حلقة 50: حكم زيارة القبور، والتمسح بالقبر، أو الشخص العالم الولي - المولد في المساجد ليلة كل جمعة - حقيقة البدعة الحسنة والغير حسنة - قراءة ودعاء المأموم أثناء قراءة الإمام في الصلاة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

50 / 50 محاضرة

حلقة 50: حكم زيارة القبور، والتمسح بالقبر، أو الشخص العالم الولي - المولد في المساجد ليلة كل جمعة - حقيقة البدعة الحسنة والغير حسنة - قراءة ودعاء المأموم أثناء قراءة الإمام في الصلاة

1- في حضرموت وفي مدينة سيئون، يذهب الناس في وقت محدد من كل سنة إلى زيارة قبة علي حبشي، يقال: إنه أحد الأولياء، وفي هذه القبة قبره، والطريقة المتبعة هي: غسل وتلبيس القبر، ثم ثاني يوم وقفة مع خطبة لأحد العلماء، وذلك قبل شروق الشمس، نرجو أن تفتونا بذلك مع دليل، وما حكم زيارة القبور، والتمسح بالقبر، أو الشخص العالم الولي؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعـد: فهذا القبر المسؤول عنه لا نعرف له أصلاً ، ثم لو عرف فإن البناء على القبور، وتخصيص يوم معين لزيارتها، واتخاذها أعياد أمر منكر، النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : (لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا بيوتكم قبوراً). فلا يجوز أن تعظم القبور بالبناء عليها واتخاذها مساجد ، ولا باتخاذها أعياداً يجتمع إليها في السنة مرة أو مرتين ، كل هذا مما أحدثه الناس ، وإنما المشروع أن تزار حينما ييسر الله من الأيام ، من غير تحديد يوم معين ، تزار ويدعى للميت ويترحم عليه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة). تذكره بالموت ، فيزروها المؤمن ، يزورها الرجل ، أما النساء فمنهيات عن زيارة القبور ، لكن يزورها الرجل ويسلم على المقبور، ويدعو له بالمغفرة والرحمة ، هذا هو المشروع من دون شد رحل ، أما شد الرحال فلا يجوز شد الرحال إلى القبور ، وإنما تشد الرحال إلى المساجد الثلاثة فقط: المسجد الحرام ، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم-، والمسجد الأقصى ، هكذا بين النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى). أما شد الرحال لقبر معين، أو لقبور معينة ، فهذا منكر وخلاف السنة ، ثم قصد القبور للدعاء عندها ، أو الصلاة عندها، أو القراءة عندها أيضاًَ منكر ، ومن وسائل الشرك ، فلا تتخذ محلاً للدعاء والصلاة والقراءة ، بل هذا من نوع اتخاذها مساجد ، فلا يجوز ، ولا يجوز البناء عليها ، لا بقبة ولا بسقف ، لا يتخذ قبر مصلى ، ولا يبنى عليه قبة ، ولا يفرش، ولا يطيب ، لأن هذه من وسائل الشرك، ومن وسائل الغلو فيه ، فلا يجوز هذا العمل الذي ذكره السائل، من قصد القبر وتغسيله وتعظيمه ، والاجتماع عنده ، والتبرك به ، كله من المنكرات التي حرمها الله - عز وجل- ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال : (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). فلا يجوز أن تتخذ مساجد ، ولا أن يبنى عليها، ولا يصلى عندها ، وقد قال أيضاً عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة). فدل على أن القبور ليست محل مساجد ، ولا محل قراءة ، وقال أيضاً - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- : أنه نهى عن تجصيص القبور وعن القعود عليها ، وعن البناء عليها. رواه مسلم في الصحيح. فالقبور لا يُبنى عليها ، لا قبة ولا غيرها ، ولا يبنى عليها مسجد ، ولا تتخذ محلاً للدعاء والصلاةs0 ، ولكن تزار من البلد من دون شد رحل ، يزورها أهل البلد، أو المارّ عليها فيسلم عليها فيسلم عليهم ويدعو لهم ويستغفر لهم ، وفيها عبرة وذكرى، بالزيارة يذكر الموت ، ويذكر الآخرة ، ويذكر ما صار إليه هؤلاء الأموات، فيستعد للقاء الله - عز وجل- ، هذا هو المشروع ، فينبغي الحذر مما أحدثه الجهال ، ومما يفعله الجهال من الغلو في القبور، ودعاء أهلها والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ، وطلبهم المدد ، فإن هذا من الشرك الأكبر ، والذي يقول : يا سيدي فلان المدد المدد، الغوث الغوث ، اشفي مريضي، انصرنا على أعداءنا ، هذا من الكفر والشرك الأكبر؛ إنما يطلب من الله، هو الذي يمد العباد ، هو الذي ينصرهم ، هو الذي يشف المرضى - سبحانه وتعالى- ، أما الميت فليس عنده قدرة ، لا يشفي نفسه، ولا يشفي غيره، فدعاؤه، والاستغاثة به، والنذر له، والذبح له، وطلب المدد، كل هذا من عمل الجاهلية، ومن الشرك الأكبر، فيجب الحذر من ذلك، - والله المستعـان-.  

 

 
2- المولد في المساجد ليلة كل جمعة، يوجد كتابا اسمه: (المولد الدبيعي)، - يقول-: فيه قصائد عدة، تمدح الرسول - صلى الله عليه وسلم- ويكثر فيه الصلاة على النبي والمدح، وسيرته من قبل مولده إلى وفاته، نرجو توضيح ذلك مع الدليل؟
أما الاحتفال بالموالد ، فهذا لا أصل له ، وليس عليه دليل ، ولم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته ، ولا فعله خلفاؤه الراشدون - رضي الله عنهم- وهم أعلم الناس به ، وأحب الناس له- عليه الصلاة والسلام-، وهكذا بقية الصحابة لم يفعلوه ، ولا التابعون في جميع القرون المفضلة ، فدل ذلك على أنه بدعة ، ولكن دراسة السيرة النبوية ، .......... بين الناس في أي وقت ، في الليل أو في النهار ، في الأسبوع مرة أو مرتين أو أقل أو أكثر ، هذا كله طيب ، دراسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وما كان عليه في أسفاره وإقامته، وبيان أخلاقه وأعماله - عليه الصلاة والسلام - هذا حق ، حتى يتأسى به ، أما العناية بالقصائد التي فيها الغلو ، والإطراء ، ثم يعين لهذا المولد في ربيع الأول في الثاني عشر أو في غيره لقصد دراسة هذا المولد من حين ولد - عليه الصلاة والسلام-، وما يتبع ذلك من القصائد الشركية كالبردة وغيرها ، فهذا منكر ، لا أصل له ، وإنما المشروع أن يؤتى بالدروس الشرعية التي يقرؤها الناس في البيوت أو في المساجد كسائر الدروس لبيان سيرته - عليه الصلاة والسلام- ، وما كان عليه ، كيف ولد؟ ، وكيف عاش؟ ، ثم بعد بعثته؟ وهو المهم، المهم أعماله بعد البعثة؟ كيف أعماله؟ ، كيف سيرت؟ حتى يتأسى به المؤمنون ، وحتى يستفيدوا ، أما ما اعتاده الناس من إيجاد مولد يحتفل به في ربيع الأول، وتذبح فيه الذبائح ، وتقام فيها الولائم ، ويؤتى به بالقصائد التي فيها الإطراء والغلو ، ويقوم الناس في وقتٍ معين يقولون: إنه حضر - عليه الصلاة والسلام-، يقومون له، هذا لا أصل له ، هذا من البدع المنكرة ، ومن وسائل الشرك ؛ لأنهم يقع عندهم في بعض الأحيان غلو كثير ، وإطراء يستغيثون به بالنبي - صلى الله عليه وسلم- ويسألونه المدد والنصر ، إلى غير ذلك ، وربما وقع في ذلك أحاديث موضوعة مكذوبة لا أساس لها ، وفي بعض البلدان يقع اختلاط بين الرجال والنساء ، ويقع أشياء منكرة في الاجتماع والاحتفال في بعض البلدان، فيجب الحذر من ذلك، ولا يجوز إقامة هذه الموالد، وهذه الاحتفالات؛ لأنها خلاف ما شرعه الله - عز وجل-؛ ولأنها لو كانت خيراً لسبقنا إليها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- والتابعون لهم بإحسان، وإنما أحدثها الفاطميون في القرن الرابع ثم انتشرت بعدهم ، فلا ينبغي للعاقل أن يغترَّ بالفاطميين المعروفين بالرفض والتشيع، وأن يكونوا هم أئمته في هذا الشيء- نسأل الله للجميع الهداية 

 

 
3- يقال إن هناك بدعة حسنة، وبدعة سيئة، فما حقيقة ذلك مع الدليل؟ وإن صحت هذه العبارة، نرجو تطبيقها على الأسئلة السابقة؟
هكذا يقول بعض الناس أن البدعة تنقسم إلى أقسامٍ خمسة،..... الأحكام ، بدعة حسنة ، بدعة محرمة، بدعة مكروهة ، بدعة مندوبة، بدعة مباحة ، وهذا التقسيم فيه نظر، والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال : ( كل بدعةٍ ضلالة) ولم يقسمها ، بل قال : (كل بدعةٍ ضلالة). فالحق الذي لا ريب فيه أن البدع المخالفة للشرع كلها ضلالة ، ومراد النبي - صلى الله عليه وسلم- ما أحدثه الناس، ولهذا قال : (إياكم ومحدثات الأمور). وقال : (شر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة). هكذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-، فالمحدثات التي تخالف شرع الله فإنها ضلالة ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وقال أيضاً - عليه الصلاة والسلام- : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). فكل بدعة ضلالة ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة؛ كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك الاحتفال بالموالد، فإنها بدعة ضلالة ، وهكذا تعظيم القبور ، والبناء عليها ، واتخاذ القباب عليها ، والاجتماع عندها للنوح أو لدعائها والاستغاثة بها ، كل هذا من البدع الضلالة ، وبعضها من البدع الشركية، لكن بعض الناس قد يلتبس عليه بعض الأمور فيرى أن ما وقع في المسلمين من بعض الأشياء التي لم تقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها بدعة حسنة ، وربما يتعلق بقول عمر - رضي الله عنه- في التراويح: نعمت البدعة. لما جمع الناس على إمامٍ واحد ، وهذا ليس ما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن ما يحدثه الناس مما تدل عليه الشريعة ، وترشد إليه الأدلة ما يسمى بدعة منكرة ، وإن سمي بدعة من حيث اللغة، فكون المسلمين نقطوا المصاحف ، وشكلوا القرآن حتى لا يشتبه على القارئ، وجمعوه في المصاحف ، هذا وإن سمي بدعة لكن هذا شيء واجب في حفظ القرآن ، ويسهل قراءته على المسلمين ، هذا مأمورون به ، مأمورون بما يسهل علينا القرآن وبما يحفظه على المسلمين، وبما يعين المسلمين على حفظه وقراءته قراءةً مستقيمة، فليس هذا من باب البدعة المنكرة ، بل هذا من باب الأوامر الشرعية ، من باب الحرص على الدين ، ومن باب العناية بالقرآن ، فليس مما نحن فيه في شيء. وكذلك قول عمر: نعمت البدعة. يعني كونه جمعهم على إمامٍ واحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- هذا بدعة من حيث اللغة ؛ لأن البدعة في اللغة هي الشيء التي ليس عليه مثال سبق، ما يحدثه الناس على غير مثال سابق، يسمى بدعة من حيث اللغة ، فهذا إنما أراد من حيث اللغة لا من حيث الشرع ، فإن التراويح فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم- وصلَّى بالناس ليالي، وأرشدهم إليها ، وحثهم عليها، فليست بدعة التراويح ، ولكن في كونه جمعهم على إمامٍ واحد ، قال فيه: نعمت البدعة. من حيث اللغة فقط. فالحاصل أن ما أوجده المسلمون مما يدل عليه الشرع ويرشد إليه الشرع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يسمى بدعة، بل هو مما دعا إليه الشرع، وأمر به الشرع من جنس جمع الصحف وشكله ونقطه ، ونحو ذلك، هذا ليس من البدع في شيء ، من جنس التراويح جمع عمر لها - رضي الله عنه وأرضاه - ليس من هذا الباب في شيء ، وإنما الذي أنكره العلماء وقصده النبي - صلى الله عليه وسلم- هو ما يحدثه الناس مما يخالف شرع الله ، ومما يخالف أوامر الله ورسوله مثل البناء على القبور، مثل اتخاذ المساجد عليها، مثل الغلو فيها بدعائها والاستغاثة بها، والنذر لها ، ونحو ذلك ، فهذه من البدع الشركية ، مثل الاحتفال بالموالد هذه من البدع المنكرة التي هي من وسائل الشرك، وما أشبه ذلك ، مثل بدعة الإسراء والمعراج يحتفلون في ليلة سبعة وعشرين من رجب باسم الإسراء والمعراج ، هذا بدعة لا أصل له ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل بليلة الإسراء والمعراج ، ولا أصحابه، ولأنها غير معلومة على الصحيح، بل أنسيها الناس، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بها ، ولا أصحابه ، - رضي الله عنهم - فدل ذلك على أنها بدعة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم- : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). أي فهو مردود. 

 

 
4- سمعت شخص وهو يصلي صلاة المغرب مع المصلين خلف الإمام، حين كان الإمام يقرأ إحدى السور يقول: اللهم ارحمني وجميع المسلمين جهراً، فما حكم ذلك؟
الواجب على المأموم أن ينصت لإمامه إذا قرأ، وأن لا يتكلم بشيء، بل ينصت ويتدبر ويتعقل؛ لأن الله - سبحانه - يقول : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ [(204) سورة الأعراف]. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (إذا قرأ الإمام – يعني الإمام- فأنصتوا). هذا هو الواجب، ولا يتكلم بشيء ، لكن لو سكت الإمام بعض السكتات ، فقال المأموم فيما بينه وبين نفسه شيئاً يتعلق بالقراءة لا حرج ، كذكر الجنة والنار ، فقال عند ذكر الجنة : اللهم اجعلني من أهلها. وفي النار: أعوذ بالله منها، في السكتة التي ما فيها قراءة ، لا حرج في ذلك إن شاء الله ، وأما وقت القراءة فالواجب أن يراعي الإنصات، وأن لا يتكلم بشيء إلا الفاتحة يقرؤوها المأموم، ولو قرأها الإمام إذا لم يتيسر سكتة ، إذا كان الأمام لا يسكت ، فإن المأموم يقرأ الفاتحة مع إمامه ثم ينصت لبقية القراءة ، في الصلاة الجهرية على الصحيح من أقوال العلماء.   

579 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply