حلقة 105: ركعات الوتر والدعاء الذي يقال فيه - الطلاق البدعي وقصة ابن عمر

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

5 / 50 محاضرة

حلقة 105: ركعات الوتر والدعاء الذي يقال فيه - الطلاق البدعي وقصة ابن عمر

1- ما هو الدعاء الذي يستحب أن يقال في الوتر بعد صلاة العشاء، ومتى تستحب صلاة الوتر؟

إن الله -عز وجل- شرع لعباده الوتر، وهو ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، هذا محل الوتر. الوتر مشروع للأمة ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ كما في الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر). والسنة واحدة فأكثر، إذا أوتر بواحدة أو بثلاث أو بخمس أو أكثر من ذلك فقد أصاب السنة. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغالب يوتر بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين -عليه الصلاة والسلام- ويوتر بواحدة، وربما أوتر بثلاث، وربما أوتر بخمس وربما أوتر بسبع، وربما أوتر بتسع -عليه الصلاة والسلام-، وربما أوتر بثلاثة عشر، وهذا أكثر ما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه أجاز للأمة أن يوتروا بأكثر من ذلك، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى). فهذا يدل على أنه لا بأس بالإيثار بأكثر من ذلك ثلاثة عشر، خمسة عشر، سبعة عشر، تسعة عشر، إحدى وعشرين، ثلاث وعشرين، إلى غير ذلك، ومن هذا ما فعله عمر والصحابة -رضي الله عنهم- حين صلوا في رمضان ثلاث وعشرون ركعة التروايح، هو من هذا الباب، ويشمله الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: لما سئل عن صلاة الليل، قال: (مثنى مثنى). ولم يحدد عشر ركعات، ولا عشرين، ولا أكثر، ولا أقل، بل أطلق، فدل ذلك على أن صلاة الليل موسعة في رمضان وفي غيره، فمن أوتر بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة أو بأكثر من ذلك فقد أصاب السنة. والسنة له أن يجعل الركعة الأخيرة في الآخر هي الختام لصلاته، ومنها يحصل الإيتار سواء في رمضان أو في غير رمضان، وإذا اختصر على ثلاث ركعات، أو خمس ركعات لأن ذلك أسهل عليه، فكله حسن. ولو أوتر بواحدة فلا بأس بذلك. أما وقته فتقدم أنه ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، والأفضل في آخر الليل لمن تيسر له ذلك، فإن لم يتسر أوتر في أول الليل احتياطاً. أما من وثق بأنه يقول في آخر الليل فالسنة له آخر الليل؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل). فالإيتار في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك، ويختم بالوتر، لكن إذا لم يتسر له ذلك أوتر في أول الليل احتياطاً، ثم إذا منَّ الله عليه بالقيام في آخر الليل صلَّى ما تيسر ثنتين، أو أربع ركعات أو ست ركعات أو أكثر، لكن من غير وتر، يكفيه الوتر الأول، ولا حاجة إلى نقل الوتر بصلاة ركعة مستقلة؛ كما يفعله بعض أهل العلم، لا، الصواب لا ينقل الوتر، بل يكتفي بالوتر الأول ويصلي ما بدا له في آخر الليل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام-: (لا وتران في ليلة). ولأنه ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه ربما صلَّى ركعتين بعد الوتر، وذلك -والله أعلم- ليعلم الناس أنه لا حرج في صلاة الشفع بعد الوتر، وإنما الأفضل أن يكون الوتر هو آخر صلاة الليل، يكون الختام. أما الدعاء الذي ورد في هذا فقد ورد في الحديث الصحيح حديث الحسن بن علي -رضي الله عنه- وعن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه كلمات يقولها في قنوت الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وباركي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تبارك ربنا وتعاليت). زاد في رواية البيهقي: (ولا يعز من عاديت). وجاء في رواية أخرى: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليه أنت كما أثنيت على نفسك) هذا جاء في رواية أخرى عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول ذلك. يعني يزيد في دعاء الوتر: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. هذا من جملة ما يستحب في قنوت الوتر، سواء كان وتره في أول الليل أو في آخر الليل. أما ما يفعله بعض الناس من أنهم يقنتون في الفجر فهذا قاله بعض أهل العلم، وجاء فيه بعض الأحاديث الضعيفة، والصواب أنه لا يستحب فعله في الفجر، لما ثبت من حديث سعد بن طارق الأشجعي عن أبيه أنه سأله ولده سعد قال: يا أبت إنك صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- أفاكانوا يقتنون في الفجر؟ فقال: أي بني، محدث. هكذا أجاب: (أي بني محدث). يعني القنوت في صلاة الفجر محدث ليس من سنته -صلى الله عليه وسلم-، ولا من سنة خلفائه الراشدين، فيتبين بهذا أن الأفضل تركه إلا في النوازل، إذا نزل بالمسلمين نازلة من ..... عدو بلاد المسلمين، أو .... عدو بلاد المسلمين، أو ما أشبه ذلك من النوازل، فيشرع القنوت في الفجر وغيره، في الدعاء، في رفع البلاء، وهزم العدو، ونحو ذلك؛ كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوقات كثيرة يدعو على بعض الأعداء.    

 

 
2- هل يقع الطلاق البدعي، كأن يطلق الرجل ثلاثا دفعة واحدة، أو يطلق في طهر واقع فيه، وكيف نخرج حديث ابن عمر الذي أمره النبي أن يراجع حينما طلق في طهر وقع فيه؟
الطلاق البدعي يكون في الزمان ويكون في العدد. أما في العدد فهو أن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة يقول: طالق بالثلاث، أو يقول: طالق ثم طالق ثم طالق، أو يقول: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو: أنت طالق وطالق وطالق، أو: تراك طالق تراك طالق تراك طالق، هذا بدعي، والسنة أن يطلقها واحدة فقط، هكذا السنة ،ولا يزيد عليها؛ لأنه قد يندم فيتراجع ولا يغلق الباب على نفسه، ولأن الله شرع الطلاق واحدة بعد واحدة لا دفعة واحدة؛ لأن الإنسان قد يغضب وقد يبدوا له حال فيطلق ثم يندم ويرى أنه قد غلط فيراجع إذا لم يطلق بالثلاث. ولكن اختلف العلماء في إيقاع الثلاث بكلمة واحدة هل يقع وتكون بائنة من زوجها بذلك أم لا يقع به إلا بواحدة أم لا يقع بالكلية؟ الجمهور من أهل العلم على أنه يقع وتكون به المرأة بائناً، لا تحل لمطلقها إلا بعد زوج وبعد إصابة إتباعا لعمر حين قضى بذلك -رضي الله عنه وأرضاه-. ويذهب بعض أهل العلم من التابعين ومن بعدهم وهو رواية عن ابن عباس - رضي الله عنهما-، ويروى عن علي والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف أنها تحسب واحدة رجعية؛ لما ثبت من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سأله أبو الصهباء فقال: يا ابن عباس لم تكن الثلاث تجعل واحدة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي عهد أبي بكر، وفي أول خلافة عمر؟ فقال ابن عباس: بلى. احتج هؤلاء العلماء بهذا الحديث على أن التطليق بالثلاث بكلمة واحدة تعتبر واحدة، وهذا رواية ثابتة عن ابن عباس أن هذه يعتبر واحدة إذا وقعت في زمن واحد. أما إذا وقعت بألفاظ مثلاً أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو تراك طالق، وتراك طالق، تراك طالق، أو أنت طالق وطالق وطالق، وما أشبه ذلك فهذا الذي أعلمه عن أهل العلم أنها تقع، تقع الثلاث كلها، وتبيّن منه المرأة بينونة كبرى لا تحل لزوجها المطلق إلا بعد زوج وإصابة، ولا أعلم إلى وقتي هذا أحداً من الصحابة أو من التابعين صرح بأنها هذا لا يقع به إلا واحدة، بل ظاهر ما سمعت وما قرأت أنه يقع كله، تقع الثلاث كلها، وقد رأى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه لا يقع إلا واحدة كما لو طلق بالثلاث بكلمة واحدة، وجعل هذا مثل هذا، وجعل الطلاق الذي يقع بعد الأولى إنما يكون بعد نكاح أو بعد رجعة. أما إذا كان ألحقها الثانية أو الثالثة من دون نكاح ولا رجعة فهذا لا يقع، هذا كلامه رحمه، ولكني لا أعلم له أصلاً واضحاً يعتمد عليه من جهة النقل، وإن كان وجيهاً من جهة المعنى، لكن لا أعلم له أصلاً من جهة النقل، ولهذا فالذي أفتي به أنها تقع الثلاث على ظاهر ما نقل عن السلف الصالح في هذا، وإنما تعتبر الثلاث المجموعة طلقة واحدة إذا كان بلفظ واحد: أنت طالق بالثلاث، أنت مطلقة بالثلاث، أو ما أشبه هذه الألفاظ على ما جاء عن ابن عباس إذا كان في زمن واحد. أما البدعي من جهة الزمان أي من جهة حال المرأة، فهو إذا كانت في الحيض، أو في النفاس، أو في طهر جامع فيه، هذا يقال له طلاق بدعي، والأصل في ذلك ما رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بلَّغه عمر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء). يعني في قوله تعالى:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [(1) سورة الطلاق]. ومن هذا يعلم أن ابن عمر طلقها في الحيض لا في طهر جامع فيه، بل طلقها في الحيض لا كما قال السائل، ابن عمر طلقها في الحيض لا في طهر جامع فيه، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أرشده إلى أن الطلاق يكون في طهر لم يجامعها فيه، هذا من السنة، أو في حال حمل، ولهذا اللفظ الآخر: (ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً). فالطلاق السني أن يكون في حال طهر لم يجامعها فيه، أو في حال استبان حملها، وظهور حملها، هذا هو الطلاق الشرعي، أما طلاقها وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه ولم يستبن حملها هذا يسمى طلاقاً بدعياً، في هذه الثلاث المواطن: حال النفاس، في حال الحيض، في حال طهر جامعها فيه ولم يستبن حملها، هذه الثلاث الحالات الطلاق فيها بدعي. والحالة الأوليان سني، في حال كونها طاهرة لم يجامعها في طهرها، وفي حال كونها حاملاً قد استبان حملها، هاتان الحالتان الطلاق فيهما سني لا بدعي. أما الحالات الثلاث: حال الحيض والنفاس وحالة الطهر الذي جامعها فيه هذه الطلاق فيها بدعي، لا يجوز للزوج أن يطلق في هذا الأحوال الثلاث، لا في حال الحيض، ولا في حال النفاس، ولا في حال طهر جامعها فيه، وإذا أراد أن يطلق يسألها ويقول: ما هي حالها، يستفصل ويتثبت في الأمر، ولا يطلق في حال غضب؛ لأن الغضبان ضعيف البصيرة، فالذي ينبغي له أن لا يطلق في حال غضب، بل يتثبت في الأمر، ولا يعجل، ويتعوذ بالله من الشيطان حال الغضب، ثم إذا عزم على الطلاق ينظر إن كانت في حيض أو في نفاس أو في طهر جامعها فيه فلا يطلق، وهذا من رحمة الله، لأنه سبحانه يحب أن تبقى الزوجية، ويكره الطلاق؛ كما في الحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق). فمن رحمة الله أن ضيَّق طُرق الطلاق، وجعله واحدة فقط السنة، وجعله لا يقع إلا في حالين: حال الطهر الذي لم يجامعها فيه، وحال ظهور حملها، أما في حال الحيض والنفاس وفي حال الطهر الذي جامعها فيه، فينهى عن الطلاق وهذا كله من تيسير الله، ومن تضييق مسالك الطلاق وأوجه الطلاق حتى تبقى الزوجية أكثر. ثم اختلف العلماء في هذا هل يقع الطلاق البدعي أم لا يقع؟ نحن اتضح الآن أنه محرم وأنه لا يجوز للزوج أن يقدم عليه، لكن هل يقع إذا أقدم وعصا ربه وفعل هل يقع أم لا يقع؟ على قولين: محلهما أنه يقع مع الإثم، وهذا هو المشهور عند العلماء، وهو من الذي فعله ابن عمر، فإنه أوقع نفسه في طلقة لما طلق، لما سئل قال: كيف عجزت واستحمقت؟ قال: مه. قال نافع وغيره: إنه أوقعها، أنه احتسبها. وروى البخاري أنه احتسبت تطليقة عليه. وذهب جمع من أهل العلم إلى أن هذا الطلاق لا يحتسب، ولا يقع، وهو ما روي عن ابن عمر نفسه - رضي الله عنه-..... الخشني الحافظ المشهور بإسناد جيد أنه سئل ابن عمر عمن طلق وزوجته حائض هل يقع ......؟ قال: لا يعتد به. وجاء هذا عن .... وعن طاووس وآخرين أنه لا يقع لأنه محرم فلا يقع؛ لأن ما نهى الله عنه فهو جدير بعدم الإيقاع، ولهذا البيع المنهي عنه فاسد، والنكاح المنهي عنه فاسد، لا يقع، فهكذا الطلاق المنهي عنه لا يقع، بخلاف الطلاق الثلاث فإنه يحتسب واحدة، تقع منه واحدة كما تقدم إذا كان بلفظ واحد. وهذا القول الذي رآه بعض العلم، وإن كان خلاف المشهور، وخلاف الأكثر، هذا القول أظهر في الدليل، وأقوى في الدليل أنه لا يقع، يكون بدعياً على خلاف أمر الله، والله يقول: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [(1) سورة الطلاق]. وهذا طلقها في غير العدة، فلا يقع طلاقه بل يكون عملا ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكون مردوداً قال عليه الصلاة والسلام: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد يعني فهو مردود وهذا هو الأظهر. أيها المستمعون الكرام إلى هنا نأتي إلى نهاية لقائنا هذا الذي عرضنا فيه...     

 

575 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply