حلقة 336: نصيحة للمسلمين - هل يؤثر غسيل الكلى على الصيام - هل تعاطي الأكسجين يؤثر على الصيام - نصيحة للمصابين بمرض السكر - هل أخذ الأبر عن طريق الوريد - صيام أهل الصرع والنزيف - ما حكم صيام من يضيع نهاره في النوم وليله في السهر

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

34 / 48 محاضرة

حلقة 336: نصيحة للمسلمين - هل يؤثر غسيل الكلى على الصيام - هل تعاطي الأكسجين يؤثر على الصيام - نصيحة للمصابين بمرض السكر - هل أخذ الأبر عن طريق الوريد - صيام أهل الصرع والنزيف - ما حكم صيام من يضيع نهاره في النوم وليله في السهر

1- شيخ عبد العزيز هذه الحلقة ستكون بإذن الله عن الصيام وعن المرضى، فهل من كلمة نستهل بها هذا اللقاء لو تكرمتم؟

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد سبق في حلقة مضت ما يتعلق بشأن الصيام وفضل صيام رمضان ووجوبه على المسلمين، وما يجب أيضاً على المسلمين من العناية بحفظه وصيانته عما حرم الله عز وجل حتى يوفوا أجورهم كاملة، ومعلوم أن الإنسان يعرض له عوارض من المرض والسفر، والله عز وجل قد بين هذا في كتابه العظيم فمن نزل به المرض وشق عليه الصوم فله أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك، وهكذا من عنَّ له سفر لحاجة فلا بأس أن يسافر ويفطر ويقضي، وليس لأحد أن يسافر من أجل الإفطار والتحيل على الإفطار هذا لا يجوز؛ ولهذا يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم لما ذكر الصيام قال: ..وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.. الآية (185) من سورة البقرة، فالمؤمن يحاسب نفسه وهكذا المؤمنة، فإن وجد أحدهما مرضاً يشق عليهم نحو الصوم والله يعلم أنه صادق فلا حرج عليه في الفطر، وهكذا إذا سافر لحاجة فإنه لا بأس عليه أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك، والحمد لله.  
 
2-   أول أنواع المرض ذلكم المرض الذي تفشى في كثير من المسلمين، ونسأل الله لهم العافية، هو: الفشل الكلوي، المصاب بهذا المرض يحتاج إلى الغسيل، والغسيل قد يكون في نهار رمضان ويسأل كثير من المصابين بهذا المرض فيما لو أذن لهم الأطباء بالصيام، هل يؤثر غسيل الكلى على الصيام أو لا يؤثر؟
الأمراض متنوعة، والمرضى أعلم بأنفسهم، فكل مرض يشق معه الصيام ويؤثر على المريض زيادة المرض أو تأخر البرء فإنه يجوز له الإفطار، فالغسيل الذي يحصل لأصحاب الكلى إذا كان هذا الغسيل يؤثر عليه إن صام فإن له الفطر ولا حرج عليه، أما نفس الغسيل أو يُعطى شيئاً دواءً يخرج منه شيئاً يضره ويبقي فيه شيئاً ينفعه فلا أعلم ما يمنع من ذلك، إذا كان مثل الحقن مثل الإبر التي يعطاها الإنسان لحفظ الصحة أو لإسكان المرض، كالحمى، أو لإخراج دم فاسد من فمه أو دبره فهذا لا يعتبر مفطراً له في هذه الحالة لأنه لم يتعمده وإنما هو من جهة العلاج الذي تحفظ به صحته، فهو يعطى هذا لحفظ الصحة وسلامته من الهلاك، ويترتب على هذا العلاج من الإبر التي يعطاها خروج شيء ودخول شيء فهو يدخل له شيئاً طيباً ويخرج منه ما يضره بقاؤه، فهذا هو الذي يتبادر فيما نعلم من عملهم بالغسيل، وإذا كان صومه في هذه الحال يضره بتأخير المرض وطول أجله أو زيادته فإنه يفطر ويتعاطى هذا العمل وهو مفطر، ولا حاجة إلى الصوم الذي يضره، والله به أرحم سبحانه وتعالى وهو القائل -عز وجل-: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). هذا هو المتبادر في هذه المسألة وإذا قضى بعد ذلك احتياطاً لإخراجه هذا الذي يخرج منه لا نعلم بأساً في ذلك، أما الذي يظهر والله أعلم أنه في هذه الحال شبه من قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه)؛ لأنه إن ترك العمل أضره الترك، وإذا أعطي هذه الإبر التي تحفظ بها صحته خرج منه هذا الشيء، كما قد يخرج من طريق الأسفل أن يعطى مواد تجعله يصاب بالاستسهال وخروج ما يضره من أسفل، فهكذا خروج ما يضره من فوق من طريق القذف النزيف نزيف الدم أو نحو ذلك أو خروجه من أسفل من أجل العلاج ما يضره، إن شاء الله.  
 
3- ماذا أيضاً لو تكرمتم عن المصابين بالربو، وهم يتعاطون الأكسجين، هل يؤثر هذا الأكسجين على الصيام أو لا؟
الفتوى صادرة في هذا بأنه لا يضر؛ لأنهم مضطرون إليه، وهو ليس بأكل ولا شرب ولا يشبه الأكل والشرب، وإنما هو هواء يعطيهم شيئاً من الراحة، فهو هواء فيه شيء من الدواء الخفيف يعطيهم شيئاً من الراحة.  
 
4- بالنسبة للمصابين بمرض السكر ماذا يقول الشيخ عبد العزيز لمثل هؤلاء؟
هذا مثل ما تقدم: إن كان المرض يضرهم ولا يستطيعون معه الصوم وقد يشق عليهم بزيادة المرض عليهم والتعب عليهم تعباً كثيراً واضحاً أو يسبب عدم برئه فلهم الفطر، أما إن كان عادياً، المرض معهم سواءً صاموا أو لم يصوموا هو معهم لا يتغير عليهم ولا يضرهم، فالواجب عليهم الصوم؛ لأنه مرض عادي لا يضرهم معه الصوم، فأشبه حال الكسالى وكبير السن الذي لا يضره الصوم. ماذا لو احتاجوا تعاطي نوعاً من الأدوية، ربما يكون الإبر، أو ما أشبه ذلك؟ ج/ أما الأكل فلا، الحبوب أو الشراب يفطر الصائم، أما إبر في العضل أو في..... يحصل بها تخفيف الربو أو ما أشبه ذلك فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن هذه الإبر فيما نعتقد وفيما نفتي به في هذا البحث لا تعتبر أكلاً ولا شرباً وإنما هي علاج ودواء.  
 
5- هل هناك فرق بين الإبر التي تؤخذ عن طريق الوريد أو الإبر التي تؤخذ عن طريق آخر؟
الصواب لا فرق في ذلك، وإن كان إبر الوريد أبلغ لكن لا فرق في عدم الإفطار، أما الإبر التي تؤخذ للتغذية بدل الأكل والشرب يغذونه بها فهذه قامت مقام الطعام والشراب فهي إبر تغذية فتفطر، من تعاطاها أفطر بها.  
 
6- أهل الصرع، ماذا يقول عنهم الشيخ عبد العزيز، المصابون بالصرع؟
إذا صاموا وأصابهم الصرع في أثناء النهار مثل النوم، كالنوم لا يضرهم صومهم صحيح، أما إذا غابت عقولهم يوماً كاملاً فهم من جنس بقية المجانين لا صوم لهم ولا شيء عليهم ولا قضاء عليهم، فلو جُنَّ في آخر الليل أو صرع في آخره ولم يفق إلا في الليلة الآتية فلا صوم عليه، بخلاف الإغماء فإنه مثل النوم. المصابون بالنزيف؟ ج/ والنزيف لا يضر أيضاً، المصاب بالنزيف سواءً من فمه أو من أسفل مستمراً معه ليس باختياره فلا يضره، مثلما تقدم في الغسيل.   
 
7- أفتونا عن صائم يقتل نهاره بالنوم، ويحيي ليليه بالسهر واللهو أمام عدة وسائل أو أمام عدة ألعاب، كيف تنصحون مثل هؤلاء لو تكرمتم؟
صومه صحيح ومجزئ، لكنه فاته أجر عظيم في إضاعة الوقت فيما يضره وعدم حفظ الصيام بالذكر والدعاء والقراءة وأنواع العبادات في النهار، وحصل عليه إثم في الليل فيما يتعاطاه من ملاهي إذا كان يتعاطى الملاهي من سماع الأغاني والملاهي وغير ذلك، ويفوته فضل النوم والراحة الذي يعينه على العمل في النهار. أما صومه فصحيح ولو سهر، لكن إن كان سهره على معصية أثم بذلك، وإن كان سهره على غير معصية كره له ذلك وفاته أجر التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم – في النوم والاستعانة بالنوم على إحياء النهار بالعبادة والطاعة ونفع المسلمين ونحو ذلك.  
 
8- ماذا يقول الشيخ عن الصلوات
الصلاة أمرها عظيم، وفي رمضان أشد وأعظم، فإذا كانت في حق المسلمين فريضة في كل وقت وتركها كفر وضلال وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم في أصح قولي العلماء والتكاسل عنها من صفات أهل النفاق ففي رمضان يكون أكثر، في رمضان يكون الأمر أعظم، ويكون الإثم أكثر، إذا تهاون بها في رمضان صار الإثم أكبر، وإذا تركها بالكلية مثل ما تقدم لا صوم له لأنه يكفر بتركها كفراً أكبر نعوذ بالله، لما تقدم في الأحاديث نسأل الله السلامة. ومن هذا البلاء ما يفعله بعض الناس من النوم عن صلاة الفجر ولا يقوم إلا للعمل، هذا -لا حول ولا قوة إلا بالله- لا يهمه إلا أمر دنياه فقد أضاع الفريضة العظيمة، فإذا تعمد ذلك هو داخل في من حُكم بكفره؛ لأنه تعمد ترك الفريضة إلى الضحى إلى بعد طلوع الشمس فيكون بهذا قد تعمد تركها بالكلية فيعمه الحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، ولا عبرة في كون الأكثرين من المتأخرين من العلماء والمشهورين قالوا بأنه كفر أصغر لا عبرة بهذا، العبرة بالأدلة، العبرة بالنصوص، ومرد الناس النصوص، كما قال الله سبحانه: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ.. (59) سورة النساء، والتعلق بالرخص يفضي بالإنسان إلى ترك دينه بالكلية. فالواجب على المؤمن أن يحذر الرخص التي لا وجه لها ولا دليل عليها. والواجب عليه أن يأخذ لدينه بالحيطة وأن يحرص على سلامة دينه، ولا شك أن الصلاة أعظم واجب وأعظم فريضة بعد الشهادتين، فإذا تساهل بها فأي شيء عنده بعد ذلك؟!! ولهذا روى مالك رحمه الله عن نافع قال: كان عمر يبعث إلى عماله (أمراءه) ويقول لهم: (إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع)، وروى الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يوماً بين أصحابه فقال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهناً ونجاة يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، وهذا وعيد عظيم، ولم يقل إذا جحد وجوبها، قال بعض أهل العلم عند هذا الحديث: إنما يحشر مضيع الصلاة مع فرعون، وهامان وزير فرعون، وقارون (التاجر المعروف) في بني إسرائيل، وأبي ابن خلف التاجر في أهل مكة من كفار قريش، إنما يحشر مضيع الصلاة مع هؤلاء؛ لأنه إن ضيعها من أجل الرئاسة والملك والإمارة شابه فرعون الذي طغى وبغى بسبب الرئاسة، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة! وإن ضيعها بأسباب الوظيفة والوزارة شابه هامان وزير فرعون الذي طغى وبغى بأسباب وظيفته، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، ولا تنفعه هذه الوظيفة ولا تجيره من النار، وإن ضيعها بأسباب المال والشهوات أشبه قارون تاجر بني إسرائيل الذي قال الله فيه في كتابه العظيم: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ.. الآية (76) سورة القصص، وقال بعده: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ.. (81) سورة القصص، فهذا الرجل شغل بأمواله وشهواته وعصى موسى عليه الصلاة والسلام، واستكبر عن اتباعه وبغى، فصارت العاقبة أن خسف الله به الأرض وبماله جميعاً خسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، عقوبة عاجلة غير عقوبة النار، نعوذ بالله. فالذي ضيع الصلاة بأسباب المال والشهوات يكون شبيهاً بقارون فيحشر معه إلى النار يوم القيامة. والرابع الذي ضيعها بأسباب التجارة والبيع والشراء والأخذ والعطاء شغل بالمعاملات والأخذ والعطاء والنظر في الدفاتر وماذا على فلان وماذا أدى فلان حتى ضيع الصلوات فهذا أشبه أبي بن خلف تاجر أهل مكة من الكفرة فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، نعوذ بالله، وهذا لا شك أنه وعيد عظيم، ويدل على كفر من ضيعها نعوذ بالله. 
 
9- عن التراويح وتلاوة القرآن وختم القرآن خلال هذه الصلاة، وخلال هذه الشهر المبارك، هل لكم من كلمة حول هذا لو تكرمتم؟
لا ريب أن صلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة مشروعة، النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل هذا ليالي للمسلمين قام بهم ليالي ثم خاف أن تفرض عليهم، فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام وأفضت الخلافة إلى عمر بعد الصديق ورأى الناس في المسجد يصلونها أوزاعاً هذا يصلي لنفسه وهذا يصلي برجلين وهذا يصلي بأكثر قال: (لو جمعناهم على إمام!) فجمعهم على إمام وصاروا يصلون جميعاً، واحتج على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) واحتج أيضاً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الليالي، وقال: إنه انتهى الوحي وانقطع الخوف بعد موته -صلى الله عليه وسلم- لا يخاف من الفريضة. فصلاها المسلمين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ليالي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم صلوها مع عمر في عهد عمر واستمروا بذلك جماعة. والأحاديث ترشد إلى ذلك؛ ولهذا في الحديث الصحيح يقول -صلى الله عليه وسلم-: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان وأنه سنته -صلى الله عليه وسلم- وسنة خلفائه بعده: عمر الفاروق ومن بعده. وفي ذلك أيضاً مصالح كثيرة من جمع المسلمين واستماعهم لكتاب الله وما قد يقع من المواعظ والتذكير والاتصال من بعضهم لبعض، واجتماع بعضهم ببعض في هذه الليالي العظيمة، فكل هذا يسبب خيراً كثيراً، وكذلك دراسة القرآن في الليل والنهار من أفضل القربات، كان السلف إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن وتركوا الحديث والتفقه وحلقات العلم، هذا هو الغالب على السلف، فينبغي لأهل الإيمان من الذكور والإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبراً وتعقلاً ومراجعة لكتب التفسير، وغير هذا من وجوه التعلق بالقرآن والعناية بالقرآن، وإذا سمعوا درساً في المسجد أو مراجعة بعض المسائل العلمية لا منافاة لا حرج في ذلك، لكن ينبغي أن تكون العناية بالقرآن في رمضان أكثر، كما فعله السلف الصالح -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وهكذا الإكثار من القراءة حتى يختم مرات كثيرة، كان بعض السلف يختم في كل يوم، وبعضهم في ثلاث، لكن الأفضل أن لا يكون أقل من ثلاث، هذا هو الذي أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله عبد الله بن عمرو، أرشده أن يختم في سبع ثم طلب الزيادة فقال له إلى ثلاث، فالأفضل أن تكون الختمة في ثلاث فأكثر حتى يطمئن وحتى يقرأ بترتيل وعناية وتدبر، وبعض السلف رأى أن هذا في الجملة، لكن في أيام رمضان ولياليه لا مانع من الختم في أقل من ذلك، ولكن التقيد بالحديث والأخذ بالحديث أولى ولو في رمضان، إذا ختم عشر مرات في رمضان أو تسع مرات أو ثمان مرات فهذا خير كبير مع الهدوء والطمأنينة والترتيل والعناية، والإنسان له حاجات أخرى، ثم الإكثار من الختمات قد يفضي إلى الهذرمة والسرعة والعجلة والمباهاة في الختمات، فيخشى على الناس من هذا الشيء، فالركون والهدوء حتى لا يقع شيء من الخلل في القراءة وحتى لا يقع شيء من المباراة للرياء والسمعة، فينبغي أن يكون الختم لثلاث فأكثر حتى يقرأ قراءة واضحة متدبرة، ويعتني بمعانيها ويراجع ما أشكل عليه، هذا هو الأولى والأفضل حتى ولو في رمضان.  
 
10- يحرص كثير من الأئمة -سماحة الشيخ- على أن يختم القرآن في التراويح وفي التهجد؟
هذا لأجل سماع الناس جميع القرآن، إذا تيسر أن يسمع جميع القرآن بحيث يكون كل ليلة فيها جزء أو أقل من جزء لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا يكون أفضل إذا تيسر من دون مشقة، وهكذا دعاء الختم يدعو به حتى يؤمِّنوا كان السلف يفعلون ذلك، فإذا فعل ذلك فلا حرج. وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله باباً في كتابه "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" وذكر في ذلك حال السلف بالعناية بختم القرآن. وفق الله الجميع.   
 
11- ماذا عن القراءة من المصحف سماحة الشيخ؟
لا حرج في ذلك، الصواب أنه لا حرج في ذلك، فإذا احتاج إلى أن يقرأ من المصحف لأنه لم يحفظ القرآن فلا بأس يقرأ من المصحف، وقد ثبت أن عائشة -رضي الله عنها - كان يصلي بها مولاها ذكوان من المصحف. كما ذكره البخاري رحمه الله تعليقاً جازماً به. والأصل أنه لا بأس بهذا، فمن منع فعليه الدليل، الأصل جواز القراءة حفظاً وقراءة من المصحف، هذا هو الأصل، فمن قال: يمنع من المصحف فعليه الدليل، والأصل أنه لا دليل، فمعنا الأصل وهو جواز القراءة من المصحف، وقد فعلتها أم المؤمنين وهي من أفقه الناس -رضي الله عنها-.  
 
12- يتحدث الناس كثيراً -سماحة الشيخ- عن صلاة النساء للتهجد أو التراويح في المساجد، هل من كلمة حول هذا؟
نعم، لا بأس بذلك أن يصلي النساء مع المسلمين في المساجد، لكن مع العناية بالحجاب والتحرز من الفتنة وعدم الأطياب التي يمرون بها في الأسواق، تكون متحرزة من الطيب ومن التبرج وإظهار المحاسن، بل تكون محتجبة متسترة بعيدة عن أسباب الفتنة، وإلا فبيتها خير لها، بيتها أولى بها وأكرم لها، لكن إذا دعت الحاجة إلى الخروج لأنها تكسل في بيتها أو لأنها تريد أن تسمع المواعظ والذكر فهذا لا بأس به، لكن بهذا الشرط: التحفظ والعناية والتستر والبعد عن أسباب الفتنة لا من جهة الطيب ولا من جهة الملابس ولا من جهة إظهار المحاسن.   
 
13- بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته؟
هذا سألني عنه غير واحد، والذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا، وأن الأولى الإقبال على الصلاة والخشوع ووضع اليدين على الصدر اليمنى على اليسرى على الكف اليسرى ورسغها وساعدها متدبراً لما يقرأه الإمام منصتاً، هكذا الله يقول سبحانه: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ.. (204) سورة الأعراف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا)، فالسنة أن ينصت ولا يشتغل بشيء لا بالمصحف ولا بغيره، بل يضع يمينه على شماله على صدره خاشعاً مطمئناً منصتاً متدبراً متعقلاً لما يقرأه الإمام، هذا هو الأفضل والأولى، وأما الاستماع له بالمصحف فأقلُّ أحواله الكراهة. 
 
14- بقي من وقت البرنامج ما يقرب من ثلاث دقائق لعل لسماحة الشيخ كلمة ختامية في هذا اللقاء؟
الكلمة الختامية في هذا اللقاء: الوصية المكررة بسؤال الله عز وجل أن يبلِّغ كل مسلم هذا الشهر الكريم، يسأل ربه أن يبلغه إياه وأن يعينه على صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، فكم لله من إنسان لا يبلغه، وإن كان لم يبق إلا الشيء القليل، فوصيتي لكل مؤمن ولكل مؤمنة الضراعة إلى الله عز وجل ودعاءه بصدق وإخلاص أن يبلغه هذا الشهر الكريم، وأن يعينه على صيامه وعلى قيامه أيماناً واحتساباً، والعناية بالتوبة، تجديد التوبة، قبل دخول هذا الشهر الكريم، حتى يدخل عليه هذا الشهر الكريم وأنت في سلامة من ذنوبك، قد محاها الله عنه بالتوبة الصادقة، ثم العزم الصادق أن تستقيم في رمضان، وأن تبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، هكذا ينبغي للمؤمن أن يعزم عزماً صادقاً أن يجتهد في رمضان، وأن يصمن جوارحه عن محارم الله، وأن يستكثر من الخير في الليل والنهار، ثم عزمٌ صادقٌ آخر أن لا يعود للذنوب بعد رمضان، يصمم على أنه يستمر في الخير في رمضان وفي غيره، فهو لا يدري متى يهجم الأجل، بل يصمم على الخير والعمل الصالح، لعله يوفق فيستقيم إلى أن ينزل به الأجل. رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وبلغ المسلمين جميعاً في كل مكان صيام هذا الشهر الكريم وقيامه، ورزقهم فيه الإيمان والاحتساب، والصدق والإخلاص، والمسارعة إلى كل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد على آله وأصحابه. سماحة الشيخ في ختام... 

384 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply