حلقة 283: هل هناك بدعة حسنة - التيس المستعار - قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ) الآية خاصة بالنبي - قوله تعالى يأ أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم وقول النبي كلكم راع - حكم الحلف بالطلاق بنية التهديد

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

33 / 50 محاضرة

حلقة 283: هل هناك بدعة حسنة - التيس المستعار - قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ) الآية خاصة بالنبي - قوله تعالى يأ أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم وقول النبي كلكم راع - حكم الحلف بالطلاق بنية التهديد

1- الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول من كل عام، حيث يقول: أنا أعرف أنه بدعة، ولكنني سمعت من يقول: بأن هناك بدعة حسنة، أو بدعة مستحبة، وهناك من يعملون الحفلات في كل عام هجري في شهر ربيع الأول، فأرجو الإيضاح بارك الله فيكم.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام أمرٌ قد كثر فيه الكلام، وقد كتبنا فيه كتابات متعددة ونشرت في الصحف مراتٍ كثيرة، ووزعت مرات كثيرة، وكتب فيه غيري من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، وبيَّن أولئك العلماء أنه بدعة، وأنه وجوده من بعض الناس لا يبرر كونه سنة، ولا يدل على جوازه وشرعيته، وقد نص على ذلك أيضاً الشاطبي - رحمه الله - في كتابه الاعتصام، وكتب في هذا أيضاً شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم - رحمه الله - كتابةً وافية، وليس في هذا بحمد الله شك عند من عرف الأصول وعرف القاعدة الشرعية في كمال الشريعة وتحريم البدع، وإنما يشكل هذا على بعض الناس الذين لم يحققوا الأصول ولم يدرسوا طريقة السلف الصالح دراسة وافية كافية، بل اغتروا بمن فعل المولد من بعض الناس وقلدوه أو اغتروا بمن قال: أن في الإسلام بدعة حسنة، والصواب في هذا المقام أن الاحتفال بالموالد كلها بدعة، بمولده عليه الصلاة والسلام وبمولد غيره، كمولد البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، لم يفعله السلف الصالح، ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم – احتفاءً بمولده وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وما ترك سبيلاً يقرب من الله ويدني من رحمته إلا بينه للأمة وأرشدهم إليه، وما ترك سبيلاً يباعد من رحمة الله ويدني من النار إلا بينه للأمة وحذرهم منه، وقد قال الله - سبحانه وتعالى -:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا(3) سورة المائدة، مضى لسبيله عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاثة عشر سنة، في المدينة عشر سنين، ولم يحتفل بهذا المولد، ولم يقل للأمة افعلوا ذلك، ثم صحابته - رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من التابعين وأتباع التابعين من القرون المفضلة كلهم على هذا السبيل؛ لم يفعلوا شيئاً من هذا، لا قولاً ولا عملاً، ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن ينسب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين حكام مصر والمغرب، فأحدثوا هذه البدعة، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلاً بالحق وتقليداً لمن سار في هذه الطريق أو أخذاً بشبهات لا توصله إلى الحق، فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحق بدليله، وأن يتحرى ما جاءت به السنة والكتاب حتى يكون حكمه على بينة وعلى بصيرة، وحتى يكون سيره على منهجٍ قويم، والله يقول - سبحانه وتعالى -: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ(10)سورة الشورى والله - عز وجل- يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59) سورة النساء، وإذا نظرنا فيما يتعلق به الناس من الاحتفالات، ورددناه إلى القرآن العظيم لم نجد فيه ما يدل عليها، وإذا رددناه إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك؛ لا فعلاً ولا قولاً ولا تقريراً، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعةٌ بلا شك، يجب تركها ولا يجوز فعلها، ومن فعل ذلك من الناس فهو بين أمرين: إما جاهلٌ لم يعرف الحق فيعلم ويرشد، وإما متعصبٌ لهوى وغرض، فيدعى إلى الصواب ويدعى له بالهداية والتوفيق، وليس كل واحد منهما حجة لا الجاهل ولا المتعصب، ليس كلٌ منهما حجة، وإنما الحجة بما قاله الله ورسوله، لا في قول غيرهما. ثم القول بأن البدع تنقسم إلى حسنة وسيئة، وإلى محرمة وواجبة، قولٌ بلا دليل، وقد رد ذلك أهل العلم واليقين، وبينوا خطأ هذا التقسيم، واحتجوا على هذا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، يعني فهو مردود، متفق على صحته، وروى مسلم في صحيحه - رحمه الله - عن عائشة - رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود، وفي الصحيح عن جابر - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة فيقول: أما بعد، (فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة). ولم يقل البدعة فيها كذا وكذا، بل قال: كل بدعة ضلالة. وفي حديث العرباض بن سارية: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة). والبدع في أمور الدين في أمور التقرب لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا في المآكل والمشارب، فللناس أن يحدثوا في مآكلهم وطعامهم ومشاربهم صناعات خاصة، تصنعون الخبز على طريقة والرز على طريقة والأنواع أخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم ليس في هذا حرج، وإنما الكلام في القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع. وكذلك الصناعات وآلات الحرب، للناس أن يحدثوا أشياء يستعينوا بها في الحرب من قنابل، من مدافع من غير ذلك، يحدثون مراكب من طائرات وسفن فضائية، قطارات، ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله، ويعده الناس قربة وطاعة يرجون ثوابها عند الله، هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم – ولا أصحابه ولم يدل عليه - صلى الله عليه وسلم – ولم يرشد إليه، بل أحدثه الناس وأدخلوه في دين الله فهو بدعة، شاء فلان أو غضب فلان، والحق أحق بالاتباع. ومن هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور واتخاذ القباب عليها، هذه البدع التي وقع بسببها شرٌ كثير، حتى وقع الشرك الأكبر وعبدت القبور من دون الله بأسباب هذه البدع، فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره، وإن عظمه يشار إليه من أهل الجهل أو التقليد الأعمى أو التعصب فلا عبرةَ عند الله بهذا التقليد الأعمى ولا بأهل التعصب ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل و احتج بالدليل وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.  
 
2- بأنها متزوجة وهي تعصي زوجها وجاهلة ودائماً تغضب منه، ودائماً لا تعطيه حقه كزوج، وتطلب منه الطلاق كثيراً وقد طلقها مرتين، وعندما يذهبان للمأذون يرفض المأذون هذا الطلاق لأنه في حالة غضب، ولكنها تصر هي على طلب الطلاق فيوافق المأذون، حتى أصبح عدد الطلقات ثلاث طلقات على يد المأذون، وبما أنها تقول: تحبه وهو يحبها، ويرغبان الرجوع إلى بعضهما فقد اعترض دون ذلك والدها، وهو من حملة الكتاب -كما تقول- ونصحها بأنها لا تحل لزوجها حتى تتزوج رجلاً غيره، في هذه الحالة ذهبا إلى مأذون بلدتهما، فقال لها يمكنك أن تأتي بمحلل، وفعلاً قد اتفقا مع رجل طيب يريد لهما الصلاح -كما تقول في رسالتها- على أن يعقد عليها، وثاني يوم يطلقها دون أن يمسسها كزوج، وأكملت عدته، ورجعت لزوجها بعد العدة، وعاشت على هذه الحال خمس سنوات، أنجبت خلالها طفلين، وهي تعيش مع زوجها في عنادٍ وفي مشاكل وفي جحود، وهو صابر ومتحمل كما تقول هي في رسالتها، وقد سافرت إلى الخارج منذُ سنة، والتقت بأناس طيبين نصحوها بأنه لا يجوز لها أن تعصي زوجها، وبينوا لها حكم الله، وهي الآن نادمة وتائبة، وتريد أن تعرف ما الحكم في بقائها مع زوجها، هل تبقى معه أم أنه يفرق بينهما، وإذا فرق بينهما فما مصير الطفلين اللذين جاءا بعد الطلقة الأخيرة؟
أولاً: الواجب على الزوجة طاعة زوجها بالمعروف، ومعاشرته بالمعروف لأنه حقه عظيم، قال - سبحانه وتعالى –: (وعاشروهن بالمعروف)، وقال - سبحانه وتعالى -: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)، وأوصى النبي - صلى الله عليه وسلم – المرأة بالسمع والطاعة لزوجها، وقال: (إذا باتت المرأة وزوجها ساخطٌ عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)، وفي لفظٍ آخر: كان..... ساخطٌ عليها حتى يرضى عنها زوجها)، فالأمر عظيم والخطر كبير، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأةٍ سألت الطلاق فيما ليس به بأس لم ترح رائحة الجنة)، هذا وعيد شديد، سؤال الطلاق من غير علة، من غير بأس لا يجوز، وعلى المرأة السمع والطاعة والكلام الطيب والمعاشرة الحسنة في المعروف فيما أباحه الله - سبحانه وتعالى -وشرعه، وليس لها عصيان زوجها ولا تكديره وإيذاءه لا بالكلام ولا بالفعال، متى طلبها لحاجته لنفسها أجابت، ومتى أمرها أطاعت فيما يتعلق بشؤونهما، وهكذا ما يتعلق بخدمة البيت، وإحضار الطعام وما جرت به العادة بين الزوجين، هذه أمورٌ يلزمها أن تطيع زوجها في ذلك وأن تخاطبه بالتي هي أحسن وأن تسير معه المسيرة الحسنة التي عرفها الأخيار من المسلمين فيما بينهم. وأما الطلاق فقد حدد الله الطلاق وجعله ثلاثاً، فإذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها وهو عاقل، طلقها على الوجه الشرعي، ثم طلقها الثالثة فإن الطلقة الثالثة تحرمها وليس له أن ينكحها إلا بعد زوجٍ شرعي يطأها ثم يطلقها وتعتد منه بموت أو يموت عنها، بعد ذلك تحل له أن يراجعها، أما التحليل فهو لا يجوز بل هو منكر، وهو نكاح باطل والرسول - صلى الله عليه وسلم – لعن المحلل والمحلل له، والعياذ بالله، فكون ينكحها زوجٌ محلل يتفقان معه أنه ينكحها ثم يفارقها هذا منكر، ومن كبائر الذنوب وصاحبه ملعون، المحلل والمحلل له جميعاً، ولا يحلها للزوج السابق الذي فاعله مع المحلِّل أمر منكر، وطريق فاسد وصاحبه قد تعاطى كبيرة عظيمة، وهي لا تزال محرمة على زوجها وعليها أن تفارقه حتى تتزوج زوجاً شرعياً وحتى يطأها زوج شرعي ثم يفارقها بموتٍ أو بطلاق ثم تعتد. أما الأولاد الذين جاءوا بعد ذلك بعد النكاح الباطل فهم أولاد زوجها بالشبهة، لأجل الشبهة؛ لأن هذا وقع عن شبهة وعن جهل فيلحقوا الأولاد هذا الزوج وينسبوا إليه، ولكن عليها وعلى زوجها التوبة إلى الله والندم والإقلاع، والعزم الصادق بأن لا يعودوا إلى مثل هذا المنكر، ومتى تزوجت زوجاً شرعياً لا محللاً ثم وطأها ثم طلقها الزوج أو مات عنها فإنه تحل له لزوجها هذا. إذن الخلاصة فضيلة الشيخ أنها تفارق زوجها ويفارقها الآن؟ الخلاصة أنها مقيمة معه على حرام، وعليها أن تفارقه ويفارقها، وعليهما التوبة إلى الله جل وعلا جميعاً أما أولادهما فلاحقون بأبيهم لأجل الشبهة، لأجل وطئ الشبهة، وليس لها أن تعود إليه أبداً إلا بعد زواج شرعي، بعد زوجٍ شرعي يطأها ثم يفارقها، بموت أو طلاق ثم بعد ذلك يتزوجها زوجها الأول إذا شاء.  
 
3- قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))[المائدة:105]، هل تتقابل، أو كيف نجمع بينها وبين قول الرسول: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ؟
ليس بين الآية المذكورة الكريمة وبين الحديث الشريف المذكور تخالف ولا تضاد، هذه الآية والحديث متفقان والله يقول - سبحانه وتعالى -: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) والمعنى عليكم أن تجاهدوا أنفسكم، عليكم إصلاح أنفسكم، ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم، يعني لا يضركم من ضل إذا أديتم الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بما أوجب على الله العبد، فإن هذه هي الهداية، لا يكون العبد مهتدياً حتى يقوم بالواجب، وكونه يرعى من تحت يده ويقوم بما يلزم، وكونه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعوا إلى الله كل هذا من طرق الهداية، فلا يكون مهتدياً حتى يؤدي ما أوجب عليه من الواجبات العينية والواجبات المتعلقة بالمجتمع، من أمرٍ بالمعروف ونهيٍ من المنكر وغير هذا مما يلزم المجتمع، فالحاصل أن قوله - سبحانه وتعالى - ((لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) معناه إذا أديتم الواجب، ومن ترك الحبل على الغالب ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن منكر، ولم يقم بحق الرعية ما أدى الواجب ولا اهتدى الهداية الكاملة، بل هدايته ناقصة غير كاملة فيكون مؤاخذ بذلك، يكون هذا الرجل الذي قصر بالواجب يكون مؤاخذاً بما قصر فيه؛ لأن هدايته ناقصة والله يقول: (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، والذي لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر ولم يقم بالدعاية التي عليه ما يكون متهدياً الهداية المطلقة الكاملة، فتكون هدايته ناقصة ضعيفة فيها خلل، فيؤاخذ بهذا الخلل وبهذا النقص.  
 
4- قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً))[الأحزاب:28]، هل هو موجه لزوجات النبي فقط، وهل يجب على أي مؤمن أن يخير زوجته، فإن اختارت الدنيا وزيتها فيطلقها؟
ليس خاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم – بل هو عام، وأسباب ذلك قلة النفقة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عنده نفقة كافية لأزواجه عليه الصلاة والسلام، ولهذا جرى منهن فأمر الله أن يخيرهن، ومن اختارت الله والدار الآخرة بقيت، ومن أبت طلقها من أجل عدم القدرة على النفقة الكاملة، فإنه - صلى الله عليه وسلم – تعرض له أوقات في المدينة ليس عنده ما يكفي للإنفاق على أزواجه، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام، تأتيه الوفود فيتألفهم على الإسلام بما عنده من المال، فقد ينفذ المال ويقل المال ويبقى الأزواج محتاجين، فلهذا لما طالبن بحقهن خُيِّرْنَ بين الله والدار الآخرة وبين الدنيا وحاجتها، فاخترن الله ورسوله - رضي الله عنهن- وصبرن على ما يصيبهن من حاجة، حتى قالت عائشة - رضي الله عنها-: لقد هل هلال، ثم هلال، ثم هلال ما وقد في أبيات محمد - صلى الله عليه وسلم – نار)، فقال لها ابن أختها عروة بن الزبير: فما كان يعيشكم يا خالة، قالت: الأسودان، التمر والماء. إلا أنه كان له جيرانٌ من الأنصار يهدون إليه شيئاً من اللبن، أو كما قالت - رضي الله عنها-. المقصود أنه - صلى الله عليه وسلم – كانت تمر عليه أوقات كثيرة ليس عنده ما يكفي لزوجاته التسع للإنفاق عليهن، لحاجاتهن، فخيرن وأُجِرْن إن صبرن على ذلك فلهن الجنة والسعادة، وإن أبين طلقهن، أو طلق من تصبر منهن؛ حتى تجد من يقوم عليها القيام الكامل من جهة الدنيا، ولكمال إيمانهن وكمال يقينهن وكمال بصيرتهن لما خيرن؛ اخترن الله ورسوله وندمن على ما جرى سابقاً، وكلهن اخترن الله والبقاء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان هناك حاجة، وإن كان هناك شدة، فهكذا الناس اليوم، إذا كان الزوج عنده زوجة وهو عاجز عن نفقتها تخير، إن صبرت فجزاها الله خيراً، وإن أبت وجب عليه طلاقها حتى تجد من ينفق عليها.  
 
5- هل إذا تزوج رجل امرأة ظن أنها تقيم الصلاة، وتبين له بعد ذلك أنها لا تصلي، فهل هذا الزواج باطل، وهل إذا تابت وأصبحت تقيم الصلاة يستمر معها؟
هذه مسألة مبنية على أصل، وهو الحكم في تارك الصلاة، فمن قال إنه كافر كفرٌ أكبر وإن لم يجحد وجوبها قال إن هذا النكاح باطل؛ لأن الكافرة لا تصلح لمسلم، والله يقول في حقهن: (لاهن حلٌ لهم ولا هم يحلون لهن)، وقال: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، فالتاركة للصلاة مشركة على القول الحق، فلا تنكح حتى تتوب إلى الله - عز وجل-، لقوله - عز وجل-: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، ولقوله - عز وجل-: (لا هن حلٌ لهم ولا هم يحلون لهن)، أما على القول الآخر وهو أن تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً ليس بكافر كفرٌ أكبر ولكنه كفرٌ أصغر وعاصي وحكمه حكم الكبائر، فعلى هذا القول يكون النكاح صحيحاً ويكون له عذر إذا فارقها، لأن ترك الصلاة عيبٌ عظيم، ولكن الصواب أنه كفرٌ أكبر وأنها إذا كانت لا تصلي فهي كافرة فلا بد من تجديد النكاح، إذا تابت ورجعت إلى الله لا بد من تجديد النكاح، هذا هو الصواب؛ لأنها ليست كتابية، بل ترك الصلاة ردة ولا بد من توبة صادقة وتوبة نصوح، فإذا تابت جدد النكاح ولا ريب فيها، وإلا تركها ومتى خرجت من العدة ساغ لها أن تتزوج، وينبغي أن يطلقها طلقة واحدة خروجاً من الخلاف، حتى لا يبقى هناك خلاف وحتى يتزوج على بصيرة، فإن المسألة خلافية فإذا طلقها طلقة واحدة كان ذلك قطعاً للتعلق بها وقطعاً لتعلقها به، وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بأن النكاح ليس بفاسد؛ لأن ترك الصلاة عندهم ليس بكفرٍ أكبر، والمقصود في هذا بيان الحكم الذي هو أولى بالدليل وأحق بالدليل، ولا شك أن القول بكفر تارك الصلاة كفرٌ أكبر إذا كان تركها تهاوناً غير جاحدٍ لوجوبها، أما من جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع المسلمين كفراً أكبر نسأل الله العافية، لأنه مكذبٌ لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وإنما النزاع في من تركها تهاوناً وهو يؤمن بوجوبها، هذا محل النزاع، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، رواه أهل السنن والإمام أحمد بسند صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، خرجه مسلم في صحيحه، وهذا دليلٌ على أن تركها كفرٌ أكبر، نسأل الله السلامة. يعني المستمع في هذه الحال إن كان يرغب في البقاء معها فعليه أن يجدد عقد نكاحه؟ بعد توبتها.  
 
6- أنا أسكن حياً بعيداً عن البلاد بحوالي خمسة كيلو مترات، في أوقات النهار والمغرب والعشاء أصلي مع جماعة المسجد ولله الحمد، ولكن في صلاة الفجر أصلي منفرداً، فهل يحق لي ذلك؟
نعم، لأن خمسة كيلو بعيد لا يسمع النداء، فله أن يصلي وحده، لأن المسافة بعيدة، أما إذا كان بقرب المسجد يسمع النداء وجب عليه السعي، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)، فإذا كان في هذا المكان البعيد الذي لا يسمع فيه النداء فإنه لا يلزمه الحضور، فإن تجشم المشقة وصبر ولا سيما إذا كان صاحب سيارة فهذا خيرٌ له وله فضلٌ عظيم.  
 
7- لقد حلفت على زوجتي بأن تكون طالق إذا فعلت كذا، وكان بنية التهديد، مع العلم أنه حدث مني ثلاث مرات، وكل ما وقع في الحالات الثلاث عاشرتها بعد الحلف من غير أن أسأل عن ذلك؛ لأنني لم أقصد بأنها يمين صحيح، أو يمين طلاق، بل كانت يمين بنية التهديد، فوقع مني يمين رابع، وكان بنية الطلاق فأريد أن تفتوني في الحكم ؟
أما الأيمان الثلاثة الأولى التي بقصد التهديد وليس بقصد إيقاع الطلاق ولكن لتخويفها وتهديدها هذه الثلاث الصواب فيها أنها في حكم اليمين، وعلى السائل كفارة اليمين في كل واحدة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، والكسوة إزار ورداء أو قميص، أما الإطعام فهو نصف صاع من التمر أو من الرز أو من غيرها من قوت البلد، هذا هو الإطعام، وإن غداهم أو عشاهم كفى ذلك، ولا يقع الطلاق بذلك في أصح قولي العلماء. وذهب الجمهور إلى أنه يقع الطلاق بهذه اليمين إذا قال إن كلمت فلان فأنت طالق، أو ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق، أو إن فعلت شيئاً آخر فأنت طالق قصده التهديد، فالأكثرون على أنه يقع ولا تنفعه هذه النية، ولكن الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم أن هذا في حكم اليمين، ولا يكون طلاقاً بل عليه كفارة اليمين، وهذا هو الذي نفتي به وهو الأصح وهو الذي أفتى به شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم، وهو ظاهر ما نقل عن جماعة من السلف الصالح من التابعين وهو ظاهر ما نقل عن ابن عمر وعن صفية ابنت أبي عبيد، وعن جماعة، فيمن حلفت بالعتق والصدقة بمالها وعتق عبيدها، عن فلان فعل كذا فلم يفعل، قالوا لها عليك كفارة اليمين؛ لأنها إنما قصدت إلزامه، ولم تقصد العتق ولا الصدقة، وإنما أرادت إلزام هذا الشخص بأن يطلق زوجته جاريتها، فقالوا عليك بهذا كفارة يمين، ولا يلزمك أن يكون مالك صدقة ولا عتق الرقاب، لأنها لم ترد ذلك وإنما أرادت إلزامه، والتأكيد عليه، فإذا كان هذا في المحبوب إلى الله من الصدقة والعتق وهما محبوبان إلى الله، فالطلاق مبغوض إلى الله من باب أولى أنه لا يقع معه...  

371 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply