حلقة 265: حكم وجود أذانين للجمعة - دفع التعارض حول أجساد الأنبياء بعد الموت - حكم مراجعة من طلق زوجته مرتين - حكم القنوت بعد الركعة الثانية من صلاة الفجر

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

15 / 50 محاضرة

حلقة 265: حكم وجود أذانين للجمعة - دفع التعارض حول أجساد الأنبياء بعد الموت - حكم مراجعة من طلق زوجته مرتين - حكم القنوت بعد الركعة الثانية من صلاة الفجر

1- لاحظت في بلدكم المملكة العربية السعودية أنه يوجد أذانان للجمعة، وهذا غير صحيح، إذ أنه كان إذا صعد الإمام المنبر أذن بين يديه أذان واحد وجميع كتب السنة تؤيد ذلك، فأرجو أن تحولوا هذا إلى الجهات المختصة كدار الإفتاء التي يرأسها سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز ليحق الله الحق ويبطل الباطل؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فنعم هو كما قال السائل، كان الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أذان واحد مع الإقامة، كان إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة والصلاة أذن المؤذن ثم خطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين ثم يقام للصلاة، هذا هو الأمر المعلوم، وهو الذي جاءت به السنة كما قال السائل وهو أمر معروف عند أهل العلم والإيمان، ثم إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في المدينة، فرأى أن يزاد الأذان الثالث، ويقال له: الأذان الأول، لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم الجمعة، حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال، وتابعه بهذا الصحابة في عهده، كان في عهده علي رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة، والزبير بن العوام أحد العشرة أيضاً، وطلحة بن عبيد الله ..

وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم، وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعاً لما فعله الخليفة الراشد رضي الله عنه عثمان ، وتابعه عليه الخليفة الراشد أيضاً علي رضي الله عنه وأرضاه، وهكذا بقية الصحابة.

2- سمعت المذيع وكان يتكلم في فضل يوم الجمعة، وذلك في يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول، وقد أورد حديثاً يقول: (فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ). قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت، فقال: (إن الله -عز وجل- حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) رواه الخمسة إلا الترمذي، أليس هذا يتعارض مع الآية الكريمة التي يقول الله فيها: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ[الكهف:110]، وقوله: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا[الكهف:8]، وأنه لما دخل عليه العباس عمه، حينما مات ومكث ثلاثة أيامٍ قبل أن يدفن، وكان واضعاً يديه على أنفه وقال له: (عجلوا بدفن صاحبكم، والله إنه ليأسن كما يأسن سائر البشر). وهذا الحديث الذي سمعته موجود في كتاب: "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار"، والحديث أيضاً أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وذكره ابن أبي حاتم في العلل، وحكي عن أبيه بأنه حديث منكر؛ لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو منكر الحديث، وقال ابن العربي: [إن الحديث لم يثبت]. وأسأل الله -تعالى- أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه؟

الحديث المذكور معروف عند أهل العلم، ولا بأس به عند أهل العلم، ولا نكارة في ذلك، فإن الله -جل وعلا- له أن يخص من شاء من عباده بما يشاء - سبحانه وتعالى -، فإذا خص الأنبياء بتحريم أجسادهم على الأرض، فلا غرابة في ذلك بما لديهم من الكرامة، والصلاة والسلام عليه مشروعةٌ مطلقاً، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضاً من تخصيص الجمعة في ذلك لما جاء في الحديث فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائماً عليه الصلاة والسلام، في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله - عز وجل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [(56) سورة الأحزاب]. اللهم صلي عليه وسلم صلاةً دائماً إلى يوم الدين، وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه مسلم في الصحيح: (من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه بها عشراً). فالصلاة والسلام عليه أمرٌ مشروع في حياته وبعد وفاته، حال كونه في حياة البرزخ وفي غير ذلك، فهذا أمرٌ مشروع ومعلوم. أما كون جسده يبقى فهو في هذا الحديث، وسنده لا بأس به عند أهل العلم. وأما قول العباس فلا أعلم إلى يومي هذا صحته، ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحته أثر العباس فإنه لا ينافي ما قاله العباس قد يعتري الجسد ما يعتريه ولكنه يسلم ويبقى، ويحرم على الأرض أن تأكله ويزول ما يعتريه من تغير ورائحة تزول، فإن الله على كل شيءٍ قدير - سبحانه وتعالى -، فإذا وضع في القبر فبالإمكان أن تزول هذه الرائحة وهذا التغير وأن يبقى الجسد سليماً طرياً ليس في هذا ما يمنع، ليس في الشرع ولا في العقل ما يمنع ذلك. والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقاً سواء بقي الجسد أو لم يبق الجسد، وكونه تعرض عليه المهم الروح، فإن روحه باقية، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار، وروحه - صلى الله عليه وسلم- في أعلى عليين -عليه الصلاة والسلام-، وأرواح المؤمنين في صفة طائر يعلق في رياض الجنة، وأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهي في أجواف طير خضر؛ كما جاء في الحديث الشريف. فالمقصود أن الأرواح باقية، وبالإمكان عرض الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم- وإن ذهب الجسد، ولكن حديث: (إن الله حرم الله الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لا بأس به، فالأصلُ الأخذ به والبقاء عليه حتى يُعلم بالنص الذي لا شك فيه ما يخالف ذلك. وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) خبر منه - صلى الله عليه وسلم-، وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، ثبت وسلم الخبر من العلة، وهو عند أهل العلم بأسانيد صحيحة، ولا بأس به، وإذا ثبت أثر العباس فإن ما قاله العباس لو ثبت ووقع فإنه لا يمنع من بقاء الجسد وزوال هذا الأثر الذي قاله العباس مما يعتري الأجساد، قد يعتريه ما يعتريه ويزول ولا يبقى له أثر، وقد يكون العباس قاله عن اجتهادٍ منه واعتقاد أنه - صلى الله عليه وسلم- كالناس في هذا الأمر، ولم يبق لهذا الخبر الذي رواه أوس بن أوس، وهو خبر أن الله حرم الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فالحاصل أن العباس قال ذلك إذا ثبت عنه عن اجتهاد وعن اعتبارٍ له بغيره من الناس، ولله أن يخصه بشيء دون بقية الناس، كما خصه بأشياء دون بقية الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-، فهذا كله لا يوجب اعتراضاً، ولا يقدح في هذا الحديث لو صح الأثر عن العباس. 
 
3- عندي امرأة وقد طلقتها طلقتين، فهل يجوز لي أن أرجع إليها مرةً أخرى أم لا؟
إذا طلق الرجل زوجته مرتين فله طلقة ثالثة باقية، فله مراجعتها إذا كانت في العدة ولم يطلقها على مال، بل طلقها من دون مال له أن يراجعها، فإذا طلقها الثالثة انتهى الأمر، وليس له الرجوع إليها إلا بعد زوجٍ جديد، زوج يتصل بها، يجامعها بنكاحٍ شرعي صحيح. أما إن كانت قد خرجت من العدة بأن طلقها طلقة الثانية واعتدت ولم يراجعها، فإنها لا تحل له إلا بنكاحٍ جديد؛ لأن بالعدة بانت منه بينونة الصغرى، فله أن يتزوجها زواجاً جديداً كسائر الخُطاب، ما دام بقي لها طلقة، فإذا انتهت الطلقة الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره كما هو نص القرآن الكريم. 
 
4- نحن جماعة من رعايا الدول العربية نعمل بالمملكة، ولنا مسجد بمحل عملنا نؤدي به جميع الصلوات، ولكن إمامنا له عادة بعد الركعة الثانية من صلاة الفجر، دائماً يرفع يديه بالدعاء لمدة طويلة، ويرفع المأمومون أيديهم أيضاً خلفه، وبعد الدعاء يسجدوا ليكمل الصلاة، ولما كان أكثر المصلين يتجادلون في هذا الموضوع، وأكثرهم يعتبره غير صحيح ولا يجوز؛ لأنهم لم يفعلوا ذلك في الحرمين وهما مقياس وقدوة، وعندما أخبرنا الإمام بذلك أخبرنا بأن ذلك لا يعتبر دليلاً، فنرجو توضيح الحقيقة، ولا زالت الشكوك بين المصلين حول هذا الموضوع، وإمامنا يقول لنا حينما قلنا له ذلك، قال: إن المذاهب متعددة فهي تصل إلى ألف وستمائة مذهب في الإسلام، فما رأيكم في هذا الموضوع؟ أثابكم الله؟
لا ريب أن ما فعله الإمام قد قال به بعض أهل العلم، ويسمى القنوت، وهو الدعاء الذي يؤتى به بعد الركوع في الركعة الثانية من الفجر، هذا ذهب إليه بعض أهل العلم كالشافعية -رحمة الله عليهم-، وهو قولٌ معروفٌ في الإسلام، ويحتجون ببعض الأحاديث الواردة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقنت حتى فارق الدنيا في الصبح، ولكن الصواب من الأقوال في هذا أنه لا يشرع إلا للنوازل، إذا نزلت بالمسلمين نازلة من عدوٍ نزل بهم، فإنه لا بأس يقنتوا، بل يشرع لهم القنوت مدةً معينة ثم يتركون القنوت؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم- يقنت في النوازل وقتاً معيناً ثم يترك ذلك -عليه الصلاة والسلام-، قال أنس - رضي الله عنه -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو على قوم. وقنت شهراً – صلى الله عليه وسلم- يدعو أحياء من العرب ثم ترك ذلك -عليه الصلاة والسلام-. أما الحديث أنه كان يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا فهو ضعيف كما بينه أهل العلم، وقد ثبت في الحديث الآخر من حديث سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي أنه قال لأبيه: يا أبت إنك صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفا كانوا يقنتون في لفجر، فقال له أبوه: أي بني محدث. فبين طارق - رضي الله عنه – وهو صحابي جليل أن القنوت في الفجر محدث، وأنه لا ينبغي فعله، وهذا هو الأرجح ..... القولين. فينبغي للمؤمن أن يتحرى في صلواته وفي سائر أعماله ما يوافق السنة، والكتاب العزيز، وأقوال أهل العلم المعتبرين، وهذا القول هو الأرجح، أنه لا ينبغي القنوت إلا إذا دعا لقوم أو على قوم في النوازل، مثل إذا قنت يدعوا للمجاهدين في الأفغان وعلى أعدائهم بعض الوقت ثم يترك، أما أن يستمر في القنوت بعد الفجر بعد الركوع في الركعة الثانية من الفجر دائماً فهذا الصواب أنه غير مشروع، وإن قال به من قال من الشافعية وغيرهم، فالصواب أنه غير مشروع، وقد قال الله - عز وجل -: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [(59) سورة النساء]. وإذا رددنا هذا الأمر إلى السنة وجدنا فيها الدلالة على أن هذا غير مشروع، فينبغي للإمام ترك ذلك، وعدم فعله، عملاً بالسنة الصحيحة، واتباعاً لبقية أهل العلم في هذا الباب، ولاسيما في هذه البلاد، فإن هذه البلاد أئمتها لا يقنتون في الفجر أخذاً بالسنة الصحيحة التي بينا لك أيها السائل. وأما قول الإمام أن في الإسلام ألف وستمائة مذهب فهذا كلام فيه مجازفة وكلام لا ينبغي، فإن ليس كل مذهب يوجد يعتبر في الإسلام، هناك مذاهب باطلة وهذه مبالغة قبيحة لا ينبغي للإمام أن يقول مثل هذا، فليس كل مذهب يدعي صاحبه أنه مذهب إسلامي يُقبل، المذاهب التي لا توافق الكتاب والسنة لا تعتبر، والمذاهب المشهورة أربعة: الشافعية، والحنفية والمالكية والحنبلية، وهم أئمة وعلماء كبار، اشتهرت مذاهبهم وانتسب إليهم علماء فاشتهروا بذلك، ويلحق بهم أيضاً مذهب الظاهرية المعروف، فهذه مذاهب معروفة، وما اختلفوا فيه من المسائل يعرض على الكتاب والسنة، كل واحد قد يخطئ، قد يغلط في بعض المسائل، فما اختلفوا فيه -رحمة الله عليهم- يعرض على الكتاب والسنة، فما وافق القرآن أو السنة الصحيحة وجب الأخذ به، وترك ما خالفه، سواء كان وافق مذهب مالك، أو مذهب أبي حنيفة أو الشافعي أو أحمد أو الظاهرية هذا هو الصواب. أما المذاهب الأخرى التي يُشير إليها هذا الإمام فهذه لا يعول عليها، ولا يلتفت إليها، بل ينبغي للمؤمن أن لا يلتفت إلى غير هذه المذاهب، وهذه المذاهب هي المذاهب المعروفة عند أهل السنة، والمعروفة بالاستقامة وتحري الحق، وعدم الزيغ والبدعة. أما المذاهب الأخرى فعند أهلها من البدع وعندهم من الانحراف ما يجب التوقف عن أخذ مذاهبهم، وعدم النظر فيها خوفاً من شرها وبدعتها، ولكن هذه المذاهب الخمسة المعروفة الظاهرية والمذاهب الأربعة هذه تعتني بالسنة والكتاب، وتعتني بأقوال الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم-، وليس عندهم البدع التي عند غيرهم، فلهذا اقتنع به أهل العلم، ورأوها مذاهب إسلامية معتبرة، ولكن ما اختلفوا فيه من ذلك يُرجع فيه إلى الكتاب والسنة، ويعرض على كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم-، فما وافقهما أو أحدهما وجب الأخذ به وترك ما خالفه، وإذا عرضنا القنوت في الفجر دائماً على الكتاب والسنة لم نجد فيهما ما يدل على شرعيته، بل نجد فيهما وهو ما جاء في حديث طارق بن أشيم ما يدل على أنه لا يشرع هذا القنوت بصفةٍ دائمة، وإنما يشرع عند النوازل في الدعاء على أعداء الله، وفي الدعاء للمجاهدين في سبيل الله بالنصر، في وقتٍ معين، وقت الحاجة، ثم يُوقف، ويُمسك ولا يستمع. رزق الله الجميع التوفيق والهداية. 

695 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply