستر الوجه والكفين بالنسبة للمرأة، وهل تصح صلاتها إذا كشفت عن وجهها وكفيها في الصلاة، حيث هذا السؤال قد شغل كثيراً من النساء في بلدنا؛ لأنهن يخرجن إلى المدينة بحجاب مع ظهور الوجه والكفين، مستشهدين بأحاديث صحيحة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم-؟ أفتونا، جزاكم الله خيراً.
أما في الصلاة فإنها تكشف وجهها وكفيها لا حرج، إذا لم يكن عندها أجنبي فإنها تصلي مكشوفة الوجه، هذا هو السنة، وتستر بقية بدنها كرأسها وصدرها وجميع بدنها ومن ذلك قدماها عليها ستر الجميع، أما الكفان فإن سترتهما فهو أفضل كما قاله جمع من أهل العلم، وإن أبدتهما فلا حرج في ذلك على الصحيح، وأما الوجه فإنه يكشف في الصلاة وتصلي مكشوفة الوجه، إلا إذا كان عندها أجنبي كأخي زوجها أو زوج أختها أو غيرهما فإنه تستر وجهها وكفيها وقت الصلاة من أجل غير المحرم، وهكذا إذا خرجت في الأسواق تستر بدنها كله، لأنها عورة وفتنة والله يقول جل وعلا: وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وقال جل وعلا: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو آباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن.. الآية. والزينة يدخل فيها الوجه والشعر وسائر بدنها، كلها زينة، والوجه أعظم الزينة وهو مجمع محاسن الخلقة، أما الأحاديث التي أشار إليها السائل في كشف الوجه فكان هذا في أول الأمر، في أول الإسلام كانت المرأة تكشف وتجلس مع الرجال مكشوفة الوجه، ثم أمر الله جل وعلا بالحجاب، ونزلت آيات الحجاب التي سبق ذكرها، وهي قوله سبحانه: وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن.. الآية. ومن ذلك آية النور: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.. الآية، ومن ذلك قوله جل وعلا أيضاً في سورة الأحزاب: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، ومن ذلك قوله في سورة النور يقول سبحانه: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجاتٍ بزينة وأن يستعففن خير لهن، فإذا كانت القواعد وهن العجائز التي لا يرجون نكاحا استعفافهن أفضل، وهو تحجبهن ويجوز لهن عدم التحجب لكونهن عجائز لا يطمع فيهن، فالشابات من باب أولى أن يستعففن وأن يلزمن الحجاب، لأنهن فتنة، وذكر القواعد يدل على أن غير القواعد يلزمهن الحجاب والاستعفاف، فالمقصود أن الأحاديث التي فيها كشف الحجاب هذه كانت في أول الإسلام، وفي أول مجيء المسلمين إلى المدينة ثم بعد ذلك أنزل الله آيات الحجاب ومنع النساء من إظهار زينتهن، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك لما مر عليها صفوان المعطل قد تخلفت عن الغزو، وقد ذهبت تقضي حاجةً لها، فحملوا هودجها يظنونها فيه لخفتها فلما رآها استرجع فلما سمعت صوته خمرت وجهها، قالت: " وكان قد رآني قبل الحجاب"، فدل ذلك على أنهن قبل الحجاب كن يكشفن الوجوه وبعد الحجاب أمرن بستر الوجوه، وأما حديث عائشة رضي الله عنها في قصة أسماء بنت أبي بكر أنها دخلت على النبي- صلى الله عليه وسلم -، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها النبي- صلى الله عليه وسلم – وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح إلى أن يرى منها إلا هذا وهذا)، وأشار إلى وجهه وكفيه، أخرجه أبو داود، وهو حديث ضعيف عند أهل العلم، لعلل ثلاث: إحداها أنه من رواية ...... عن عائشة ولم يسمع منها، منقطع، والعلة الثانية: أن في إسناده سعيد بن رشيد وهو ضعيف الرواية، والعلة الثالثة: أنه من رواية قتادة بن خالد... وهو مدلس، والمدلس لا تقبل روايته إذا عنعن إلا إذا صرح بالسماع، إلا ما كان في الصحيحين من رواية المدلسين فإنه محمول على السماع، وهناك وجه رابع وهو: أنه إذا صح لكان محمولاً على ما كان قبل الحجاب فكان هذا مع أسماء قبل الحجاب أما بعد الحجاب فإن المرأة مأمورة بالستر بوجهها، وجميع بدنها لما تقدم من الآيات السابقات والله ولي التوفيق.    

337 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply