حلقة 218: الصدقة - التبرع بالدم لغير المسلمين - مصير من تساوت حسناته وسيئاته يوم الحساب - حكم زواج المسلم بالكتابية - النية في القلب والتلفظ بها بدعة - الزيارة الشرعية والشركية للقبور - حكم ما يسمى بالمحللة - الطلاق المعلق - حكم إحراق المصحف

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

18 / 50 محاضرة

حلقة 218: الصدقة - التبرع بالدم لغير المسلمين - مصير من تساوت حسناته وسيئاته يوم الحساب - حكم زواج المسلم بالكتابية - النية في القلب والتلفظ بها بدعة - الزيارة الشرعية والشركية للقبور - حكم ما يسمى بالمحللة - الطلاق المعلق - حكم إحراق المصحف

1- يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[المعارج:24-25]، أرجو توضيح معنى الآية؛ لأن الذي دعاني لهذا أنه يقف أمامي شخص تدل ملامحه على أنه قوي يستطيع العمل، والكسب من عمل يده، وطلب مني أن أعطيه مالاً صدقة، فهل يجوز لي التصدق على أمثال هؤلاء؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فيقول الله -سبحانه-: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[الذاريات: 15-19] الحق: اختلف فيه العلماء فقيل: هو الزكاة، وقيل: غير الزكاة. فالكمَّل من المؤمنين يخرجون حقاً من أموالهم للفقراء والمساكين غير الزكاة، منافسة في الخير، ومسارعة إلى أعمال البر، ومواساة للمحاويج والفقراء، السائل ومن يسأل ويستجدي فله حق، إلا إذا علمت أنه غني لا يستحق الزكاة فإنه لا يعطى، ويبين له أنه لا يجوز له أن يسأل. أما إذا كان مجهولاً لا يدرى عن حاله، أو كان معروف الفقر والحاجة فإنه يعطى من الزكاة، ويعطى من غيرها من الصدقات. أما المحروم فهو الفقير الذي حرم المال، أو كان ذا مال ثم أصيب بجائحة اجتاحت ماله فصار فقيراً، فإنه يعطى من الزكاة، ويعطى من غيرها من الصدقات، وإذا كان المتقدم السائل قوياً فإنه ينصح ويقال له: إنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب، فإن اعتذر وذكر أنه ما عنده عمل، ولا عنده شيء يقوم بحاله يعطى، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه سأله رجلان فنظر فيهما فإذا هما جلدان، فقال: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فالإنسان قد يكون قوي البدن، ولكن لا يجد عملاً فيبقى في حاجة شديدة، وقد تكون له علة داخلية تمنعه من العمل، ولكن ظاهر جسمه يقتضي أنه قوي، فإذا أبدى ما يدل على استحقاقه فإنه يعطى ويصدق في ذلك حرصاً على مواساة المحاويج، ولأن هذا قد يقع، قد يتيسر المال للقوي وقد لا يتيسر المال، إما لقلة الأعمال في البلد، وإما لأسباب أخرى. بارك الله فيكم  

 

2- هل يجوز لي أن أتبرع بنقل دم لمريض أوشك على الهلاك، وهو على غير دين الإسلام؟
لا أعلم مانعاً في ذلك لأن الله يقول -جل وعلا- في كتابه العظيم: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا[الممتحنة: 8] فالله -سبحانه- أخبر أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبره أو نحسن إليه، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنها- وهي كافرة إلى بنتها أسماء في المدينة، في وقت الهدنة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أهل مكة تسألها الصدقة، فاستفت أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فأفتاها أن تصلها وقال: صلي أمك وهي كافرة، فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستعمل الذي ليس بيننا وبينه حرب إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم، كالميتة: كما يأكل من الميتة، يأخذ من الدم ما يحصل به إسعافه، وأنت مأجور في ذلك؛ لأنك لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة. بارك الله فيكم.  
 
3- ما مصير من تساوت حسناته وسيئاته يوم الحساب، هل سيدخل الجنة، أم لا بد أن يأخذ نصيبه من النار؟
الله أعلم، أمره إلى الله -سبحانه-، لكن لا بد من القطع بأنه لا بد أن يكون مصيره إلى الجنة المنتهى، أما كونه قد يعذب أو لا يعذب هذا إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الموحد الذي تساوت حسناته وسيئاته منتهاه الجنة، لكن قد يعفى عنه بفضل الله -سبحانه-، فيدخل الجنة من أول وهلة، وقد يدخل النار بسيئاته التي لم يتب منها، فهو تحت مشيئة الله -عز وجل- والله أعلم هل يدخل الجنة من أول وهلة أو لا يعفى عنه، بل يعذب على قدر المعاصي التي مات عليها لم يتب، ثم يصل إلى الجنة، هذه قاعدة عن أهل السنة والجماعة، مصير الموحدين الجنة، سواءً دخل النار أو لم يدخل النار، فإن دخلها بذنوبه فإنه لا يخلد، بل بعدما يطهر ويمحص يخرج من النار إلى الجنة، فيلقى في نهر الحياة فينبت كما تنبت الحبة في حميل السيل، كما جاء في الحديث الشريف، ثم بعد ذلك يدخل الجنة. وقد يعفو الله -سبحانه وتعالى- عن العاصي الموحد المؤمن، قد يعفو الله عنه بشفاعة الشفعاء، أو بفضله -سبحانه- وبمجرد رحمته من دون شفاعة أحد، فيدخله الله الجنة -جل وعلا-، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن بعض العصاة يدخل النار ويبقى فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله من النار بسبب توحيده وإيمانه وإسلامه إلى الجنة، فالذين تتكافأ حسناتهم وسيئاتهم وتتساوى حسناتهم وسيئاتهم هم في حكم العصاة، وأمرهم إلى مشيئة الله -سبحانه وتعالى-. بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً  

 

4- هل يستطيع المسلم أن يتزوج كتابية، أي يهودية أو نصرانيةً وهي على دينها والمسلم على دينه؟
نعم يستطيع إذا كانت محصنة، إذا كانت اليهودية والنصرانية محصنة ومعروفة بالسلامة من الفواحش واتخاذ الأخدان، فإن الله أباح ذلك كما قال الله -سبحانه-: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ[المائدة: 5] قال -عز وجل-: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ[المائدة: 5] فإذا كانت المحصنة يعني معروفة بالسلامة من اتخاذ الأخدان من الزنا وهي حرة لا رقيقة فإنه لا بأس بنكاحها، وقد كره نوع من السلف ذلك، ومنهم عمر -رضي الله عنه-، كان يكره نكاح الكتابيات؛ لئلا تجر المؤمن إلى دينها، وهكذا كره ذلك جمع من أهل العلم، خشية أن تجر الزوجة إلى دينها أو الذرية، فإذا تيسر للمؤمن نكاح المؤمنة فذلك أولى وأفضل وأحوط، فإن تزوج الكتابية المحصنة فعليه أن يتحرز من شرها عليه وأولاده، وعليه أن يحرص على أن تدخل في الإسلام؛ لعل الله يهديها بأسبابه، هذا هو المعتمد في هذه المسألة. بارك الله فيكم.  
 
5- النية في العبادات في الصلاة أو غيرها، هل يقول: نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات، بمعنى: أن ينطقها أو أن محلها القلب فقط؟
السنة في النية القلب هذه السنة والنطق بها بدعة لا أصل لها لم ينطق بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه - رضي الله عنهم - ولا الأئمة المعروفون من العلماء ولكن ينوي بقلبه يعلم بقلبه أن سيتوضأ وسيصلي وسيصوم وسيحج ....... يقول: نويت أن أصلي كذا، نويت أن أتوضأ كذا، لا أصل لهذا، ولكن القلب كافي والحمد لله، إلا الحج فإنه يتلفظ بالنسك، ما يقول: نويت كذا، يقول: لبيك كذا، لبيك حجاً، لبيك عمرة،كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه. بارك الله فيكم.  

 

6- هل تجب الزكاة في الحمص والعدس والعسل؟ أفتونا بذلك بارك الله فيكم.
أخذ العلماء من أدلة الزكاة أن كل مكيل مطعوم تجب فيه الزكاة فالحمص والعدس والذرة وأشباهه والشعير والدخن والأرز كلها مكيلات مطعومة فيها زكاة إذا بلغت النصاب، وهو ثلاثمائة صاع بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، فإذا بلغ المجموع من حمص أومن العدس أو نحوها من الحبوب المطعومة المكيلة فإنها تزكى إذا بلغت هذا النصاب: خمسة أوسق، ثلاثمائة صاع بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاع النبي معروف أربعمائة وثمانون مثقالاً: يعني أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا ملأ اليدين أربع مرات هذا صاع والواحد مد والصاع أربع حفنات باليدين المعتدلتين المملوءتين ولا عبرة في الصغيرة المعروفة ولا بالكبيرة الزائدة ولكنه وسط وبالمثاقيل أربعمائة وثمانون مثقالاً والمد مائة وعشرون مثقالاً..... بالعراقي المعروف سابقاً. بارك الله فيكم. المقدم/ هذا بالنسبة للنصاب -يعني يا شيخ- هذا تفصيل في النصاب؟ نعم يعني ثلاثمائة صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - صاع النبي أقل من صاعنا...... وهو مثل ما تقدم أربع حفنات باليدين المعتدلتين. بارك الله فيكم. المقدم/ والعسل؟ العسل فيه خلاف وليس هناك دليل واضح على وجوب الزكاة فيه بعض أهل العلم يرى فيه الزكاة فإذا زكاه احتياطاً حسن. جزاكم الله خيراً   

 

7- توفي أخي منتحراً، لكنه ترك خطاباً يقول فيه: الجنة أم النار، الجنة أم النار، عدة مرات، فهو مؤمن بيوم القيامة، وبالجنة والنار لكنه لا يعرف مصيره، وقد تألمت والدته أشد الألم، فهي صابرة على قضاء الله وقدره، لكنها تتألم وتقول: إنه مات منتحراً والمنتحر في النار، وهذا سر عذابها، فالسؤال: هل يجوز لي أن أقوم بالحج عنه، أو أقوم بأي نوع من أنواع العبادات وأهبها له؟
الانتحار من أكبر الكبائر، وقد قال الله -جل وعلا-: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا[النساء: 29-30] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) فالانتحار من أقبح الكبائر، لكن عند أهل السنة والجماعة لا يكون كافراً، إذا كان مسلماً يصلي معروف بالإسلام موحداً لله -عز وجل- ومؤمناً به -سبحانه- وبما أخبر به، ولكنه انتحر لأسباب إما مرض شديد وإلا جراحات شديدة، وإلا أشبه ذلك من الأعذار، فهذا الانتحار منكر، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنه لا يخرج به من الإسلام إذا كان مسلماً قبل ذلك، لا يخرج به الانتحار من الإسلام، بل يكون تحت مشيئة الله -سبحانه وتعالى- كسائر المعاصي، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة بإسلامه وتوحيده وإيمانه، وإن شاء ربنا عذبه في النار على قدر الجريمة التي مات عليها، وهي جريمة القتل. ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة، فينبغي لوالدته أن تدعو له كثيراً، وأن تترحم عليه كثيراً، وأن تتصدق عنه كثيراً، لعل الله يلطف به، ولعل الله يرحمه إذا كان مسلماً. أما إذا كان ليس بمسلم: لا يصلي، أو يستهزئ بالدين، أو يعبد القبور، ويتعلق بالأموات، ويدعو الأموات، ويستغيث بهم، هذا لا يدعى له، وليس بمسلم في الظاهر، فأمره إلى الله -سبحانه وتعالى-. نسأل الله السلامة والعافية. بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً  
 
8- هل زيارة الإمام أو السيد تعتبر ذنباً على الزائر إذا قبل الشباك، أو باب الغرفة، أو الضريح للإمام، وما الحكم في كلام الزائر أثناء هذه الزيارة، كأن يقول للإمام: أنا دخيل عليك أن تنقذني من هذه القصة أو غير ذلك؟
زيارة القبور سنة مؤكدة للرجال؛ إذا كان المقصود منها الدعاء للميت، والترحم عليه، والاستغفار له، كما كان النبي يزور القبور -عليه الصلاة والسلام-، وكان أصحابه يزورون القبور، وقال لهم -صلى الله عليه وسلم-: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة). فالزيارة فيها خير عظيم ومصالح تذكر الإنسان الآخرة، وتذكره بالموت، يدعو لإخوانه الأموات، يستغفر لهم، يترحم عليهم، هذه الزيارة الشرعية. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) وفي حديث عائشة (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، هذه الزيارة الشرعية. أما كونه يدعو الميت يقول: أنا دخيلك، أو اشفني من مرضي، أو خلصني من كذا، هذا شرك أكبر، هذا لا يجوز، لا مع إمام ولا مع غير، إمام لا مع النبي ولا مع أبي حنيفة، ولا مع غيرهم، لا يجوز أن يقال: هذا للأموات، لا يقول للميت: أنا في جوارك، أنا في حسبك، اغفر لي، أو انصرني، أو اشفِ مريضي، أو رد غائبي، أو خلصني من هذه الكربة التي أنا فيها، هذا لا يقال ولا يجوز، وهذا من خصائص الله -سبحانه وتعالى-، لا يقال للميت ولا للجماد كالصنم ولا للجن ولا للملائكة، بل هذا يطلب من الله -سبحانه وتعالى- فالذي يتعاطى هذه الأمور مع أصحاب القبور قد فعل الشرك الأكبر الذي حذر الله منه عباده، وأنزل الكتب في حقه وأرسل الرسل لأجل ذلك قال -سبحانه وتعالى-: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ)[هود: 1-2] وقال -سبحانه-: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن: 18] وقال -عز وجل-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ[النحل: 36]، فالعبادة حق الله -سبحانه وتعالى- فليس للعبد أن يطلب شفاء المرض، أو رد الغائب، أو التخليص من الكرب، من الأموات أو من الأصنام أو من الكواكب أو من الأشجار والأحجار أو من الجن أو من الملائكة، كل هذا لا يجوز، بل هو شرك أكبر. وإنما الزيارة الشرعية -مثل ما تقدم- أن يزور القبور ويسلم عليهم، ويقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يغفر الله لنا ولكم، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) وما أشبه ذلك، دعاء لهم وتحرم عليهم وعلى الزائر نفسه، هذا هو المشروع. وأما تقبيل الشباك أو تقبيل القبر أو التمسح به هذا كله لا يجوز، لكن يقف عن القبر ويسلم فقط، ولا يجوز البناء على القبور، ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا القباب، كل هذا مما أحدثه الناس. الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وقال جابر -رضي الله عنه-: (نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها) فتجصيص القبور أو البناء عليها أو اتخاذها مساجد كله منكر، كله لا يجوز، ومن أسباب الغلو فيها وعبادتها من دون الله. فالواجب على الزائر أن يتقيد بالأمر الشرعي، وأن يبتعد عما حرم الله عليه، ويزورها كما زارها النبي والمسلمون للدعاء للميت والترحم عليه ولاستغفار له. أما دعاء الميت نفسه والاستغاثة به والنذر له أو التدخل به عن كذا وكذا هذا كله لا يجوز، كله من الشرك بالله -سبحانه وتعالى-، وهكذا الجلوس عند القبر، يدعو الله، أو يصلي عند القبر، هذا لا يجوز أيضاً، بل يجب الحذر من ذلك؛ لأن هذا من وسائل الشرك، فدعاء الميت شرك أكبر ،والاستغاثة به والاستشفاع به ونحو ذلك هذا من الشرك الأكبر، والجلوس عنده للدعاء أو الصلاة من البدع، ومن وسائل الشرك، وهكذا البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها، واتخاذها مساجد، كله من البدع، كله من وسائل الشرك ومن ذرائعه، فالواجب على المسلمين أن يحذروا من ذلك، وأن يعيدوا القبور على حالها الأولى، يزيلوا ما عليها من مساجد ومن قباب، وعليهم أن يتركوها كما كانت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعهد أصحابه، ضاحية: تحت الشمس، ليس عليها قبة، ولا مسجد، ولا غير ذلك، هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب. نسأل الله العافية والسلامة. بارك الله فيكم.  
 
9- سمعت من بعض الأشخاص الذين أظن أن عندهم دراية بالدين، أن المسلم إذا سافر إلى أي دولة، وغاب عن زوجته مدة سنة، وهي تعلم مكانه ويراسلها وترسل له، ويرسل لها النفقة، فإذا ذهب إلى بيته بعد سنة لا يصح له أن يجتمع بها قبل أن يعطيها فلوس، يسمونها (محللة)، وهي حرة في هذه الفلوس، تتصرف بها كيف تشاء، وبعد أن يعطيها الفلوس يتم النكاح، ويجوز له أن يقربها، أفيدونا عن صحة ذلك؟
هذا شيء لا أصل له، وهذه الفلوس لا أصل لها، إذا غاب عنها ولم يطلقها فهي زوجته، ولو غاب أكثر من سنة، هي زوجته، إلا أن يطلقها أو تفسخ منه، فما دامت في حباله وفي عصمته لم تفسخ من جهة قاض الشرع ولم يطلقها هو فإنها زوجته. وإذا قدم من سفره فهي زوجته له الاتصال بها وجماعها وإن لم يعطها نقوداً، يكفيها النفقة التي فرض الله لها. والحاصل أن هذا الشيء الذي ذكره السائل وأنه لا تحل إلا بعد قدومه حتى يعطيها فلوس هذا لا أصل له، بل هي زوجته، تحل له مادام لم يطلقها ولم تفسخ منه، لم يفسخها القاضي الشرعي لأسباب تخلفه عنها، أو لأسباب عدم النفقة عليها، أو نحو هذا، فهي زوجته. بارك الله فيكم  

 

10- رجل تزوج امرأةً وبعد ستة أشهر أنجبت له طفلاً، فهل المولود ابن للزوج شرعاً أم لا؟
إذا كان الطفل وجد بعد ستة أشهر من وطئه لها فهو ولده؛ لأن أقل مدة في الحمل ستة أشهر، كما قال الله -عز وجل-: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا[الأحقاف: 15] فستة للولد وأربعة وعشرون للرضاع، فأقل مدة للحمل ستة أشهر، فإذا كانت ولدته لستة أشهر بعد وطئه لها يعني نكاحه من وطئه لها فهو ولده. أما إن كان تأخر وطئه لها وصار هذا الولد بعد الوطء بأقل من ستة أشهر وعاش فهذا محل نظر، ينظر فيه؛ لأن الأصل ليس ولداً له، قد حملت به قبل ذلك، إلا إذا كان سقط، أو مات أو عاش مدة يسيرة ثم مات، فهذا قد يكون له ويحكم له به؛ لأنه لم يعش، قد يكون لخمسة وقد يكون لأربعة وأيام فلا يعيش وإن صرخ ........، لكنه لا يعيش في الغالب، إنما الذي يعيش ابن ستة أشهر فأكثر، هذا هو المعروف عند أهل العلم. فالحاصل أنه إذا سقط لستة أشهر ولم يعش وإن سقط حياً ثم مات فإنه لا يجزم بأنه من غيره، ولا يحكم عليها بأنها زنت؛ لأنها مادامت في الستة الأشهر، ممكن إذا كان لم يعش بل سقط صغيراً ولم يعش فإنه قد يكون الحمل من وطئه الذي حصل بعد النكاح إذا مضى عليه أكثر من أربعة أشهر. أما إذا عاش وهي أتت به قبل ستة أشهر فهذا دليل على أنها حامل قبل أن ينكحها فيكون النكاح باطلاً، وينظر في أمرها بعد ذلك. بارك الله فيكم  

 

11- هل يقع الطلاق على المرأة وأنا في خارج البيت وفي عملي، وحلفت بالطلاق على فعل شيء أو تركه، ووقعت فيما حلفت فيه، فهل يقع الطلاق بالرغم أن المرأة لم تسمع هذا الكلام؟ وهل هناك فرق بين الطلاق في غيبة المرأة أو في حضورها؟
ليس بشرط أن يقع الطلاق أن تحضر، يقع الطلاق في غيبتها وفي حضورها، لو طلقها في بلاد بعيدة وقع الطلاق، فليس من شرط الطلاق أن تكون حاضرة، ولكن الطلاق المعلق على شيء يختلف، فإذا كان المعلق عليه شيئاً يقصد منعه أو حصوله أو التصديق أو التكذيب فهذا له حكم اليمين على الصحيح من أقوال العلماء، له حكم اليمين، تكفي كفارة اليمين، ولا يقع الطلاق، كأن يقول: علي الطلاق ما يكلم فلانا، علي الطلاق أن لا يسافر في يوم كذا، علي الطلاق أن لا تخرجي إلى أهلك، علي الطلاق أن لا تكلمي فلاناً أو فلانة، يقصد من هذا منعها من الكلام أو الخروج، وهو يقصد قوله: عليه الطلاق أن لا يسافر منع نفسه من السفر، وما أشبه ذلك، فهذا حكمه حكم اليمين، عليه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ولا يقع الطلاق على زوجته. أما إذا كان قصده إيقاع الطلاق، قال هذا الكلام مقصوده التخويف من هذا الشيء ولكنه يقصد وقوع الطلاق، قال: عليه الطلاق أن لا تخرجي إلى بيت أهلك، عليه الطلاق أن لا تكلمي إلى فلاناً، هو يقصد منعها ويقصد إيقاع الطلاق إذا فعلت فإنه يقع الطلاق عليها. بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً  

 

12- ما جزاء من قام بحرق القرآن الكريم سهواً، ولم يعرف إلا بعدما مضى هذا الفعل؟
ليس عليه شيء مادام سهواً، أو حرقه عمداً؛ لأنه متقطع ما ينتفع به، حرقه لئلا يمتهن فلا بأس عليه؛ لأن القرآن إذا تقطع وتمزق ولم ينتفع به يحرق أو يدفن في محل طيب حتى لا يمتهن. وإذا كان حرقه سهواً ما درى أنه قرآن فلا حرج عليه في ذلك، أو حرقه عمداً لأنه متقطع ما يصلح للقراءة فيه فحرقه حتى لا يمتهن فلا بأس بذلك. أما إذا حرقه ساباً له كارهاً له مبغضاً له هذا ردة عن الإسلام نعوذ بالله. الذي يحرقه كراهة له وبغضاً له هذا منكر عظيم، وردة عن الإسلام، وهكذا لو قعد عليه، أو وطئ عليه برجله استهانة له، أو لطخه بالنجاسة، كل هذا ردة عن الإسلام، نعوذ بالله، فإذا وجد من المسلم استهانة للقرآن صريحة واضحة كأن يطأه برجله أو يجلس عليه بمقعده -يقعد عليه- أو يلطخه بالنجاسة، أو يسبه ويسب من تكلم به، أو ما أشبه هذا فإن هذا ردة عن الإسلام، نعوذ بالله، كفر أكبر، نسأل الله العافية. بارك الله فيكم  

 

13- وجد راعٍ في قريتنا عنزة صغيرةً كانت عمياء ومكسورة الرجلين وعلى وشك أن تموت، وأخذها وعاد بها إلى بيته فذبحها، وسأل أصحاب القرية عن هذه العنز فلم يجد لها صاحب، وبعد سلخها وزنها فوجد أن وزنها سبعة ونصف كيلوا ووضعها في الثلاجة، وبعد مرور أسبوع، وجد صاحبها فخيره بين ثمنها وبين أن يأخذ اللحم، فاختار الثمن وهو غير راضٍ عن ذبح عنزه ، فهل على الراعي إثم فيما فعل،
إذا كان الواقع مثل ما ذكره السائل فليس عليه شيء لأن هذه في حكم الميتة، هذه منبوذة ومستغنىً عنها، صاحبها في الغالب لا يريدها، فالذي أخذها وأحسن إليها مأجور وليس عليه شيء، ومتى عرفها وطلبها ربها وأعطاه إياها فلا بأس والحمد لله أو أعطاه قيمتها فلا بأس، لأن هذه مطروحة، معناها منبوذة، لا يرغب فيها والشيء الذي ينبذه أهله لحقارته أو لأن مثله لا يرغب فيه، إذا أخذه المؤمن فلا شيء عليه، مثل عصا مثل حبل مثل أشياء ما لها أهمية، مثل خرقان النعال التي ليس لها قيمة وأشباه ذلك من الأشياء التي ليس لها قيمة في نفوس أوثاق الناس

393 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply