حلقة 258: النذر لله وثوابه للإمام - الوقف صدقة جارية - كل من اشتركوا في المرضعة صاروا إخوة - قراءة الفاتحة بعد الإمام - امرأة تزور قبر زوجها كل يوم

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

8 / 50 محاضرة

حلقة 258: النذر لله وثوابه للإمام - الوقف صدقة جارية - كل من اشتركوا في المرضعة صاروا إخوة - قراءة الفاتحة بعد الإمام - امرأة تزور قبر زوجها كل يوم

1- هل النذر الذي يعود أجره للأئمة حلال أم حرام، وصفته أن يقول صاحب النذر عند تأديته له يقول: النذر لله وثوابه للإمام الفلاني مثلاً؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذا السؤال فيه إجمال، والنذور قسمان: قسمٌ شرعيٌ وقربة إلى الله - عز وجل -، وإن كان أصله ينهى عنه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يطع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي فلا يعصه)، لكن جنس النذر ينبغي أن يدعه المؤمن لقوله عليه الصلاة والسلام لما سأل عن النذور، قال: (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته، وفي لفظ آخر في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأت بخير وإنما يستخرج به من البخيل)، هذا يدل على أن جنس النذر لا ينبغي لأن فيه إلزام، وقد يشق على المسلم أداؤه، فينبغي له أن يدع النذر، لكن مثلاً إذا نذَر نذْر طاعة وجب عليه الوفاء، لأن الله -سبحانه- مدح المؤمنين بالنذر فقال -عز وجل-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) سورة الإنسان، وقال -سبحانه-: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ (270) سورة البقرة، وقال عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، فإذا قال: لله عليه أن يصوم ثلاثة أيام أو يصوم شهر شعبان، أو يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع أو ما أشبه ذلك، فهذا كله نذر طاعة يجب عليه الوفاء، أو قال: لله عليه أن يصلي الضحى، أو هذه الليلة ركعتين أو أربع ركعات أو ما أشبه ذلك، هذا نذر طاعة، أو قال: لله عليه أن يتصدق بكذا وكذا على الفقراء والمساكين، هذا نذر طاعة، وإذا كان نوى بذلك أن هذا النذر صدقة عن أبيه أو أمه أو نفسه أو على ما نوى من نيته، أو نواه عن الإمام مالك، أو عن فلان أو فلان من أهل العلم فهو على نيته. لكن هنا أمر آخر ينبغي التنبه له: وهو أنه قد يقصد بالنذر غير الله، والتقرب إلى غير الله، كما يفعله بعض عباد القبور وعباد الأموات، فيقول: إن شفى الله مريضي، فللشيخ البدوي كذا من الطعام، فللشيخ عبد القادر الجيلاني كذا وكذا من النقود أو من الشمع هذا شركٌ بالله، لأن هذا نذرٌ لمخلوق، والنذر عبادة، والعبادة لله وحده، (قضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)، (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدنيا حنفاء)، (وما خلفت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فالنذر للمشايخ وأصحاب القبور أو للجن أو للكواكب والتقرب إليهم هذا من عبادة غير الله فلا يجوز، بل نص العلماء أنه من الشرك بالله - عز وجل -؛ لأن التقرب بهذه العبادة إلى غير الله من الأموات أو من الجن أو من المشايخ الأموات أو غيرهم الذين يتقربون إليهم بالنذور هذا لا يجوز، أما إذا تقرب به لله، وقال: لله علي كذا وكذا صدقة، بكذا دراهم، بكذا من الطعام ينويها عن نفسه أو عن أبيه أو عن أمه أو بعض أحبَّائه صدقة لله يتقرب إلى الله وحده - سبحانه وتعالى -، فهذا لا بأس به، ولكن تركه أولى، لأن الرسول نهى عن النذر، فينبغي تركه ويكره النذر مع كونه لله يكره، أما إذا أراد بالنذر لغير الله ليعتقد أن هذا الشيخ يشفي المريض، يرد غائب بما أعطاه الله من الولاية أو من الكرامة فلهذا ينذر له، ينذر للبدوي طعام، ينذر له عجل، ينذر له شاة، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو للدسوقي أو لفلان أو لفلان ممن يغلو فيهم الصوفية وغيرهم، هذا كله من الشرك بالله-عز وجل-، أو ينذر للجن أو يسألهم، يستغيث بهم،يسأل الجن، يستغيث بهم، يستعيذ بهم، أو يستغيث بالأموات يقول: يا فلان يا سيدي فلان انصرني أو اشف مريضي، أو رد غائبي أو أنا في حسبك، أو أنا في جوارك أو ما أشبه ذلك، كما يفعله عباد الأموات والقبور هذا لا يجوز، هذا من الشرك بالله - سبحانه وتعالى -. ومن النذور الباطلة -أيضاً- التي تحرم: أن ينذر أن يشرب الخمر أو يزني أو يعامل بالربا هذا نذور معصية، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، واختلف العلماء هل فيه كفارة أم لا، على قولين، والأرجح أن نذر المعصية فيه كفارة، لا يعصيه ولكن عليه كفارة يمين،..........وكفارته كفارة يمين، فينبغي لمن فعل ذلك أن يتوب إلى الله وعليه كفارة يمين، إذا قال: لله عليه أن يشرب الخمر أو يزني أو يسرق أو يظلم فلان بغير حق، فهذا نذر باطل ومنكر ومعصية ولا يجوز فعله وعليه كفارة اليمين، هذا الصحيح. 
 
2- يوجد لدي أغنام أخرجها والدي سبيلاً عن أمه، وقد توفي، والآن أنا في مقامه، فهل يحل لنا أن نأكل منها، ونشرب من لبنها، ونتصرف بها مثلما نتصرف بأملاكنا أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الأوقاف قربة إلى الله، وصدقة جارية كما في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له)، خرجه مسلم في الصحيح، والصدقات الجارية مثل الأوقاف، يوقف غنماً أو إبلاً أو يوقف بيتاً أو أرضاً تزرع حتى يُتَصَدَّقُ بثمرة الأرض، أو بنسله كالإبل والبقر والغنم، أو أجور البيوت، هذه صدقة جارية فيها فضل، فيها أجر، والناظر عليها عليه أن يتقي الله وينفذ ما أوصى به أو وقفه المُوقِفْ على وجه الشرع إذا كان الوقف شرعي، ما فيه ما يخالف شرع الله، فإنه ينفذه الوكيل الناظر فيما قاله الموصي أو الواقف، وإذا كان الناظر ضعيف فقير جاز له أن يأكل من ذلك، كما قال عمر في وقفه: لا جناح على من ولِيَها أن يأكل بالمعروف، فإذا كان الولي والناظر فقيراً جاز له الأكل بالمعروف، هو وأهل بيته، من غير إسراف ولا تبذير، وإن اتصل بالقاضي قاضي البلد، واتفق معه على أجرٍ معلوم كان هذا حسناً، حتى يحتاط لدينه وحتى لا يتوسع في الأكل من الوقف، إذا ضرب القاضي شيئاً معلوماً، حد له حداً محدوداً عن تعبه فلا بأس، وإن أكله من دون مراجعة القاضي بالمعروف من غير إسراف ولا تبذير من ثمرة الوقف في مقابل تعبه، ولكونه من أولى الناس في هذا الوقف؛ لكونه وقف أبيه أو جده أو نحو ذلك، هذا كله لا بأس فيه ولا حرج إن شاء الله. بالنسبة لهذه الحيوانات هل ينطبق هذا الحكم على سلالتها؟ هي نفسها لا يأكل منها شيء، هي نفسها تبقى وقفاً، لكن نسلها، أولادها، صوفها، وبَرُهَا، ما يكون من دهن منها، كل هذا من ريعها وغلتها تأكل منها وتتصدق. 
 
3- لي أخت أكبر مني سناً، وقد وضعت ولداً ولا زلت أنا في سن الرضاعة، فكانت أختي تأتي إلينا في البيت، فتقوم أمي بإرضاع ابنها معي -ابن أختها- وزوجة خالي تحضر أحياناً إلى أختي فتقوم بإرضاع ابنها الذي هو ابن خالي مع ولد أختها، ففي هذه الحالة هل يكون جميع أبناء خالي إخوة لي ويحرمون علي، أم يحل لي الزواج ممن عدى الذي رضع معي من أختي، وهل أصبح أختاً لجميع أولاد أختي؟
إذا كانت الوالدة والسائلة أرضعت ابن أختها رضاعاً تاماً خمس رضعات أو أكثر في الحولين فإن هذا الرضيع من الأخت يكون أخاً للسائلة، فإذا أرضعته أمها فيكون أخاً لها، فجميع أولاد أختها الذين أرضعتهم أمها معها حين رضاعها أو مع غيرها من أولاد أمها يكونوا إخوةً لها، يكونوا إخوةً للسائلة، فابن أختها الذي رضع من أمها رضاعاً تاماً خمس رضعات أو أكثر يكون ابن أختها وهي خالته ويكون أخاً لها من جهة الرضاعة، محرماً لها، وهكذا أولاد خالها إذا كانت زوجة خالها معها أولاد أرضعتهم أمها، فإذا كانت أمها أرضعته إخوةٌ لها من أولاد خالها، ويختص ذلك بمن أرضعته أمها فقط، أما بقية أولاد خالها الذين ما رضعوا هم حلالٌ لها، تتزوج منهم لا بأس، لكن نصف الأولاد الذين رضعوا من أمها معها أو مع أولادٍ قبلها أو بعدها هؤلاء يكونوا إخوةً لها، وما كان أولاد خالها لم يرضعوا فإنهم حلٌ أن يتزوجوها لعدم الرضاع المُحَرِّم، فإن كانت أمه أرضعت أولاد خاله فهم إخوةٌ لها، وكذا ولد أختها الذي أرضعته أمها يكون أخاً لها، وإن كان أختها أرضعت أولاد خالها فهي خالتهم، لكن بشرط أن يكون الرضاع خمس مرات فأكثر في الحولين، والذين لم يرضعوا لا من أختها ولا من أمها هؤلاء ليسوا محارم لها أن تتزوج من أولاد خالها الذين ما رضعوا من أختها ولا رضعوا من أمها.  
 
4- ما حكم قراءة المأموم الفاتحة أثناء قراءة الإمام، وماذا يعمل إذا شرع الإمام في قراءة السورة التي بعد الفاتحة، هل تجب عليه قراءة الفاتحة أثناء قراءة المأموم، أم ينصت أثناء قراءة الإمام، أم ينصت للإمام، وتكفي قراءة الإمام للفاتحة عن قراءته هو؟
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم على أقوالٍ ثلاثة: من أهل العلم من قال: إن الإمام يتحمل الفاتحة ولا يلزم المأموم القراءة مطلقة لا في السرية ولا في الجهرية، وقول ثاني: أن على المأموم أن يقرأ مطلقاً في السرية وفي الجهرية، وقولٌ ثالث: أنه يقرأ في السرية دون الجهرية، والأرجح من الأقوال الثلاثة: أنه يقرأ مطلقاً في السرية وفي الجهرية يقرأ فيهما جميعاً، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ولأنه - صلى الله عليه وسلم- قال: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم، قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا في فاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، هذا يدلنا على المأموم يقرأ في الجهرية والسرية معاً، وإذا شرع الإمام في القراءة وهو لم يقرأ فإنه يقرأ سراً ثم ينصت، ولو كان إمامه يقرأ، أو قرأ بعض الفاتحة ثم شرع إمامه في السورة فإنه يكمل قراءة الفاتحة ثم ينصت للإمام، فالحاصل أن المأموم يقرأ الفاتحة مع إمامه أو قبله أو بعده، لكن إذا كان الإمام له سكتة فإن المأموم يقرأ وراءه السكتة حتى ينتهز فرصة ذلك ليستمع لقراءة الإمام، ولا يدع القراءة، بل يقرأ ولابد، ثم ينصت لبقية القراءة، وهذا مستثنى من قوله - صلى الله عليه وسلم-: (وإذا قرأ الإمام فأنصتوا)، ومن عموم قوله جل وعلا: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) سورة الأعراف، هذا مستثنى من ذلك.   
 
5- والدتي تذهب كل يوم خميس إلى قبر والدي فهل يجوز هذا أم لا ؟
الصحيح من أقوال العلماء أن الزيارة تختص بالرجال، وأن النساء لا يزرن القبور، لأن - صلى الله عليه وسلم- لعن زائرات القبور، كان أولاً نهى عن زيارة القبور مطلقة للرجال وللنساء، ثم رخص للجميع عليه الصلاة والسلام لما في زيارته من ذكر الآخرة، ولما في ذلك من الإحسان للموتى بالدعاء لهم، ثم استقرت الشريعة على منع النساء وعلى شرعيتها للرجال، وقال عليه الصلاة والسلام: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وفي رواية: (تذكركم بالموت)، فالزيارة فيها مصالح، من تذكير الآخرة وتذكير الموت والزهد في الدنيا، والدعاء للأموات والترحم عليهم، لكن هذا في حق الرجال، وأما النساء فلا يزرن القبور، هذا هو الصحيح، هذا هو الصواب لا يزرن القبور للنهي الأخير، ولعنه - صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور، ولأن في زيارتهن خطراً لأنهن فتنة،وربما سبب ذلك فتنة للزوار من الرجال، وربما أيضاً سبب ذلك -أيضاً- فتنةً لها هي لشدة جزعها وقلة صبرها إلا من رحم الله، فالمقصود أن الزيارة للقبور مختصة بالرجال دون النساء في أصح قولي العلماء، فلا ينبغي لأم السائلة أن تزور قبر أبيها ولا غيره بل تدعو له في بيتها في كل مكان، تدعوا بالمغفرة والرحمة إذا كان مات على الإسلام والحمد لله يكفي، تدعو له بالمغفرة والرحمة، تتصدق عنه هذا كله طيب، أما أنها تزور قبره، لا، لأن الرسول نهى النساء عن ذلك – عليه الصلاة والسلام -.    

887 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply