حلقة 7: صيام ست شوال - قراءة القرآن على غير وضوء - مضطجعاً - مسك القرآن باليد اليسرى - قطع قراءة القرآن بالحديث الجانبي - حكم أكل الدجاج الذي يأتينا من فرنسا - حكم استعمال حبوب الأمراض النفسية في رمضان

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

7 / 50 محاضرة

حلقة 7: صيام ست شوال - قراءة القرآن على غير وضوء - مضطجعاً - مسك القرآن باليد اليسرى - قطع قراءة القرآن بالحديث الجانبي - حكم أكل الدجاج الذي يأتينا من فرنسا - حكم استعمال حبوب الأمراض النفسية في رمضان

1- هل يشرع صيام الست من شوال لمن عليه أيام من رمضان قبل قضاء ما عليه؛ لأني سمعت بعض الناس يُفتي بذلك، ويقول: إن عائشة - رضي الله عنها- كانت لا تقضي الأيام التي عليها من رمضان إلا في شعبان، والظاهر أنها كانت تصوم الست من شوال لما هو معلوم من حرصها على الخير؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: في هذه المسألة لا يجوز فيما يظهر لنا أن تصام النافلة قبل الفريضة لأمرين: أحدهما : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). والذي عليه قضاء من رمضان لا يكون متبعاً للست من شوال لرمضان ؛ لأنه قد بقي عليه من رمضان فلا يكون متبعاً لها لرمضان حتى يكمل ما عليه من رمضان ، فإذا كان الرجل عليه صيام من رمضان لكونه مسافراً أو مريضاً ثم عافاه الله، فإنه يبدأ بقضاء رمضان، ثم يصوم الست إن أمكنه ذلك. وهكذا المرأة التي أفطرت من أجل حيضها أو نفاسها فإنها تبدأ بقضاء الأيام التي عليها ثم تصوم الستة من شوال إن أمكنها ذلك ، إذا قضت في شوال. أما أن تبدأ بصيام الست من شوال ، أو يبدأ الرجل الذي عليه صوم بالست من شوال فهذا لا يصلح ولا ينبغي. والوجه الثاني: أن دين الله أحق بالقضاء، وأن الفريضة أولى بالبدء والمسارعة من النافلة ، الله - عز وجل- أوجب عليه صوم رمضان ، وأوجب على المرآة صوم رمضان فلا يليق أن تبدأ بالنافلة قبل أن تؤدى الفريضة. وبهذا يعلم أنه لا وجه للفتوى بصيام الست لمن عليه قضاء قبل القضاء، بل يبدأ بالقضاء فيصوم الفرض ثم إذا بقي في الشهر شيء وأمكنه أن يصوم الست فعل ذلك وإلا ترك ؛ لأنها نافلة بحمد لله. وأما قضاء الصيام الذي عليه من رمضان فهو واجب وفرض، فوجب أن يبدأ بالفرض قبل النافلة ويحتاط لدينه للأمرين السابقين: أحدهما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثم أتبعه ستاً من شوال). والذي عليه أيام من رمضان ما يصلح أن يكون متبعاً للست من رمضان ، بل قد بقي عليه ، فكأنه صامها في أثناء الشهر، كأنه صامها بين أيام رمضان ، ما جعلها متبعةً لرمضان. والأمر الثاني: أن الفرض أولى بالبداءة، وأحق بالقضاء من النافلة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح : (دين الله أحق بالقضاء، أقضوا الله فالله أحق بالوفاء - سبحانه وتعالى). أما قوله عن عائشة ، فعائشة - رضي الله عنها- كانت تؤخر الصوم إلى شعبان قالت لما كانت تشغل برسول الله - عليه الصلاة والسلام-، فإذا أخرت الفريضة من أجل الرسول - صلى الله عليه وسلم- فأولى وأولى أن تؤخر النافلة من شغله - عليه الصلاة والسلام-. فالحاصل أن عائشة ليس في عملها حجة في تقديم الست من شوال على قضاء رمضان؛ لأنها تؤخر صيام رمضان لأجل شغلها برسول الله -عليه الصلاة والسلام- فأولى وأولى أن تؤخر الست من شوال، ثم لو فعلت وقدمت الست من شوال فليس فعلها حجةً فيما يخالف ظاهر النصوص.

 

2- هل يجوز قراءة القرآن الكريم والإنسان على غير وضوء؟ أفيدونا وفقكم الله؟

ج/ لا حرج أن يقرأ القرآن وهو على غير وضوء ، قراءة القرآن من الذكر ، قالت عائشة - رضي الله عنها - : كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه. فالنبي - صلى الله عليه وسلم- كان يذكر الله كثيراً في جميع أوقاته ، يسبح الله، ويحمد الله، ويذكره كثيراً في كل وقت - عليه الصلاة والسلام-، والقرآن من الذكر، فإذا قرأ القرآن وهو على غير وضوء يعني عن حفظ ، عن ظهر قلب فلا بأس بذلك ، أن يقرأ ولو على حدث أصغر ليس أكبر فلا بأس عليه ، وأن يقرأ القرآن على غير طهارة ، لكن ليس من المصحف، بل عن ظهر قلب ، أما من المصحف فلا ، فلا يقرأ من المصحف إلا بطهارة ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الحديث: نهى أن يمس القرآن إلا طاهر. وهو حديث جيد لا بأس به ، له طرق، حديث عمرو بن حزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى أن يمس القرآن إلا عن طهارة ، لا يمس القرآن إلا طاهر ؛ ولأن الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم- أفتوا بأنه لا يمس القرآن إلا طاهر ، يعني لا يقرأ من القرآن إلا طاهر، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه – عن الصحابة أنهم كانوا يفتون أنه لا يقرأ القرآن إلا طاهر، يعني لا يمس القرآن إلا طاهر، وهكذا قال الأئمة الأربعة والجمهور أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف، أما كونه يقرأ عن ظهر قلب فلا بأس ، يعني يقرأ حفظاً، لا بأس أن يقرأ القرآن هذا كله إذا كان الحدث أصغر ، أما إذا كان جنب فلا ، لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب ؛ لأنه ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه كان لا يمتنع من القرآن إلا من الجنابة ، كان إذا كان على جنابة لا يقرأ القرآن - عليه الصلاة والسلام-. في رواية عنه من حديث علي قال : (أما الجنب فلا ، ولا آية). هذا يدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب. وهكذا الحائض عند بعض أهل العلم والنفساء؛ لأن حدثهما أكبر، وقال آخرون من أهل العلم إن الحائض والنفساء ليستا من جنس الجنب؛ لأن حديثما يطول، ومدتهما تطول، وليس الأمر بأيديهما، فإنهما ينتظران انقطاع الدم، وحصول الطهارة، فيغتسلان بعد ذلك ، أما الجنب فالأمر بيده متى ما انتهى من حاجته من أهله أمكنه الغسل في الحال، أو التيمم إذا كان عاجزاً عن الغسل، وأمكنه أن يقرأ بعد الغسل، فهو متيسر له الغسل أو التيمم عند العجز عن الغسل بخلاف الحائض والنفساء، فإنهما لا يتيسر لهما ذلك إلا بعد انتهاء الدم ، وانقطاع الدم، وحصول الطهارة فعذرهما أشد ، ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجوز لهما القراءة عن ظهر قلب من غير مس المصحف، وهو قول جيد، ولاسيما عند الحاجة كمعلمة أو الطالبة إذا احتاجت إلى ذلك، فإنه لا حرج عليهما في قراءة القرآن عند الحاجة، ولا بأس إن شاء الله لعدم الدليل. أما حديث: (لا تقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن). فهو حديث ضعيف عند أهل العلم. المقدم: لكن سماحة الشيخ قد يتعلل بعض الناس ويقول: إذا كان القرآن يقرأ على ظهر قلب والإنسان ليس طاهراً يعني عليه الحدث الأصغر، وإذا أتى إلى قراءة القرآن في المصحف فإنه يلزمه الطهارة، قد يقول: إن هذه الطهارة هي للمصحف نفسه للورق وليس لكتاب الله - عز وجل- وهو القرآن؟ الشيخ : يجاب بأن الورق عظم من تعظيم القرآن، إن عظم الورق من تعظيم كتاب الله المكتوب فيه، فلا يقرأ فيه وهو على غير طهارة ، يمسه، تعظيماً للذي حمل كتاب الله ، وأما إذا قرأ عن ظهر قلب ، فالقرآن في جوفه ، القرآن في جوفه لا يضره ذلك؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ على كل أحيانه، وهو القدوة - عليه الصلاة والسلام- وهو المعلم، وقال لنا : (لا يمس القرآن إلا طاهر). فنحن بهذا امتثلنا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وامتثلنا فتوى الصحابة، فكون القرآن في أجوافنا ونقرأ لا يضرنا ذلك إذا كنَّا على غير طهارة بخلاف المصحف الذي قد تعين لحمل القرآن في أوراقه فصار مكتوب فيه كلام الله، فمن تعظيم كلام الله أن لا يقرأ إلا عن طهارة من هذا المصحف الذي حمله وعين فيه. ثم الأمور توقيفية، العبادة توقيفية لا مجال للرأي فيها ما دام النص جاء بعدم مس القرآن إلا وأنت طاهر، وأفتى به الصحابة وهم أعلم الناس بسنة النبي - عليه الصلاة والسلام-، الصحابة أعلم الناس بالسنة، وأعلمهم بالأحكام الشرعية فإذا أفتوا بهذا ففتواهم أولى من غيرهم.

 

3- هل يجوز للإنسان أن يقرأ وهو مضطجع؟

لا بأس في ذلك، لا بأس أن يقرأ القرآن قائماً وقاعداً ومضطجعاً، لا حرج في ذلك؛ لقول الله – سبحانه - : فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [(103) سورة النساء]. والذكر يعم التسبيح والتهليل، والتكبير، ويعم القرآن، فهو ذكر. ولقول عائشة - رضي الله عنها- فيما رواه مسلم في الصحيح قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه. هذا يعم كونه وقفاً أو جالساً أو مضطجعاً، النصوص تعم ذلك.
 
4- هل يجوز مسك المصحف باليد اليسرى؟
لا أعلم في هذا شيء ، وإن كان أخذه باليمنى أفضل، اليمين أفضل بكل حال ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعمل يده اليمنى لطهارته، ولترجله، وللأخذ والعطاء، وللمصافحة، ونحو ذلك، واليسرى لما سوى ذلك ، فإذا دعت الحاجة إلى أن يأخذ المصحف باليسار؛ لأن اليمين تعبت، أو لأن حصل أراد أن يأخذ شيئاً بها، أو ما أشبه ذلك فلا حرج- إن شاء الله -؛ لأنهما يتعاونان، اليدان تتعاونان، وليس المقصود بأخذه باليسار إهانة ولا تساهلاً وإنما التعاون من هذه لهذه ، فهما يتعاونان إذا جعله في اليسرى وقرأ أو في اليمنى وقرأ كله لا بأس به إن شاء الله، لكن باليمنى كونه باليمنى أولى وأفضل لما تقدم من تفضيل اليمنى في الأخذ والإعطاء، والأكل، ونحو ذلك.

 

 
5- هل يجوز التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن؟
لا نعلم حرجاً في ذلك، لا نعلم حرجاً في أن يتكلم وهو يقرأ، لكن كونه يستمر في قراءته وأن لا يشغل بالكلام أولى حتى يحضر بقلبه بالتدبر والتعقل يكون هذا أفضل إذا لم تدعو حاجة للكلام، أما إذا دعت الحاجة للكلام فلا حرج إن شاء الله، له أن يتكلم ثم يعود إلى قراءته ، مثل أن يرد السلام على من سلم عليه ، مثل يجيب المؤذن إذا سمع الأذان ، يسكت ، يعني هذه سنن ينبغي للمؤمن أن يأخذ بها ولا يتساهل فيها ، فإذا سمع الأذان أنصت للأذان وأجاب المؤمن ثم عاد إلى قراءته ، هذا هو الأفضل ، كالذي رد عليه ، إنسان سلم عليه يرد عليه السلام، أو سمع عاطساً حمد الله أن يشمته، أو ما أشبه ذلك، أو يأمر أهله بحاجة، أو جاء إنسان إليه لحاجة لا يحصل بها تعطيله كل هذا لا بأس به. أما الكلام الذي لا تدعو إليه حاجة فالأولى تركه حتى يشتغل بالقراءة وحتى ويتدبر ويتعقل؛ لأن هذا هو المطلوب، فإن الله - سبحانه وتعالى- يقول: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [(29) سورة ص]. ومعلوم أن الكلام لما ليس فيه حاجة يكون فيه شغل للقلب، وفيه أيضاً إضعاف للتدبر فالأولى تركه.

 

 
6- ما حكم أكل الدجاج الذي يأتينا من فرنسا، والذي نسمع أنه يذبح بالكهرباء، وما هو واجب وزارة التجارة منه؟ أفيدونا وفقكم الله؟
هذا موضوع قد طُرق غير مرة، وقد تكلمنا فيه غير مرة، وقد تكلمنا مع وزارة التجارة في ذلك غير مرة ، وجرى في ذلك مكاتبة بيننا وبينها، والمعلوم منها أن كل ما يجيء إلى هذه البلاد كله معروف حله، وأنه ليس فيه شك، وأنه من الأشياء الطيبة المعلومة من جهة الذبح ومن جهة غيره ، والأصل أيضاً حل ما يأتي من بلاد أهل الكتاب ، هذا هو الأصل، ما جاءنا من بلاد أهل الكتاب اليهود والنصارى فالأصل حله؛ لأن الله – سبحانه- أباح لنا طعام أهل الكتاب، وطعامهم ذبائحهم، فالذي يأتي من فرنسا أو من انجلترا أو من الدنمارك، أو ما أشبه ذلك من بلاد النصارى، وهكذا بلاد اليهود لو كان بيننا وبينهم صلة فهو حل لنا؛ لأنه من طعامهم، وليس علينا أن نفتش ونقول لعل كذا ، لعل كذا ، أما إذا علمنا أنه ذُبح على غير الشريعة؛ مثل الخنق، والصعق بالكهرباء، أو نحو ذلك، إذا علم هذا في هذه الذبيحة أو في هذا اللحم لا نأكله ، وأما إذا لم نعلم فالأصل الحل، مثل ذبائح المسلمين ، الأصل فيها الحل حتى نعلم أن هذا المسلم ذبحها ذبحاً غير شرعي؛ كالخنق، وبهذا نكون قد أخذنا بالرخصة والتيسر وتركنا الحرج والتكلف.

 

 
7- أنا عندي مرض نفسي، حيث عرضت نفسي على الطبيب فأعطاني جرعات على شكل حبوب، وذلك لمدة خمس سنوات كل (12) ساعة حبة واحدة، فماذا أفعل وخاصة في شهر رمضان رغم أن طول الصيام في اليوم يصل إلى (15) ساعة، ولو تأخرت عن هذا الموعد أقل من ساعة فقد يعادوني هذا المرض الصرعة؟
الله يقول - جل وعلا- : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [(16) سورة التغابن]. فإذا كان المرض يحصل بتأخير الجرعة عن موعدها فلا بأس بالإفطار ، إذا كان اليوم طويل مثل (15) ساعة ، من هذه الأيام لا بأس أنه يأكل من الجرعة الحبة التي عينت له ويفطر بذلك ويقضي هذا اليوم ، يأكلها ويمسك ويقضي؛ لأن الإفطار من أجلها ، يمسك ويقضي بعد ذلك، أما إذا تمكن أن يؤجل ولا يشق عليه ذلك فإنه يلزم التأجيل حتى يأكلها بالليل. المقدم: هو في الحقيقة يقول : ما أستطيع أن أؤجلها؟! الشيخ: مثلما قلنا إذا كان ما يستطيع يأكلها، والحمد لله، يقضي اليوم في الأيام القصيرة ، الأيام الباردة، الذي لا يزيد نهارها على اثنا عشر.

731 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply