سورة إبراهيم - تفسير السعدي | |
| | |
| |
" الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور | |
| بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " | |
يخبر تعالى, أنه | |
| أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, لنفع الخلق, ليخرج الناس من ظلمات | |
| الجهل والكفر والأخلاق السيئة, وأنواع المعاصي, إلى نور العلم والإيمان, والأخلاق | |
| الحسنة. | |
| وقوله " بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله, إلا | |
| بإرادة من الله ومعونة. | |
| ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم. | |
| ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب, فقال: " إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ | |
| الْحَمِيدِ " أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته, المشتمل على العلم بالحق | |
| والعمل به. | |
| وفي ذكر " العزيز الحميد " بعد ذكر الصراط الموصل إليه, إشارة إلى أن من | |
| سلكه, فهو عزيز بعزة الله, قوي, ولو لم يكن له أنصار إلا الله, محمود في أموره, | |
| حسن العاقبة. | |
" الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من | |
| عذاب شديد " | |
وليدل ذلك على أن صراط الله, من أكبر الأدلة على ما لله, من صفات الكمال, | |
| ونعوت الجلال. | |
| وأن الذي نصبه لعباده, عزيز السلطان, حميد, في أقواله, وأفعاله, وأحكامه. | |
| وأنه مألوه معبود بالعبادات, التي هي منازل الصراط المستقيم. | |
| وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض, خلقا ورزقا, وتدبيرا, فله الحكم على عباده | |
| بأحكامه الدينية, لأنهم ملكه, ولا يليق به أن يتركهم سدى. | |
| فلما بين الدليل والبرهان, توعد من لم ينقد لذلك فقال: " | |
| وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " لا يقدر قدره, ولا | |
| يوصف أمره | |
" الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله | |
| ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد " | |
ثم وصفهم بأنهم " | |
| الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ " فرضوا | |
| بها, واطمأنوا, وغفلوا عن الدار الآخرة. | |
| " وَيَصُدُّونَ " الناس " | |
| عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " التي نصبها لعباده, وبينها في كتبه, وعلى | |
| ألسنة رسله, فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة. | |
| " وَيَبْغُونَهَا " أي: سبيل الله " عِوَجًا " أي: يحرصون على تهجينها وتقبيحها, للتنفير | |
| منها, ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. | |
| " أُولَئِكَ " الذين ذكر وصفهم " | |
| فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ " لأنهم ضلوا, وأضلوا وشاقوا الله ورسوله, | |
| وحاربوهم. | |
| فأي ضلال أبعد من هذا؟!!. | |
| وأما أهل الإيمان, فعكس هؤلاء, يؤمنون بالله وآياته, ويستحبون الآخرة على الدنيا, | |
| ويدعون إلى سبيل الله ويحسنونها, مهما أمكنهم, ويبغون استقامتها. | |
" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء | |
| ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم " | |
وهذا من لطفه بعباده, أنه ما أرسل رسولا, إلا بلسان قومه, ليبين لهم ما | |
| يحتاجون إليه, ويتمكنون من تعلم ما أتى به. | |
| بخلاف ما لو أتى على غير لسانهم, فإنهم يحتاجون إلى تلك اللغة, التي يتكلم بها, ثم | |
| يفهمون عنه. | |
| فإذا بين الرسول ما أمروا به, ونهوا عنه, وقامت عليهم حجة الله, فيضل الله من | |
| يشاء, ممن لم ينقد للهدى, ويهدي من يشاء, ممن اختصه برحمته. | |
| وهو العزيز الحكيم, الذي - من عزته - أنه انفرد بالهداية والإضلال, وتقليب القلوب | |
| إلى ما شاء. | |
| ومن حكمته, أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله, إلا بالمحل اللائق به. | |
| ويستدل بهذه الآية الكريمة, على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام | |
| رسوله, أمور مطلوبة, محبوبة لله, لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها. | |
| إلا إذا كان الناس في حالة, لا يحتاجون إليها, وذلك إذا تمرنوا على العربية, ونشأ | |
| عليها صغيرهم, وصارت طبيعة لهم, فحينئذ قد اكتفوا المؤنة وصلحوا لأن يتلقوا عن | |
| الله وعن رسوله, ابتداء, كما تلقى الصحابة " 4. | |
" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور | |
| وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " | |
يخبر تعالى: أنه أرسل موسى بآياته العظيمة, | |
| الدالة على صدق ما جاء به وصحته, وأمره بما أمر الله به رسوله محمدا صلى الله عليه | |
| وسلم, بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم. | |
| " أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ | |
| " أي: ظلمات الجهل والكفر وفروعه, إلى نور العلم والإيمان وتوابعه. | |
| " وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ " أي: بنعمه | |
| عليهم, وإحسانه إليهم وبأيامه في الأمم المكذبين, ووقائعه بالكافرين, ليشكروا | |
| نعمه, وليحذروا عقابه. | |
| " إِنَّ فِي ذَلِكَ " أي: في أيام الله على | |
| العباد " لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ " أي: صبار في | |
| الضراء والعسر والضيق, شكور على السراء والنعمة. | |
" وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل | |
| فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم | |
| عظيم " | |
فإنه يستدل بأيامه, على كمال قدرته, وعميم | |
| إحسانه, وتمام عدله وحكمته. | |
| ولهذا امتثل موسى عليه السلام أمر ربه, فذكرهم نعم الله فقال: " | |
| اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " أي: بقلوبكم وألسنتكم. | |
| " إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ | |
| " أي: يولونكم " سُوءَ الْعَذَابِ " أي | |
| أشده, وفسر ذلك بقوله: " وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ | |
| نِسَاءَكُمْ " أي: يبقونهن فلا يقتلونهن. | |
| " وَفِي ذَلِكُمْ " الإنجاء " | |
| بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ " أي: نعمة عظيمة. | |
| أو في ذلكم العذاب, الذي ابتليتم به من فرعون وملأه ابتلاء من الله عظيم لكم, | |
| لينظر هل تعتبرون أم لا؟ | |
" وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد | |
| " | |
وقال لهم - حاثا على شكر نعم الله -: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ " أي أعلم ووعد. | |
| " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " من نعمي " وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " ومن | |
| ذلك, أن يزيل عنهم النعمة, التي أنعم بها عليهم. | |
| والشكر هو اعتراف القلب بنعم الله, والثناء على الله بها, وصرفها في مرضاة الله | |
| تعالى, وكفر النعمة, ضد ذلك. | |
" وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني | |
| حميد " | |
" | |
| وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " فلن تضروا الله شيئا. | |
| " فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ " فالطاعات | |
| لا تزيد في ملكه, والمعاصي, لا تنقص. | |
| وهو كامل الغنى, حميد في ذاته, وأسمائه وصفاته, وأفعاله. | |
| ليس له من الصفات, إلا كل صفة حمد وكمال. | |
| ولا من الأسماء إلا كل اسم حسن. | |
| ولا من الأفعال, إلا كل فعل جميل | |
" ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من | |
| بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا | |
| إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب " | |
يقول تعالى - مخوفا عباده, ما أحله بالأمم المكذبة, حين جاءتهم الرسل, | |
| فكذبوهم, فعاقبهم بالعقاب العاجل, الذي رآه الناس وسمعوه فقال: " | |
| أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ | |
| وَثَمُودَ " . | |
| وقد ذكر الله قصصهم في كتابه, وبسطها. | |
| " وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا | |
| اللَّهُ " من كثرتهم, وكون أخبارهم اندرست. | |
| فهؤلاء كلهم " جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ " | |
| أي: بالأدلة الدالة على صدق ما جاءوا به. | |
| فلم يرسل الله رسولا, إلا أتاه من الآيات, ما يؤمن على مثله الشر. | |
| فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها, بل استكبروا عنها. | |
| " فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ " أي: | |
| لم يؤمنوا بما جاءوا به, ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله " يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ | |
| حَذَرَ الْمَوْتِ " . | |
| " وَقَالُوا " صريحا لرسلهم: " | |
| إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا | |
| تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " أي: موقع في الريبة, وقد كذبوا في | |
| ذلك وظلموا. | |
" قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم | |
| من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما | |
| كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين " | |
ولهذا " قَالَتِ " لهم " رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ " أي: فإنه أظهر الأشياء | |
| وأجلاها. | |
| فمن شك في الله " فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " الذي | |
| وجود الأشياء مستند إلى وجوده, لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات, حتى الأمور | |
| المحسوسة. | |
| ولهذا خاطبتهم الرسل, خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه. | |
| " يَدْعُوكُمْ " إلى منافعكم ومصالحكم " لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ | |
| مُسَمًّى " أي: ليثيبكم على الاستجابة لدعوته, بالثواب العاجل والآجل, | |
| فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم, بل النفع عائد إليكم. | |
| فردوا على رسلهم, رد السفهاء الجاهلين " وَقَالُوا " لهم: | |
| " إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا " أي: | |
| فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة. | |
| " تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ | |
| آبَاؤُنَا " فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم, لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وأنتم | |
| بشر مثلنا؟ " فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " أي: | |
| بحجة وبينة ظاهرة. | |
| ومرادهم بينة يقترحونها هم, وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات. | |
" قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء | |
| من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون | |
| " | |
" | |
| قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ " مجيبين | |
| لاقتراحهم واعتراضهم: " إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ | |
| " أي: صحيح وحقيقة, إنا بشر مثلكم,. | |
| " وَلَكِنْ " ليس في ذلك, ما يدفع ما جئنا به من | |
| الحق, فإن " اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ | |
| عِبَادِهِ " فإذا من الله علينا بوحيه ورسالته, فذلك فضله وإحسانه, | |
| وليس لأحد أن يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله. | |
| فانظروا ما جئناكم به, فإن كان حقا, فاقبلوه, وإن كان غير ذلك, فردوه ولا تجعلوا | |
| حالنا, حجة لكم على رد ما جئناكم به. | |
| وقولكم: " فائتونا بسلطان مبين " فإن هذا ليس | |
| بأيدينا, وليس لنا من الأمر شيء. | |
| " وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا | |
| بِإِذْنِ اللَّهِ " فهو الذي إن شاء جاءكم به وإن شاء, لم يأتكم به, | |
| وهو لا يفعل إلا ما هو متقضي حكمته ورحمته. | |
| " وَعَلَى اللَّهِ " لا على غيره " | |
| فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم, ودفع | |
| مضارهم, لعلمهم بتمام كفايته, وكمال قدرته, وعميم إحسانه. | |
| ويثقون به, في تيسير ذلك, وبحسب ما معهم من الإيمان يكون توكلهم. | |
" وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما | |
| آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون " | |
فعلم بهذا, وجوب التوكل, وأنه من لوازم الإيمان, ومن العبادات الكبار, | |
| التي يحبها الله ويرضاها, لتوقف سائر العبادات عليه. | |
| " وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ | |
| هَدَانَا سُبُلَنَا " أي: أي شيء يمنعنا من التوكل على الله, والحال, | |
| أننا على الحق والهدى. | |
| ومن كان على الحق والهدى, فإن هداه, يوجب له تمام التوكل. | |
| وكذلك ما يعلم من أن الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته, يدعو إلى ذلك. | |
| بخلاف من لم يكن على الحق والهدى, فإنه ليس ضامنا على الله, فإن حاله مناقضة لحال | |
| المتوكل. | |
| وفي هذا كالإشارة من الرسل, عليهم الصلاة والسلام لقومهم, بآية عظيمة. | |
| وهو أن قومهم - في الغالب - أن لهم القهر والغلبة عليهم. | |
| فتحدثهم رسلهم, بأنهم متوكلون على الله, في دفع كيدهم ومكرهم, وجازمون بكفايته | |
| إياهم. | |
| وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على إتلافهم, وإطفاء ما معهم من الحق. | |
| فيكون هذا, كقول نوح لقومه: " يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي | |
| وتذكيري بآيات الله, فعلى الله توكلت, فأجمعوا أمركم وشركاءكم, ثم لا يكن أمركم | |
| عليكم غمة, ثم اقضوا إلي ولا تنظرون " الآيات. | |
| وقول هود عليه السلام " إني أشهد الله واشهدوا, أني بريء مما | |
| تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون " . | |
| " وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا " أي: | |
| ولنستمرن على دعوتكم, ووعظكم, وتذكيركم, ولا نبالي بما يأتينا منكم, من الأذى, | |
| فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى, احتسابا للأجر, ونصحا لكم, لعل | |
| الله أن يهديكم مع كثرة التذكير. | |
| " وَعَلَى اللَّهِ " وحده لا على غيره " فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ " فإن التوكل | |
| عليه, مفتاح لكل خير. | |
| واعلم أن الرسل, عليهم الصلاة والسلام, توكلهم في أعلى المطالب وأشرف المراتب, وهو | |
| التوكل على الله, في إقامة دينه ونصره, وهداية عبيده, وإزالة الضلال عنهم, وهذا | |
| أكمل ما يكون من التوكل. | |
" وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا | |
| فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين " | |
لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك, وعدم مللهم, ذكر منتهى ما | |
| وصلت بهم الحال, مع قومهم فقال: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا | |
| لِرُسُلِهِمْ " متوعدين لهم - " لَنُخْرِجَنَّكُمْ | |
| مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا " وهذا أبلغ ما يكون | |
| من الرد, وليس بعد هذا فيهم, مطمع. | |
| لأنه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى, بل توعدوهم بالإخراج من ديارهم ونسبوها إلى | |
| أنفسهم, وزعموا أن الرسل, لا حق لهم فيها. | |
| وهذا من أعظم الظلم, فإن الله أخرج عباده إلى الأرض, وأمرهم بعبادته, وسخر لهم | |
| الأرض وما عليها, يستعينون بها على عبادته. | |
| فمن استعان بذلك على عبادة الله, حل له ذلك, وخرج من التبعة. | |
| ومن استعان بذلك على الكفر وأنواع المعاصي, لم يكن ذلك خالصا له, ولم يحل له. | |
| فعلم أن أعداء الرسل في الحقيقة, ليس لهم شيء من الأرض, التي توعدوا الرسل | |
| بإخراجهم منها. | |
| وإن رجعنا إلى مجرد العادة, فإن الرسل من جملة أهل بلادهم, وأفراد منهم. | |
| فلأي شيء يمنعونهم حقا لهم, صريحا واضحا؟!! هل هذا إلا من عدم الدين والمروءة | |
| بالكلية؟ ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال, ما بقي حينئذ, إلا أن يمضي | |
| الله أمره, وينصر أولياءه. | |
| " فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ | |
| الظَّالِمِينَ " بأنواع العقوبات. | |
" ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " | |
" | |
| وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ " أي: العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم, جزاء " لِمَنْ خَافَ مَقَامِي " عليه في الدنيا, وراقب الله | |
| مراقبة من يعلم أنه يراه. | |
| " وَخَافَ وَعِيدِ " أي: ما توعدت به من عصاني, | |
| فأوجب له ذلك, الانكفاف عما يكرهه الله, والمبادرة إلى ما يحبه الله. | |
" واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " | |
" | |
| وَاسْتَفْتَحُوا " أي: الكفار, أي: هم الذين | |
| طلبوا, واستعجلوا فتح الله وفرقانه, بين أوليائه وأعدائه, فجاءهم ما استفتحوا به, | |
| وإلا فالله عليم حليم, لا يعاجل من عصاه بالعقوبة. | |
| " وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ " أي: خسر في | |
| الدنيا والآخرة, من تجبر على الله وعلى الحق, وعلى عباد الله, واستكبر في الأرض, | |
| وعاند الرسل, وشاقهم. | |
" من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد " | |
" مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ " أي: جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد, فلا بد له من ورودها, فيذاق | |
| حينئذ العذاب الشديد. | |
| " وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ " في لونه, | |
| وطعمه, ورائحته الخبيثة, وهو في غاية الحرارة. | |
" يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن | |
| ورائه عذاب غليظ " | |
" | |
| يَتَجَرَّعُهُ " من العطش الشديد " وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ " فإنه إذا قرب إلى وجهه, | |
| شواه, وإذا وصل إلى بطنه, قطع ما أتى عليه من الأمعاء. | |
| " وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ | |
| بِمَيِّتٍ " أي: يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب, وكل | |
| نوع منه, من شدته يبلغ إلى الموت ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى: , لا | |
| يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * " | |
| وهم يصطرخون فيها " . | |
| " وَمِنْ وَرَائِهِ " أي: الجبار العنيد " عَذَابٍ غَلِيظٍ " أي: قوي شديد, لا يعلم وصفه وشدته, | |
| إلا الله تعالى. | |
" مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم | |
| عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد " | |
يخبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها: إما أن المراد بها, الأعمال | |
| التي عملوها لله, بأنها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد, الذي هو | |
| أدق الأشياء وأخفها, إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب, فإنه لا يبقى | |
| منه شيئا, ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل. | |
| فكذلك أعمال الكفار " لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى | |
| شَيْءٍ " ولا على مثقال ذرة منه, لأنه مبني على الكفر والتكذيب. | |
| " ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ " حيث بطل | |
| سعيهم, واضمحل عملهم. | |
| وإما أن المراد بذلك, أعمال الكفار التي عملوها, ليكيدوا بها الحق. | |
| فإنهم يسعون ويكدحون في ذلك, ومكرهم عائد عليهم, ولن يضروا الله ورسله وجنده وما | |
| معهم, من الحق شيئا. | |
| " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ | |
| وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ | |
| " | |
| ينبه تعالى عباده بأن " اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ | |
| وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ " أي: ليعبده الخلق ويعرفوه, ويأمرهم وينهاهم, | |
| وليستدلوا بهما, وما فيهما, على ما له, من صفات الكمال. | |
| وليعلموا أن الذي خلق السماوات والأرض - على عظمهما وسعتهما - قادر على أن يعيدهم | |
| خلقا جديدا, ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم, وأن قدرته ومشيئته, لا تقصر عن ذلك, | |
| ولهذا قال: " إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ | |
| جَدِيدٍ " . | |
| يحتمل أن المعنى: إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم, يكونون أطوع لله منكم. | |
| ويحتمل أن المراد: إن يشأ يفنيكم, ثم يعيدكم بالبعث خلقا جديدا. | |
| ويدل على هذا الاحتمال, ما ذكره بعده, من أحوال يوم القيامة. | |
" وما ذلك على الله بعزيز " | |
" وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ " أي: بممتنع بل هو سهل عليه جدا. | |
| " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " " وهو الذي | |
| يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " . | |
" وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا | |
| فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا | |
| أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " | |
" | |
| وَبَرَزُوا " أي: الخلائق " | |
| لِلَّهِ جَمِيعًا " حين ينفخ في الصور, فيخرجون من الأجداث إلى ربهم, | |
| فيقفون في أرض مستوية, قاع صفصف, لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ويبرزون له, لا يخفى | |
| عليه منهم خافية. | |
| فإذا برزوا, صاروا يتحاجون, وكل يدفع عن نفسه, ويدافع ما يقدر عليه ولكن أني لهم | |
| ذلك؟ " فَقَالَ الضُّعَفَاءُ " أي: التابعون | |
| والمقلدون " لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا " وهم: | |
| المتبوعون, الذين هم قادة في الضلال: " إِنَّا كُنَّا لَكُمْ | |
| تَبَعًا " أي: في الدنيا, أمرتمونا بالضلال, وزينتموه لنا, | |
| فأغويتمونا. | |
| " فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ | |
| مِنْ شَيْءٍ " أي: ولو مثقال ذرة. | |
| " قَالُوا " أي: المتبوعون والرؤساء " أغويناكم كما غوينا " و " لَوْ | |
| هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ " فلا يغني أحد أحدا. | |
| " سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا " من العذاب " أَمْ صَبَرْنَا " عليه. | |
| " مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ " أي: لا ملجأ نلجأ | |
| إليه, ولا مهرب لنا من عذاب الله. | |
" وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم | |
| فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا | |
| أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين | |
| لهم عذاب أليم " | |
أي: " وَقَالَ الشَّيْطَانُ " الذي هو | |
| سبب لكل شر يقع ووقع في العالم, مخاطبا لأهل النار, ومتبرئا منهم " | |
| لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ " ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: " إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ " على | |
| ألسنة رسله, فلم تطيعوه, فلو أطعتموه, لأدركتم الفوز العظيم. | |
| " وَوَعَدْتُكُمْ " الخير " | |
| فَأَخْلَفْتُكُمْ " أي: لم يحصل, ولن يحصل لكم ما منيتكم به, من | |
| الأماني الباطلة. | |
| " وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ " أي: | |
| من حجة على تأييد قولي. | |
| " إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " أي: | |
| هذه نهاية ما عندي, أني دعوتكم إلى مرادى, وزينته لكم, فاستجبتم لي, اتباعا | |
| لأهوائكم وشهواتكم. | |
| فإذا كانت الحال بهذه الصورة " فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا | |
| أَنْفُسَكُمْ " فأنتم السبب, وعليكم المدار في موجب العقاب. | |
| " مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ " أي: بمغيثكم من | |
| الشدة التي أنتم بها " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ " كل | |
| له قسط من العذاب. | |
| " إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ " | |
| أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله, فلست شريكا لله, ولا تجب طاعتي. | |
| " إِنَّ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم بطاعة الشيطان " لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " خالدين فيه أبدا. | |
| وهذا من لطف الله بعباده, أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله, التي يدخل منها | |
| على الإنسان ومقاصده فيه, وأنه يقصد أن يدخله النيران. | |
| وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار هو وجنده, أنه يتبرأ منهم هذه البراءة, ويكفر | |
| بشركهم " ولا ينبئك مثل خبير " . | |
| واعلم أن الله ذكر في هذه الآية, أن الشيطان ليس له سلطان. | |
| وقال في آية أخرى " إنما سلطانه على الذين يتولونه, والذين هم | |
| به مشركون " . | |
| فالسلطان الذي نفاه عنه, هو سلطان الحجة والدليل. | |
| فليس له حجة أصلا, على ما يدعو إليه. | |
| وإنما نهاية ذلك, أن يقيم من الشبه والتزيينات, ما به يتجرأون على المعاصي. | |
| وأما السلطان, الذي أثبته, فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤزهم إلى | |
| المعاصي أزا, وهم الذين سلطوه على أنفسهم, بموالاته, والالتحاق بحزبه. | |
| ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. | |
" وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار | |
| خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام " | |
ولما ذكر عقاب الظالمين, ذكر ثواب الطائعين فقال: " | |
| وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " أي: الذين | |
| قاموا بالدين, قولا, وعملا, واعتقادا. | |
| " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " فيها | |
| من اللذات والشهوات, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. | |
| " خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " أي: لا | |
| بحولهم وقوتهم, بل بحول الله وقوته. | |
| " تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ " أي: يحيي بعضهم | |
| بعضا بالسلام, والتحية, والكلام الطيب | |
" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت | |
| وفرعها في السماء " | |
يقول تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ | |
| مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً " وهي شهادة أن لا إله إلا الله, وفروعها. | |
| " كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ " وهي النخلة " أَصْلُهَا ثَابِتٌ " في الأرض " | |
| وَفَرْعُهَا " منتشر " فِي السَّمَاءِ " وهي | |
| كثيرة النفع دائما. | |
| " تُؤْتِي أُكُلَهَا " أي ثمرتها " | |
| كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا " . | |
| فكذلك شجرة الإيمان, أصلها ثابت في قلب المؤمن, علما, واعتقادا. | |
| وفرعها من الكلم الطيب, والعمل الصالح, والأخلاق المرضية, والآداب الحسنة, في | |
| السماء دائما, يصعد إلى الله منه, من الأعمال والأقوال, التي تخرجها شجرة الإيمان, | |
| ما ينتفع به المؤمن, وينتفع غيره. | |
| " وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ | |
| يَتَذَكَّرُونَ " ما أمرهم به ونهاهم عنه. | |
| فإن في ضرب الأمثال, تقريبا للمعاني المعقولة, من الأمثال المحسوسة, ويتبين المعنى | |
| الذي أراده الله, غاية البيان, ويتضح, غاية الوضوح, وهذا من رحمته, وحسن تعليمه. | |
| فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه. | |
| فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها, في قلب المؤمن. | |
| " وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ | |
| اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " | |
| ثم ذكر ضدها وهي: كلمة الكفر, وفرعها فقال: " وَمَثَلُ | |
| كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ " المأكل والمطعم, وهي: شجرة | |
| الحنظل ونحوها. | |
| " اجْتُثَّتْ " هذه الشجرة " | |
| مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " أي: ثبوت فلا عروق | |
| تمسكها, ولا ثمرة صالحة, تنتجها, بل إن وجد فيها ثمرة, فهي ثمرة خبيثة. | |
| كذلك كلمة الكفر والمعاصي, ليس لها ثبوت نافع في القلب, ولا تثمر إلا كل قول خبيث, | |
| وعمل خبيث, يؤذي صاحبه, ولا يصعد إلى الله منه عمل صالح, ولا ينفع نفسه ولا ينتفع | |
| به غيره. | |
" يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي | |
| الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " | |
يخبر تعالى: أنه يثبت عباده المؤمنين أي: | |
| الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام, الذي يستلزم أعمال الجوارح | |
| ويثمرها. | |
| فيثبتهم الله في الحياة الدنيا, عند ورود الشبهات, بالهداية إلى اليقين. | |
| وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة, على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس | |
| ومرادها. | |
| وفي الآخرة عند الموت, بالثبات على الدين الإسلامي, والخاتمة الحسنة. | |
| وفي القبر عند سؤال الملكين, للجواب الصحيح, إذا قيل للميت " | |
| من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " هداهم للجواب الصحيح, بأن يقول المؤمن: | |
| " الله ربي, والإسلام ديني, ومحمد نبيي " . | |
| " وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ " عن الصواب | |
| في الدنيا والآخرة, وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم. | |
| وفي هذه الآية, دلالة على فتنة القبر, وعذابه, ونعيمه, كما تواترت بذلك النصوص عن | |
| النبي صلى الله عليه وسلم, في الفتنة وصفتها, ونعيم القبر وعذابه. | |
" ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار | |
| " | |
يقول تعالى - مبينا حال المكذبين لرسوله, من كفار قريش, وما آل إليه | |
| أمرهم: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ | |
| اللَّهِ كُفْرًا " ونعمة الله هي: إرسال محمد صلى الله عليه وسلم, إليهم | |
| يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة, وإلى النجاة من شرور الدنيا والآخرة. | |
| فبدلوا هذه النعمة, بردها, والكفر بها والصد عنها, بأنفسهم. | |
| وصدهم غيرهم حتى " وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ | |
| " وهي: النار, حيث تسببوا لإضلالهم, فصاروا وبالا على قومهم, من حيث | |
| يظن نفعهم. | |
| ومن ذلك أنهم, زينوا لهم الخروج يوم " بدر " ليحاربوا | |
| الله ورسوله. | |
| فجرى عليهم ما جرى, وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم, في تلك الوقعة. | |
" جهنم يصلونها وبئس القرار " | |
" | |
| جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا " أي: يحيط بهم | |
| حرها, من جميع جوانبهم " وَبِئْسَ الْقَرَارُ " | |
" وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى | |
| النار " | |
" | |
| وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا " أي: نظراء | |
| وشركاء " لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ " أي: | |
| ليضلوا العباد عن سبيل الله, بسبب ما جعلوا الله من الأنداد, ودعوهم إلى عبادتها. | |
| " قُلْ " لهم متوعدا: " | |
| تَمَتَّعُوا " بكفرهم وضلالكم قليلا, فليس ذلك بنافعكم. | |
| " فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ " أي: | |
| مآلكم ومأواكم فيها, وبئس المصير. | |
" قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا | |
| وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال " | |
أي: " قُلْ لِعِبَادِيَ | |
| الَّذِينَ آمَنُوا " آمرا لهم بما فيه غاية صلاحهم, وأن ينتهزوا | |
| الفرصة, قبل أن لا يمكنهم ذلك: " يُقِيمُوا الصَّلَاةَ " | |
| ظاهرا وباطنا " وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ | |
| " أي: من النعم التي أنعمنا بها عليهم, قليلا أو كثيرا " سِرًّا وَعَلَانِيَةً " . | |
| وهذا يشمل النفقة الواجبة, كالزكاة, ونفقة من تجب عليه نفقته, والمستحبة, كالصدقات | |
| ونحوها. | |
| " مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا | |
| خِلَالٌ " أي: لا ينفع فيه شيء, ولا سبيل إلى استدراك ما فات, لا | |
| بمعاوضة بيع وشراء, ولا بهبة خليل وصديق. | |
| فكل امرئ له شأن يغنيه. | |
| فليقدم العبد لنفسه, ولينظر ما قدمه لغد, وليتفقد أعماله, ويحاسب نفسه, قبل الحساب | |
| الأكبر. | |
" الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من | |
| الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار " | |
يخبر تعالى: أنه وحده " الَّذِي خَلَقَ | |
| السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " على اتساعهما وعظمهما. | |
| " وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً " وهو: المطر | |
| الذي ينزله الله من السحاب. | |
| " فَأَخْرَجَ بِهِ " أي: بذلك الماء " مِنَ الثَّمَرَاتِ " المختلفة الأنواع. | |
| " رِزْقًا لَكُمْ " ورزقا لأنعامكم " وَسَخَّرَ لَكُمُ ا أكثر المصاحف تفاعلاً |