حلقة 63: هل الميت يسمع ما يدور حوله عند أهل الدنيا - الإنسان مسير أم مخير - حكم النذر الذبائح للأولياء وغيرهم - حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد في حالة الغضب والمرض

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

13 / 50 محاضرة

حلقة 63: هل الميت يسمع ما يدور حوله عند أهل الدنيا - الإنسان مسير أم مخير - حكم النذر الذبائح للأولياء وغيرهم - حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد في حالة الغضب والمرض

1- سمعت من بعض العلماء بأن الميت إذا أوتي به إلى القبر ليدفن فإنه يسمع كل ما يقول الناس الذين أتوا لدفنه، فهل هذا صحيح أم لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعـد: فأمور البرزخ وأمور الأموات من الأمور العظيمة الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وما يقوله الناس في هذا الباب لا يعتمد عليه، وإنما الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (إنه ليسمع قرع نعالهم)، يعني بعد انصرافهم وبعد الدفن، هذا هو المحفوظ، أما سماع ما يقول الناس وما يتحدثون به فلم يرد فيه شيء فيما نعلم ولا يجوز الجزم بذلك إلا بدليل، وهو أنه عليه الصلاة والسلام ذكر أنه يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه، فلا يجوز لمؤمن ولا لغيره أن يجزم بشيء عن الأموات إلا بدليل. 
 
2- يقال: إن الإنسان مسير ويقال إنه مخير، فهل صحيح أنه مخير أو أنه مسير، وإذا كان مسير فلماذا جعل الله النار للملحدين مع أنه هو الذي كتب عليهم الإلحاد؟
الإنسان له وصفان، مسير ومخير، مسير ليس له خروج عن قدر الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى قدر مقادير الخلق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة كما جاء في الحديث الشريف. والقدر أمر ثابت، وهو من أصول الإيمان فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبرائيل عن الإيمان: قال في جوابه أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. فالإيمان بالقدر من أصول الإيمان والله قدر أشياء وكتبها سبحانه قبل أن يخلق الناس، خلق العبد وقدر رزقه وأجله وشقاوته وسعادته، هذا أمر معلوم وقد أجمع عليه أهل السنة والجماعة فهو مسير من هذه الحيثية من جهة أنه لا يخرج عن قدر الله ولكنه ميسر-أيضاً- لما خلق له، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- لما أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه ما منكم من أحد إلا وقد كتب: مقعده من النار ومقعده من الجنة. فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة). ثم تلا قوله سبحانه: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى)، فبين عليه الصلاة والسلام أن جميع الأمور مقدرة وأن أعمال العبد وشقاوته وسعادته وسائر شؤونه قد مضى به علم الله، وقد كتبه الله سبحانه وتعالى فليس للعباد خروج عما كتب في اللوح المحفوظ وعما قدره الله عليه سبحانه وتعالى، وهو من هذه الحيثية مسير وميسر أيضاً، أما من جهة التخيير فالله جل وعلا أعطاه عقلاً وسمعاً وبصراً وأدوات فهو بها يعرف ما يضره وما ينفعه وما يناسبه وما لا يناسبه فإذا أتى الطاعة فقد أحسن الاختيار وإذا أتى المعصية فقد أساء الاختيار فليس بالمجبور ولا مكره بل له عقل ينظر به ويميز به بين الضار والنافع والخير والشر والصالح والطالح وله سمع يسمع وله بصر يبصر به وله أدوات من أيدٍ يأخذ بها ويعطي، ورجل يسير عليها، إلى غير ذلك، فهو بهذا مخير هو المصلي وهو الصائم وهو الزاني والسارق وهو الذاكر والغافل، كل هذا من أعماله، فأعماله تنسب إليه وله اختيار وله إرداة، كما قال عز وجل: لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين. لمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله. تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة. إن الله خبير بما يصنعون. إن الله خبير بما يعملون. إن الله بما تعلمون خبير. إن الله خبير بما تفعلون. فنسب فعلهم إليهم، قال: والصائمين والصائمات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات بعد ما ذكر ما قبلها في قوله سبحانه: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات.. الآية فأفعالهم تنسب إليهم، خيرها وشرها، فالعبد هو الصائم وهو الذاكر وهو الغافل وهو العامل وهو المصلي إلى غير ذلك، فيؤجر على طيب عمله الذي أراد به وجه الله، ويأثم على ما فعله من الشر لأنه مختار عامد لهذا الشيء، فإذا فعل ما شرع الله عن إخلاص ومحبة لله آجره الله، من صلاةٍ وصوم وصدقة وحج وأمر بمعروفٍ ونهي عن منكر وغير ذلك وإذا فعل ما نهى الله عنه من السرقة والزنا وقطيعة الرحم والعقوق وشهادة الزور وما أشبه ذلك أخذ بذلك أيضاً وأثم في ذلك واستحق العقاب لأن هذا من فعله واختياره ولا يمنع ذلك وقد قُدِّر، -سبق به علم الله لا يمنع-، قد سبق علم الله بكل شيء -سبحانه وتعالى- ولكن العبد يختار ويريد وله مشيئة، فإذا شاء المعصية وأرادها وفعلها أخذ بها، وإذا شاء الطاعة وأرادها وفعلها أجر عليها، فهو مخير ومسير وتعبير السنة ميَّسر، وهكذا جاء في الكتاب: (فسنيسره لليسرى)، فالتعبير بالميسر أولى من المسير كما جاءت به في السنة، ويقال مسير كما قال الله جل وعلا: هو الذي يسيركم في البر والبحر، هو يسير عباده أينما شاء -سبحانه وتعالى- وهو الميسر جل وعلا عبده لما يشاء، وهو سبحانه الذي أعطاه العقل وأعطاه القدرة على الفعل والعمل فهو من جهةٍ مسير وميسر ولن يخرج عن قدر الله، ومن جهةٍ أخرى هو مخير وله مشيئة وله اختيار وكل هذا واقع، وبهذا قامت عليه الحجة وانقطعت المعذرة واستحق الثواب والعقاب على أفعاله الطيبة والخبيثة، فالطيبة له ثوابها والخبيثة عليه وزرها، وبهذا يتضح معنى المسير والميسر ومعنى المخير.  
 
3- بعض الناس ينذرون النذور من الذبائح وغيرها للأئمة وللصحابة فهل هذا جائز، وهل من الصحيح أن يأخذوا من النذور لأنفسهم؟
النذور والذبائح التي تنذر للأموات أو للأنبياء أو غيرهم، هذه النذور والذبائح من المحرمات الشركية، أن ينذر لغير الله ذبيحةً أو...... أو صدقات أو ما أشبه ذلك سواء كان المنذور له نبياً أو ولياً إماماً أو غير إمام لا يجوز، النذر يكون لله والذبيحة تكون لله، قال الله تعالى: قل إن صلاتي ونسكييعني ذبحي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، ويقول سبحانه: إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر. وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (لعن الله من ذبح لغير الله). خرَّجه مسلم في الصحيح، وقال سبحانه: وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذرٍ فإن الله يعلمهأي سيجازيكم عليه، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه). فالنذور عبادات فيها تعظيم الله، وفيها تعظيم المخلوق إذا نُذِر له، كما أن الذبح عبادة يعظم بها الرب، ويعظم بها المخلوق فلا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى، فليس له أن يذبح للجن، ولا للأنبياء ولا للأولياء يتقرب إليهم بذلك يريد شفاعتهم أو شفاء مريضه أو رد غائبه أو قضاء دينه أو ما أشبه ذلك، لا للأنبياء ولا للملائكة ولا للجن، ولا للأولياء ولا لغيرهم، بل يكون الذبح لله وحده، يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا النذر كأن يقول بعض الجهلة إن شفى الله مريضي فللشيخ كذا وكذا، وللولي الفلاني كذا وكذا، أو يقول إن شفي مريضي فلك يا شيخ فلان كذا وكذا، يتقرب إليه لأنه........... في الشفاء، فهذا من الشرك الأكبر، لا يجوز، بل يجب على من فعل هذا أن يتوب إلى الله وأن يقلع عن هذا الشرك، وأن يندم على ما مضى منه ومن تاب، تاب الله عليه سبحانه وتعالى، وهذا غير الذبيحة التي يذبحها الإنسان كرامة للضيف أو لأهله ليأكلون، هذا لا بأس، ذبح ذبيحة للضيف الذي نزل به لإكرامه فإكرام الضيف حق، كذلك إذا ذبح ذبيحة ليأكلها وأولاده أو يجعلها موزعةً على أيام كل هذا لا بأس به، وهذا غير الضحية التي يذبحها أيام النحر، هذه ذبيحة لله، ضحية يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا ذبحها عنه أو عن أبيه أو عن أمه ما يقال أنه ذبحها لغير الله، هذه ذبحها لله يتقرب بها إلى الله، يريد ثوابها له أو لأهل بيته، أو له ولأهل بيته، هذا لا حرج فيه، وإنما المنكر أن يتقرب بالذبيحة لغير الله، يذبحه للنبي أو للولي أو للجن أو للملائكة، يقصد أنه بهذه الذبيحة يتوسط بهم في قضاء حاجاته، في شفاعته من الله، ليشفى مريضه، ليرد غائبه، ليشفى هو من مرضه، يرى أن هذه العبادة تكون سبباً لوساطتهم له، وتقريبهم له إلى الله سبحانه وتعالى.  
 
4-   أنا في الرابعة والعشرين من العمر متزوج ولي طفلان من زوجتي التي هي بنت خالي وحالتي الاجتماعية جيدة والحمد لله، حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي في بداية الزواج لها حيث فقدت أعصابي، علماً أنني مصاب بمرض الكآبة المزمنة، وعلى أثر ذلك بالطريقة غير الاعتيادية طلقت زوجتي بالثلاث، كنت في حالةٍ غير طبيعة فعلاً، وكنت لا أصلي ولا أعرف من الشريعة الإسلامية وأحكامها شيء ولو بقدر حبة رز، والله أعلم، وكنت أتصور الطلاق نوع من التهديد للمرأة لا أكثر ولا أقل، وأما اليوم فأنا ملتزم بالفرائض الخمسة المفروضة عليّ وعلى المسلمين، والحمد لله أصبحت اليوم أعلم كثيراً من أمور الشريعة الإسلامية رغم كل هذا أرجو من فضيلتكم أن تنظروا في قضيتي
الطلاق بالثلاث بكلمةٍ واحدة فيه خلاف بين أهل العلم، الكثير منهم يراها نافذة وأنها تحرم بها الزوجة حتى تنكح زوجاً آخر ويطأها لما ثبت عن عمر أنه أمضى على الطلاق على الناس لما رأى منهم التلاعب والمسارعة إلى إيقاعه وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها واحدة لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الطلاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-وعلى عهد الصديق وفي أول خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، يعني إذا طلقها بالثلاث............. واحدة، وقد أفتى ابن عباس وجماعة من أصحابه وغيرهم بأنها واحدة، وهذا القول أصح وأرجح القولين عملاً بما كان عليه الحال في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-وعهد الصديق وأول خلافة عمر رضي الله عنه. فأنت أيها الأخ الذي هداه الله تحتسب عليك طلقةً واحدة، هذا الطلاق الذي صدر منك بالثلاث في كلمة واحدة يحتسب طلقة واحدة، وزوجتك معك إذا كنت راجعتها بعد صدور هذا الطلاق، أو جامعتها بنية الرجعة حال كونها في العدة هي زوجتك والحمد لله أما إن كنت تركتها بعد الطلاق حتى اعتدت ولم تقربها ولم تصل بها بل تركتها بسبب الطلاق حتى اعتدت، يعني حتى حاضت ثلاث مرات بعد الطلاق فإنك تتزوجها من جديد إن أرادت بذلك تتزوجها من جديد، بعقد جديد ومهرٍ جديد وشاهدين، يعني كسائر الخطاب، تخطبها لنفسها فإذا وافقت يجدد النكاح في ولي وشاهدين كسائر الأنكحة الإسلامية، هذا هو جواب سؤالك ونوصيك بتقوى الله والاستقامة على دينه، والتفقه في الدين، وأبشر بالخير فمن تاب، تاب الله عليه. 

408 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply