حلقة 204: الطقوس والمدائح - الحلف بغير الله - لمز من أنكر البدع بإنه وهابي - رد السلام المذاع عبر الإذاعة - اللحوم المستوردة - حكم استماع تلاوة النساء في المسابقات - مكان توزيع الزكاة - سماع الموسيقى في الأناشيد

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

4 / 50 محاضرة

حلقة 204: الطقوس والمدائح - الحلف بغير الله - لمز من أنكر البدع بإنه وهابي - رد السلام المذاع عبر الإذاعة - اللحوم المستوردة - حكم استماع تلاوة النساء في المسابقات - مكان توزيع الزكاة - سماع الموسيقى في الأناشيد

1- يوجد عندنا في كل يوم جمعة أو اثنين حلقة ذكر يمدحون فيها الله والأنبياء والرسل، ثم يضربون أنفسهم بالسيوف أو بالأسياخ الحديد، أو يدخلون أنفسهم في النار، ويقولون: إن في هذا الذي يفعلوه سرٌ بينهم وبين السيد، أي الشيخ الذي يأخذوا عليه هذه الطريقة، وأنه لا يصيبهم أذى، أيضاً يدفعوا إلى السيد الخرفان والهدايا والفلوس، ويذبحون له الذبائح، ويقولون: هذا إلى الشيخ عبد القادر، أو الدسوقي، أو الشيخ فلان؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: هذا السؤال له شأن خطير، وهو واقع فيما بلغنا من أناس كثير، وهذا من أمر طائفة من طوائف الصوفية، وهو عمل المنكر، أما ذكر الله والصلاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هذا أمر مطلوب، هذا أمر مشروع، الله جل وعلا أمر عباده بالذكر وبالصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (41-42 الأحزاب) وقال عز وجل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) الآية (190-191 آل عمران)، ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (56 الأحزاب)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً) فإن كان ذكرا لله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره واستغفاره فهذا أمر مطلوب، وهكذا الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، كله طيب، لكن عملهم هذا، جلسة حلقات يفعلون بها هذا العمل، من ضربهم نفوسهم بالسيوف وغيرها من الآلات التي يضربون بها أنفسهم، ودخولهم النار كل هذا منكر، وكل هذا شعوذة، وتلبيس وخداع، وهذا عمل منكر ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه، وما فعله السلف الصالح من الأئمة الأربعة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وغيرهم من أئمة الإسلام، كالليث بن سعد والثوري وسفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة الإسلام، هذا مما أحدثه الناس، وهو عمل منكر يجب الحذر منه، ويجب أن ينصحوا ويوجهوا إلى الخير، وإذا كان شيخهم أخذ عليهم هذا فقد أخطأ شيخهم، فعليهم أن يرجعوا عن هذا الخطأ، وأن لا يقلدوا شيخهم بالباطل، الإمام المتبع هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو إمام المسلمين وهو قائدهم، وهو الواجب الإتباع كما قال الله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (7 الحشر)، وقال عز وجل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (31 آل عمران)، وقال سبحانه: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) (80 النساء)، فعلينا أن نطيع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونتبع ما جاء به في كتابه العظيم، والسنة المطهرة. أما عمل هؤلاء الذين يُلبِّسون على الناس ويخدعون الناس بأعمالهم القبيحة، من ضربهم أنفسهم بالسياط أو بالسلاح أو بغيرها أو بالعصي أو بغير ذلك كله منكر، وهكذا دخولهم النار منكر أيضاً، والنار لا يجوز دخولها، ولا يجوز التلبيس على الناس بهذا الأمر، وقد يتعاطون أشياءً يجعلونها في أجسادهم من أنواع مضادات النار فيلبسون على الناس، ويزعمون أنهم بهذا أولياء! نعم هم من أولياء الشيطان، وإنما أولياء الله أهل التقوى والإيمان واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال جل وعلا: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) (62-63 يونس)، ويقول الله جل وعلا: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ..) (100 التوبة)، هؤلاء ما اتبعوهم بإحسان، زادوا عليهم بدعاً كثيرة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا -أي في ديننا- ما ليس منه فهو رد) يعني مردود، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أما إهداؤهم الخرفان والنقود وغيرها من الأموال لشيخهم الذي يتقربون إليه ويذبحون له ويستغيثون به هذا من الشرك الأكبر، طلب الأموال والغوث والمدد والتقرب إليهم بالذبائح والنذور هذا من الشرك الأكبر بإجماع المسلمين، بإجماع أهل العلم والإيمان من سلف الأمة، ولا عبرة بخلاف من تأخر عنهم في أهل الزمان ممن جهل دين الله، ورأى أن الشرك دين قربة هؤلاء لا عبرة بهم وليس عليهم معول. فالمقصود أن دعوة الأموات والاستغاثة بالأموات أو بالجن أو بالملائكة وطلب المدد من الرفاعي أو النبي - صلى الله عليه وسلم - أو العيدروس أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو الشيخ أحمد البدوي أو الحسين أو غير ذلك، كل هذا شرك بالله، من طلبهم واستغاث بهم ونذر لهم وطلب منهم المدد عند قبورهم أو بعيداً من قبورهم فهذا من الشرك الأكبر، وهو من عبادة غير الله، فيجب الحذر من ذلك، ويجب تحذير الناس من هؤلاء الضالين حتى يتوب الله عليهم. نسأل الله لنا ولهم الهداية. 
 
2- عندنا الكثير من الناس يحلفون بغير الله، فهل هذا جائز؟ مثلاً يقولون: وحياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وحياة عيسى أو موسى عليهما السلام، أو وحياة القرآن، أو وحياة قبر أبي، أو أقسم في شرفي، أفيدونا في هذا؟
الحلف بغير الله لا يجوز، بل يجب الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى؛ لما ثبت عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت) وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد أشرك) وفي لفظ آخر: (فقد كفر) وفي لفظ (فقد كفر أو أشرك) الحلف بغير الله من المحرمات الكفرية، ولكنه من الشرك الأصغر، إلا إذا قصد أن محلوفه عظيم كعظمة الله، أو أنه يتصرف في الكون، أو أن يصح أن يدعى من دون الله فهذا شرك أكبر، نعوذ بالله، فإذا قال وحياة فلان أو حياة الرسول أو وحياة عيسى أو حياة موسى أو شرفي أو قول أبي، أو ما أشبه ذلك يكون حلفا بغير الله، كله لا يجوز، أو حلف بالأمانة أو بالكعبة كل ذلك منكر، الواجب أن لا يحلف إلا بالله وحده أو بصفة من صفاته، أو باسم من أسمائه عز وجل، والقرآن من كلام الله، القرآن من صفات الله، فإذا قال: والقرآن أو وحياة القرآن هذا لا بأس به، لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، فإذا حلف بالقرآن أو قال بعزة الله أو بعلم الله أو بحياة الله، فلا بأس، صفات الله يحلف بها، لكن بالمخلوقين لا، لا يقسم بمخلوق لا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف الخلق، ولا بالكعبة ولا بالأمانة ولا بحياة فلان ولا شرف فلان ولا غير ذلك؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا وحذر من هذا عليه الصلاة والسلام. وقال ابن عبد البر الإمام المشهور رحمه الله: (أجمع العلماء على أنه لا يجوز الحلف بغير الله) فيجب على المؤمن أن يحذر هذه الأيمان الباطلة، وأن يُحذِّر إخوانه من ذلك، وأن يدعوهم إلى أن يحلفوا بالله وحده سبحانه وتعالى. 
 
3- إن الذي يؤمن بالكتاب والسنة والرسل في قريتنا أو في مدينتنا، ولا يؤمن في الأسياد الذين يضربون أنفسهم -كما ذكرت- يقولون عنه: أنت وهابي، ويزعمون أن هذا المذهب لا يعترف حتى بالرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء. وأرجو أن يطول الشرح عن ذلك.
هؤلاء -مثل ما تقدم- جُهَّال أو يلبسون مخادعون قاصدون لإضلال الناس، فهم بين جهل وضلال، وبين خداع وتلبيس، فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر ويعلم أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام ينكر عملهم هذا السيئ، ينكر علمهم وطعنهم أنفسهم بالسلاح أو إدخالهم أنفسهم في النار، أو تقربهم إلى أسيادهم بالذبائح والنذور، كل هذا ينكره أهل العلم بالله، وينكره أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أنكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحذر منه؛ لأنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وليس هذا العمل من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من أمر أصحابه ولا دين الله الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو باطل. وأما الوهابية فهم أتباع الشيخ محمد، الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي رحمه الله، وهو إمام مشهور دعا إلى الله عز وجل في نجد في القرن الثاني عشر، دعا إلى توحيد الله وإلى التمسك بالإسلام، وإلى تحكيم الشريعة المطهرة، وحذر الناس من الغلو في الأنبياء والصالحين وعبادة القبور وعبادة الأسياد والأحجار، ودعا الولاة في زمانه والأمراء والعامة إلى توحيد الله والإخلاص له، وإتباع الشريعة وتعظيمها، وإقامة الصلوات في المساجد، والمحافظة على شعائر الله، فيسر الله له الأنصار والأعوان من آل سعود، وقام دين الله بأسباب دعوته في الجزيرة العربية، وظهر الحق وانتصر الحق، وخذل الله الباطل وحكمت الشريعة الإسلامية في هذه الجزيرة بأسباب دعوته، ولم تزل -بحمد الله- في آثارها وفي بقائها، نسأل الله أن يثبتنا وأن يميتنا على الحق والهدى. فالشيخ محمد رحمه الله وأتباعه هم من أنصار الحق ومن دعاة الهدى، وهم الذين نصروا دين الله في وقت الغربة في القرن الثاني عشر، وأعلوا كلمة الله، وجاهدوا عليها، وحكموا شرع الله. وهو يدعو إلى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى تعظيم شريعته واتباع ما جاء به، والناس يكذبون عليه وعلى أتباعه يقولون: إنه لا يصلي على النبي، ..... كل هذا من الباطل ومن أكاذيب أعداء الله، فهو يعتقد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب الناس إليه، وأنه أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، سيد ولد آدم، فهو أفضل عباد الله، وهو إنما قام يدعو إلى شريعته وإلى اتباع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وهو يعظم أمر الله ونهيه، وينادي في بلاده: أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ويرى -رحمه الله- أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التحيات في آخر الصلاة يراها ركناً من أركان الصلاة، فكيف يقال إنه لا يصلي عليه، وهو يرى أن الصلاة عليه ركن من أركان الصلاة في آخر التحيات في آخر الصلاة. ولكن أعداء الله عندهم شيء وعندهم تلبيس وعندهم بهتان وعدم مبالاة بأمر الله ورسوله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 
 
4- ما حكم رد السلام المذاع عبر الإذاعة، وما كيفيته؟
يرد عليه بمثل ما سلم، هذا هو الأظهر، فإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإذا قال: السلام عليكم، فقط، يقال: وعليكم السلام، وإن زاد هو: ورحمة الله وبركاته فهذا أفضل، كما تُسلم على من سلم عليك في الطريق. 
 
5- ما حكم أكل الدجاج والأبقار والأغنام المثلجة المستوردة من بلاد الكفار؟
هذه اللحوم المثلجة من أبقار وأغنام وغيرها لا بأس أن تؤكل إذا كانت مستوردة من بلاد أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى؛ لأن الله أحل لنا ذبائحهم فلا بأس أن نأكل ما استورد منهم إلا إذا علمنا أنه ذبح على غير الشريعة، فإذا علمنا ذلك أن هذه الذبيحة ذبحت على غير الشريعة أو أنها مستورة من الشركة الفلانية التي تذبح على غير الشريعة بالصعق أو غيره من أنواع الخنق أو غير ذلك فلا نأكل، أما ما دمنا لا نعلم وقد استورد من بلاد فرنسا أو أمريكا أو انجلترا أو غيرها من دول النصارى، فلا حرج علينا، وهكذا ما يكون من بلاد اليهود لو كان بيننا وبينهم اتصال فإنهم من أهل الكتاب. ......!  
 
6- ما حكم الاستماع إلى تلاوة النساء في مسابقات القرآن الكريم، التي تقام سنوياً في بعض البلاد الإسلامية؟
لا نعلم بأساً في هذا الشيء إذا كان النساء على حده، والرجال على حده من غير اختلاط في محل الإذاعة، وأن يكن على حدة، مع تسترهن وتحجبهن عن الرجال، وأما المستمع فإن استمع لفائدة وتدبر لكتاب الله فلا بأس، أما مع التلذذ بأصواتهن فلا ينبغي، الأصل في هذا المنع إذا كان التلذذ بأصواتهن والشهوة بأصواتهن فلا، أما إذا كان قصد استماع الفائدة والتلذذ بسماع القرآن والاستفادة من القرآن فلا حرج إن شاء الله في ذلك. 
 
7- إحدى خطب الجمعة بأحد مساجد مدينة الرباط قال الخطيب: بأن الزكاة لا يجب توزيعها خارج المدينة التي يقيم فيها الإنسان، ويضيف بأن الزكاة زكاة التجارة يمكن أن يعطيها الإنسان لشخص واحد، شخص من أقاربه يعمل في التجارة، وفي كل عاشوراء من كل سنة يقوم بإغلاق متجره ويقوم بإحصاء سلعته؛ لكي يعرف مقدار الزكاة التي يمكن إخراجها حسب الشرع الإسلامي، وبعد ذلك يقوم بإعطاء الزكاة لكل من يأتيه إلى المتجر من المساكين والفقراء، كما يوزعها على من يعرف في المدينة من المحتاجين، ثم يجمع الباقي ويرسله إلى قريته التي ولد فيها، وإلى القرى المجاورة لقريته، حيث يقوم بتوزيعها -أي الزكاة- على المحتاجين من أقاربه وغيرهم، فهل يجوز، ذلك أم لا؟
توزيع الزكاة في البلد إذا كان فيها فقراء محاويج أفضل، وهكذا ما يقاربها من البلدان التي في حكمها ليست محتاجة إلى سفر، فهذه البلدان المتجاورة والمتقاربة التي لا تبعد عن بلده مسافة القصر هذه كلها في حكم البلد الواحدة، فإذا وزع فيها الزكاة على فقرائها كان أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم – في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن: (وأخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فظاهر هذا أن فقراءهم أولى من غيرهم، فإذا وجد الفقراء المحتاجون في البلد أو ما يقاربها ووزعت لهم الزكاة كان هذا أفضل وأولى، وإن دعت الحاجة إلى نقلها إلى فقراء في بلاد بعيدة أو إلى المجاهدين المحتاجين للمال للجهاد في سبيل الله أو إلى الأقارب المستحقين أو إلى طلبة العلم الذين قد تفرغوا لطلب العلم الشرعي واحتاجوا إلى المساعدة فهذا لا بأس به في أصح قولي العلماء، فنقلها للمصلحة الشرعية لا بأس به. وقد كانت تنقل الزكاة من بلدان إلى بلدان كبيرة كما كان في عهد الرسول ويوزعها على الفقراء عليه الصلاة والسلام. فنقلها من بلد إلى بلد لمصلحة شرعية لا بأس، لكن الأفضل إذا كان أهل البلد محاويج وفقراء فإنه يوزعها بينهم، وإن كان عنده فضلة لأن زكاته كثيرة ويستطيع أن يعطي هؤلاء وهؤلاء يجمع بين المصلحتين فأعطى الموجودين كفايتهم، ونقل الباقي إلى بلاد أخرى، وبكل حال فتوزيعها في البلاد المحتاجة القريبة أفضل، وإذا نقل شيئا منها أو نقلها لمصلحة شرعية كأقاربه المحاويج أو المجاهدين في سبيل الله أو طلبة العلم المحتاجين طلبة العلم الشرعي أو لمن هو أشد حاجة في بلد أخرى فالصحيح أنه لا حرج في ذلك. 
 
8-   قرأت عن الموسيقى كتاب (الحلال والحرام في الإسلام) للأستاذ يوسف، واتضح لي من قراءتي هذه أن الموسيقى حلال، وسألت أحد المشايخ في منطقتي لأزداد علماً، فقال لي: لا بأس بها إذا استعملت في المناسبات وأناشيد إسلامية، وأيضاً سمعت من أحد الدعاة يحرمها حرماناً قاطعاً، والسؤال هنا: هل حرام إذا استعملها المسلم في أناشيد إسلامية، وذلك في المناسبات فقط، وإذا كان الجواب بنعم فما هو دليل الذين يحللون ذلك، وما هو موقف الإسلام منهم؟
الموسيقى وأشباهها من آلات الملاهي لا شك في تحريمها، وأنها من المعازف المحرمة، والدليل على هذا قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (6 لقمان)، قال أكثر أهل التفسير إنه الغناء، قال جماعة منهم: ويلحق بذلك كل آلة ملهاة من مزمار وعود وغير هذا. والموسيقى من أشد آلات الملاهي إطراباً وإشغالاً ولهواً، فهي فيما نعتقد محرمة لهذه الآية ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري في الصحيح. فالحر هو الزنا، والحرير المعروف لا يجوز للرجال، والخمر المعروف محرم على الجميع وهو كل مسكر، والمعازف هي آلات اللهو والعزف عليها، وما ذاك إلا لأنها تصد القلوب عن ذكر الله وتمرضها وتجرها إلى أنواع من الباطل، وتشغلها عن ذكر الله وعن تلاوة القرآن، فالذي نعتقده هو القول بتحريمها وسائر آلات اللهو والطرب، ومن قال بحلها فنعتقد أنه قد أخطأ والله يعفو عنه، نسأل الله أن يعفو عنا وعنه وعن جميع المسلمين. والواجب على المسلم هو أن يتحرى الحق فيما يختلف عليه الناس فيه؛ لأن الله سبحانه يقول: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (59 النساء)، وإذا رددنا هذا الأمر إلى الكتاب والسنة وجدنا الكتاب يحذر من اللهو وهي من آلات اللهو، ونجد السنة تحذر من المعازف وهي من المعازف، مع أنه ورد في الباب أشياء أخرى تؤيد ذلك، فينبغي للمؤمن أن يحذرها وأن لا يغتر بقول من أحلها. ونسأل الله أن يوفق المسلمين جميعاً وولاة أمرهم في كل ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأن يوفق علماء المسلمين لإصابة الحق فيما يفتون به، وفيما يأتون ويذرون، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يمنحهم وإيانا وسائر إخواننا صلاح النية في القول والعمل. 
 
9- إني شاب مسلم في العشرين من العمر، غير متزوج، أصوم شهر رمضان المبارك منذُ تسع سنوات، وأصلي حسب الأصول، والحمد لله، أحب ديني الإسلام إلى درجة كبيرة جداً، وختمت القرآن مرات عديدة، ولكن مع الأسف الشديد لي شهوة جنسية عالية، وقد ارتكبت خطأً كبيراً وتبت بعد ذلك، وقد حلفت ألا أفعل مرةً أخرى، وإذا فعلت فأنا لست على دين الإسلام، وقد ارتكبت نفس الخطأ مرةً أخرى، ومع الأسف الشديد الآن تبت إلى الله ولن أفعل مرة أخرى بإذن الله، أرجوكم أرشدوني كيف اخلص نفسي من عذاب الله وماذا افعل تجاه هذا الحلف، وجزاكم الله خير الجزاء؟
الحمد لله الذي هداك للتوبة، وأرشدك إليها، وأبشر يا أخي أنك على خير إن شاء الله، والتوبة تجب ما قبلها ولو عدت، ما دمت تبت توبة صادقة في الأول وفي الآخر، فاحمد الله على ذلك، قال الله جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31 النور)، فجعل التوبة طريق الفلاح، وقد أفلحت إن شاء الله في ذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (التوبة تجبُّ ما كان قبلها) يعني تزيل ما كان قبلها وتهدم ما كان قبلها. فإذا كان الكفر -وهو أعظم الذنوب- إذا تاب الإنسان منه غفره الله، كما قال عز وجل: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ) (38 الأنفال)، فالكفر أعظم الذنوب، ومتى تاب الإنسان منه تاب الله عليه إذا كان صادقاً، ندم على الماضي وعزم أن لا يعود فيه وأقلع عنه تاب الله عنه، هكذا الزنا وسائر المعاصي، من تاب منها توبةً صادقةً بالندم على الماضي والإقلاع من الفاحشة، والعزم الصادق أن لا يعود فيها فإن الله يعفوها عنه... وأما اليمين فعليه كفارة اليمين، حلفك .... كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع، من التمر أو الرز أو غيره من قوت البلد، أو تكسوهم كسوة، كل واحد تعطيه قميصاً أو إزاراً ورداءً، هذه كفارة اليمين والحمد لله، ونسأل الله لك الثبات على الحق والعافية من نزغات الشيطان إنه جل وعلا جواد كريم. 

382 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply