حلقة 285: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم - الإستعجال في إجابة الدعاء - حكم بيع العملة بعملة أخرى

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

35 / 50 محاضرة

حلقة 285: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم - الإستعجال في إجابة الدعاء - حكم بيع العملة بعملة أخرى

1- أخونا يشكو من بخر في الفم، ويشكو أيضاً من وضعه في الصلاة، وكذلك في الحج وفي العمرة، هل يأثم إذا ذهب إلى المسجد، أو إذا طاف وسعى وهو على تلكم الحال؟

هذا الأمر قد يقع لبعض الناس، فالواجب عليه أن يعنى بالأسباب التي تزيله، من علاج وتعاطي الأدوية وعرض أمره على المختصين من الأطباء، لعله يبدي علاجاً يزيل عنه هذا البخر الذي قد يتأذى به من يجاوره، ومتى عجز عن ذلك ولم يتيسر له العلاج، فإن كان يضر من حوله من المصلين ويؤذيهم فله عذر في الصلاة في بيته، كما منع النبي - صلى الله عليه وسلم – من أكل ثوماً أو بصلاً أن يصلي مع الناس، وكان يخرجهم من المسجد عليه الصلاة والسلام لئلا يتأذى بهم المسلمون، قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا، قال: فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم)، فالحاصل أنه إذا كان هذا البخر شديداً يتأذى به من يجاوره في المسجد؛ فإنه يعذر بترك الجماعة والصلاة في بيته، بعد أن يجتهد في العلاج وأسباب إزالته، فإذا عجز عن ذلك فهو معذور، أما الحج فلا، يحج كل أحد، فالحج يحج ولو كان فيه هذا الأمر، يحج ويعتمر وليس يلزمه أن يلاصق أحداً في هذا، وعند الزحام هو كغيره لا يضر زحامه مع الناس في الطواف أو في السعي أو في رمي الجمار، لا نرى هذا وغيره في الحج ولا في العمرة، إنما هذا في الجماعة خاصة. وبالنسبة للزيارة؟ أما الزيارة فهذه يختلف، إن كان المزور يسمح له بذلك، ولا يتأذى بزيارته لقرابته منه أو صداقته له أو أسبابٍ أخرى فلا بأس عليه، فأما إن كان المزور يتأذى به فإنه لا يزوره، لا يزوره بل يسعى في قضاء حاجته من الطرق الأخرى كالمكاتبة والهاتف وإرسال مندوبٍ منه في حاجاته التي يريد أن يباشر بها ذلك الشخص. وزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – والصلاة في المسجد النبوي الشريف؟ زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – سنة وقربة، إذا كانت زيارة القبور الأخرى سنة فمن باب أولى زيارة قبره عليه الصلاة والسلام، والصلاة في مسجده - صلى الله عليه وسلم – سنة وقربة، ومن أجلها تشد الرحال إلى مسجده - صلى الله عليه وسلم – وإلى المسجد الحرام وإلى المسجد الأقصى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، إنما الذي يمنع في أصح قولي العلماء شد الرحال من أجل القبر وحده، أن يشد الرحل من أجل القبر لا من أجل المسجد ولا من أجلهما معاً ولكن من أجل القبر وحده فهذا هو الذي يمنع في أصح قولي العلماء، لهذا الحديث، لقوله - صلى الله عيه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، فإذا منع الرحال إلى مسجد غير هذه الثلاثة فمن باب أولى شد الرحال إلى بقعة أخرى أو إلى قبر، من باب أولى أن يمنع؛ لأن المساجد أفضل بقاع الأرض، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم –أنه قال: (خير بقاع الأرض مساجدها، وشرها أسواقها)، فإذا كانت المساجد التي هي خير بقاع الأرض لا تشد الرحال إليها للتقرب فيها إلا هذه الثلاثة المساجد فهكذا يمنع من باب أولى من شد الرحال إلى قبر من القبور، لا قبر النبي - صلى الله عليه وسلم – ولا غيره، أو إلى بقعةٍ يقال إنه جلس فيها رجلٌ صالح، أو صلّى فيها أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن شد الرحل إلى القبر يتخذ وسيلة إلى الغلو، ودعاء صاحب القبر والاستغاثة به، أو النذر له، أو الصلاة عند قبره أو الدعاء عنده، وهذه وسائل للشرك، الصلاة عند القبر، أو الدعاء عنده أو القراءة من وسائل الشرك، أما دعاء القبر، دعاء صاحب القبر، والاستغاثة بصاحب القبر هذا نفس الشرك، وعين الشرك الذي حرمه الله علينا - عز وجل-، فمن أجل هذا والله أعلم حرم الله شد الرحال، إلى غير الثلاثة المساجد، سداً لذرائع الشرك وحسماً لوسائله، فإذا شد الرحل ليصلي في المسجد وليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم – فلا بأس، دخلت الزيارة تبعاً، أما أن يكون شده للرحل من أجل القبر فقط فهذا هو الذي يمنع، ولكن لا أظن أن مسلماً يقصد هذا، فإن المسلم الذي يفهم الإسلام لا يقصد القبر وحده، وإنما يشد الرحل ليصلي في المسجد وليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتكون الزيارة تابعة للمسجد فلا حرج في ذلك، وأما من كان في المدينة مقيماً فهذا يشرع له أن يزور بين وقتٍ وآخر فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم – وعلى صاحبيه، كما يزور البقيع وشهداء أحد ويسلم عليهم بين وقتٍ وآخر، لقوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يعلم أصحابه - رضي الله عنهم- إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكن العافية). وفي حديث عائشة: (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين). وكان إذا زار البقيع يقول: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، غداً مؤجلون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)، فيدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة، زيارة القبور للدعاء لهم للترحم على الموتى ولذكر الآخرة والزهد في الدنيا، لا تزار القبور لدعاء أهلها أو الاستغاثة بهم أو الدعاء عند قبورهم أو الصلاة عندها أو القراء عندها، لا، ولكن تزار للاستغفار لهم والترحم عليهم، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ، ولذكر الآخرة، ولذكر الموت، والزهد في الدنيا، هذه هي المقاصد من زيارة القبور، لكن أهل الجهل، ولكن الغلاة يزورون القبور ليدعون الموتى، ليدعوهم من دون الله، ليستغيثوا بهم، ليطلبوهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر، أو يزوروهم من أجل البدع كالصلاة عند قبورهم يظنون أنها أجوب وأنفع وأفضل، أو الدعاء عند القبور، أو القراءة عندها وهذا أيضاً بدعة لأنه وسيلة إلى الشرك، فاليوم يصلي عندها لله، وفي يومٍ آخر قد يصلي لأهلها، قد يجعل الصلاة للميت، والسجود له، فيقع في الشرك، وهكذا الدعاء عندها وهكذا القراءة عندها، هذه بدعة، وقد تجر هذه البدعة إلى أن يقصد الميت ليدعوه من دون الله، أو يستغيث به من دون الله، أو نحو ذلك من أنواع الشرك نسأل الله السلامة. إذن زيارة أخينا هذا وإن كان في فمه بخر ليس فيها شيء من ناحية الشرع؟ نعم، هي كذلك.  
 
2- عندما لا يتحقق لي أي شيء أغضب، وأقول أقوالاً في حق نفسي وفي حق الله، مثلاً أقول: لماذا يا رب لا تستجب لي الدعاء، وأقوال أخرى، أرجو توجيهي حول هذا، وإذا شعر الإنسان أن دعاءه لم يستجب فماذا عليه؟
عليك أيها الأخ وعلى كل مسلم إذا تأخرت الإجابة أن يرجع إلى نفسه وأن يحاسبها فإن الله - عز وجل- حكيم عليم، قد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة، ليكثر دعاؤك وليكثر إدلاء حاجتك إلى ربك، ولتتضرع إليه، وتخشع بين يديه، فيحصل لك بهذا من الخير العظيم والفوائد الكثيرة، وصلاح قلبك، ورقة قلبك ما هو خيرٌ لك من الحاجة، وقد يؤجلها لأسباب أخرى - سبحانه وتعالى -، وقد يعجلها لحكمة بالغة، فإذا تأجلت الحاجة فلا تلم ربك، ولا تقل: لماذا، لماذا يا رب؟ ارجع لنفسك، فإن ربك حكيم عليم، ارجع إلى نفسك وانظر فلعل عندك شيء من الذنوب و المعاصي كانت هي السبب في تأخير الإجابة، ولعل هناك أمراً آخر تأخرت الإجابة من أجله لأنه يكون فيه خيرٌ لك، فأنت لا تتهم ربك ولكن عليك أن تتهم نفسك، وعليك أن تنظر في أعمالك وسيرتك حتى تصلح من شأنك، وحتى تستقيم على أمر ربك، وحتى تعبده على بصيرة، وحتى تمتثل أوامره، وحتى تنتهي عن نواهيه، وحتى تقف عند حدوده، ثم اعلم أنه - سبحانه وتعالى – حكيم عليم قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة، كما أخر إجابة يعقوب في رد ابنه عليه يوسف، وهو نبي عليه الصلاة و السلام، فقد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة، وقد يعطيك خيراً مما سألت، وقد يصرف عنك من الشر أفضل مما سألت، كما جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من عبدٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك)، قالوا: يا رسول الله، إذن نكثر، قال: الله أكثر. فبين في هذا الحديث عليه الصلاة والسلام أن الله - سبحانه وتعالى – قد يؤخر الإجابة إلى الآخرة، ولا يعجلها في الدنيا لحكمة بالغة، لأن ذلك أصلح لعبده وأنفع لعبده، وقد يصرف عنه شراً عظيماً خيراً له من إجابة دعوته، وقد يعجلها له ، فعليك بحسن الظن بالله، وعليك أن تستمر في الدعاء وتلح في الدعاء فإن في الدعاء خيراً لك كثيراً، وعليك أن تتهم نفسك وأن تنظر في حالك وأن تستقيم على طاعة ربك، وأن تعلم أن ربك حكيم عليك قد يؤجل الإجابة لحكمة، وقد يعجلها لحكمة، وقد يعطيك بدلاً من دعوتك خيراً منها، وفي الحديث الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم -: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء)، فلا ينبغي لك أن تستحسر ولا ينبغي لك أن تدع الدعاء، بل الزم الدعاء واستكثر من الدعاء وألح على ربك واضرع إليه، وحاسب نفسك واحذر أسباب المنع من المعاصي والسيئات، وتحرى أوقات الإجابة كآخر الليل وبين الأذان والقيامة، وفي آخر الصلاة قبل السلام وفي السجود، كل هذه من أسباب الإجابة، وعليك بإحضار قلبك عند الدعوة حتى تلح وحتى تدعو بقلبٍ حاضر، عليك بالمكسب الطيب، فإن الكسب الخبيث من أسباب حرمان الإجابة، نسأل الله التوفيق والهداية.  
 
3- معلوم أن المغترب يعود إلى بلده وقد اشترى من العملات العالمية، مثل الدولار وجنيهات الذهب أو حتى أي عملة غير عملة بلده، ثم يعود لبلده ليبيعها، فيسعى وراء أعلى سعر يبيعها به، ومن أماكن البيع ما هو رسمي لدى الدولة، ومنها ما يسمي السوق السوداء، والسؤال هو: متى يكون هذا ربا فضل، وماذا ينبغي عندئذ؟ أفيدونا أفادكم الله.
. العُمَل تختلف فإذا باع عملة بعملة أخرى يداً بيد، فهذا ليس فيه ربا، كأن يبيع الدولار بالجنيه المصري أو بالعملة اليمنية يداً بيد فلا بأس، وهكذا إذا باع أي عملة بعملة أخرى يداً بيد فإنه ليس في هذا ربا، أما إذا باع العملة بعملة أخرى إلى أجل، كأن يبيع الدولار بالعملة اليمنية إلى أجل، أو بالجنيه المصري أو الاسترليني أو الدينار الأردنية والعراقي وغير ذلك إلى أجل هذا يكون ربا؛ لأنها منزَّلة منزِلة الذهب والفضة، فلا يجوز بيع بعضها ببعض نسأً، بل لا بد من القبض في المجلس. أما ربا الفضل فهذا يقع في العملة نفسها، إذا باع العملة بالعملة نفسها متفاضلاً، كأن يبيع الجنيه الاسترليني بالجنيه الاسترليني وزيادة. كجنيه استرليني بجنيهين، هذا ربا، ولو كان يداً بيد، أو يبيع العملة السعودية عشرة ريالات بإحدى عشر ريال، هذا ربا فضل، وإذا كان إلى أجل، صار ربا فضل ونسيئة جميعاً، فيه نوعان ربا. وهكذا أشباه ذلك كالدولار، دولارين بثلاثة إلى أجل، أو حالاً، إذا كان حالاً يد بيد فهو ربا فضل، وإن كان إلى أجل كان ربا فضل ونسيئة جميعاً، اجتمع فيه الأمران، هذه وجوه الربا. 

397 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply