حلقة 168: الجمع بين (أو تخفوه) وبين (إن الله تجاوز عن أمتي) - نيابة الغسل عن الوضوء - طلاق المرأة والرجوع عن ذلك - الجمع بين (فبما كسبت أيديكم) وبين (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) - هل نزع موسى حذاءه تعظيما لله أم لطهارة الوادي المقدس؟

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

18 / 50 محاضرة

حلقة 168: الجمع بين (أو تخفوه) وبين (إن الله تجاوز عن أمتي) - نيابة الغسل عن الوضوء - طلاق المرأة والرجوع عن ذلك - الجمع بين (فبما كسبت أيديكم) وبين (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) - هل نزع موسى حذاءه تعظيما لله أم لطهارة الوادي المقدس؟

1- ما معنى قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ[البقرة:284]؟ وكيف نجمع بين معناها وبين الحديث الشريف الذي معناه: (أن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به)؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذه الآية قد أشكلت على كثير من الصحابة -رضي الله عنهم- لما نزلت، وهي قوله -تعالى-: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة: 284]، شق عليهم هذا الأمر وجاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم -صلى الله عليه وسلم-: (أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم سمعنا وعصينا، قولوا سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله -سبحانه- آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا......الآية[البقرة: 286]، فسامحهم الله وعفا -سبحانه وتعالى-، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا وبما أصروا عليه وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب فهذا معفو عنه، ولهذا صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم)، فزال هذه الأمر والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله أو قاله أو بما أصر عليه بقلبه، عملاً بقلبه، كإصراره على ما يقع عليه من الكبر والنفاق ونحو ذلك، أما الخواطر التي تعرض، والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين هذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان ولا تضر، ولهذا لما قال الصحابة يا رسول الله إن أحدنا يجد في قلبه ما لا أن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به أو كما قالوا، قال: (ذاك صريح الإيمان) وفي لفظ: (تلك الوسوسة) فهي من الشيطان، إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص وصحة الإيمان والرضى بما عند الله وسوس عليه بعض الشيء، وألقى في قلبه خواطر خبيثة، فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان سلم من شرها، ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام-: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله، فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله ورسله)، وفي لفظ: (فليستعذ بالله ولينته) هذا يدلنا على أن الإنسان عرضه للوساوس الشيطانية، فإذا عرض عليه وساوس خبيثة وخطرات منكرة فليبتعد عنها، وليقل: آمنت بالله ورسله، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولينته، ولا يلتفت إليها فإنها باطلة ولا تضره، وهي الخطرات التي عفى الله عنها -سبحانه وتعالى-.  

 

 
2- إذا كان بالقرب مني نهرٌ أو بحرٌ وكنت أستحم فيه، وبعد ذلك حان وقت الصلاة وليس عندي ماء غيره أتوضأ منه، فهل يكفي استحمامي ذلك عن الوضوء وأصلي به أم لا؟
عليك أن تتوضأ مما حولك من النهر أو البحر سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من البحر فقال: (هو الطهور ماءه الحل ميتته) والحمد لله، إذا تحممت للتبرد أو لإزالة الوسخ أو غير ذلك فلا يكفي، لابد من وضوء. أما إذا كان عن جنابة ونويت الحدثين الأصغر والأكبر في الغسل كفى، لكن الأفضل أنك تتوضأ وضوء الصلاة، ثم تغتسل غسل الجنابة، هكذا كان النبي يفعل، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يبدأ بالوضوء يستنجي أولاً، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يتحمم ثم يغتسل، هذا هو السنة ويكفي ذلك، لكن لو نواهما جميعاً ولم يبدأ بالوضوء، نوى الغسل والوضوء جميعاً بنية واحدة أجزأه عند جمع من أهل العلم، ولكن الأفضل أنه يفعل ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني يتوضأ أولاً يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة ثم يسبغ الماء على بدنه، يكمل تروشه، هذا هو السنة عن الجنابة وهكذا المرأة عن الحيض، إذا طهرت من حيضها تستنجي وتتوضأ وضوء الصلاة ثم تغتسل، تعم البدن بالماء، هذا هو الأمر الشرعي، فيجزأها هذا عن وضوءها وعن غسلها جميعاً. والماء سواءً كان من ماء البحر أو من ماء النهر أو من ماء الآبار الحمد لله الأمر واسع، والله يقول: (فإن لم تجدوا ماء) والماء يعم البحر والنهر والعيون والآبار كله داخل في الماء.   
 
3- هل صحيح أن المأموم في الصلاة الجهرية لا يقرأ الفاتحة خلف إمامه ولا يُؤمِّن بعد إتمام الإمام الفاتحة حسب المذهب الحنفي، إذا كان الأمر كذلك فماذا عليه أن يفعل؟
المذهب الحنفي هنا مرجوح، المذهب الحنفي مرجوح في هذا، والصواب ما عليه الجمهور المأمون يؤمن مع إمامه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمن الإمام فأمنوا)، وفي لفظ آخر: (إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم، خلافاً لمذهب الأحناف، ومذهب الأحناف هنا مرجوح. وكذلك يقرأ على الصحيح يقرأ في الجهرية يقرأ الفاتحة فقط، ثم ينصت لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قلنا نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، فاستثنى الفاتحة -عليه الصلاة والسلام-، فدل ذلك على أنه يقرأ الفاتحة في ما أسر فيه إمامه إذا أسر، وإن كان الإمام ما أسر يعني قرأ الفاتحة ثم شرع بعدها ولم يكن له سكتة قرأها ولو حال قراءة إمامه جهراً يقرأها سراً في نفسه ثم ينصت لإمامه عملاً بالأحاديث الكثيرة الصحيحة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما في السرية كالظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء هذه يقرأ فيها على كل حال، يلزمه أن يقرأ الفاتحة عند الأكثر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وللحديث السابق (تقرأون خلف الإمام قلنا نعم قال لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) هذا في الجهرية. أما في السرية فإنه يقرأ الفاتحة ويقرأ معها ما تيسر في الأولى والثانية من الظهر والعصر، ويقرأ الفاتحة في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والثالثة من المغرب أيضاً.  

 

 
4- تزوجت وبعد مدة من زواجي ذهبتْ زوجتي إلى منزل والدها بإذني، وكان بيني وبين والدها سوء تفاهم، ولما تأخرت عن الحضور ظننت أنهم منعوها من الحضور، فغضبت وذهبت إلى منزل والدها، وخرج والدها، وعندما سألته عن عدم حضورها، قال: هي مريضة، فقلت له: أخرجها إليّ حتى أطلقها، فقال لي قل: وأنا أبلغها، فقلت له: قل لها إنها طالق، وخرجت من البيت وقلت عند خروجي تمتمات أذكر منها علي الطلاق ثلاثة ما تلزمني، وعندما وصلت إلى بيتي ورجعت إلى نفسي وجدتُ أنني قد تسرعت وندمت، وذهبت إلى أحد المشائخ للفتوى في هذا، حيث كانت حاملة في الشهر التاسع وقت ذاك، فسألت اثنين فقالا: إنها طلقة واحدة، وذهبت ومعي رجلين وأرجعت زوجتي قبل الوضع وأنجبت منها ابنتين، ولكنني أحسست أنني طلقتها ثلاثاً؛ لأنها كانت نيتي، فما العمل الآن، وإذا طلقت فما هي حقوقها الواجبة عليّ، علماً بأنها الآن غير حامل؟
هذا يرجع إلى ما صدر منك إذا كنت إنما طلقت واحدة فقط حين قلت: هي طالق، فإرجاعها لا بأس، ولم يمض عليها إلا طلقة إذا كان ما طلقتها سابقاً. أما التمتمة الذي بعد ذلك فأنت أعلم بها إن كنت طلقتها طلقة ثانية وثالثة فأنت أعلم ما تصلح لك، وعليك أن تردها إلى أهلها، وعليك أن تتوب إلى الله مما فعلت من جماعها وقد طلقتها، وعليك الاستغفار والتوبة والندم، والأولاد يلحقون بك للشبهة التي عرضت لك. أما إن كانت التمتمة ما فيها طلاق صريح، وإنما كلام لم تعقله ولم تعرف وجهه، فهذا لا يضرك وهي زوجتك ولم يقع عليها إلا طلقة واحدة، والذي عليك خوف الله ومراقبته -سبحانه وتعالى-، فإذا كنت تعلم أنك طلقتها طلقتين أخريين بعد ما فارقت أباها فقد تمت الثلاث، وعليك أن تردها إلى أهلها مع التوبة والاستغفار، وأولادك لاحقون بك للشبهة، وعليك الإحسان إليها وإلى أولادها حسب الأمر الشرعي في الإنفاق على أولادها. وأما إن كنت تمتمت بشيء لا يعقل ولا يفهم أولا تفهمه أنت أو لا تعقله أنت من شدة الغضب أو من الوساوس أو من أشياء أخرى فليس عليها عمل، ولا تعتبر، والمعتبر الطلقة التي قلتها لأبيها واحدة فقط، والمراجعة صحيحة وزوجتك معك، والحمد لله.  

 

 
5-   يقول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ[الشورى:30]، ويقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[التوبة:51]، فما معنى الآيتين، وكيف نجمع بينهما، علماً أن ظاهرهما التعارض؟
ليس هناك تعارض يا أخي، فالله -تعالى- بين لنا أن ما أصابنا هو بأسباب كسبنا، وبين أن ما يقع فهو بقضاءه وقدره قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا، فقد سبق علمه وقدره بكل شيء، ولكنه سبحانه علق ما أصابنا مما يضرنا أنه بأسباب معاصينا وإن كانت مكتوبة مقدرة، لكن لنا كسب ولنا عمل ولنا اختيار، فكل شيء يقع بقدر من الطاعات والمعاصي، فما وقع منا من معاصي فهو معثور من كسبنا وعملنا، ونحن مؤاخذون به، إذا فعلنا وعندنا عقولنا، نحن مؤاخذون به، ولهذا قال -سبحانه-: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[الشورى: 30]، والآية الأخرى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[النساء: 79] فلا تنافي بين القدر وبين العمل، فالقدر سابق ولله الحجة البالغة -سبحانه وتعالى-، والأعمال أعمالنا: كالزنا، وشرب الخمر، وترك الصلاة، والعقوق، وقطيعة الرحم من أعمالنا، ونحن نستحق عليها العقوبة بسبب تفريطنا وتقصيرنا؛ لأن لنا اختياراً ولنا عملاً ينسب إلينا، وإن كان سبق في علم الله كتابته وتقديره، فالقدر ليس حجة على فعل المعايب والمنكرات، والله له -سبحانه وتعالى- الحكمة البالغة فيما مضى فيه قدره وعلمه وكتابته، ونحن المسئولون عن أعمالنا وأخطائنا وتقصيرنا، ومؤاخذون بذلك، إلا أن يعفو ربنا عنا، ولهذا تعلم أنه لا منافاة بين الآيتين، فإحداهما تدل على أن أعمالنا من كسبنا، وأنا نستحق عليها العقوبة، وهي أعمال لنا باختيارنا، والآية الأخرى تدل على أنه قد مضى في علم الله كتابتها وتقديرها، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)، فهو سبحانه الحكيم العليم، العالم بكل شيء، الذي سبق علمه بكل شيء -سبحانه وتعالى-، وكتب كل شيء، وفي آية أخرى يقول -سبحانه وتعالى-: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[الحديد: 22]، فكتاب الله سابق، وعلمه سابق -سبحانه وتعالى-، وقدره سابق، وأعمالنا محصاة علينا، ومنسوبة إلينا، ومكتوبة علينا، وهي من كسبنا وعملنا واختيارنا، فنجزي على الطيب الجزاء الحسن من الطاعات وأنواع الخير والذكر، ونستحق العقاب على سيئها من العقوق والزنا والسرقة وسائر المعاصي والمخالفات. والله المستعان. 

 

 
6- يقول الله -تعالى- مخاطباً نبيه موسى -عليه السلام-: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى[طه:12]، هل الأمر بخلع النعلين تعظيماً لله أم تعظيماً للوادي المقدس؟ وإذا كان تعظيماً لله فكيف يجوز للمسلم أن يقف في الصلاة بين يدي ربه وهو لابس نعليه؟
هذا شيء يتعلق بشريعة موسى حين أمره الله أن يخلع نعليه، ظاهره أن الوادي المقدس لا يطأه بنعليه، فيحتمل أنها نعلان فيهما شيء من القذر، أو لأسباب أخرى، وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- محمد أن يخلع نعليه في الصلاة، جاءه جبرائيل وقد صف في الصلاة وكبر فأمره أن يخلع نعليه فخلعهما، فلما سلم قال للصحابة: (إن جبرائيل أخبرني أن بهما قذراً فخلعتهما، فإذا أتى أحدكم الصلاة فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذراً فليمسحهما ثم يصلي بهما) وكان يصلي في نعليه -عليه الصلاة والسلام-، فشريعة موسى تخصه وليست شريعة لنا قال -تعالى-: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً[المائدة: 48]، أما شريعتنا فإنها تبيح لنا الصلاة في النعلين والخفين، كما صلى فيهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل ذلك سنة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم)، فالسنة لنا أن نخالف اليهود في ذلك, وأن نتبع محمد -صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكان يصلي في نعليه، فلهذا يشرع لنا أن نصلي في نعلينا وخفينا إذا كانا نظيفين، فعلى المؤمن عند إتيان المسجد أن يلاحظ نعليه وخفيه وينظفهما إن كان بهما شيء حتى لا يدخل بهما وبهما قذر، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أخبره جبرائيل خلعهما. وإذا كانا نظيفين ليس بهما شيء فلا حرج أن يصلي فيهما، في المسجد إذا كان حصباء أو تراب، أما إن كان بفرش فلا بأس، لكن إذا خلعهما احتياطاً، خلع النعلين مثلاً احتياطاً لئلا يكون فيهما تراب كثير يوسخ المسجد ،أو يكدر المصلين فهذا حسن، وليس بلازم، وأما الخفان فلا، إذا كان قد مسح عليهما فلا يخلعهما يصلي فيهما؛ لأنهما إذا خلعهما بطل الوضوء، فإذا كان الخفان يعني قد مسح عليهما للطهارة فلا يخلعهما بل يصلي فيهما، لكن لا يدخل حتى ينظر فيهما، ويزيل ما بهما من أذى إن كان هناك أذى، حتى لا يدخل فيهما إلا وهما نظيفان. أما النعل فأمرها أسهل، فإمكان خلعها، لأن النعل لا يمسح عليها، فإذا كان جاء على الطهارة وعليه نعلان إن شاء خلعهما في المساجد المفروشة، وإن شاء تركهما، وإذا خلعهما من أجل مراعاة الناس لئلا يستنكروا منه أو لئلا يتكلموا عليه، أو لئلا يكون فيهما تراب يوسخ الفرش من باب التحري للخير ومن باب البعد عن التشويش فهذا حسن، وإلا فالأصل مع من قال بالصلاة فيهما ولو كان المسجد مفروشاً، إذا كانت النعلان نظيفتين، فلا بأس بذلك لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولقوله -عليه الصلاة والسلام- ولكن مراعاة للناس اليوم في المساجد المفروشة، إذا راعى الناس وخلعهما خوف أن يكون هناك تراب أو أوساخ ما فطن لها، أو أن الناس يستنكرون منه ذلك، وربما تكلموا عليه وجهلوه جهلاً منهم، فاتق القالة، وحسن المادة وجعلهما في مكان آخر، هذا لا بأس به إن شاء الله، مراعاة لأمور الناس اليوم واتقاء لما قد يقع من بعضهم من الجهل والكلام الذي لا يناسب، والله -سبحانه وتعالى أعلم-.  

 

 
7- رجل قبل أن يتوفى كتب كل ما يملكه من أموال لبناته فقط، بقصد حرمان بقية ورثته الآخرين، فهل ما فعله هذا جائز أم لا؟ وإذا لم يكن جائزاً فما العمل في تركته؟
إذا كان أوصى بالمال لبناته أو لبعض ورثته فالوصية باطلة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، فليس لأحد أن يوصي بالمال لبعض الورثة لا للبنات ولا لغير البنات، بل المال للجميع، أما إذا أوصى بالثلث أو أقل لغير الورثة فهذا صحيح، له أن يوصي بالثلث فأقل لكن لغير الورثة، فإذا ثبت ذلك بالبينة العادلة نفذ، أما أنه يوصي للزوجة، أو توصي المرأة لزوجها أو لأبيها أو لأمها أو لبناتها، أو يوصي الزوج لأمه أو لأبيه أو غيرهم من الورثة لا، لا يصح، لا يوصى للوالد أبداً لا بقليل ولا بكثير، بل الله -جل وعلا- قسم بينهم المال، فيجب أن يبقى لهم حكم الله في ذلك، وليس للمسلم أن يوصي بشيء للورثة. أما إن كان قد أعطاهم في الصحة قد أعطى بناته بعض المال في صحته وسلامته وليس له أولاد آخرون البنات فقط، أو أعطى أولاده جميعاً وسوى بينهم في صحته، وقسم بينهم فإن هذا نافذ، وليس لأحد الاعتراض عليه إذا كان في الصحة ما هو في المرض، وليس وصية بأن كان في صحته عنده بنتان وولد فأعطاهم مثلاً أراضي أعطاهم بيوت أعطاهم نقود قسمها بينهم لا بأس وعدل بينهم لا حرج، للذكر مثل حظ الانثيين أو له زوجة وأعطاها في صحته بيتاً أو أعطاها أرضاً أو سيارة لا بأس، أو أعطى بعض أقاربه الوارثين أعطى بعض إخوته الورثة في صحته فلا بأس.   

360 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply