حلقة 470: حكم الاجتماع على ذكر الله - تفسير قوله خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ - تفسير بعض الآيات الدالة على اختلاف الأمة - كفارة من لم تستطع الصيام في رمضان بسبب المرض

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

20 / 50 محاضرة

حلقة 470: حكم الاجتماع على ذكر الله - تفسير قوله خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ - تفسير بعض الآيات الدالة على اختلاف الأمة - كفارة من لم تستطع الصيام في رمضان بسبب المرض

1- قرأت في أحد الكتب وهو كتاب تربيتنا الروحية قال مؤلفه بعد أن ذكر الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله -تعالى- تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك! فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تحميداً، وأكثر لك تسبيحاً ... } إلى آخر ما جاء في هذا الحديث الشريف، ثم عقب مؤلف هذا الكتاب على هذا الحديث بقوله: من هذا الحديث ندرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض على الاجتماع على الذكر، ورسم لنا الأصل الجامع الذي تقوم عليه حلقات الذكر من تسبيح وتهليل وتكبير وتحميد ودعاء، فلو أن مجموعة اجتمعت على سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وختمت جلستها بدعاء واستعاذة فإنها تكون قد حققت سنة الاجتماع على الذكر كما وردت في الحديث، والذي يناقش في سنية ذلك -أي في ثبوته في السنة- يخالف الفهم البديهي لهذا الحديث، وإذا كانت سنة الاجتماع على الذكر واردة في مثل هذا الحديث الصحيح فهناك نصوص أخرى تشير إلى مثل هذا، من ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن أبي سعيد عن معاوية رضي الله عنه قال: { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا } ومن ذلك ما أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجووهم النور } وفي آخر الحديث قال: { هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه } السؤال: هل الاستدلال على الاجتماع على الذكر بهذه الصورة صحيح، وإذا كان غير ذلك فما هو تفسير وشرح سماحتكم لهذه الأحاديث السابقة، وما هي طريقة الذكر المشروع والمسنونة؟ جزاكم الله خيراً. 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلا ريب أن الاجتماع على ذكر الله وقراءة القرآن ودرس العلم الشرعي ونحو ذلك مما يفيد المتجالسين علماً نافعاً وعملاً صالحاً وفقهاً في الدين أمرٌ مطلوب شرعاً، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على حلق الذكر ورغب فيها -عليه الصلاة والسلام-، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلى نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) خرجه مسلم في الصحيح، وهكذا حديث: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر) فالأحاديث التي جاءت في هذا الباب منها ما ذكره السائل ومنها غيرها من الأحاديث كلها تدل على فضل الاجتماع على ذكر الله، وطلب العلم والتفقه في الدين، والمذاكرة فيما ينفع العبد في دينه ودنياه، كل هذا أمر مطلوب شرعاً، لكن ما تفعله الصوفية من الاجتماعات الخاصة بصوت خاص، وعوائد خاصة، ليس له أصلٌ في الشرع المطهر، وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم - تفسر بفعله -صلى الله عليه وسلم- وفعل أصحابه -رضي الله عنهم،- فإذا كان الاجتماع مثل ما وردت الأحاديث في طلب العلم والمذاكرة في العلم، وحمد الله على ما من به من تحصيل العلم، ومن الهداية للإسلام، فهذا أمر مطلوب، وهو الذي ينبغي للمؤمن أن يفعله مع إخوانه، كالاجتماع على قراءة كتاب الله ودراسة كتاب الله العظيم، أو قراءة قارئ وهم يسمعون ويتفكرون ويتدبرون، هذا أمر مطلوب شرعاً وهكذا حلقات العلم في دراسة القرآن، وتفسيره، أو في دراسة الأحاديث كصحيح البخاري وصحيح مسلم إلى غير ذلك، للفائدة والعلم والتفقه في الدين، كل هذا أمر مطلوب شرعاً، وبهذا تفسر الأحاديث التي ذكره السائل وغيرها. أما أن يجتمع الناس على ذكر بصوت واحد بصوت جماعي يرددونه كما تفعله جماعة الصوفية، فهذا لا أصل له في الشرع المطهر، وإنما المشروع أن يذكروه للمذاكرة في العلم والبحث في العلم، وتسبيح الله وتحميده وتهليله، كلٌ يسبح ربه، كلٌ يحمده على حسب طاقته، وعلى حسب ما يتيسر له، في مكانه في صفه في حلقته العلمية التي منَِّ الله عليه بها مع إخوانه، يتذاكرون العلم ما معنى هذه الآية؟ ما معنى هذا الحديث؟ ما معنى كلام العلماء في كذا وكذا؟ دروس عليمة وحلقات علمية يستفيد بها الجالس ويستفيد بها المستمع، ويستفيد منها الباحث هكذا كان أهل العلم في حلقات العلم، يبحثون ما دلت عليه الآيات، ويبحثون ما دلت عليه الأحاديث، ويتذاكرون في العلم، هذا هو المطلوب، وهو الذي جاءت به الأحاديث، ويكون بذلك تسبيح وتهليل وصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذكر لله -عز وجل- وثناءٌ عليه، عند قراءة الآيات وعند سماع الآيات وعند سماع الأحاديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، مع ما في هذا من العلم وتفقهٍ في الدين، وتواصي بالحق والصبر عليه، هذا هو المشروع لأهل الإيمان، وهذا هو الذي عليه السلف في مساجدهم وفي بيوتهم وفي مدارسهم وفي حلقات العلم التي يقيمونها، كل ذلك مقصوده الفقه في الدين، والتبصر في دين الله، والتعاون على البر، والتقوى والتفقه في معنى كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والتذكير بنعم الله على عباده، وما يدخل في هذا المعنى. أما أن يكون التسبيح على طريقة التي يفعلها بعض الصوفية بأصوات جماعية وطريقة خاصة ونظام خاص فهذا لا أصل له. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. أفضل الأماكن لحلق الذكر شيخ عبد العزيز؟ المساجد هي أفضل ما يكون، وإذا فعل في البيت أو في المدرسة كل ذلك طيب. معنى هذا أنه لا بد أن تكون المساجد مفتوحة حتى يتاح للمسلمين التجمع لذكر الله ودارسة القرآن؟ نعم، ينبغي فتحها، وتسهيل إقامة حلقات العلم فيها، وإذا كان هناك يخشى عليه يكون من الحرس من يتولى ذلك، موظفي المساجد: من المؤذن والخادم، ونحو ذلك يتلون حراستها عما يخشى منه. أما أن تبقى مغلقة هكذا فإنها تصد الناس عن ذكر الله؟ ليس هذا من عمل أهل الإسلام، بل عمل أهل الإسلام على التسهيل في إقامة الحلقات العلمية في المساجد، والتعاون على البر والتقوى، وتفقيه الجاهل وتعليمه، إلى غير هذا من وجوه التعليم، ولاسيما حلقات القرآن، وحلقات السنة للأولاد وللراغبين بتحصيل العلم. بارك الله فيكم، على هذا تتضح رسالة المسجد شيخ عبد العزيز؟ نعم، وبهذا تعرف رسالة المسجد وتحصل كما كانت في عهد السلف الصالح، وإنما يخشى الإنسان يخشى الآن فيما حصل في المساجد من الفرش وآلات تكبير الصوت ونحو ذلك، فهذا يمكن تأمين ما يخشى منه بواسطة الحارس من خادم ومن مؤذن حتى لا يقع ما يحذر.  
 
2- ما هو تفسير قوله تعالى -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم-: مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107]، في قوله تعالى في سورة هود: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ[هود:106] * ((خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعالٌ لما يريد))[هود:107] والآية التي بعدها؟ 
اختلف كلام أهل التفسير في هذا الاستثناء، وأحسن ما قيل في ذلك: أن الاستثناء يراد به ما يقع حال القيامة في موقف القيامة، وما يقع في حال القبور، كل هذا مستثنى، ......... إن المؤمنين والكافرين كلهم لهم نصيبهم، المؤمنون لهم نصيبهم من نعيم الله في قبورهم وفي موقفهم يوم القيامة، وما يحصل لهم من التسهيل واللطف. والكافرون لهم نصيبهم من العذاب في المقابر وفي موقفهم أمام الله يوم القيامة. أما بعد دخول النار فليس فيها استثناء يعني مخلدون أبد الآباد وهم الكفار، وأهل الجنة مخلدون في دار النعيم أبد الآباد لا يضعنون منها ولا يموتون، ولا تخرب بلادهم، وهكذا الكفرة مخلدون في نار جهنم عند أهل السنة والجماعة مخلدون فيها أبد الآباد، لا تخرب ولا يخرجون، منها كما قال الله -سبحانه- وتعالى في أهل النار: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ[المائدة: 37] وقال -سبحانه-: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[البقرة: 167]، وقال في أهل الجنة: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا[النساء: 57]، فأهل الجنة دائماً في نعيمهم وفي سرورهم وفي حبرتهم لا يضعنون ولا تخرب بلادهم: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[الدخان: 51-57] وقال -سبحانه-: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ[الحجر: 45-48] في آيات كثيرات كلها دالة على خلود هؤلاء وخلود هؤلاء، أهل الجنة مخلدون فيها أبد الآباد، وأهل النار مخلدون فيها أبد الآباد، يعني الكفرة، وقد ذهب بعض أهل السلف إلى أن النار لها نهاية، وأن أهلها يخرجون منها بعد النهاية، أو يموتون فيها، وهذا القول شاذٌ عند أهل السنة والجماعة لا أساس له من الصحة، والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة أن النار دائمةٌ أبداً، وأن أهلها مخلدون فيها أبد الآباد، لا تخرب ولا يخرج منها أهلها، بل هم في عذاب دائم، وخلود دائم، وهي باقية مقيمة، لابثين فيها أحقاب، لا تنتهي هكذا أخبر ربنا عز وجل في قوله -سبحانه-: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة: 167]، يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ[المائدة: 37] كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا[الإسراء: 97] فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا[النبأ: 30] ومن قال إن لها أمداً فهو قول ضعيف شاذ لا يعول عليه عند أهل السنة والجماعة. وأما العصاة من الموحدين فهؤلاء عند أهل السنة والجماعة إذا دخلوا النار لا يخلدون فيها، بل يقيمون فيها ما شاء الله ثم يخرجهم الله منها فضلاً منه ورحمة -سبحانه وتعالى-؛ لأنهم ماتوا على التوحيد والإسلام لكن لهم معاصي ماتوا عليها لم يتوبوا منها، فهؤلاء إذا دخلوا النار لا يخلدون عند أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج وخلافاً للمعتزلة ومن سار على مذهبهم من أهل البدع. أما أهل السنة والجماعة فمجمعون إجماعاً قطعياً على أن العصاة لا يخلدون في النار بل لهم أمد ينتهون إليه؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، في الصحيحين وغيرهما؛ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشفع للعصاة فيحد الله له حدا، ويخرجهم من النار، ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع، وفي كل مرة يحد الله له حداً فيخرجهم من النار، وهكذا الملائكة وهكذا المؤمنون، وهكذا الأفراط يشفعون، كما صحت به الأخبار عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ثم يبقى بقية في النار لم تشملهم الشفاعات فيخرجهم الله -سبحانه- برحمته -جل وعلا-، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة.  
 
3-  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119]، وأيضاً يسأل عن قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ))[هود:119]؟ 
ليس في هذا إشكال الله -سبحانه- هو الحكيم العليم، ولو شاء لجمع الناس على الهدى، كما قال -جل وعلا-: وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ[الأنعام: 35] وقال -سبحانه-: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[السجدة: 13] فالله –سبحانه- لو شاء لهداهم أجمعين -جل وعلا-، لكن له الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، في إدخال من عصاه وخالف أمره وأشرك به سبحانه النار، لظلمه لنفسه، وتعديه حدود ربه، ومخالفة ما جاءت به الرسل، وله الحكمة البالغة والفضل الواسع على أوليائه وأهل طاعته في إدخالهم الجنة، وإنجائهم من النار؛ لأنهم أطاعوا أمره، واتبعوا شريعته، ووقفوا عند حدوده، فجزاهم سبحانه أحسن الجزاء. فهو -جل وعلا- خلقهم ليرحمهم، خلقهم لإدخالهم الجنة وإنجائهم من النار إذا قاموا بحقه، واستقاموا على دينه، فإن خرجوا عن طاعته وخرجوا عما أمرهم به فقد توعدهم بالنار جزاءً وفاقاً لأعمالهم القبيحة، وخروجهم عن طاعة ربهم -سبحانه وتعالى-، واتباعهم لأهوائهم قال -جل وعلا-: فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات: 37-39] وقال سبحانه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات: 40-41]، فهم مؤاخذون بأعمالهم القبيحة من كفرٍ ونفاق ومعاصي، كما أن أهل الجنة مجزيون بأعمالهم الطيبة، وطاعتهم لربهم، وإحسانهم في ...... سبحانه، جازاهم -جل وعلا- كرامته، وإدخالهم جنته، والنظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة وهم في دار النعيم، فضلاً منه وإحساناً، فهذا فضله -جل وعلا-، ولهذا قال -جل وعلا-: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ[هود: 118-119] فالمرحومون هم أهل السعادة والنجاة، وهم الذين خلقوا ليرحمهم -سبحانه وتعالى- في توفيقه وهدايته -جل وعلا-، وأولئك حرموا هذه الرحمة وحرموا هذا الخير بأعمالهم القبيحة، وابتعادهم عن طاعته، وإيثارهم أهوائهم، فلما فعلوا ذلك استحقوا نقمته وغضبه -سبحانه وتعالى-. والاختلاف واقع ومكتوب عليهم بسبب ما يقدمونه من أعمال سيئة، وبسبب اتباعهم لأهوائهم وشهواتهم وإيثارها على الحق، وقع الاختلاف، فمن رحمه الله سلم من ذلك واتبع الحق، ومن لم يوفق لرحمة الله، ولم يهدى لسبيل الهدى بقي في ضلاله وعماه واختلافهم، نسأل الله العافية وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ[فصلت: 46] بل يجازيهم بأعمالهم، فمن عمل الصالحات وتابع المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وتابع من قبلهم من الرسل رزقوا من ربهم فضله وإحسانه، وفازوا بجنته وكرامته. ومن تابع الهوى وعصى الرسل وآثر الدنيا على الآخرة باء بالخيبة الندامة، واستحق العقاب من ربه -سبحانه وتعالى- على علمه الخبيث، وعلى انحرافه عن طاعة مولاه -سبحانه وتعالى-.  
 
4- لا أستطيع الصيام بسبب المرض الذي طال معي، ولم أصم أياماً من رمضان الماضي، وأريد أن أعرف مقدار الكفارة عن كل يوم، وهل إخراج النقود جائز شرعاً أم لا؟
إذا كان المرض لا يرجى برئه بتقرير الأطباء العارفين؛ فإنه يجزيك عن كل يوم إطعام مسكين، نصف صاع من التمر أو الأرز أو الحنطة أو غيرها من قوت البلد، وذلك مقدار كيلوا ونصف تقريباً، ولا تجزئ النقود، بل الواجب إخراج الطعام قبل الصيام أو بعد الصيام، ويكفي أن يدفع ذلك إلى مسكين واحد أو أكثر، سواءٌ كان ذلك قبل الصيام، أو بعد الصيام. أما إن كان المرض يرجى برئه فإن الواجب عليك القضاء، ولا حرج في تأخير القضاء حتى يتم الشفاء، كما قال الله سبحانه: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: 185]، والله -سبحانه- أوجب العدة ......... صيام عدة من أيام أخر، ولم يأمر بالإطعام، وإنما أوجب العدة، يعني عدد الأيام التي أفطرها المريض والمسافر، فمادمت ترجين العافية، ولم يقرر من جهة الأطباء أن هذا المرض لا يرجى برئه، فإن عليك أن تقضي بعد الشفاء، ولو طال الأمد، ولو بعد سنة أو سنتين أو ثلاث حتى يشفيك الله ثم تقضي ما عليك من الأيام. أما إن قرر الأطباء أن المختصون العارفون بهذا المرض أنه لا يزول وأنه مستمر؛ فإنه يكفيك الإطعام والحمد لله، ولا قضاء عليك.  
 
5- الرجاء أن تعرفوني عن حكم الصعوط (التنباك) بالتفصيل، وبماذا تنصحون من ابتلي به؟
التنباك من المحرمات الخبيثة، التي قد أجمع الأطباء العارفون به على ضرره العظيم المتنوع الكثير، وكذلك أجمع العارفون به الذين جربوه على مضرته العظيمة، فالواجب تركه، وقد نصح الأطباء بذلك من الكفرة وغير الكفرة، حتى الكفرة عرفوا شره وضرره، فالواجب على كل مسلم أن يحذره، وعلى كل ناصح لنفسه أن يتقي شره، وأن يدعه، وأن يستعمل الأسباب التي تعينه على تركه، ومنها أن لا يجالس أهله، فإن مجالستهم تفضي به إلا أن يشاركهم، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذا الدخان الخبيث، وأن يبتعد عن مجالسة أهله لعل الله يعينه على تركه، وهذا شيء واجب؛ لأن الله حرم علينا الخبائث، وحرم علينا ما يضرنا، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ الآية من سورة المائدة [المائدة: 4]، فبين -سبحانه- أنه لم يحل لنا إلا الطيبات، ولا يقول مسلم يعرف هذا الدخان أنه من الطيبات، بل هو من الخبائث، وقال -سبحانه- في سورة الأعراف في وصف نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام-: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[الأعراف: 175]، فالمفلحون هم من اتبعوه -عليه الصلاة والسلام-، وساروا على نهجه، وعظموا أمره ونهيه، ومن ذلك ترك الخبائث والمسكرات والمخدرات والدخان كلها من الخبائث، كما أن الميتة والخنزير من الخبائث فهكذا ما يضر العبد، ويضر عقله وبدنه، من أنواع المسكرات والمخدرات وأنواع التدخين والحشيشة التي تضر متعاطيها ضرراً كبيراً، ينبغي للمؤمن أن يحذر هذه الأمور، وأن يستعين بالله على تركها، وأن يستعمل كل ما يعينه على تركها، وأن يحذر صحبة أهلها ومجالستهم، لعل الله يمن عليه بالسلامة، والله المستعان.  
 
6- أشهد أن محمداً يا رسول الله، وهل عبارة يا رسول الله صحيحة أم لا؟ وهل توقع الإنسان في الشرك؟ والبعض أيضاً يقولون عليك بالنبي، هل تعتبر حلف؟

549 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply