1- لقد قرأت في رياض الصالحين، بتصحيح السيد علوي المالكي، ومحمود أمين النواوي، فقرأت حديثا قدسيا يتطرق إلى هرولة الله- سبحانه وتعالى-، والحديث هو المروي عن أنس-رضي الله عنه -عن النبي-صلى الله عليه وسلم -فيما يرويه عن ربه- عز وجل- قال: (إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري، فقال المعلقان في تعليقهما عليه: "إن هذا من باب التمثيل وتصوير المعقول بالمحسوس لزيادة إيضاحه"، فمعناه: أن من أتى شيئاً من الطاعات ولو قليلاً أثابه الله بأضعافه وأحسن إليه بالكثير، وإلا فقد قامت البراهين القطعية على أنه ليس هناك تقرب حسي ولا مشي ولا هرولة من الله- سبحانه وتعالى- عن صفات المحدثين، فهل ما قالاه في المشي والهرولة موافقاً لما قاله سلف الأمة على إثبات صفات الله وإمرارها كما جاءت، وإذا كان هناك براهين دالة على أنه ليس هناك مشي ولا هرولة فنرجو منكم إيضاحها؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فلا ريب أن الحديث المذكور صحيح، فقد ثبت عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (يقول الله-عز وجل-: من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، وهذا الحديث الصحيح على عظيم فضل الله-عز وجل-, وأنه بالخير إلى عباده أجود فهو أسرع إليهم بالخير, والكرم, والجود منهم في أعمالهم ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح, ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعوا هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعترضوه, ولم يسألوا عنه, ولم يتأولوه فهم صفوة الأمة وخيرها, وهم أعلم الناس باللغة العربية, وأعلم الناس بما يليق بالله وما يليق ونفيه عن الله- سبحانه وتعالى-, فالواجب في مثل هذا أن يتلقى بالقبول, وأن يحمل على خير المحامل, وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه, فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره, وليس مشيه كمشيهم, ولا هرولته كهولتهم, وهكذا غضبه, وهكذا رضاه, وهكذا مجيئه يوم القيامة, وإتيانه يوم القيامة للقضاء بين عباده, وهكذا استواؤه على العرش, وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة, كلها صفات تليق بالله- جل وعلا- لا يشابه فيها خلقه, فكما أن استوائه على العرش, ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة لا يشابه استواء خلقه, ولا مجيء خلق, ولا نزول خلقه, وهكذا تقربه إلى عباد العابدين له، والمسارعين إلى طاعته تقربه إليهم لا يشابهه تقربهم, وليس قربه منهم كقربهم منه, وليس مشيه لهم كمشيهم, ولا هرولته كهرولتهم بل هو شيء يليق بالله لا يشابهه فيه خلقه-سبحانه وتعالى- كسائر الصفات, فهو أعلم بصفاته, وأعلم بكيفيتها-عز وجل-, وقد أجمع سلف الأمة على أن الواجب في صفات الرب, وأسمائه إمرارها كما جاءت, واعتقاد معناها, وأنه حق يليق بالله-سبحانه وتعالى- وأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو, كما أنه لا يعلم كيفية ذاته إلا هو-سبحانه وتعالى-, فالصفات كالذات, فكما أن الذات يجب إثباتها لله, وأنه-سبحانه وتعالى-هو الكامل في ذلك, فهكذا صفاته يجب إثباتها له –سبحانه- مع الإيمان والاعتقاد بأنها أكمل الصفات وأعلاها, وأنها لا تشابه صفات الخلق كما قال-عز وجل-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (الإخلاص:1-4) ، وقال-عز وجل-: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل:74) ، وقال-سبحانه-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(الشورى: من الآية11)، فرد على المشبهة بقوله: ليس كمثله شيء، فلا تضربوا لله الأمثال، ورد على المعطلة بقوله: وهو السميع البصير،قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(لأنفال: من الآية63)، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(الحج: من الآية75)، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(البقرة: من الآية173)، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(البقرة: من الآية20)، إلى غير ذلك، فالواجب على المسلمين علماء وعامة الواجب عليهم جميعاً إثبات ما أثبته الله لنفسه إثباتاً بلا تمثيل, ونفي ما نفاه الله عن نفسه, وتنـزيه الله عما نزه عنه نفسه تنـزيهاً بلا تعطيل هكذا يقول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم من سلف الأمة, كالفقهاء السبعة, وكمالك بن أنس, والأوزاعي, والثوري, والشافعي, وأحم, وأبي حنيفة, وغيرهم من أئمة الإسلام أمروها كما جاءت, وأثبتوها كما جاءت من غير تحريف, ولا تعطيل, ولا تكييف, ولا تمثيل, وأما ما قاله المعلقان في هكذا علوي وصاحبه محمود فهو كلام ليس بجيد وليس بصحيح، ولكن مقتضى هذا الحديث أنه- سبحانه- أسرع بالخير إليهم وأولى بالجود والكرم, ولكن ليس هذا هو المعنى, فالمعنى شيء, وهذه الثمرة, وهذا المقتضى شيء آخر, فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم, ولكنه ليس هذا هو المعنى, بل المعنى يجب إثباته لله من التقرب, والمشي, والهرولة, شيء يجب إثباته لله على الوجه اللائق به- سبحانه وتعالى- من غير أن يشابه خلقه بشيء من ذلك, فنثبته لله على الوجه الذي أراده الله، من غير تحريف, ولا تعطيل, ولا تكييف, ولا تمثيل. يعني قولهما يا سماحة الشيخ/ أن هذا من تصوير المعقول بالمحمود، هذا غلط، هكذا يقولون في أشياء كثيرة. وهذا قول المؤولون والأصل عدم التأويل, الواجب عدم التأويل, وعدم التمثيل, وعدم التكييف, والتحريف، لكن تمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت, ولا يتعرض لها بتأويل, ولا بتحريف, ولا بتعطيل بل نثبتها لله كما أثبتها لنفسه, وكما خاطبنا بها إثباتاً يليق بالله لا يشابهه في الخلق- سبحانه- كما نقول في الغضب, واليد, والوجه, والأصابع, والكراهة, والنـزول, والاستواء الباب واحد، باب الصفات باب واحد،وهكذا المجيئ يوم القيامة فالذي يقول ما هو مجيء يوم القيامة يكذب فالمجيء هو المشي.
2- سؤال حول تارك الصلاة وهل يدفن في مقابر المسلمين، وسؤال حول غلاء المهور وما نتج عنه من تعطل كثير من الشباب والفتيات عن الزواج، بسبب غلاء المهور، ويطلب حل وضع لهذه المشكلة، وسؤال آخر عن دعاء الشياطين والبناء على القبور،
أما السؤال الأول وهو تارك الصلاة هل يدفن في مقابر المسلمين فقد تنازع عن العلماء في حكمه إذا تركها تهاوناً وهو لم يجحد وجوبها بل يؤمن بأن الصلاة فريضة ولكن تركها تهاوناً وكسلاً، فذهب قوم إلى أنه لا يكفر بذلك كفراً أكبر بل كفر أصغر, وأنه يدفن مع المسلمين, ويغسل, ويصلى عليه, وهذا قول معروف عند جمع كبير من أهل العلم, والقول الثاني أنه يكفر كفراً أكبر وهذا هو الأصح والأرجح, فعلى هذا لا يدفن مع المسلمين بل يدفن في محل بعيد عن الناس لا يعرف, ويسوى عليه الأرض كسائر الكفرة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، ولم يستثني أحداً، ولم يقل إلا إذا كان جاحداً لوجوبها، وهذا الحديث صحيح رواه أحمد, وأهل السنن بإسناد صحيح, وروى مسلم في صحيحه عن جابر- رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم –أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، والكفر معرف, والشرك معرف يرجع إلى الكفر الأكبر والشرك الأكبر، هذا هو الأصح والأرجح لأدلة أخرى كثيرة، تدل على أن المتهاون بترك الصلاة ليس معه من الإسلام شيء، قد فارق الإسلام نسأل الله العافية والسلامة. وأما المهور وما يتعلق بغلائها فهذا قد سبق فيه فتاوى كثيرة, ونشرنا عن ذلك نشرات كثيرة, وكتب مجلس هيئة كبار العلماء في ذلك كتابات في الحث على عدم المغالاة, والاقتصاد في المهور, و الولائم وهذا حق، فالواجب على المسلمين أن يتعاونوا في هذا, وأن يقتصدوا في المهور, والولائم حتى يمكنوا المتوسط في الدخل, ومن يعجز عن كثير من المهور, ومن مؤونة الولائم حتى يمكنوهم من الزواج ويسهلوا لهم الزواج، فالمقصود أن هذا شيء يجب على المسلمين التعاون فيه، وعلى ولاة الأمور التعاون مع الناس في ذلك حتى يتركوا هذه المغالاة في المهور وفي الولائم, وهذا حق على الجميع وواجب على الجميع أن يتعاونوا فيه, وأن يتواصوا به لعل الله -جل وعلا- يمن بترك الناس هذا الشيء حتى يحسنوا بذلك إلى فقرائهم وإخوانهم الذين يعجزون عن هذه الأمور. و أما ما يتعلق بدعوة الشياطين, والاستغاثة بالجن, وبأصحاب القبور فهذا من الشرك بالله-عز وجل-, فدعاء الأموات, والاستغاثة بالأموات, والنذر لهم, وطلب المدد هذا من الكفر الأكبر, وهذا واقع في كثير من الناس في بلدان كثيرة ودول كثيرة, يأتي إلى الميت المشهور الذي يسمونه ولي فيقول يا سيدي اشف مريضي، رد غائبي، المدد المدد، وهذا كفر أكبر بإجماع أهل السنة والجماعة, ولا عظة بما خالف فيه المتأخرين الذين جهلوا هذا الأمر ولم يعرفوه وظنوا أن الشرك توحيد وأن التوحيد شرك، هؤلاء لا يعتد بهم، فالأدلة من الكتاب والسنة كلها تدل على أن دعاء الأموات, والاستغاثة بالأموات, وطلبهم المدد من جنس دعاء الأصنام, ومن جنس دعاء الكواكب, ومن جنس الأشجار, والأحجار كله شرك بالله, كله من عمل الجاهلية من جنس عمل أهل الجهل وأشباههم من كفار قريش، حين دعوا العزى وهي الشجرة, وحين دعا أهل الطائف اللات في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي الصخرة التي كان يلت عليها رجل صالح السويق فعظموها وصاروا يعبدونها من دون الله، هذا كله باب واحد, فدعاء الأموات, والاستغاثة بالأشجار وبالأحجار, وبالأصنام, وبالكواكب, وبالجن كله باب واحد, وكله من الشرك بالله عز وجل، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا هذه الأمور, ويحذروها الناس, والواجب على العلماء أن يبذلوا وسعهم في هذا الأمر, ويجتهدوا في تبيين هذا الأمر للناس في الوسائل, وسائل الإعلام المنظورة, والمقروءة, والمسموعة حتى يكون الناس على بينة, فإن كثيرا من الناس قد وقع في هذا في بلدان كثيرة, ودول متعددة, يطوف بالقبر, ويدعو صاحبه, ويستغيث به وينذر له, ويذبح له, ويطلبه المدد والغوث, ويعرض عن الله -عز وجل- وهذا من البلاء العظيم، فالواجب صرف هذه العبادات لله وحده، كما قال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ(الإسراء: من الآية23) ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة:5), وقال-سبحانه-: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(غافر: من الآية60)، وقال سبحانه: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً(الجـن: من الآية18)، وقال-عز وجل-: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (يونس:106) ، وقال-عز وجل-: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (المؤمنون:117)، فسماهم كفرة في هذا الدعاء ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال-عز وجل-: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر:14) -سبحانه وتعالى-، فسمى دعاءهم لغير الله شركا، وهذا يعم دعاء الأموات من الصالحين, والأنبياء ويعم دعاء الجن, ودعاء الأصنام, وغير ذلك كله شرك بالله-عز وجل-، وكله باطل وبين-سبحانه- أن المدعوين لا يسمعون دعاء الداعي، ولا يستجيبون له لو سمعوا فهو خاسر في الدنيا والآخرة, ولكن الشياطين قد تقضي له بعض حاجاته فيظن أن الميت قضى حاجته, وهذا من الجهل بالله والجهل بدينه، فالميت عاجز عن ذلك مرتهن بعمله، ليس له قدرة أن يقضي حاجتك, وليس له قدرة أن يسمع دعاءك, ولا أن يستجيب لك إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم، هذا كلام الرب أصدق القائلين-سبحانه وتعالى-، هذا كلام ربنا-عز وجل- وهو أصدق القائلين ولوا سمعوا ما استجابوا لكم, وهذا يبين لنا أن دعاءهم باطل, وأنه شرك أكبر, وأن صاحبه خاسر لا يستجاب له ولا يسمع دعاؤه، ولكن الجن الذين هم الشياطين الذين هم يدعون الناس إلى النار هؤلاء قد يستجيبون, قد يأتون لصاحب الدعاء بشيء من حاجته الدنيوية, وقد يزينوا له أن دعاء الأموات طيب وأنه مستجاب فيقضي بعض حاجته, وقد يتعرضون لمرض بعض أقاربه فإذا دعاهم واستغاث بهم كفوا عنه وتركوا ما قد فعلوه به، فالشياطين لهم وسائل كثيرة, ولهم حيل كثيرة في إيقاع الناس في الشرك الأكبر نعوذ بالله، كما قال عز وجل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (فاطر:6) ، نعوذ بالله. وأما البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب هذا من البدع, وهذا من وسائل الشرك, وقد وقع هذا من دهور طويلة من القرن الثاني وبعده، من الغلاة من بعض الشيعة وغير الشيعة بعضهم غلا في قبور أهل البيت، وبعضهم غلا في قبور غيرهم، فوقع هذا البلاء من أصناف كثيرة من الشيعة وغير الشيعة من الغلاة الجهلة, فلما بنيت المساجد على القبور, وبني عليها القباب وعظمها الجهال بالفرش, والأطياب ظن العامة والجهلة أنهم ينفعون ويضرون, وأنهم يستجيبون لداعيهم وأنهم يقضون حاجاته, وأنهم يمدونه بشفاء مريضه فوقع الشرك الأكبر بذلك، فصارت هذه البنايات على القبور, والقباب, والمساجد وسيلة للشرك بالله- عز وجل-, ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقال- عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح أيضا: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، خرجه المسلم في صحيحه، والأول خرجه الشيخان في صحيحهما عن عائشة- رضي الله عنها-، فيجب على أهل الإسلام أن يحذروا هذه الشرور, ويجب على العلماء أن يحذروا الناس، ويجب على ولاة الأمور أهل الحل والعقد يجب عليهم أن يأخذوا على أيدي السفهاء والجهلة وأن يمنعوهم من هذا الشرك, وأن يهدموا ما على القبور من مساجد, وقباب حتى تكون القبور ظاهرة للناس بارزة كما كانت في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- في البقيع وغيرها, فهكذا يجب أن تكون بارزة في الصحراء مكشوفة ليس عليها أبنية يعرفها الناس، أنها قبور حتى يزورها للسلام عليها, والدعاء لهم، هكذا شرع الله- جل وعلا-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، فيزورها المسلم ويسلم عليهم قائلاً: (السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ويدعو لهم بالمغفرة، فالزيارة الشرعية للذكرى وللدعاء للميت والترحم عليه، لكن هؤلاء المشركون عكسوا القضية صاروا يأتونها ليدعونها من دون الله يستغيثوا بها وينذروا لها يطلبوها المدد, وهذا من أبطل الباطل, والمشروع لنا أن نزورها لندعوا لهم, ونستغفر لهم ونترحم عليهم لا لندعوهم من دون الله لا، ولكن ندعوا لهم بالمغفرة، ندعوا لهم بالرحمة نستغفر الله لهم، نتذكر الآخرة, نتذكر الموت، فكان النبي-صلى الله عليه وسلم-يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، وفي لفظ قال: يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين, وكان يزور القبور عليه الصلاة والسلام ويقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أتاكم ما توعدون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد"، هكذا كان يفعل هو وأصحابه يزرون القبور, يدعون للموتى, يترحمون عليهم من المسلمين يستغفرون لهم, وفي هذا يذكرون الآخرة يذكرون الموت حتى يعدوا له عدته، بخلاف ما فعل هؤلاء المشركون الذين جهلوا الأمر وجهلوا الحق فغيروا وبدلوا نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله أن يهدي المسلمين وأن يبصرهم بدينهم، وأن يوفق علماءهم وحكامهم لتنبيههم وتعليمهم, وإرشادهم, ومنعهم من الباطل والشرك إنه خير مسئول سبحانه وتعالى.
3- حكم البناء على القبور، يسأل: هل تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر؟
لا يصلى عند القبور مثلما سمعت في الحديث السابق يقول - صلى الله عليه وسلم -: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، أخرجه المسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وإذا صلى عندها فقد اتخذها مسجداً فلا يصلى في القبور، ولا عند القبور, ولا في المساجد التي فيها قبور، وإذا كانت متأخرة دفنت في المسجد وجب نبشها وأن ينقل الرفات من العظام وغيرها إلى المقبرة العامة، ويوضع في حفرة خاصة ويسوى ظاهره كسائر القبور حتى لا يمتهن, وحتى يسلم المسجد من ذلك فيصلي فيه المسلمون صلاة شرعية، أما إن كانت القبور قديمة وبني المسجد عليها للتبرك بها، فهذا هو المنكر فيهدم المسجد ولا يبقى المسجد، إذا كان هو الأخير، إذا كان الأخير المسجد يهدم، وإذا كان المسجد قديماً ثم دفن فيه ميت ينبش وينقل رفاته إلى مقابر المسلمين نسأل الله الهداية للجميع.
4- يوجد عندنا في العمل مسجدان قام ببنائهما الموظفون، وكلا المسجدين منحرفان عن القبلة، وواحد منهما فيه زيادة في جهة اليسار عن المحراب، بحيث الذين يصفون من جهة اليسار يصلون إلى عشرين فردا، والذين يصفون في جهة اليمين يصلون إلى عشرة فقط، والإخوان جمعياً يعلمون عن انحراف المسجدين عن القبلة وكذلك من يؤمنا، فما حكم الصلاة في هذه المساجد؟
إذا كان الانحراف يسيراً والجهة جهة الغرب جهة القبلة فلا يضر الانحراف اليسير يعفى عنه عند أهل العلم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بين المشرق والمغرب قبلة، يقوله في حق أهل المدينة ونحوهم، وهكذا في الشرق ما بين الجنوب والشمال قبلة, وهكذا في الغرب فما بين الجنوب والشمال قبلة فالمقصود أن الانحراف اليسير الميل اليسير الذي لا يخرجه عن الجهة هذا يعفى عنه، أما إذا انحرف إلى جهة أخرى هذا الذي لا يعفى عنه، أما الانحراف اليسير فيعفى عنه، وتوسيط الإمام هو السنة، أن يكون الإمام وسط هو السنة، فإذا كان المحراب غير متوسط, فالمشروع أن يوسطوه وينقلوه إلى وسط المسجد لا إلى جهة أبعد عن الوسط، فيكون الجماعة عنه على حد سواء، فإذا كان الصف ثلاثين يكون عن يمينه خمسة عشر وعن شماله خمسة عشر، متوسطة هذا هو السنة وهذا هو المشروع.
5- إن زوجتي لا تصلي، وقد أمرتها بالصلاة أكثر من مرة لكنها لم تستجب، وكذلك هي لا تتحجب وشعرها ظاهر على كل الناس، أفيدوني ماذا أفعل معها؟
هذه المرأة قد اجتمع فيها شران عظيمان: أحدهما أعظم من الآخر، الشر الأول عدم الصلاة وهذا كفر أكبر على الصحيح، والشر الثاني عدم تسترها وحجابها, فينبغي لك أن الواجب أن تفارقها؛ لأنه ليس لمسلم أن يمسك الكافرة قال الله- تعالى-: (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)، فالواجب عليك فراقها ما دامت لم تستجب للنصيحة, فالواجب فراقها، وأبشر بأن يعوضك الله خيراً منها, ونسأل الله لها الهداية، المقصود أن هذه المرأة فيها شران عظيمان أحدهما أعظم من الآخر وهو ترك الصلاة هذا أعظم وهذا كفر أكبر, وكونها غير محتجبة لا في شعرها ولا في وجهها هذا أيضاً كبيرة عظيمة وشر عظيم، فالواجب عليك فراقها والحذر منها وطلاقها، نسأل الله لنا ولكم العافية، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وأنت سوف يعوضك الله سبحانه وتعالى فضلا منه خيراً منها وأصلح إن شاء الله.
6- هي فتاة مسلمة والحمد لله تصوم وتصلي وقد أصابها مرض شديد في يوم من أيام رمضان، وقد أوشكت على الموت فأفطرت من شدة المرض ثم قضت هذا اليوم، فتسأل هل عليها في فطرها إثم؟
ليس عليها إثم بل مأجورة، الإنسان إذا أصابه المرض وشق عليه الصوم شرع له أن يفطر وهو مأجور في قبول الرخصة يقول الله- سبحانه-: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ(البقرة: من الآية185)، ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته، فإذا أخذ الإنسان بالرخصة طاعة لله، وعملاً بما شرع-سبحانه وتعالى-، فهو مأجور ولا إثم عليه، فأنت أيتها الأخت السائلة لا حرج عليك في إفطارك من أجل المرض وعليك القضاء وقد قضيت والحمد لله.
7- ما حكم استعمال السحاب أو السستة في ملابس النساء، ثم هل يجوز أن أغير شعري إلى اللون الأحمر، ثم هل يجوز استعمال الأسنان الذهبية للنساء والرجال؟
أما السحاب فأمره سهل، كونه في الأمام أفضل وأولى, ولكن إذا كان في الخلف لأسباب تقتضيها المصلحة فلا بأس لكن مع العناية بالستر، مع العناية بستر العورة ستر البدن من الأمام والخلف, تكون حريصة على ستر عورتها من أمامها وخلفها هذا هو الواجب, أما كون السحاب أمام أو خلف أمره سهل ولكنه في الإمام أولى، كالعادة القديمة المعروفة؛ ولأن ذلك أمكن في ضبط العورة وضبط اللباس على البدن، وأما صبغ الشعر فلا يجوز إذا كان بالسواد الخالص، أما إذا صبغ بالحمرة, أو بالصفرة, أو بسواد مخلوط بالحناء فلا بأس بذلك، بل قال-عليه الصلاة والسلام-: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد)، فدل ذلك على أن تغيير الشيب سنة ومستحب لكن بغير السواد الخالص، وإذا غير الشعر بالأحمر أو بالأصفر فلا حرج في ذلك. وإذا كان يا شيخ لشابة مثلاً تريد تغيره إلى لون معين؟ إذا كان للجمال فلا بأس. فهو مسكوت عنه ليس فيه نهي. وبالنسبة للأسنان الذهبية للرجال والنساء، هذا جائز للنساء خاصة أما الرجال فلا، إلا للحاجة إذا احتاج الرجل ما هو للزينة بل لسقوط أسنانه, ولأن الذهب أصبر وأنظف فإذا جعله للحاجة فلا بأس, وإن جعل غيره من المعادن الأخرى فهو أولى وأحوط إن شاء الله وإذا ربطه بأسلاك الذهب ربط الأسنان الأخرى بأسلاك الذهب فلا بأس، قد روي هذا عن جماعة من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-, والحاصل أنه إذا كان للحاجة فلا بأس, وقد ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بعض أصحابه لما قطع أنفه في بعض الحروب أن يجعل فضة, فلما تغيرت عليه أمره أن يجعل مكانه ذهباً، فدل ذلك على أن الذهب للحاجة لا بأس، لا لأجل الزينة, وإذا جعله من المعادن الأخرى بأسنان وربطها بشيء من الذهب فلا حرج في ذلك, أما النساء فأمرهن أوسع؛ لأنه أحل لهن الذهب والحرير دون الرجال.
8- طلقت امرأتي ثلاث مرات، وحيث كان في وقت المغرب وقالت لي كلاماً أغضبني فطلقتها وراجعتها؛ لأنها أم لطفلين، وعادت إلى بيتي، وبعد أيام حصل بيني وبينها زعل فطلقتها، فدخلت علي وقالت: لأجل أطفالي أرجعني فرددتها، وبعد أيام حصل بيني وبينها كما حصل في الطلاق الأول والثاني فطلقتها في الثالثة ، أفيدوني عن هذا؟
عليك أن تراجع المحكمة أو المفتي لديكم في بلادكم وهو إن شاء الله ينظر في الأمر والأصل أن الثلاث إذا تفرقت ليس بعدها رجعة، ولكن القاضي أو المفتي ينظر في ذلك، أما إن كنت في السعودية ففي إمكانك أن تراجعنا بالمكاتبة حتى نحليك وإياها إلى قاضي طرفكم للنظر في الموضوع ومعرفة الحقيقة عنك وعن المرأة وعن وليها حتى تكون على أمر واضح إذا كنت في المملكة أما إذا كنت في بلاد أخرى ففي إمكانك مراجعة المحكمة في الأحوال الشخصية أو المفتي عندكم وهو إن شاء الله يوفق للفتوى فيما يوفق الشخص. في ختام هذه الحلقة أيها الأخوة لا يسعنا أن صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيزبن عبد البه بن باز....
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد