حلقة 448: نصيحة للنساء اللتي لا يلبسن الحجاب عند قدومهن للحج - حكم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به - تقصير بعض الحجاج في أداء الواجبات

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

48 / 50 محاضرة

حلقة 448: نصيحة للنساء اللتي لا يلبسن الحجاب عند قدومهن للحج - حكم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به - تقصير بعض الحجاج في أداء الواجبات

1- نرى كثيراً من النساء لاسيما القادمات من خارج البلاد يتساهلن بالحجاب، ويعلم سماحتكم ما يحصل من الفتنة بسبب ذلك، فما نصيحتكم لهؤلاء النسوة؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فلاشك أن النساء فتنة للرجال، والخطر بتبرجهن ، وإظهارهن المحاسن عظيم؛ كما قال الله - عز وجل - في كتابه العظيم: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [(33) سورة الأحزاب]. وصح عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). فالواجب على الرجال التحرز من ذلك بغض البصر، وحفظ الفرج؛ كما قال سبحانه: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [(30) سورة النــور]. والواجب على النساء كذلك في قوله سبحانه: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [(31) سورة النــور]. وعليهن ما ذلك زيادة العناية بالتستر والحجاب وعدم إبداء الزينة لغير محارمهن، لقوله في نفس الآية من سورة النور: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ [(31) سورة النــور]. الآية.. وقال سبحانه في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [(53) سورة الأحزاب]. فالواجب على النساء الابتعاد عن كل ما يفتن الرجال، من إظهار المحاسن والمفاتن، من رأس ، أو وجه ، أو صدر، أو ساق ، أو قدم ، أو غير ذلك، فالواجب عليها أي المرأة أن تعنى بالحجاب في الحج وغيره، والحج مجمع للناس من كل جنس، فالتستر فيه من أهم المهمات ، والحجاب فيه من أوجب الواجبات حذراً من الفتنة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين). ليس معناه الإذن لهن في إظهار محاسنهن ، وإبداء مفاتنهن ، لا، إنما معناه ترك هذا الشيء، ترك النقاب ، وهو ما خيط على قدر الوجه، وترك القفاز، وهو ما خيط على قدر اليدين، فلا تلبس النقاب الذي يلبسه النساء، عادة في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون ساتراً للوجه غير العينين، ولا تلبس القفازين وهما كساءان، وإن شئت قلت غشاءان يجعلان لليدين من الصوف أو من القطن أو من غيرهما، هذا ممنوع في حق المرأة وقت إحرامها في الحج أو بالعمرة، لكن ليس معنى ذلك أن تبدي هذه الزينة ، بل تغطي ذلك بغير النقاب ، وبغير القفاز، فتغطي اليدين بجلبابها ، وبغيره من الملابس العامة، وتغطي وجهها بغير النقاب ، كالجلباب والخمار ونحو ذلك، ولهذا جاء عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: كنا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، فإذا دنا من الرجال سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. فالمطلوب من هذا كله هو البعد عن الفتنة، فإذا كانت بين الرجال، وقرب الرجال احتجبت بالجلباب أو بالخمار بدلاً من النقاب، وكذلك ترك ما يوجب الفتنة من وجود أشياء ظاهرة من ملابس جميلة تلفت النظر، أو أشياء قد تبدو في اليد من الحلي ونحو ذلك، فينبغي لها أن تلاحظ هذا حتى تستر جميع بدنها، حتى لا تكون سبباً لفتنة أحد من الناس، في هذا الموسم العظيم، موسم الحج، فتكون ساترة وجهها ، وكفيها ، وجميع بدنها، حتى لا يرى منها ما يفتن أحد من الناس، عند اجتماعها بالرجال، وعند اختلاطها بالرجال في الطواف والسعي في أي مكان، في عرفات ، في مزدلفة ، في أي مكان، تبتعد عن أسباب الفتنة، لأن الله - جل وعلا - أمر النساء بالحجاب، يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [(53) سورة الأحزاب]. فأبان سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع، يعني أبعد عن أسباب الفتنة، فإن الفواحش نجاسة ، وطاعة الله ورسوله ، والابتعاد عما حرم الله كله طهارة، ولهذا قال سبحانه:ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [(53) سورة الأحزاب]. وقال في غض البصر، وحفظ الفرج: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [(30) سورة النــور]. فالواجب على الجميع الابتعاد عن كل ما حرم الله، الرجل يبتعد عن أسباب الفتنة، بغض بصره، وحفظ فرجه، وعدم الخلوة بالمرآة الأجنبية، كما جاءت السنة بذلك؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم). وقال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم). كل ذلك لصيانة المؤمن من أسباب الفتنة، ولصيانة المؤمنة من أسباب الفتنة، وهذا يعم الحج وغيره، يعم سفر الحج، ويعم غير ذلك، ويعم المرأة في الحج وفي غير الحج، فهي فتنة أينما كانت ، فعليها أن تبتعد عن أسباب الافتتان بها، وعلى الرجل أيضاً أن يبتعد عن أسباب الفتنة به، وأن لا يكون عرضة لفتنة النساء، وأن لا يفتتن هو أيضاً للنساء، ، كل واحد منهما يحذر أسباب الفتنة فيه، لعله ينجو ، ولعله يسلم في موسم الحج وفي غيره.  
 
2- نسمع الكثير من الحجاج وغيرهم إذا دخلوا المسجد النبوي نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (يا رسول الله أتيتك من بلاد كذا وكذا، فاشف مريضي، واقض حاجتي، وارزقني كذا وكذا.. إلى آخره). فما هو توجيه سماحتكم لهؤلاء؟
الزيارة للمسجد النبوي سنة وقربة وطاعة، يشد له الرحال ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى). فهذا الثلاثة المساجد هي أفضل مساجد الدنيا، ولهذا شرع الله شد الرحال لها للعبادة، المسجد الحرام للحج والعمرة، والصلاة فيه، والقراءة والاعتكاف، والمسجد النبوي للصلاة فيه والقراءة والذكر والاعتكاف ، والتعلم والتعليم، كما في المسجد الحرام، لكن يختص المسجد الحرام بالطواف؛ لأن الله شرع الله به، ويقصد لأداء الحج والعمرة، أما المسجد النبوي فيقصد لما يقصد في بقية المساجد، من الصلاة فيه، والقراءة فيه، والذكر، والاعتكاف ، ونحو ذلك، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة). هذا فضل عظيم، والسنة للزائر إذا زار المسجد أن يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبيه ، يقف على قبره وعلى قبر صاحبيه ويسلم على الجميع، عليه الصلاة والسلام، فيقف أمام القبر الشريف، ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء وأحسنه، وإن اكتفى بالسلام فقط وانصرف فلا بأس، ثم يأخذ عن يمينه قليلاً ويسلم على الصديق، ويقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ورضي الله عنك، فلقد نصحت ، وأديت الأمانة ، ونحو ذلك، وهكذا ينحرف قليلاً عن يمينه أيضاً ويسلم على عمر الفاروق - رضي الله عنه - كما سلم على الصديق ، ويدعو له - رضي الله عن الجميع - هذه السنة. أما أن يناديه من قريب أومن بعيد يقول: يا رسول الله أغثني ، أو اشف مريضي ، أو جئتك من بلاد بعيدة لتشفيني، أو لتعطيني كذا وكذا، هذا هو الشرك الأكبر، هذا لا يجوز، لا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مع غيره، ولا مع الصديق ، ولا مع عمر ، ولا مع أي أحد من الناس؛ لأن العبادة حق الله وحده، والدعاء هو العبادة ، فلا يجوز صرفها لغير الله كائناً من كان، فالأموات لا يسألون ولا يدعون ولا يستغاث بهم، سواء كانو من الأنبياء أو من غير الأنبياء ، فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ؛ كما قال الله – سبحانه -: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [(56) سورة الذاريات]. وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [(23) سورة الإسراء]. وقال سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [(18) سورة الجن]. فقوله: أحداً نكرة في سياق النهي تعم الأنبياء ، وتعم الصالحين ، وتعم الأصنام ، والأشجار، والملائكة ، وغير ذلك: فلا تدعوا مع الله أحداً يعني كائناً من كان. وهكذا قوله سبحانه: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [(106) سورة يونس]. يعني المشركين. وكل من سوى الله لا ينفع ولا يضر، فالله - سبحانه - هو النافع الضار، وهو الذي يجعل المنفقة لمن يشاء ويسلبها عمن يشاء، ويجعل المضرة فيمن يشاء، ويسلبها عمن يشاء، فهو سبحانه النافع الضار، المعطي المانع ، القوي العزيز- جل وعلا- هو الذي يسأل ويطلب - سبحانه وتعالى- ، فإذا جئت إلى رسول الله للسلام عليه، أو إلى أي مقبرة للسلام على أهل القبور للدعاء لهم فاحذر أن تدعوهم مع الله، لا تقل: يا سيدي فلان اشف مريضي ، أو اقضي حاجتي ، أو أنا في حسبك ، أو أنا في جوارك، أو قد جئتك قاصداً لك لتغفر لي، أو لترحمني، أو لتشفي مريضي، أو تسهل كربتي، لا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مع غيره، هذا حق الله- سبحانه وتعالى-، ولكن تسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبيه ، وتترضى عنهما، وتصلي على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتشهد له أنه بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، أما الزيادة على هذا بأن تقول يا رسول الله اشفع لي، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حسبك ، أو أنا مظلوم فانصرني، أو أمتك قد أصابها ما أصابها فانصرها ، أو اشفها مما أصابها ، أو ما أشبه ذلك هذا لا يجوز، لأنه من الشرك بالله - سبحانه وتعالى- ، ولكن هذا يطلب من الله ، تطلب في صلاتك، في المسجد النبوي وغيره ، في بيتك، تقول: يا رب انصرني، يا رب انصر أمة محمد، يا رب وفقهم، يا رب اجمع كلمتهم على الحق، يا رب احمهم من شر أعدائهم، يا رب اغفر لي، يا رب اشفي مريضي، هذا بينك وبين الله - سبحانه وتعالى- في المساجد ، في الصلاة ، في غير ذلك، أما المخلوق وإن كان نبياً لا يملك هذا، كل بيد الله - عز وجل-، يقول الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لما قنت مدة من الزمن يدعو على أحياء من العرب أنزل الله في حقه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [(128) سورة آل عمران]. فالأمر لله - سبحانه وتعالى- هو الذي بيده الهداية والإضلال ، والضر والنفع ، والعطاء والمنع، وغير ذلك، كله بيده - سبحانه وتعالى-، هو المالك لكل شيء، والشفاعة حق لله - سبحانه وتعالى-: قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [(44) سورة الزمر]. والملك بيده - سبحانه وتعالى - يعطيه من يشاء، وقد أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الله يشفعه يوم القيامة ما في حاجة إلى أن تسأله أنت وهو في قبره ، إذا كان يوم القيامة إن كنت من أهل الجنة دخلت بشفاعته، وكذلك يشفع لأهل الموقف يقضى بينهم وأنت منهم، فلا حاجة إلى أن تسأله في قبره، تسألها الله، اللهم شفعني بنبيك، اللهم اجعلني من أهل شفاعته، اللهم أجزئه عنا خيراً، وما أشبه ذلك، أما أن تطلبها من النبي - صلى الله عليه وسلم- فلا، أما في حياته فلا بأس، إذ كان حياً بين الناس - عليه الصلاة والسلام- تقول : يا رسول الله اشفع لي أن الله يهديني، أن الله يرزقني، كان يشفع لأصحابه، ولما أصابهم الجدب والقحط في بعض السنوات، أتى بعضهم إليه وهو يخطب يوم الجمعة، فقال : يا رسول الله، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع يديه - عليه الصلاة والسلام - وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. فأنشأ الله السحاب ثم أمطر ، وخرج الناس في المطر كل تهمه نفسه أن يصل إلى البيت، ولم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، ثم جاء ذلك الرجل أو غيره في الجمعة الأخرى، وقال : يا رسول، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله أن يمسكه عنا، فرفع يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام.... وبطون الأدوية، ومنابت الشجر. فانقشع السحاب ، ووقف المطر عن المدينة، وأجاب الله دعوته في الحال في الأولى والأخرى، وذلك من علامات نبوته ، وأنه رسول الله حقاً - عليه الصلاة والسلام-، ففي حياته لا مانع أن يطلب منه أن يستغيث للمسلمين ، أن يشفع لهم، وهكذا يوم القيامة، وهو بين أظهرهم يوم القيامة يتوجه إليه المؤمنون ويسألونه أن يشفع حتى يريح الله الناس من هول الموقف، وحتى يقضي بينهم، ثم يطلب الله أيضاً لهم للمؤمنين أن يدخلوا الجنة يشفعون إلى الله - سبحانه – في دخول أهل الجنة الجنة، هذا حق ، جاءت به النصوص، أما وهو في قبره بعد البرزخ، بعدما مات - عليه الصلاة والسلام - فإنه لا يطلب منه شيئاً ، بل يصلى عليه- عليه الصلاة والسلام-، وتتبع سنته، ويعظم أمره ونهيه، أما أن يسأل شفاء المرضى، أو قضاء الحاجات عند قبره أو في أي بلد، هذا هو الذي لا يجوز، هذا هو الشرك الأكبر، الذي حرمه الله على عباده في قوله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [(13) سورة لقمان]. وفي قوله عز وجل: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [(72) سورة المائدة]. وفي قوله سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [(88) سورة الأنعام]. وفي قوله عز وجل: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [(48) سورة النساء]. فالواجب على كل مكلف ، وعلى كل إنسان أن ينتبه لهذا الأمر، سواء كان حاجاً أو غير حاج، فليحذر من الاستغاثة بالأنبياء أو بالصالحين أو بالملائكة ، أوبالجن في أي مكان ، بل يجعل دعاؤه لله وحده، ويخص ربه بالدعاء والاستغاثة ، ويلجأ إليه – سبحانه-، ويسأله قضاء حاجاته، وتفريج كروبه، فهو - سبحانه وتعالى - القادر على كل شيء – جل وعلا -، أما الأنبياء والملائكة والجن وسائر الخلق فليس في أيديهم شيء ، الملك لله وحده - سبحانه وتعالى- هو المالك لكل شيء - سبحانه وتعالى-: لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [(120) سورة المائدة]. - سبحانه وتعالى-، فاتق الله يا عبد الله ، واحذر ما حرم الله عليك، وانصح من معك من إخوانك ، وبين لهم ما شرع الله لهم في الحج وفي غيره ، وحذرهم مما حرم الله عليهم ، وهكذا النساء يُعلمن ويُوجهن إلى ما يرضي الله ويقربهن إليه، ويبين لهن أيضاً ما شرع الله لهن في الحج، حتى يكون الجميع على بصيرة في حجهم ، وفي زيارتهم للمسجد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.  
 
3- الكثير من الحجاج - هداهم الله- يأتون من مكان بعيد ويتكبدون الصعوبات والمشاق، ولكنهم لا يصونون حجهم مما يفسده أو ينقصه، مثل التساهل بالصلاة مع الجماعة، ولعب الورق، واستماع آلات اللهو، وشرب المحرمات، وغير ذلك، فنرجو بيان حرمة هذا العمل لاسيما في هذا السبيل؟
وصيتي لجميع الحجاج من الرجال والنساء أن يتقوا الله - عز وجل - في كل مكان، في طريقهم للحج، وفي مشاعر الحج، وفي المسجد الحرام، وفي كل مكان، فوصيتي للجميع أن يتقوا الله، وأن يحرصوا كثيراً على أداء ما فرض الله، وعلى ترك ما حرم الله، وأن يكملوا حجهم بالبعد عن كل ما حرم الله عليهم، حتى يكون الحج كاملاً تاماً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). فهذا فضل عظيم، فالمؤمن إذا أكمل حجه، فلم يرفث ولم يفسق رجع من هذا الحج العظيم رجع كيوم ولدته أمه، يعني مغفوراً له، يعني قد غفر الله له، والرفث هو الجماع للمرأة، وما يدعو إليه، من القول والفعل، فالمحرِم يبتعد عن ذلك، لا يجامع زوجته، حتى ينتهي من إحرامه من رمي الجمار والحلق أو التقصير والطواف والسعي بعد نزوله من عرفات، والمعتمر كذلك، إذا أحرم بالعمرة لا يأتي زوجته ولا يداعبها ولا يمسها بشهوة، حتى يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق، ويتم عمرته، هذا هو الرفث، فالجماع وما يدعو إليه يسمى رفثاً، فالمحرِم يبتعد عن ذلك في حجه وعمرته، حتى يكمل حجه، حتى يتحلل من عمرته، وحتى يتحلل التحلل الثاني من حجه بعد الطواف والسعي ورمي الجمار يوم العيد والحلق أو التقصير، هذا هو الواجب على الحاج والمعتمر، وكذلك الفسوق، يجتنب الفسوق والمعاصي كلها، فالمؤمن يجتنب الفسوق في الحج وفي غيره، فكل المعاصي تسمى فسوقاً، ومن ذلك الغيبة والنميمة، والتعدي على الناس بالضرب أو بغيره، أو التعدي عليهم في أموالهم والسب والشتم كل هذا من المعاصي، فالواجب على الحاج والمعتمر وغيرهما من الرجال والنساء أن يتجنبوا ذلك، ومن ذلك التكاسل عن الصلاة في الجماعة، لأن الصلاة في الجماعة فريضة، فالواجب على الحاج وغيره أن يصلي في الجماعة، وأن لا يتساهل، وأعظم من ذلك وأكبر أن يدع الصلاة، وأن يتساهل بها هذا أعظم وأكبر، يجب أن يحافظ على الصلاة في أوقاتها فإنها عمود الإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله). وقال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة - رضي الله عنه -. وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة). خرجه الإمام مسلم في صحيحه. فالواجب على الجميع من الرجال والنساء العناية بالصلاة، والمحافظة عليها في أوقاتها في الحج وفي غيره، وفي أي مكان، فهي عمود الإسلام، وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فيجب على الرجال والنساء من المسلمين العناية بالصلاة، والمحافظة عليها وأداؤها بخشوع، والطمأنينة والإقبال عليها، وعدم العجلة، يؤديها بطمأنينة، وعدم نقر، وعدم عجلة في أيام الحج وفي غير الحج، هكذا المؤمن وهكذا المؤمنة، وكذلك آلات الملاهي والغناء يبتعد المؤمن عن ذلك في الحج وفي غيره؛ لأن الغناء كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. والله يقول - سبحانه -: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [(6) سورة لقمان]. قال أكثر العلماء من المفسرين: لهو الحديث هو الغناء، وإذا كان من النساء، أو ممن يتشبه بالنساء صارت الفتنة أكبر وأعظم، فإذا كان في الإذاعة أو في مواسم الحج صار أشد، يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وهو أحد علماء الصحابة، أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. فالغناء وما يقع من الأشعار الملحنة لمدح للزنا أو الخمور أو ذكر النساء وفتنة النساء أو غير هذا مما يجر إلى الفساد والشر، فهذا خطره عظيم في الحج وفي غيره، فالواجب اجتنابه، وإذا كان مع الغناء آلات اللهو من العود والكمان والمزمار والموسيقى صار الشر أكثر، وصارت الفتنة أكبر، وصار الإثم أشد، فيجب على المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك في أي مكان في الحج، في السيارة، في الطائرة، في القطار، في بلاده، في غير بلاده، أينما كان، فالمؤمن مع إخوانه يتواصون بالخير، والله يقول سبحانه: وَالْعَصْرِ (1) سورة العصر، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) سورة العصر، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر. هؤلاء هم الرابحون، هؤلاء هم السعداء، الذين آمنوا بالله ورسوله، صدقوا الله ورسوله، ووحدوا الله، وأظلموه، وأخلصوا له العبادة، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصدقوه واتبعوه، وعملوا الصالحات، يعني أدوا فرائض الله، واجتنبوا محارم الله، ثم مع ذلك تواصوا بالحق، يعني يتناصحون، يتعاونون على البر والتقوى، وتواصوا بالصبر أيضاً على ذلك، هؤلاء هم الصالحون، هؤلاء هم الرابحون، هؤلاء هم السعداء هم الأخيار، فعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يحرص على أن يكون من هؤلاء، وعلى أن يبذر وسعه على أن يتخلق بهذه الأخلاق، لعله يكون من الناجين الرابحين المفلحين، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

447 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply