حلقة 453: أمور غير صحيحة عن الأضحية - الأضحية عن الميت - الإفطار في رمضان من أجل الدراسة - ما صحة حديث (من كان اسمه محمد فلا تضربوه ولا تسبوه)؟ - ما صحة حديث (تعلموا السِّحر ولا تعملوا به)؟

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

3 / 50 محاضرة

حلقة 453: أمور غير صحيحة عن الأضحية - الأضحية عن الميت - الإفطار في رمضان من أجل الدراسة - ما صحة حديث (من كان اسمه محمد فلا تضربوه ولا تسبوه)؟ - ما صحة حديث (تعلموا السِّحر ولا تعملوا به)؟

1- إن بعض الناس يقولون: إن ذبح خروف كبش يوم عيد الأضحى المبارك (عرفة) إن الذبيحة تعتبر فريضة، والدليل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاء العيد ولم يكن لديه ذبيحة أراد ذبح ابنه فأنزل الله سبحانه وتعالى له كبشاً ليعيد به، السؤال: هل هذا صحيح، وهل وهل يجب أن يكون مربى سنة كاملة ويسمن ليكون مسمى أو مسنى - كما هو تعبيرها- للعيد، ويفرق منه على سبعة بيوت، هل هذا صحيح؟ وهل هناك دليل على ذلك ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو من تبعه من الصحابة؟ جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.. فهذه الذبيحة التي أشارت السائلة إليها غير صحيحة بهذا المعنى التي ذكرت، وإنما أصل ذلك: أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام امتحنه الله فأمره بذبح ابنه بكره إسماعيل علىيه الصلاة والسلام ليخلص قلبه لمحبته سبحانه دون محبة غيره جل وعلا، وكان إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الناس في زمانه وهو أفضل الخلق بعد محمد عليه الصلاة والسلام، فلما أراد ذبحه وتلَّه للجبين ولم يبق إلا أن يفضي بالسكين إلى حلقه رحمه الله ورحم ابنه ورفع عنهما هذا الأمر وفداهما بذبح عظيم (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (104-105) الصافات، (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (111) الصافات. فنسخ الله هذا الأمر، وحصل المقصود بصفاء القلب وكمال المحبة لله سبحانه وتعالى؛ لأنه قد طابت نفسه بذبح ابنه تقرباً إلى الله عز وجل؛ وإكمالاً لمحبته له سبحانه وتعالى، فلما تم المقصود وحصل المطلوب نسخ الله هذا الأمر وفدى الذبيح بذبح عظيم وهو كبش عظيم أرسله الله إليه، ويقال: إنه جاء من الجنة وأنه أهبط من الجنة فذبحه إبراهيم وفدى به ابنه إسماعيل. وبقيت هذه السنة في المسلمين من ذاك الوقت وهو الضحايا في أيام عيد النحر، وكان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يذبح في عيد النحر كبشين أملحين أقرنين، أحدهما: عن محمد وآل محمد من أهل بيته، والثاني: عن من وحَّد الله من أمته عليه الصلاة والسلام، وصارت الضحية سنة في الأمة من عهد إبراهيم إلى عهد محمد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، فيستحب للمؤمن أن يضحي إذا كان عنده قدرة يوم النحر شاة واحدة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، وإن ضحى بأكثر فلا بأس، وليس هناك حاجة إلى أن يربيه في البيت ويسمنه بل يشتريه من السوق أو يكون عنده في مزرعته فلا بأس، لكن ليس من السنة أن يربيه، متى اشتراه من السوق كفى، والحمد لله، ثم ليس من السنة أن يقسمه على سبعة أبيات، لا، يأكل ويُطعم، كما قال الله تعالى: ..فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (27) سورة الحـج، فيأكل منها ما تيسر ويُطعم جيرانه وأقاربه والفقراء ما تيسير، وإن قسمها أثلاثاً: فأكل ثلثاً وقسم بين أقاربه ثلثاً وأعطى للفقراء ثلثاً فكل ذلك حسن. والمقصود من هذا أنه يأكل ويطعم وأنه يشتريه من السوق أو يربيه في البيت كل ذلك لا بأس به، وليس من شرط ذلك أن يقسمه بين سبعة أبيات، هذا لا أصل له، بل يعطي من يشاء لبيتين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر من الفقراء ومن أقاربه ومن جيرانه، الأمر في هذا واسع، والحمد لله.  
 
2- كثير من الناس يهتمون بالأضحية عن الميت، سواء كان هناك وصية أم لم يكن، توجيهكم لو تكرمتم؟
النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى عنه وعن أهل بيته ولم يفرق بين الحي والميت فدل ذلك على أنه إذا ضحى تكون الضحية عنه وعن أهل بيته يدخل فيهم أبوه الميت أو أمه الميتة أو زوجته أو أولاده يدخلون في ذلك؛ لأنه ذبحها عنه وعن أهل بيته، وجاء في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل سأله أبو بردة بن نيار قال: إني ذبحت عن ولدي؟ فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يسأله هل ولدك حي أو ميت، فدل ذلك على أنه إذا ذبح عن بعض أمواته وضحى عن بعض أمواته فذلك فلا بأس به، بل هو أمر مشروع لما فيه من الصدقة والإحسان والتقرب إلى الله بالنحر، والإحسان إلى الميت بالصدقة، والإحسان إلى الناس باللحوم، الفقراء والمحاويج، والهدية إلى أصدقائه وأقاربه وجيرانه، لكنها عن الحي آكد، الضحية عن الحي آكد، فالسنة أن لا يدع الضحية عنهم، وإن ضحى عن أهل بيته فهو أفضل، وإن ضحى عن أمواته فحسن ولا بأس، كله طيب، أما إنكار من أنكر الضحية للميت فلا وجه له، هذا الإنكار الذي يفعله بعض الناس للميت لا وجه له، إذا ضحى عن الميت فهي قربة وطاعة وخير عظيم.  
 
3- هل يجوز لشخص الإفطار في رمضان من أجل الدراسة؛ لتقديم الفحص إن وجد في الصيام مشقة؟
ليس للطلبة أن يفطروا من رمضان من أجل الاختبار، بل عليهم أن يجتهدوا ويستعدوا في الليل لاختبارهم ويصوموا في النهار، وهكذا العمال ليس لهم أن يفطروا، بل الواجب على العامل أن يعمل بقدر طاقته في نهار الصيام، وهكذا التلاميذ يعملون بما يتعلق بالاختبار بقدر طاقتهم في النهار، وعليهم أن يجعلوا معظم العمل ومعظم العناية والمذاكرة في الليل؛ لأن ذلك أقوى لهم، وعلى المسئولين أن يخففوا عنهم في النهار، وأن لا يضغطوا عليهم في هذا حتى لا يحرجوهم من جهة الصيام، وإذا تيسر أن يكون ذلك قبل رمضان أو بعد رمضان فهو خير وأولى حتى لا يشق على التلاميذ في ذلك، ولكن ليس الاختبار وليس العمل عذراً في الإفطار. بل الواجب أن يهيئ الإنسان نفسه مع الصوم، فيعمل ما يستطيع مع الصوم، ويعمل في الاختبار ما يستطيع، ويكون معظم المذاكرة والعناية في الليل، يكون في الليل وقت الفطر، ويكون وقت النهار لمجرد أداء الاختبار، وعلى المسئولين أن يلاحظوا هذا؛ حتى لا يشقوا على التلاميذ، بل عليهم أن يجعلوا الاختبار بقدر الطاقة، وإذا أمكن أن يقدم على رمضان أو يؤخر فذلك أرفق بالتلاميذ وأولى.  
 
4- قرأ حديثاً ويسأل عن صحته: (من كان اسمه محمد فلا تضربوه ولا تسبوه)؟!!
هذا مكذوب موضوع، كذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس لهذا أصلاً، كذلك من قال: إن من تسمى محمد فله ذمة من محمد أن يدخله الجنة! هذا كله باطل، كل ما يقال في مثل هذه المسائل، وأن من كان اسمه محمد فإن بيته يكون فيه كذا وكذا! كل هذه الأشياء لا أساس لها، يعني الاعتبار باتباع محمد لا باسم محمد، فكم لله من محمد وهو خبيث لا خير فيه!! لأنه لم يتبع محمداً عليه الصلاة والسلام ولم ينقدْ لشريعته، فالأسماء لا تطهر الناس وإنما يطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله عز وجل، فإذا تسمى بمحمد أو بأحمد أو بالقاسم أو بأبي القاسم وهو فاجر لم ينفعه هذا الاسم، بل الواجب على العبد أن يتقي الله، وأن يعمل بطاعة الله، وأن يلتزم بشريعة الله التي بعث الله بها نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- هذا هو طريق النجاة وطريق السلامة، أما مجرد الأسماء فلا يتعلق بها نجاة ولا عقاب.  
 
5- يسأل عن صحة حديث سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (تعلموا السِّحر ولا تعملوا به)؟!!!
كذلك هذا باطل لا أصل له، لا يجوز تعلم السحر ولا العمل به، بل ذلك منكر، والله بين إنكاره في كتابه العظيم قال تعالى: ( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ.. (102) سورة البقرة، فجعل تعليم السحر من عمل الشياطين الذي ذمهم الله عليه وعابهم به وهم أعداؤنا قال: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ثم قال بعده: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ، فبين أن تعلم السحر كفر وليس بخير. فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك؛ لأن تعلم السحر يكون بعبادة الجن والخضوع لهم ودعوتهم من دون الله، وتعاطي أشياء تخالف شرع الله، وتعلمه وتعليمه والعمل به كله منكر وكله ضلالة وكله كفر. فالواجب الحذر منه؛ ولهذا أخبر الله عن الملكين أنهما ما يعلمان من أحد حتى يقولا يعني حتى يشعراه أنه كفر حتى يكون على بصيرة (حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) ثم قال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) ثم قال: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ) فكيف يجوز تعلم ما يضر ولا ينفع؟!! والله المستعان، نسأل الله السلامة.  
 
6- هل المسلم إذا قام بأداء الحج ووقف بعرفة وانحدر إلى مزدلفة، هل ضروري أن يلتقط حصى الجمرات من مزدلفة أم يجوز من أي مكان من منى؛ لأني قرأت كتيِّباً صغيراً للمؤلف: زيد بن مبارك رسول، مكتوب فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد موقعاً معيناً؟  نرجو الإفتاء جزاكم الله خيراً.
وهو كما قرأت، لا يتعين أن يلتقط الحصى من مزدلفة، بل يأخذه من منى ويكفي، والنبي لقطه من منى عليه الصلاة والسلام، ومن أخذه من مزدلفة أو أخذ سبعاً من مزدلفة ليرمي بها جمرة العقبة يوم العيد فلا بأس، ولكن ليس بمتعين، بل من مزدلفة أو منى، كله بحمد الله واسع.  
 
7- هل يجوز للمسلم أن يقوم في اليوم الواحد بأداء العمرة خمس مرات، يطوف ويسعى ويرجع إلى الميقات ويحرم من جديد.. وهلم جرا؟
ليس هذا من عمل السلف الصالح، والأفضل ترك ذلك لما فيه من المشقة، ولما فيه من المزاحمة للناس ولاسيما وقت الحج وقت الزحمة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة) فمراده -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) والله أعلم يعني على وجه لا يكون فيه مشقة ولا مضرة على الناس؛ ولهذا كان السلف لا يفعلون ذلك، ما كان السلف يعتمرون عمرتين في اليوم أو في الليلة، بل كان بينهما بعض الوقت، فالأحسن والأفضل أنه يترك العمرة وقت الزحمة، فإذا كان سعة اعتمر حسب التيسير من دون أن يفعل ذلك مكرراً في كل يوم، بل يكون بينهما فسحة كما كان السلف يفعلون، ويحمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) على الشيء المعتاد المعروف الذي يكون بينهما بعض الفصل، بعض الوقت، ككل أسبوع عمرة أو كل شهر شهرين عمرة أو كل نصف شهر عمرة أو نحو ذلك، من دون متابعة في اليوم الواحد، ولاسيما عند كثرة الحجيج فإن هذا يشق على الناس كثيراً، الصحابة - رضي الله عنهم - ومعهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتمروا بعدما فرغوا من الحج، بل لما فرغ من الحج ودَّع عليه الصلاة والسلام ليلة أربعة عشر ثم غادر مكة وسافر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام ولم يكرر العمرة، وهكذا الصحابة لما أحلوا من العمرة في أربع ذي الحجة لم يبلغنا أن أحداً منهم توجه للعمرة في تلك الأيام الأربعة يعتمر ثانياً لم يبلغنا ذلك، ولو فعلوه لنقل إلينا إلى المسلمين. فالحاصل أنه لا مانع من تكرار العمرة بالشهر مرات أو في الأسبوع، لكن على وجه لا يضر الحجيج ولا يشق على الناس ولا يشق على المعتمر نفسه، بل يراعي في ذلك الآداب الشرعية التي سار عليها سلف الأمة. 
 
8- أفيد فضيلتكم بأني أعمل بالمملكة وأهلي في السودان، هل يجوز أن أقوم بمناسك العمرة عن والدي ووالدتي نيابة عنهما، علماً بأنهما أقوياء ويقدرون على العمرة؟
ليس لك ذلك، ماداما والداك قويين فهما يحجان بأنفسها ويعتمران بأنفسها، وأنت تحج عن نفسك وتعتمر عن نفسك، أما لو كانا ميتين أو عاجزين لا يستطيعان الحج والعمرة فلا بأس.  
 
9- إذا توفي واحد عندنا عادةً في السودان بعد أربعين يوماً تقوم الأسرة بزيارة للقبر الحريم والأولاد، ويفتحون القبر ومعهم حبوب ذرة ينشرونها على الميت، ويرمون -فيما أعتقد- حجارة على جانبي الميت، هل هذا جائز، وهل الحريم يزورون القبور؟
هذا العمل بدعة لا أصل له في الشرع، حفر القبر ورمي الحبوب عليه أو الطيب أو الملابس أو غير ذلك كله منكر ولا أصل له، بل هو من البدع، القبر لا يفتح بعد ذلك إلا لحاجة كأن ينسى العَمَلة أدواتهم كالمسحاة ونحوها، فيفتح لأجل ذلك، أو يسقط من أحدهم شيء له أهمية فيفتح لأجل ذلك، أما أن يفتح لرؤية الميت أو لإدخال ملابسه عليه أو أطياب أو حبوب كل هذا بدعة لا أصل له. وليس للنساء زيارة القبور أيضاً لقول أبي هريرة وابن عباس وغيرهما (لعن رسول الله زائرات القبور) فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لعن زائرات القبور روى ذلك أبو هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت -رضي الله عنهم- وكان أولاً أذن للجميع بالزيارة، ثم نهى النساء وأقر للرجال، وقال لهم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، فأقر الرجال ونهى النساء عن الزيارة. والحكمة في ذلك -والله أعلم-: لأنهن فتنة ولقلة صبرهن، فكان من حكمة الله أن نهاهن عن الزيارة حتى لا يفتتنَّ ولا يَفتنَّ غيرهن.  
 
10- إذا طلب مني رجل مسيحي مصحفاً هل أعطيه أم لا؟
ليس لك أن تعطيه المصحف ولكن تقرأ عليه القرآن وتسمعه القرآن وتدعوه إلى الله وتدعو له بالهداية، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ.. (6) سورة التوبة، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو لئلا تناله أيديهم)، فدل ذلك على أنه لا يعطى الكافر القرآن، لا يسلم له المصحف خشية أن يهينه أو يعبث به، ولكن يُعلَّم يُقرأ عليه القرآن، يوجَّه إلى الخير، يدعى له، فإذا أسلم سُلم له المصحف.  
 
11- زوجي مصري يعمل بالرياض، وتزوجته من سنتين صبرت فيهم على الوحدة والغربة، فهو ينزل عمله مبكراً جداً ويرجع بعد الظهر تقريباً بنصف ساعة أو أقل ليتغدى، ثم ينزل ولا أراه إلا منتصف الليل، وخلال الفترة من العصر إلى الليل يقضيها بين عمل وقراءة مع أصدقاء له،  وقد نصحته أن يعطي كل ذي حق حقه، فلربه حق ولنفسه حق ولزوجه حق من الجلوس معها ومؤانستها، فهو يأتي متعباً لينام ولا يؤانسني حتى بالكلام الطيب الذي تنتظره الزوجة، وهذا بلا شك له أثره السيئ على نفسيتي، وهو يكره كثرة الكلام معه في هذا الموضوع، ويكتفي بأنه يجلس بالبيت الخميس فقط وهذا مما لا شك فيه أثر على سلوكي فأصبحت أغضب وأثور وذكرته كثيراً، ولم يكن جوابه إلا: هذه هي الحياة، فبم تنصحونني؟ وما هو حل هذه المشكلة التي عانيت منها وصبرت عليها سنتين جزاكم الله خيرا؟ً
أولاً ننصحك بالصبر والكلام الطيب وحسن الأسلوب معه، والدعاء له بالهداية والتوفيق، ونقول لك: قد أحسنت وقد ذكرت له الحق، فإن عليه أن ينصف زوجته وأن يعطيها حقها بالمؤانسة والجلوس معها والتحدث معها، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وكما أوصى أمته عليه الصلاة والسلام وقال: (استوصوا بالنساء خيراً)، وقال لعبد الله بن عمرو لما أعرض عن زوجته: (إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، ولما زار سلمان -رضي الله عنه- أبا الدرداء ورأى عنده شيئاً من التقشُّف والتعبد وعدم التفاته إلى أهله نصحه، وكانت اشتكت إليه زوجة أبي الدرداء، وأنه لا حاجة له في الدنيا، فعرف من كلامها أنه لا يلتفت إليها كما ينبغي، فنصحه سلمان، وأمره أن ينام مع أهله إلى آخر الليل، ثم يقوم يصلي، وأمره أن يصوم تارة ويفطر تارة، وقال له سلمان: (إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، ثم توجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره سلمان وأبو الدرداء بما جرى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صدق سلمان، صدق سلمان) فالواجب على زوجك أن يتقي الله، وأن ينصفك وأن يعتني بك، وأن يحسن عشرتك، فيعمل في الوقت الذي حدد فيه العمل، ثم يأتي إلى البيت ويعاشر أهله، ويتحدث إليهم، وهكذا، حتى تطمئن زوجته إليه وحتى يحصل بينهما المؤانسة والراحة، فإن الزوجة سكن الزوج، الله جعل الزوجة سكناً للزوج: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا.. (21) سورة الروم، فعليك أيها الزوج أن تتقي الله وأن تحسن في أهلك وأن تفرغ لهم بعض الوقت وأن تؤانسهم بالكلام الطيب والمداعبة وحسن المقابلة وطلاقة الوجه؛ لأن لها عليك حقاً، وهكذا ضيفك وهكذا بدنك، فأعط ربك حقه وأعط العمل حقه وأعط نفسك حقها وأعط الزوجة حقها، واجتهد في ذلك، واستسمحها وقل لها الكلام الطيب عما تقصر فيه حتى تسمح عنك، وعليك بالرفق والحكمة وطيب الكلام، ولا تكن عنيفاً ولا شديداً، هذا هو الذي ينبغي لك أيها الأخ، وعليك أيها الأخت في الله أن تصبري وتحتسبي وأن تخاطبيه بالتي هي أحسن، وسوف يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً وحسن عاقبة.  
 
12- تزوجت شاباً نحسبه ملتزماً، واتفق مع أبي أنه سيؤثث بيت الزوجية اعتباراً أن الأثاث مهر، وجئت إلى الرياض وكل أملي في حياة زوجية صالحة، فإذا به لا يحب الجلوس بالبيت حتى بعد انتهاء دوامه، ويأتي البيت في ساعة متأخرة، ويبحث عن أي شيء يشغله خارج البيت، ونصحته كثيراً وصبرت عليه ولم يسمع للنصيحة، ومرت سنتان ولي منه بنت وولد الآن، وهو إلى الآن لم يدخر مالاً لا للبيت ولا لتأثيثه الذي هو مهر لي، وكلما ذكرته أيضاً بحقوقي لديه لم يهتم، ويدعي أنه يصرف المال على إصلاح سيارة لديه دائمة التعطيل، ويسرف في ماله كثيراً، وهنا أتساءل: أليس حق الزوجة من بيت ومهر أولى من أي حقوق أخرى لأنه يعتبر ديناً عليه؟
قد سبق ما نصحتك به أيتها الأخت الكريمة، ووصيتي -كما تقدم-: الصبر وحسن النصيحة بالكلام الطيب ولا تيأسي، والواجب عليه أن يؤدي الحق الذي عليه، فإن أداء الدين أمر لازم، ولكن يقول الله عز وجل: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ.. (280) سورة البقرة، فإذا كان معسراً فارفقي به وسامحيه حتى يجعل الله فرجاً ومخرجاً. والسيارة اليوم لا يخفى على أحد أنها ضرورية ولاسيما صاحب العمل يذهب عليها وينفق عليها، فهو في أشد الحاجة إليها على أن تكون من السيارات التي تناسب أمثاله، فعليه أن يجتهد في حفظ ما تيسر من المال لحاجة البيت وتأثيث البيت، وعليه أن يتقي الله في إنصافك ومؤانستك والتحدث إليك وإعطائك ما تيسر من الوقت، هذا أمر لازم لك، والرسول أمر بذلك فقال -صلى الله عليه وسلم-: (استوصوا بالنساء خيراً) فعليه أن يتقي الله وأن يقوم بواجب الأهل حسب طاقته وإمكانه، وأنت لا تعجلي في طلب الطلاق واصبري وأحسني العشرة إليه وأبشري بالأجر العظيم والخير الكثير والعاقبة الحميدة، وقد تُبتلين بمن هو شر منه فلا تعجلي! فالوقت الآن خطير، وهذا آخر الزمان والشر أكثر والخير أقل، فعليك أن تصبري وتحتسبي وأن تسألي الله له الهداية والتوفيق، وأن يغير حاله إلى حالٍ خير منها، والله سبحانه هو الفعَّال لما يريد، وهو القادر على كل شيء، وهو القائل سبحانه وتعالى: ..وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) سورة البقرة، وهو القائل سبحانه: ..إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر، ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (ما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر).  
 
13- حدثونا لو تكرمتم عما وعد الله به الصابرين في الدنيا والعاملين في الآخرة، وسبق أن سأل عما يجب على الإنسان أن يفعله تجاه هذه الدنيا وحبها ومتاعها؟
نعم، الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له حيث يطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه، ويكثروا من ذكره سبحانه؛ كما قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) سورة الذاريات، وعبادته هي توحيده في دعائه وخوفه ورجائه وفي الصلاة والصوم وغير ذلك، وهي طاعة أوامره وترك نواهيه، ووعدهم على ذلك في الدنيا الخير الكثير والعاقبة الحميدة ووعدهم في الآخرة في الجنة والكرامة فقال سبحانه وتعالى: ..فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) سورة هود، وقال: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (155-157) سورة البقرة، وقال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما عطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر). فالصابر له العاقبة الحميدة في الدنيا له العاقبة الحميدة في الآخرة، إذا صبر على تقوى الله وطاعته، وصبر على ما ابتلي به من شغف العيش، من الفقر من المرض من تسليط بعض الأعداء، إلى غير ذلك، فالصبر عاقبته حميدة، وقال تعالى في حق المؤمنين وعدوهم قال سبحانه: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) سورة آل عمران، فالصبر لو عواقب حميدة على طاعة الله، وعلى المصائب، مع الإيمان والتقوى، فصاحبه في الدنيا على خيرٍ مرتاح الضمير، مرتاح القلب، مأجور مثاب، وفي الآخرة في دار الكرامة في دار النعيم في الجنة، إذا استقام على أمر الله والتزم بتقواه سبحانه وتعالى، وجاهد نفسه لله، وصبر على ما ابتلي به من الحاجة والفقر والأعمال الشاقة إلى غير ذلك، كل هذا في سبيل الله، والله المستعان. 

622 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply