حلقة 175: من هم أهل الكتاب - هل يجوز أن يتزوج من فتاة لا تصلي؟ - تلاوة القرآن بصورة جماعية - لحيته معدودة الشعرات فهل يجوز حلقها؟ - هل يجوز تقاضي المال على مدح النبي - جماعة الأخوان المسلمين وأنصار السنة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

25 / 50 محاضرة

حلقة 175: من هم أهل الكتاب - هل يجوز أن يتزوج من فتاة لا تصلي؟ - تلاوة القرآن بصورة جماعية - لحيته معدودة الشعرات فهل يجوز حلقها؟ - هل يجوز تقاضي المال على مدح النبي - جماعة الأخوان المسلمين وأنصار السنة

1- من هم أهل الكتاب؟

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فأهل الكتاب مثل ما بينهم الله في كتابه هم اليهود والنصارى، سمو أهل الكتاب؛ لأن الله أنزل عليهم كتابين، على بني إسرائيل, الأول على موسى وهو التوراة, والثاني على عيسى وهو الإنجيل, ولهذا يقال لهم أهل الكتاب, ويقال أهل الكتابين, ولهم أحكام تخصهم غير أحكام بقية المشركين، وهم يجتمعون مع غيرهم من الكفار باسم الكفر, والشرك فهم كفار ومشركون, كعباد الأوثان, وعباد النجوم, وعباد الكواكب, وسائر الكفرة والملحدين, ولكنهم لهم خصائص بأسباب أنهم تلقوا هذين الكتابين عن أنبيائهم الماضين, عن موسى, وهارون, وعن عيسى- عليهم الصلاة والسلام-, فالله جعل لهم أحكاماً خاصة منها حل ذبائحهم التي لم تذبح لغير الله لم يهلوها لغير الله، ولم يذكروا عليها غير اسم الله, ولم يوجد فيها ما يحرمها فهذه حل لنا كما قال الله-سبحانه-: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ(المائدة: من الآية5), وكذلك نساؤهم حل لنا المحصنات, العفيفات, الحرائر, كما في قوله-سبحانه-: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ...الآية(المائدة: من الآية5), فهذان الأمران يخصان أهل الكتاب حل النساء المحصنات منهم, وحل ذبائحهم التي لم يهلوها لغير الله, ولم يذبحوها على غير شرع الله, أما بقية المشركين فلا تحل لنا ذبائحهم ولا نساؤهم ، وهناك أمر ثالث وهو أخذ الجزية ، تؤخذ منهم الجزية أيضاً, وهي مال يضرب عليهم كل عام على رجالهم الذين يستطيعون ذلك ويشاركهم في هذا الحكم المجوس عباد النار ؛لأن الرسول أخذها منهم-عليه الصلاة والسلام-كما أخذها من أهل الكتاب, فهذه الأحكام الثلاثة تخص أهل الكتاب, والحكم الأخير وهو الثالث وهو أخذ الجزية يشترك معهم فيه المجوس، وذهب بعض أهل العلم إلى أخذ الجزية من غير هؤلاء على خلاف معروف بين أهل العلم في أخذها من عباد, الأوثان, ومن عباد الكواكب, ومن غيرهم من المشركين، ولكن المشهور عند جمهور أهل العلم أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتابين, ومن المجوس. 
 
2- هل يجوز للمسلم أن يتزوج بفتاة لم تصل، حيث أنه يعيش في بلادٍ أكثر أهلها لا يصلون، وأنه مضطر للزواج خوفاً من الفتنة، وسوف يشترط على أهل الفتاة أن تؤدي الصلاة أثناء عقد الزواج، وفي حالة عدم صلاتها يطلقها، فما الحكم في ذلك؟.
ترك الصلاة من الرجال والنساء كفر أكبر في أصح قولي العلماء, وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن ينكح امرأة لا تصلي بل يجب عليه أن يتحرى بالزوجة أن تكون ذات دين, وأن تكون من المصليات, ومن الذين يحترمون الدين, ولا يأتون بشيء ينافيه، هذا هو الواجب على المسلم, ولهذا قال-عليه الصلاة والسلام-: ( تنكح المرأة لأربع لمالها, ولحسبها, ولجمالها, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق على صحته، فالمؤمن يتحرى في الزوجة في أن تكون طيبة في دينها, وأخلاقها, وبصيرتها ومن أسرة طيبة، وإذا كانت لا تصلي فهذا من أعظم الكفر بالله في أصح قولي العلماء، وقد خالف في هذا من خالف من أهل العلم, وقالوا: إن ترك الصلاة ليس بكفر أكبر إذا كان لا يجحد الرجل وجوبها, ولا تجحد المرأة وجوبها ولكن ذلك عن كسل، هذا قول جماعة من أهل العلم, ويبقى قول الأكثرين ، ولكن الصواب الذي عليه الأدلة الشرعية أن ترك الصلاة كفر أكبر, وإن لم يجحد التارك وجوبها لما ثبت عنه-صلى الله عليه وسلم -: ( رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) فشيء ترك عموده وذهب عموده كيف يبقى، وأيضاً ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- وهو أصرح في هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم-:( إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ) رواه مسلم في صحيحه، وبالتالي فالرجل لا يخصه على طريقة الرسول- صلى الله عليه وسلم - في الأحكام فإنه إذا عبر في الحكم الشرعي باسم الرجل, أو باسم المرأة فالحكم عام ، وهكذا ما جاء في كتاب الله من الأحكام بأسماء الرجال, أو بأسماء النساء فالحكم عام إلا ما جاء الدليل بالتخصيص, كتخصيص المرأة لنصف مال الذكر من الأولاد والأخوة ، وغير ذلك مما جاء به التخصيص, وإلا فالأصل أنهما سواء في الأحكام, وهذا منها، فإذا كفر بترك الصلاة الرجل فالمرأة كذلك, وإن كان ذلك عن تهاون وعن كسل هذا هو الصواب، ومن هذا الباب ما ثبت عنه-صلى الله عليه وسلم-أنه قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تكرها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد في المسند, وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة-رضي الله عنه-, وهذا عام للرجال والنساء, فنصيحتي للرجل السائل أن لا يتزوج إلا امرأة معروفة بالاستقامة, والصلاة, والبعد عن كل ما يغضب الله-عز وجل- ولو بقي أعزب حتى يسهل الله له من يرضى دينها، والكتابية خير من هذه، الكتابية أباح الله نكاحها إذا كانت محصنة, أما المشركة فهي محرمة علينا, كما قال الله-جل وعلا-: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ(البقرة: من الآية221), وهذه يقال لها مشركة، فالكتابية خير منها, وإن كان ترك الكتابية أولى وأفضل بكل حال, وأن يتزوج مسلمة حنيفية مؤمنة هذا هو الذي ينبغي له، لكن بكل حال إذا كان ولا بد فتزوج كتابية محصنة أولى من أن تتزوج من امرأة لا تصلي كافرة، لكن في الإمكان أن يشرط صلاتها وتوبتها قبل العقد، فإذا استقامت وهداها الله وتابت, وثبت لديه ذلك بأنها تركت عملها السيء, وأنابت إلى الله, وصارت تصلي, فليتزوجها والحمد لله, ولعل رغبتها في الزواج تكون سبباً في توبتها ورجوعها إلى الله واستقامتها في الصلاة, فيكون قد أحسن إليها بهذا الزواج الذي جعله الله لها سبباً للتوبة والاستقامة وأدى الصلاة. 
 
3- ما هو رأي الدين في تلاوة القرآن بصورة جماعية بعد صلاة الصبح والمغرب، حيث أن بعض الإخوة قالوا لنا بأنها بدعة؟
تلاوة القرآن الكريم من العبادات التي شرعها الله لعباده, وبينها رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان الرسول-صلى الله عليه وسلم-يقرأ القرآن وأصحابه يستمعون, ليستفيدوا مما يقول لهم ويفسره لهم-عليه الصلاة والسلام- ، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ القرآن وهو يستمع-عليه الصلاة والسلام-, ولم يكن من سنته ولا من سنة أصحابه وطريقتهم أن يتلوا القرآن جميعاً بصوت واحد ، ليس هذا بسنتهم, وليس هذا من فعله-عليه الصلاة والسلام-، الذين قالوا أنه بدعة هم محسنون لأن هذا لا أصل له، لكن ذكر العلماء أن هذا مع الصبيان الصغار المتعلمين على طريق التعليم حتى يستقيم لسانهم جميعاً يعفى عنه في طريق التعليم مع الصبيان الذين يتعلمون في المدارس إذا رأى الأستاذ أن يتكلموا جميعاً حتى يعتدل الصوت, وحتى تستقيم التلاوة من الصبيان الصغار في باب التعلم فهذا نرجوا أن لا حرج فيه لما فيه من العناية بالتعليم, والحرص على استقامة الأصوات وحسن الأداء، أما فيما بين الناس في التلاوة في المساجد, أوفي غير المساجد في الصباح أو في المساء, أو في أي مكان يتلون القرآن جميعاً فهذا لا نعلم له أصلاً, وقد قال-عليه الصلاة والسلام-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فنصيحتي أن لا يقال ذلك. 
 
4- إذا كان لدي بعض الشعيرات في لحيتي وهي لا تتجاوز عشر شعرات، وأنها قبيحة المنظر، أي غير مقبولة، هل يجوز لي حلقها؟
ثبت عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام-أنه قال : ( قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- وخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس), هكذا يقول-صلى الله عليه وسلم - وهكذا يأمر, ولم يستثني شعيرات قليلات ولا شعيرات كثيفات، بل أطلق قال وأعفوا اللحى ، وأرخوا اللحى ، وهذا يعم قليلها وكثيرها، فلا يجوز للمسلم أن يقصها ولا يحلقها ولو كانت قليلة, ولو كانت بزعمه فيها تشويه فإنه متى اتقى الله يسر الله أمره, وعدل لحيته, ووفقه للخير , وأزال عنه ما يخشى مما يكره، فالواجب عليه أنه يتقي الله في ذلك, وأن يعتني بها من جهة إكرامها, وتظفيرها, وتعاطي ما يكثرها من الأسباب قد يكون عند الأطباء أشياء تعين على تحسين هذا الشعر وتوافره، فليتعاطى ما يعينه على ذلك أما أن يقصها أو يحلقها فلا ، السنة واضحة في هذا الأمر ، فليس للمؤمن أن يقص اللحية ولو كانت قليلة، وليس له أن يحلقها بل الواجب عليه توفيرها, وإكرامها, وإعفاؤها, وإرخاؤها طاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة لأعداء الله من المشركين والمجوس, ولو أنهم أرخوها في بعض الأحيان, ولو فرضنا أنهم أرخوها جميعاً فإنا نبقى على حالنا نعفيها وإذا وافقنا فلا يضر ، ليتهم يوافقونا حتى في الإسلام ، ليتهم يسلمون ونحمد الله على ذلك، المقصود أن بعض الجهلة قد يظن أنه متى أرخوا نحلق هذا غلط كبير ، إذا أرخوها فالحمد لله ، نسأل الله لهم الهداية حتى يدخلوا في الإسلام ، إذا وافقونا في أمور الإسلام ، لا نخالف الإسلام لأجلهم لا، ولكن لا نفعل ما يوافقهم ويوافق زيهم ونخالف ديننا.  
 
5- بعض الناس يزعمون أنهم يمدحون الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالشعر والوصف الجميل، مع العلم بأنهم يتقاضوا أجراً على ذلك، فهل يجوز هذا المدح؟
إذا مدحوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما هو حق فهم محسنون ونياتهم إلى الله, وإذا أكرمهم من مدحوا الرسول عنده فلا بأس, وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعطي المنح لليهود, وللشعراء والجوائز وهم كفار فكيف بالمسلمين، فالمقصود أن المادح للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحق كأن يمدحه بأنه حسن الخلق بين المسلمين متواضعاًَ, وأنه بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, وأن صفته كذا من توفير لحيته-عليه الصلاة والسلام-, أو من بشاشته للمسلمين, ومن نصحه لله ولعباده, ومن زهده في الدنيا وإكرامه في الآخرة, ومن صبره على الجهاد وأذى على الأعداء إلى غير هذا من أخلاقه العظيمة هذا طيب, ولا بأس أن يعطى من قال ذلك ويجاز إن كان وافداً, ويعطى على فعله ما يرجى فيه تشجيعه على الخير وترغيبه في الثبات على الإسلام ولا حرج في ذلك؛ لأن هذا فعل الأخيار وعلى رأسهم رسول الله- عليه الصلاة والسلام- ، أما النية فإلى الله, الله يعلم نياتهم . 
 
6- أريد منكم أن تفيدوني علماً عن دعوة الإخوان المسلمين، وهل هناك اختلاف بين دعوتهم ودعوة جماعة أنصار السنة؟
الإخوان المسلمون وأنصار السنة كلاهما من الدعاة إلى الله, وكلاهما نرجو لهما الخير, ولكن أنصار السنة فيما نعلم أنشط منهم في إيضاح التوحيد, وبيان حقيقة الشرك, وأكثر منهم عناية بهذا الأمر, فكانوا معروفين في مصر, وفي السودان بالعناية ببيان بالتوحيد, وتحذير من الشرك, والتعلق بالأموات, والاستغاثة بأهل القبور ، وأما الإخوان المسلمون فليس لهم نشاط واضح في بيان التوحيد وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة, وإنما دعوتهم عامة إلى الإسلام, وهذا لا يكفي بل يجب على الإخوان المسلمون, وعلى غيرهم من الدعاة أن يكون نشاطهم تفصيلياً وعلمهم بالعقيدة الصحيحة, وأن يوضحوها للناس حتى يخرج مدعي الإسلام من عقيدة الكفر إلى العقيدة الصحيحة؛ لأنه قد يدعي الإسلام, وقد يتكلم به, ويصلي مع الناس وهو مع ذلك يعبد الأموات, ويستغيث بالبدوي, أو بالحسين, أو بالشيخ عبد القادر, أو بفلان وفلان، ويسألهم المدد والغوث إذا مر بقبورهم, وهذا كفر أكبر نعوذ بالله من ذلك, وقد يكون عندهم طريقة من طرق الصوفية خبيثة, فالواجب البيان والإيضاح, فأنصار السنة في هذا الباب أنشط وأكمل في الدعوة وأقوى في هذا الأمر, والإخوان المسلمون يمدحون على نشاطهم في الدعوة الإسلامية العامة, ويرجى لهم المزيد من التوفيق ، لكن يؤخذ عليهم فيما بلغني, وفيما أعلم عدم العناية بالتفصيل فيما يتعلق بالعقيدة, وفيما يتعلق بالبدع التي يتعاطاها بعض الناس, فالواجب عليهم أن يغيروا من سيرتهم, وأن يجتهدوا في إيضاح العقيدة الصحيحة, وأن يقبلوا إلى توحيد الله والإخلاص له, وينبهوا على دعوة الأموات, والاستغاثة بهم أنها شرك وكفر, وأن يوضحوا أيضاً الطرق الصوفية الخبيثة المنكرة التي في بلادهم ، وأن الواجب على الناس جميعاً أن يتبعوا طرق النبي - صلى الله عليه وسلم - و يسيروا على سيرته, وأن يحذروا الطرق الموجهة والخارجة عن سيرته -عليه الصلاة والسلام-, وإن فعلها من فعلها من الأكبائر فإن العبرة بالحق لا بالناس ، العبرة بالحق وبهدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ودرج عليه صحابته المرضيون وإن كانوا ضعفاء, وإن كانوا فقراء ، ولا عبرة بمن خالف الحق وإن كانوا من الأكابر والرؤساء والعظماء والأغنياء،لا, لا ينبغي النظر إلى هذا بل ينبغي النظر إلى العمل والحقيقة والعقيدة، فيشجع أهل العقائد الصحيحة, ويدعى لهم بالتوفيق, وينشطون على الثبات على ما هم عليه ويدعى أهل العقائد المنحرفة, وإن كانوا كباراً لا يستحيى منهم ولا يداهنون يدعون إلى الحق, ويوضح لهم ما هم فيه من الخطأ في العقيدة, والأخلاق, أو في البدع التي يؤيدونها هذا هو الواجب على أنصار السنة, وعلى الإخوان المسلمين, وعلى جميع الدعاة إلى الله -جل وعلا- الواجب عليهم أن ينصحوا لله ولعبادة , وأن يوضحوا العقيدة الصحيحة, ويبينوا حقيقة التوحيد التي دعت إليها الرسل-عليهم الصلاة والسلام-, وينبهوا على الشرك الذي أنكرته الرسل وحذروا منه, وأن لا يداهنوا الناس في هذا الأمر, وأن لا يكون همهم كثرة الناس لا ، همهم وجود الحقيقة ولوا كانوا قليلين، المهم أن تكون الدعوة صافية نقية، وأن يكونوا أهلها مستقيمين على الحق ثابتين عليه ولو كانوا قليلين، فالقليل مع الصدق والإخلاص أنفع بكثير من الكثيرين مع الضعف والجهل وقلة البصيرة, أو قلة الصدق والإخلاص ولا حول ولا قوة إلا بالله .  
 
7- لدي والدة كبيرة في السن، وهي ترغب في أن تزوجني من ابنة أخيها الذي مات من سنوات، وذلك لأنه كان باراً وعطوفاً عليها، ووالدتي تصر على زواجي منها، ولكنني غير راغب فيها، أرجو إفادتي في هذا الموضوع؟
نصيحتي لك أيها الأخ أن تقبل نصيحة والدتك, وأن تتزوج بابنت أخيها بنت خالك, ولعل في هذا الخير العظيم, فإن بر الوالدين ولاسيما الوالدة فإن حقها أكبر فيه خير عظيم وله العواقب الحميدة بشرط أن تكون هذه البنت سليمة في دينها, إذا كانت طيبة ذات عقيدة طيبة, وذات صلاة واستقامة فإني أنصح لك وأؤكد عليك أن تقبل قول والدتك في مشورتها, ونصحها وسوف يجعل الله العاقبة حميدة، يقول الله-جل وعلا-: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ(هود: من الآية49), فبر الوالدة وطاعتها في الخير من التقوى, والعاقبة لأهل التقوى, ولا تكره شيئاً من البنت إذا كان ذلك لا يضر في خلقها ودينها, فقد قال الله-سبحانه-: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً(النساء: من الآية19), وقال-سبحانه-: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ(البقرة: من الآية216), فإذا كان هناك نقص في خلق, أو في خلق لا يضر بدينها, ولا يعتبر هذا النقص في الخلق معصية, فاصبر عليه ولعل الله يجعل مكان ذلك كمالاً في نفسك, ومحبة في نفسك حتى تستقيم معها على الخير والهدى, وحتى ترضي والدتك، أما إن كان هناك ما يمنع شرعاً لكونها لا تصلي, أو متهمة بالفواحش فلا تقبل, ولا تنكحها, واعتذر لوالدتك وبين لها بينك وبينها سراً الأسباب والأعذار التي تمنعك من زواجها ، هذا هو الذي أنصحك لك به وأسال الله لك التوفيق فيما تأتي وتذر. 
 
8- لي والدٍ يشرب الخمر والعياذ بالله، ولقد تحدثت معه عدة مرات، وشرحت له بأن الدين يحرم ذلك، هذا بالإضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية التي تلحق بنا، ولكن والدي لم يترك شرب الخمر، حتى دخلت معه في جدالٍ مرير وهجرني وأمرني بالخروج عن منزله، وعلى هذا تركت المنزل، أفيدوني.. هل في عملي هذا مع والدي ما يخالف الدين الإسلامي؟
النصيحة لوالدك حق, ومن أولى الناس بنصيحتك, ومن أولى الناس بإحسانك في دينه ودنياه, ولكن ليس لك العنف والشدة حتى ولو كان كافراً فكيف بمسلم يتعاطى بعض المعاصي, فالواجب عليك أن تصبر على ما تلقى من سوء خلقه, وأن تستمر في نصيحته, وأن تصله بالإحسان بالمال والمعروف إن كنت قادراً وهو ذو حاجة, وأن تدعو الله له بالليل والنهار, والسر والجهار, بالهداية والتوفيق حتى يترك ما هو عليه من تعاطي الخمر, ولا تنزع يداً من طاعتك, ولا من الاتصال به, بل أحسن إليه واتصل به ولو هجرك, وتحبب إليه بالكلام الطيب والأسلوب الحسن لعل الله يهديه بك, أما سمعت الله يقول-سبحانه وتعالى-: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *وَإِنْ جَاهَدَاكَ(يعني الوالدان الكافران) عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان:15) فأمر بأن يصاحبه في الدنيا معروفاً مع أنهما يجاهدان ولدهما على الشرك, ومع هذا يؤمر بالإحسان إليهما, وشكرهما, والصبر على ذلك, ويتبع سبيل الحق، هذا هو الواجب عليك مع الوالدين المشركين, ومع العاصيين من باب أولى, فاتقي الله يا أخي وأرجع إلى الإحسان إلى والدك, وانصح له وتحمل ما قد يقول لك من الكلام السيئ, وادعوا الله له بالهداية صادقاً في سجودك وفي غير هذا من أحوالك لعل الله يهديه بأسبابك, وأحسن إليه بالمال إن كان فقيراً وأنت تقدر, وهذا كله فيه خير لك ومما يرضي الله عنك-سبحانه وتعالى-، والوالد ليس مثل الناس الآخرين لا, بل له شأن آخر فاتقي الله في والدك وأحسن إليه وارجع إلى مناصحته والاستمرار في المشورة عليه لكن بالأسلوب الحسن ، لا بالعنف, ولا بالشدة، بل يا والدي هداك الله ، يا والدي هذا أمر خطير, يا والدي هذا حرمه الله ، يا والدي هذا فيه مضرة كذا وكذا في الأوقات المناسبة, في الأوقات التي تراه الأكثر قبولاً لنصيحتك, ثم استعن بالله على ذلك, واسأله أن يهديه, وأن يعينك عليه, وأن يشرح صدره للحق, وهكذا تستعين بمن له قدرة على مساعدتك من أقاربك, ومن أصدقاء والدك يأتون إليه, وينصحونه بالأساليب الحسنة, ويساعدونك في هذا الخير العظيم، هذا هو الذي أنصحك به وأسأل الله لك ولوالد الهداية والتوفيق.  
 
9- لقد سرقت لي سلسلة من الذهب في البيت، وقد حلفت على زوجتي بالطلاق وقلت لها: أنت محرمة علي إذا لم توجد السلسلة، ثم أنني عرفت بأنها بريئة، وأن سارقاً هو الذي سرق السلسلة، أرجو الإفادة جزاكم الله خيراً فيما صدر مني؟.
هذا فيه تفصيل وفي الحقيقة أنك استعجلت, ولكن هذا فيه تفصيل, فإن كنت أردت أنها محرمة عليك ولو لم تكن عندها السلسلة, وأنك إذا لم تحصل على السلسلة فهي محرمة عليك لأنك ظننت أنها عندها وأنها خالفتك فيها ,إذا كنت جازماً وأنها حرام عليك إلا أن تؤدي السلسلة هذا حكمه حكم الظهار وعليك كفارة الظهار, وهي عتق رقبة مؤمنة ذكراً أو أنثى, فإن لم تجد صمت شهرين متتابعين, فإن لم تستطع أطعمت ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر, أو أرز, أو غيرهما قبل أن تمسها قبل أن تتصل بها ، هذا هو الواجب عليك؛ لأن هذا في حكم الظهار ، أما إن كنت ما أردت تحريمها, وإنما أردت تشجيعها على البيان والإيضاح, وأنك تتهمها بهذا لكنك تريد من هذا الكلام حثها على البيان, وعلى رد السلسلة ولم ترد تحريمها, بل أردت تخويفها وتحذيرها من الكتمان وحثها على البيان، فهذا حكمه حكم اليمين, وعليك كفارة اليمين تكفي, وهي إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر, أو أرز, أو حنطة و غير بذلك ، أو كسوتهم بما يجزئ في الصلاة كقميص, أو إزار ورداء, أو عتق عبد, أو أمة مؤمنة هذه هي الكفارة من دون ظهار, فإن عجز الحالف عن هذه الكفارة, ولم يكن عنده قدره ، صام ثلاثة أيام وأسأل الله لنا ولك الهداية . 
 
10- قرأت في بعض المناسك: لو سعى قبل أن يطوف جهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، مستدلاً بحديث:( سعيت قبل أن أطوف، قال: افعل ولا حرج )، فهل هذا صحيح، وما مدى صحة هذا الحديث؟
نعم صحيح وقد بيناه في منسك من منسكنا التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة, والحديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأله سائل فقال: سعيت قبل أن يطوف قال: طف ولا حرج، ولم يأمره بإعادة السعي فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك ولا شيء إذا كان جاهلاً أو ناسياً فالأمر فيه أوضح، وجاء في الحديث ولو عامداً وهذا أيضا يعمه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما سئل يوم النحر، قالوا له يا رسول الله: حلقت قبل أذبح، قال اذبح ولا حرج، وقال آخر: حلقت قبل أن أرمي، قال: لا حرج، قال الراوي: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج، فهذا العموم يعم من سعى قبل أن يطوف وأنه يجزؤه ذلك كما يجزؤه لو نحر قبل أن يرمي أو طاف قبل أن يرمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف رتبها، رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، و لكن هذا الترتيب بينه صلى الله عليه وسلم أنه ليس بواجب ولكنه الأفضل فمن قدم بعض على بعض فلا حرج سواء كان عامداً أو جاهلاً أو ناسياً فيدخل في ذلك الطواف والسعي أيضاً فإذا سعى قبل أن يطوف ناسياً أو جاهلاً فلا حرج بلا شك وهكذا لو كانت نحرت على الصحيح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم للرجل لما سأله سعيت قبل أن أطوف قال لا حرج، ولم يسأله يقول: هل أنت ناسي هل أنت جاهل، مطلق، وهو يدل على التعميم.

561 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply