حلقة 473: بدع حول البسملة - فضل صيام شهر محرم، وصيام عشوراء - الحائض والنفساء يشرع لها أن تذكر الله وتقرأ القرآن - من تعرض للسؤال يعطى - أقسم بالله ثلاثا على عدم فعل شيء معين غير أن أباه أرغمه على فعله

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

23 / 50 محاضرة

حلقة 473: بدع حول البسملة - فضل صيام شهر محرم، وصيام عشوراء - الحائض والنفساء يشرع لها أن تذكر الله وتقرأ القرآن - من تعرض للسؤال يعطى - أقسم بالله ثلاثا على عدم فعل شيء معين غير أن أباه أرغمه على فعله

1- هل هذه العبارات صحيحة: إن من قرأ البسملة عند النوم إحدى وعشرين مرة أمنه الله تلك الليلة من الشيطان الرجيم، ومن السرقة، ومن موت الفجأة، وتدفع عنه كل بلاء، وكذلك إذا كتب البسملة في أول يوم من المحرم في ورقة مائة وثلاثين مرة وحملها إنسان لا يناله مكروه، وكذلك لا ينال أهل بيته مدة عمره، وكذلك إذا كتب الرحيم في ورقة إحدى وعشرين مرة وعلقه صاحب صداع نفعه، وعبارات كثيرة وكثيرة عن البسملة، قرأت هذه العبارات في كتاب كذا -وتسميه سماحة الشيخ- أرجو أن تتفضلوا ببيان وجه الحق في هذه العبارات وفي تلكم الكتب ولو لم تسموها، وكيف تحذرون الناس منها؟ جزاكم الله خيراً. 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذا الذي قرأت أيتها الأخت في الله عن البسملة وأنها إذا قرئت إحدى وعشرين مرة عند النوم يحصل بها كذا وكذا، وإذا كتبت مائة وثلاثين مرة حصل بها كذا وكذا إلى غير ذلك كل هذه باطلة لا أصل، لا أساس لها ولا صحة لها، بل هذا مما افتراه المفترون، وكذبه الكذابون، فلا يعول على ذلك ولا يلتفت إلى ذلك، ولكن التسمية مشروعة يسمي الله الإنسان عند النوم: بسم الله الرحمن الرحيم، يسمي عند القراءة، يسمي عند الأكل، يسمي عند دخول البيت. أما بهذا العدد: واحد وعشرين، أو مائة وثلاثين كذا وكذا، أو تكتب كذا وكذا كل هذا لا أصل له، كل هذا لا أساس له، بل هو من البدع التي أحدثها المخربون والضالون والمنحرفون، ولكن يكفي عن ذلك ما بينه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأنه يشرع للمؤمن والمؤمنة في أول الليل وفي أول النهار يأتي بالأذكار الشرعية، والتعوذات الشرعية، ومنها أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات صباح ومساء، (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحا ومساء، كل هذا من أسباب السلامة والعافية من كل سوء، كذلك قراءة آية الكرسي عند النوم من أسباب السلامة والحفظ من كل سوء، كذلك قراءة: (قل هو الله أحد) والمعوذتين بعد كل صلاة، قراءتها ثلاث مرات بعد الفجر والمغرب كل هذا مما شرعه الله، ومن أسباب الإعاذة من كل شر، أما ما كذبه الكذابون فالواجب الحذر منه. 
 
2- متى يبدأ صيام شهر المحرم أو صيام عاشورا، هل يبدأ في أول المحرم، أو في وسطه، أو في آخره، وكم عدد صيامه؟ لأني سمعت أن صيام عاشورا يبدأ من واحد محرم إلى عشرة محرم. وفقكم الله
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) وهو عاشوراء، والمعنى أنه يصومه كله من أوله إلى أخره، من أول يوم منه إلى نهايته، هذا معنى الحديث، ولكن يخص منه يوم التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر لمن لم يصمه كله، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم عاشوراء في الجاهلية، وكانت تصومه قريش أيضاً، فلم قدم المدينة -عليه الصلاة والسلام- وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه يومٌ نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه شكراً لله صامه موسى شكراً لله ونحن نصومه، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نحن أحق وأولى بموسى منكم) وصامه وأمر بصيامه، فالسنة أن يصام هذا اليوم يوم عاشوراء، والسنة أن يصام قبله يوم أو بعده يوم، لما روي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده)، وفي لفظ: (يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي حديث آخر: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يعني مع العاشر)، فهذا هو الأفضل، أن يصام العاشر لأنه يوم عظيم حصل فيه خيرٌ عظيم لموسى والمسلمين، وصامه نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، فنحن نصوم التاسع بنينا -عليه الصلاة والسلام-، وعملاً بما شرع -عليه الصلاة والسلام-، ونصوم مع يوماً قبله أو يوماً بعده مخالفة لليهود، والأفضل التاسع مع العاشر لحديث (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) فإن صام العاشر والحادي عشرة أو صام الثلاث فكله حسن يعني صام التاسع والعاشر والحادي عشر كله طيب، وفيه مخالفة لليهود، فإن صام الشهر كله فهو أفضل له.  
 
3-   أثناء العادة الشهرية هل يجوز أن أذكر اسم الله -تعالى- في القلب، مثل أن أقول: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ، أو أستغفر الله، أو أستمع إلى القرآن الكريم، أو أقول بعد كل أذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتي سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدت } أو أدعو الله في قلبي؟ وجهوني جزاكم الله خيراً.   
الحائض والنفساء يشرع لهما ما يشرع للناس من التسبيح والتهليل والتكبير والذكر والدعاء والاستغفار بالقلب واللسان، لا بالقلب وحده، بل حتى باللسان، مشروعٌ لها أن تذكر الله وتسبحه وتعظمه، وتجيب المؤذن والمقيم تجيبهما، وتقول مثل قولهما، وتقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وتصل على النبي بعد الأذان -عليه الصلاة والسلام-، وتقول (اللهم رب هذه الدعوة التامة...) إلى أخره ، كل هذا مشروع للجميع الحائض والنفساء وغيرهما، وإنما الخلاف في القرآن هل تقرأ أو ما تقرأ، هذا محل الخلاف، وأما الأذكار والدعوات والاستغفار فليس فيها خلاف، وتلبي إذا كانت حاجة، تقول: (اللهم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك)، وتسمي عند الأكل وعند الشرب، تحمد الله وتستغفره، وتذكره كثيراً، هذا لا شيء فيه عند جميع أهل العلم، وإنما اخلتف العلماء -رحمة الله عليهم- فيما يتعلق بالقرآن، هل تقرأ أو ما تقرأ؟ فذهب جمع من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الأكثر أنها لا تقرأ، واحتجوا بحديث روي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه كتب إلى أهل اليمن: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر)، قالوا: والحائض تدخل في هذا، والجواب أن هذا إنما هو في المس لا تمسه، وأما القرآن فإنها تقرأ، كما يقرأ المحدث الذي لم يتوضأ، وإنما النهي عن مسه، فهي لا تمسه، كما لا يمسه الجنب والمحدث، ولكن لا مانع من القراءة للمحدث حدثاً أصغر غير الجنابة يقرأ القرآن عن ظهر قلب، فهكذا الحائض تقرأ عن ظهر قلب لا بأس. واحتج المانعون بحديث رواه الترمذي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئاً من القرآن)، والجواب عن هذا أنه حديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش -رحمه الله- عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة عند أهل العلم. والصواب أن الحائض والنفساء لهما القراءة عن ظهر قلب، من غير مس المصحف، كالمحدث حدثاً أصغر، يقرأ ولكن لا يمس المصحف. أما الجنب فلا يقرأ لا عن ظهر قلب ولا عن مس المصحف حتى يغتسل؛ لأن الجنب مدته قصيرة متى فرغ من حاجته اغتسل، فلهذا كان أمره خاصاً، والحجة في هذا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أصابته جنابة لا يقرأ القرآن، كما ثبت من حديث علي -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة)، وفي رواية: (أنه قرأ لما خرج من قضاء الحاجة قرأ بعض القرآن، وقال: هذا لمن ليس جنباً، أما الجنب فلا ولا آية) فدل ذلك على أن الجنب لا يقرأ القرآن حتى يغتسل، والحائض والنفساء لا تقاسان عليه؛ لأن مدتهما تطول، وفي حرمانهم من القرآن مشقة عظيمة، فلهذا الصواب أنهما تقرأن لكن من دون مس المصحف، ولا يجوز قياسهما على الجنب، فإن دعت الحاجة إلى القراءة من المصحف جازت من وراء حائل، كأن تمسه من وراء قفازين أو يمسه لها غيرها يمسكه عليها بنتها أو أختها الطاهرة، وتقرأ بالنظر إليه من غير أن تمسه لا بأس بهذا، ولكن مسها له لا يجوز حتى تطهر، كالمحدث وكالجنب أيضاً تغتسل، أما هي فإنها تقرأها عن ظهر قلب كالمحدث حدثاً أصغر، هذا هو الصواب، وأما التسبيح والتهليل والأذكار والدعاء والاستغفار فهذه مشروعة للجميع، للجنب والحائض والنفساء والمحدثين كلهم لا يمنعون من هذا، وإنما الخلاف في القرآن فقط هذا محل الخلاف بين أهل العلم. وفق الله الجميع.  
 
4- أرى على الشوارع كثيراً من الفقراء ومنهم المعوق فاتحين أيديهم يطلبون المال، إني أعطيهم دائماً، وبعض الأحيان أُهدي أجر ذلك، أو أقول: هذا صدقة لأمي المتوفاة، لا أدري هم فقراء أم لا؟ ولكن شكل بعضهم يبين أنهم فقراء، هل يجوز أن أعطيهم المال وأنا لا أعرف هل هم  فقراء أم لا؟   
نعم، من تعرض للسؤال يعطى قال الله -جل وعلا-: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[الذاريات: 19]، فمن سأل يعطى، وهكذا المحروم وهو الفقير يعطى، إذا مرَّ الإنسان بقومٍ يشحذون الناس ويرفعون أيديهم شرع أن يعطوا ما تيسر من الصدقة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، وإذا أراد المتصدق بصدقته عن أبيه أو عن أمه أو عن فلان فله نيته، فالصدقة يجوز أن تفعل عن الأموات، وهي تلحقهم وتنفعهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له) وسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ قال: (إن أمي ماتت فلها أجر أن تصدقت عنها؟ قال النبي: نعم) فالصدقة عن الموتى تنفعهم بإجماع المسلمين، لكن إذا علم المار أو غيره من هذا الذي يشحذ غني، وأنه غير محتاج فإنه ينصحه ويوبخه، ويقول له: إن هذا لا يجوز له، ولا يحل لك أن تسأل وأنت قد أغناك الله -عز وجل-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (من سأل الناس أموالاً تكيراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر) رواه مسلم في الصحيح، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لا تزال المسألة في الرجل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) متفق عليه، فالواجب على المؤمن والمؤمنة أن لا يسأل إلا عن حاجة، أما من أغناه الله بمالٍ عنده عن كسب أو عن إرث أو عن هدية أو غير هذا من الطرق الشرعية؛ فالواجب عليه أن يستغني بالله، وأن لا يسأل، ولا يحل له السؤال، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة -يعني دين- فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك -يعني تحمل حمالة لإصلاح ذات البين بين الناس، أو لحاجة بيته وعائلته، فله أن يسأل حتى يصيبها........-، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله؛ حلت له المسألة حتى يصيب قوَاما من عيش- أو قال: سداداً من عيش، -يعني من أصابته حائجة: كسيل أو الحريق أو الجراد أكل زرعه فافتقر بسبب ذلك يعطى ما تيسر، حتى تسد حاجته، ويحل له أن يسأل إذا لم يتيسر له إلا بالسؤال-، والثالث: رجل أصابته فاقة -يعني حاجة- حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلان الفاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ثم قال -عليه الصلاة والسلام- لسائل قبيصة: ما سوى ذلك يا قبيصة سحت، يأكله صاحبه سحتاً) يعني ما عدا الثلاث هو سحت ........ حرام، فالواجب على أهل الإيمان أن يحذروا ما حرم الله، ومن ذلك أن يسأل وقد أغناه الله، فالمسألة إنما تحل في هذه الحالات الثلاث، وكثير من الناس والعياذ بالله لا يبالي؛ لأنه قد اعتاد السؤال، وهو لا يبالي بالسؤال وإن كان غنياً، لما أصيب من الجشع والحرص على المال، وعدم المبالاة بأمر الشرع العظيم، نعوذ بالله من ذلك، لكن السائل إذا لم يعلم هذا الشخص يعطي من سأل، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[الذاريات: 19]، إذا سألك أو وجدته يسأل في الطريق أو في المسجد أو في أي مكان يشرع لك أن تعطيه ما تيسر، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، ما لم تعرف أنه غني، فإذا عرفت أنه غنيٌ مثلما تقدم تنصحه وتوبخه ولا تعطيه؛ لأن إعطائه إعانةٌ له على الإثم والعدوان. نسأل الله العافية والسلامة.  
 
5- لقد حصل في يوم من الأيام أن أقسمت بالله ثلاثاً ألا أعمل هذا الشيء، لكن والدي أصر علي بالعمل ففعلت، ماذا يجب علي؟ جزاكم الله خيراً؟
عليك كفارة اليمين، إذا حلفت أنك لا تفعل هذا الشيء وهو مباح في نفسه كأن حلفت أنك لا تكلم فلانا أو لا تزور فلانا أو لا تأكل طعام فلان، وليس هناك مانع شرعي من زيارته، ولا أكل طعامه، ثم رأيت أن تزوره وتأكل طعامه، أو أكد عليك والدك في ذلك فإنك تكفر عن يمينك، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فمن عجز صام ثلاثة أيام، كما بينه الله في كتابه العظيم في سورة المائدة، وهكذا لو ما ألزم عليك والدك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لعبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير)، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير) هذه هي السنة، إذا حلفت على شيء ثم رأيت المصلحة في الحنث، فإنك تحنث وتكفر عن يمين بما شرعه الله -عز وجل-، لقوله -سبحانه- في سورة المائدة: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ[المائدة: 89]، فبين -سبحانه وتعالى- أن الكفارة هي ما بينه -جل وعلا-، من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، يعني عتقها، فمن عجز عن هذا ولم يستطع صام ثلاثة أيام، والناس أعلم بأحوالهم فإذا رأى أن يمينه تشق عليه أو فيها ضرر عليه أو فيها إغضاب لوالده أو لأمه أو نحو ذلك، أو رأى المصلحة في الحنث فيها لأمر آخر كفر عن يمينه وأتى ما هو أفضل وأصلح، إلا أن يكون إثماً فعليه أن يحذر الإثم، كما لو قال: والله لا أشرب الخمر، والله لا أدخن، فإن في هذه اليمين قد أحسن في هذه اليمين، فالواجب عليه تنفيذها وعدم الحنث، ولو قال له والده احنث، ليس له أن يطيع والده ولا غير والده؛ لأن التدخين محرم فيه مضار كثيرة، وشرب الخمر كذلك محرم بالنص من القرآن والسنة، فلا يجوز له أن يعود إليه حتى ولو ما حلف، فالواجب أن يحذر التدخين، ويحذر الخمر ولو لم يحلف، فإذا حلف صار تأكيداً لذلك، فليس له أن يحنث ولو حنث وفعل فعليه كفارة يمين مع الإثم، ومع التوبة إلى الله -سبحانه وتعالى-. وقد قلت في أول السؤال: يا مولاي وهذه كلمة ينبغي تركها؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صح عنه أنه قال: (لا يقولن أحدٌ مولاي فإن مولاكم الله)، وقال للعبد: (لا يقول ربي وليقل: سيدي ومولاي) يقول سيدي الذي هو المالك، فأخذ بعض العلماء أن النهي ليس للتحريم في قول مولاي؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أذن للعبد أن يقول: سيدي ومولاي، فالعبد له شأن، والناس لهم شأن، فالأولى ترك هذه الكلمة، والأحوط تركها، أما المملوك فله أن يقولها لسيده: يا مولاي، أو يا سيدي، لا بأس أن يقول: أو يا عمي كما يقوله الناس، أما أنت وأنت لست مملوكاً فتخاطب الناس بغير هذا، تقول: يا فلان، أو يا أبا فلان، أو يا الشيخ فلان، أو يا طالب فلان، أو ما أشبه ذلك، تخاطبه بالألقاب المعروفة، غير مولاي وغير سيدي، حتى سيدي تركها أولى؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لما قيل له: يا سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى) كره أن يخاطب بها، وإن كان هو سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام-، وأفضل الناس، لكن خاف أن يغلو فيه، خشي عليهم من الغلو فقال: (السيد الله، قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -عز وجل-) يعني عبد الله ورسوله، مع أنه سيد ولد آدم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، وأفضل الخلق، ولكن تواضعاً منه -عليه الصلاة والسلام-، وخوفاً على أمته من الغلو أرشدهم إلى أن لا يخاطبوه بقول: يا سيدنا، أما إذا قيل: هو سيد ولد آدم، أو قيل: هو سيدنا فلا بأس من غير خطاب له؛ لأنه قد توفي -عليه الصلاة والسلام-، وكره هذا في حياته أن يخاطب به -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا قال واحد منا اليوم: سيدنا محمد، أو اللهم صلي على سيدنا، فهذا لا بأس به لأنه حق، ليس فيه محظور، لكن لا يقال في الأشياء التي وردت وليس فيها ذكر، لا يحدث في أشياء شرعها الله ليس فيها لفظ السيادة، بل يقتصر على الوارد، فلا يقال في الأذان: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، ولا يقال في الإقامة كذلك؛ لأن هذا لم يرد في الأذان ولا في الإقامة، فيقتصر على ما ورد، يقال: (أشهد أن محمداً رسول الله)، في الأذان والإقامة، وهكذا في التحيات: اللهم صلي على محمد، وهكذا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله في التحيات، يعني في التشهد، لأن هذا هو الوارد، فالأفضل أن لا يقول ذلك، وهكذا في الأذان؛ لأنه ورد بغير ذكر السيادة، فيقول كما كان المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، هكذا كان المؤذنون في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه، فعلينا أن نسير على نهجهم في ذلك، هذا هو المشروع لنا، لكن في عرض كلامنا العادي عند ذكر الحديث وعند ذكره صلى الله عليه وسلم اللهم صل على سيدنا محمد أو في الخطبة لا بأس في ذلك ولا حرج في ذلك، من قالها فلا حرج ومن تركها فلا حرج، ولا ينبغي أن يظن في حق من تركها، أنه جافي هذا غلط ومن قالها فلا بأس، ومن تركها فلا بأس، فإن قال اللهم صل على نبينا محمد أو على عبدك ورسولك محمد فكله صحيح وكله طيب، ولو لم سيدنا، وإن قال اللهم صل على سيدنا محمد أو على سيدي فكله حق، لا بأس بذلك كله حق مشروع، وصلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه. 

495 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply