حلقة 255: رضاعة الكتابية للمسلم - تعليق التمائم على المريض - تسبيل الأرض في سبيل الله - الانقطاع عن الزوجة بسفر - أعمال تصل إلى الميت - من استعار فعليه الضمان

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

5 / 50 محاضرة

حلقة 255: رضاعة الكتابية للمسلم - تعليق التمائم على المريض - تسبيل الأرض في سبيل الله - الانقطاع عن الزوجة بسفر - أعمال تصل إلى الميت - من استعار فعليه الضمان

1- لي طفلٌ رضيع، ولنا جيران مسيحيو الديانة، وأحياناً تحضر زوجة جارنا وهي مسيحية وتقوم بإرضاع الطفل في حال غياب أمه عنه، فما الحكم في هذه الحالة، وهل يصبح أولادها إخوة لابني أم لا؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن الرضاع لا يشترط فيه الإسلام، فإذا أرضعت النصرانية أو اليهودية أو غيرهما من الكافرات إنساناً مسلماً فإنها تكون أمه من الرضاعة، إذا ثبت أنها أرضعته خمس رضعات أو أكثر في مجلسٍ أو في مجالس، والرضعة يمسك الثدي الطفل ويمتص اللبن حتى يصل إلى جوفه، ثم يطلق الثدي ثم يعود بعد ذلك، تكون رضعة ثانية وهكذا.فإذا أمسك الطفل أو الطفلة الثدي وامتص اللبن وذهب إلى جوفه ثم أطلقه منتقلاً إلى الثدي الآخر أو مستريحاً ثم عاد إلى الرضاعة، ارتضع من المرأة مرة ثانية وامتص اللبن حتى وصل إلى جوفه، ثم أطلقه فهذه انتهت، ثم هكذا حتى يكمل خمس رضعات، أو في مجالس أو في أيام، المهم أنه لا بد خمس رضعات فأكثر حال كون الطفل حولين، لما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً خمس رضعات، وفي الصحيح من حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمنه، ثم نسخ بخمس معلومات فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك. رواه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه وهذا لفظه. هذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان على أنه لا بد من خمس رضعات أو أكثر. وفي الحديث الآخر: (لا رضاع إلا في الحولين)، يدل على أنه لا بد أن يكون الطفل في الحولين، فإذا تم الشرطان فإن المرضع تكون أماً للرضيع وإن كانت كافرة ويكون أولادها إخوةً له، وإخوانها أخواناً له وهكذا، مثل إرضاع المسلمة. أي رضاع وعمر الطفل فوق السنتين لا يؤثر؟ لا يؤثر إذا كان الطفل قد جاوز السنتين فإن رضاعه لا يؤثر، وفي الحديث الآخر: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام)، لا رضاع إلا في الحولين، وكلاهما صحيح، وفي الصحيحين من حديث عائشة: (إنما الرضاعة من المجاعة)، فالصواب أن التأثير في الرضاع لا بد أن يكون في الحولين، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم. 
 
2- عندنا عندما يمرض شخص يذهب إلى السادة، ويكتبون له أوراقاً يعلقونها في رؤوسهم، فهل يجوز هذا أم لا؟ كذلك الحلف، هناك من يحلف بغير الله، أو يحلفون بهؤلاء السادة، فما حكم ذلك؟
تعليق التمائم على الأولاد خوف العين، أو خوف الجن أمرٌ لا يجوز، وهكذا تعليق التمائم على المرضى وإن كانوا كباراً لا يجوز، لأن هذا فيه نوع من التعلق على غير الله، فلا يجوز لا مع السادة المنسوبين إلى الحسن أو الحسين أو غيرهما، ولا مع غيرهم من العلماء ولا مع غيرهم من العبَّاد، لا يجوز هذا أبداً، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعةً فلا أودع الله له)، وفي رواية عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من تعلق تميمة فقد أشرك)، والتميمة هي ما يعلق على الأولاد أو على الكبار عن العين أو عن الجن من خرز أو وَدِع أو عظام ذئب أو غيره، أو أوراق مكتوبٌ فيها كتابات حتى ولو من القرآن على الصحيح، حتى ولو آية الكرسي أو غيره لا يجوز التعليق مطلقاً، ولو كان من القرآن؛ لأن الأحاديث عامة، الرسول - صلى الله عليه وسلم- عمم وأطلق ولم يستثنِ شيئاً، فدل ذلك على أن التمائم كلها ممنوعة وهي ما يعلق على الأولاد من العين أو من الجن أو يعلق على المرضى الكبار كله لا يجوز، والمشروع في هذا أن الإنسان يسأل رب العافية، لا بأس أن يُقرأ عليه، يقرأ عليه المؤمن العارف بالقراءة، يقرأ عليه آيات، يدعو له بدعوات شرعية، ينفث عليه، رقية، طيب، هذا لا بأس، أما أن يعلق شيء في قرطاس أو في رقعة في عضده أو في رقبته هذا لا يجوز، وهذا من الشرك الأصغر، يعتبر من الشرك الأصغر وقد يكون من الأكبر إذا اعتقد صاحبه أنها تدفع عنه وأنها تكفيه الشرور، هذا يكون من الشرك الأكبر، أما إذا اعتقد أنها من الأسباب فهذا من الشرك الأصغر والواجب قطعها وإزالتها، وكذلك الحلف بغير الله لا يجوز وهو من الشرك الأصغر أيضاً، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحلف بغير الله أن هذا محلوفه مثل الله، أو أنه يصح أن يدعى من دون الله، أو أنه يتصرف في الكون يكون شركاً أكبر نعوذ بالله، فالحاصل أن الحلف بغير الله لا يجوز قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، وقال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد)، وقال عليه الصلاة و السلام: (من حلف بغير الله فقد كفر)، وفي رواية: (فقد أشرك)، وقال -أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من حلف بالأمانة فليس منا)، وأدرك يوماً بعض أصحابه في السفر وهم يحلفون بآبائهم، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت)، وقال ابن عبد البر النمري الإمام المغربي المعروف المتوفى سنة 463هـ: "إن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الحلف بغير الله"، فهذا يفيدنا أن الحلف بالأمانة أو بالنبي أو بالكعبة أو بحياة فلان أو شرف فلان هذا لا يجوز، وإنما يكون بالله وحده يقول:"بالله، تالله، والله" هذا هو المشروع، أما الحلف بغير الله كائناً من كان لا يجوز.  
 
3- كانت لي أرض زراعية وقد أوقفتها لإخراج ما ينتج من زراعتها في سبيل الله، ولكن الذي حصل الآن هو إهمال تلك الأرض من الزراعة مع جميع ممتلكاتي الزراعية، فلم أهملها لوحدها، ومضى الآن سنين عديدة، لم نستفد منها أي شيء ليُخرج في سبيل الله، فماذا نعمل فيها، هل يجوز بيعها، أو التبرع بها لمشروع خيري، أو البناء عليها مشروعاً خيرياً، أم تترك كما هي؟ أرشدونا إلى عملٍ يبعدنا عن الإثم، ويرضي الله عنا، وفقكم الله.
المشروع النظر في الأصلح، فإن تيسر أن تزرع وتنفق ثمرتها في سبيل الله، من الصدقة على الفقراء والمساكين، والمجاهدين، وتعمير المساجد وأشباه ذلك فهذا طيب، فإن لم يتسير ذلك فإنها تباع -مثلاً- ، وتجعل في العمارة تؤجر وتدر على هذا المشروع خيراً، تباع ويجعل ثمنها في عمارة تؤجر وتصرف أجرتها في سبيل الله، في مصالح المسلمين، أو يباع بعضها ويعمَّر فيها عمارة، يباع بعضها ويصرف ثمن المبيع في تعمير الباقي، تعمر الباقي فلل أو عمارة وشقق ثم تؤجر وتنفق الأجرة في سبيل الله والمصالح، هذا هو المشروع في مثل هذا ، لا تعطل. لو باعها وأنفق قيمتها: لا ما يصلح، لا بد تبقى لأنه أوقفها في سبيل الله فلزمت، ولكن ينظر في الأصلح هل تبقى وتزرع إن تيسر أن يزرعوها أو تؤجرها لمن يستفيد منها أحواشاً، يجعل فيها حاجات أو تعمر وتؤجر بعد ذلك، أو تباع ويشترى بها عمارة تفيد المسلمين بالتأجير، أو يباع بعضها ويعمر باقيها، ثم تؤجر بعد ذلك وتصرف الأجور في سبيل الله. 
 
4- تزوجت منذُ عدة أشهر، ولكن لظروفٍ قاسية أخفيت اسمي الحقيقي وقت عقد الزواج وعقدت باسم مستعار، والسبب في ذلك استخفافي بشأن الزواج وأمره، نظراً لضعف إيماني في ذلك الوقت، ولكن الآن والحمد لله اكتشفت أنني كنت في ضلال، وقد ندمت على كل ما فعلت، وعزمت على التوبة الصادقة إن شاء الله، وقد حيرني أمر هذا الزواج بتلك الصورة؟ فأرجو إرشادي إلى سبيل الرشاد، والله يحفظكم.
هذا السؤال فيه إشكال، وأرى أن يؤجل جوابه إلى حلقة أخرى حتى أتأمله جيداً، وحتى لا نقول على الله بغير علم، فالمقصود أن هذا السؤال فيه بعض الإشكال، ونرى أن يؤجل إلى الحلقة الآتية إن شاء الله. 
 
5- ذا سافر الرجل وخرج من بلده إلى أي دولة أو أي قطرٍ عربي، وانقطع عن زوجته مدة سنة أو سنتين أو أكثر عن ذلك، ثم رجع بعد ذلك، فما الحكم بالنسبة لزوجته؟
لا حرج في ذلك إن شاء الله، إذا كان في طلب الرزق أو طلب العلم لا حرج في ذلك، وإذا كان يخشى أن يكون قصَّر في حقها وتساهل فإنه يستسمحها، ويرجو منها السماح وعدم المؤاخذة في ما حصل من الطول، وبكل حال فالأمر في هذا إن شاء الله واسع، ولا سيما إذا كان الطول من غير اختياره في طلب الرزق أو في طلب العلم، فإنه في هذا يكون إن شاء الله .... عنه، وأما إن كان بغير عذر وتساهل فينبغي له أن يستسمحها، ويقول: يا بنت فلان أو يا أم فلان سامحيني إذا قصرت أو طولت في السفر من دون عذر أو أهمية والمشروع لها أن تسامحه أيضاً هي وأن تعفو عما سلف حتى تعود المياه إلى مجاريها وحتى تستقيم حال العشرة فيما بينهما، والله المستعان. لو انقطعت أخباره عنهم في هذه الفترة، فحصل مثلاً أن تزوجت زوجته غيره. هذا محل نظر إذا طال عليها الفصل، المدة، بإمكانها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي تطلب النظر في أمرها، لأن الغائب المفقود مثل هذا ما يعجل في فسخها منه إلا بعد النظر من الحاكم الشرعي والتأمل، والغيبة تختلف قد يكون غيبة يرجى فيها السلامة ولا يخشى فيها الهلاك، وقد تكون غيبة يغلب عليها الهلاك فهو محل تفصيل، لكن ما دام رجع إليها ولم يتغير شيء فالحمد لله. 
 
6- هل يجوز قراءة القرآن، وصوم النوافل، والصدقة على الفقراء عن الميت، وهل إذا دعي للميت أثناء الصلاة جائز؟
أما الصدقة فهي سنة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه سُأِلَ عن ذلك فقال للسائل: نعم، يبين أنها تنفع الميت الصدقة، وقد أجمع المسلمون على ذلك، أن الصدقة عن الميت تنفعه، إذا كان مسلم تنفعه الصدقة، من ولده أو من غير ولده، وهكذا الدعاء والاستغفار له ينفع الميت، أما قراءة القرآن للميت ففيها خلاف، بعض أهل العلم يرى أنها تصل، وبعض أهل العلم يرى أنها لا تصل، لأنها لم تنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة، فالأولى أنه لا يقرأ القرآن عن الميت هذا هو الأولى والأفضل والأحوط، بل ويقرأ لنفسه ويدعو لأمواته إذا ختم القرآن أو في أثناء القراءة يدعو لأمواته بالمغفرة والرحمة، أما أن يقرأ لأجلهم،.... فالأفضل ترك هذا لعدم الدليل، لأن هذا لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه أنهم فعلوه، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا بأس به؛ لأنه مثل الصدقة، لا بأس أن يقرأ القرآن ثم يثوبه لأبيه أو لأمه ونحو ذلك، ولكن الأفضل والأولى ترك ذلك. أما الصلوات فلا والصيام لا، لا يصلي عنهم نافلة ولا يصوم عنهم لعدم الدليل، لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة ما يدل أنه صام عن فلان نافلة أو صلى عنه بل ينبغي ترك ذلك.  
 
7- استعار شخص من آخر دابة ليحمل عليها متاعاً معيناً فحمل عليها غيره أثقل منه، تسبب في هلاك تلك الدابة ، فما الحكم ؟
يلزمه الضمان، إذا استعار منه دابة ليحمل عليها فماتت بسبب ذلك؛ بأن حمل عليها أثقل فإنه يلزمه الضمان إلا أن يسمح عنه صاحب الدابة، وإلا يلزمه ضمانها بقيمتها ذلك الوقت، ولو مات بسبب المحمول وإن كان ماله فيه ففي الضمان خلاف، إذا كان أخذها عليه مضمونة ضمنها ولو كان المحمول ماله فيه، وإن كان أخذها غير مضمونة فهي أمانة، ولكن ما دام حمل عليها ما هو أثقل وفوق ما استأذن فيه فإنه يضمنها لتعديه.

454 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply