حلقة 474: كفارة من أفطرت في رمضان بسبب مرض مزمن - كيفية التصرف في الأرباح التي جاءت من طرق ربوية - مدى صحة الحديث (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله ...) - الواجب هجر تارك الصلاة إذا لم يستمع للنصيحة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

24 / 50 محاضرة

حلقة 474: كفارة من أفطرت في رمضان بسبب مرض مزمن - كيفية التصرف في الأرباح التي جاءت من طرق ربوية - مدى صحة الحديث (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله ...) - الواجب هجر تارك الصلاة إذا لم يستمع للنصيحة

1- والدتي تبلغ من العمر سبعين عاماً تقريباً، والحمد لله على كل حال ابتلاها الله بمرض مزمن اُضطرت معه إلى الإفطار في رمضان من كل عام، ولا ندري بالضبط تاريخ الإصابة بالمرض، وللأسف لم تفدِ بإطعام مسكين عن الأيام التي أفطرتها لسببين، الأول: ليس عندها الوعي الديني الكافي بهذا الخصوص والسبب الثاني لا يوجد في القرية مساكين يستحقون الفدية والآن وقد هداني الله وأرشدني إلى الصواب أريد أن أخرج فدية للمساكين عن الشهور التي أفطرتها في السنوات الماضية لكن لا أعلم عددها بالتحديد وهي كذلك لا تعلم، وكذلك لا أعلم مقدار الفدية الواجب إخراجها عن هذه الشهور التي مضت فما رأي سماحتكم في هذا الأمر وإذا كانت لي أخت متزوجة وعندها أولاد صغار وهي فقيرة فهل يفضل أن أعطيها قيمة هذه الفدية علماً بأن زوجها على قيد الحياة؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن كانت الوالدة التي سألت عنها حين إفطارها عاجزة فقيرة لا تملك إخراج الفدية فليس عليها شيء، لقول الله -عز وجل-: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن: 16]، أما إن كانت قادرة لكن تركت ذلك من أجل الجهل فإنك تخرج عنها، أو تخرج هي بنفسها عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد: أرز أو حنطة أو غيرهما من قوت البلد، ومقدار ذلك كيلو ونصف تقريباً عن كل يوم، تجمع ويعطاها بعض الفقراء، ولو في قرية أخرى في غير قريتكم، ليس من اللازم أن يكونوا في قريتها، بل ولو في قرية أخرى ينقل إليهم هذه الكفارة، ولا يجوز إخراج نقود، بل يعطون طعاماً، وإذا كانت أختك فقيرة وزوجها فقير فلا مانع من دفع هذه الكفارة إلى زوجها، يعطى الزوج لأنه المنفق والمسئول عن الزوجة والأولاد، فإذا كان فقيراً فإنها تدفع إليه، أما إن كان غنياً فإنه هو الذي يقوم بنفقة الزوجة والأولاد، ولا يعطى الكفارة المذكورة، بل يلتمس فقراء غير زوج أختك مطلقاً، سواءٌ كان في البلد أو في غير البلد، وإذا كنتم لا تعرفون عدد الأشهر فإنكم تكتفون بالظن، تجتهد الوالدة وأنت تجتهدان جميعاً في تحري الأيام التي أفطرتها الوالدة، بسنتين أو ثلاث أو أربع على حسب الظن الغالب، ثم تخرجون هذه الكفارة بناءً على الظن الغالب الذي منك أو منها أو منكما جميعاً: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا[التغابن: 16].  
 
2- أعطيت أخي في مصر مبلغاً من المال وقلت له: دع هذا المبلغ في جهة للاستثمار، فأخذ المبلغ ووضعه في جهة ربوية، وحينئذٍ كان له أرباح؛ كيف تنصحونني تجاه تلك الأرباح؟ جزاكم الله خيراً.
تلك الأرباح تصرف في بعض المشاريع الخيرية، وليس لكم إلا رأس المال، وعلى أخيك التوبة من ذلك، على أخيك التوبة إلى الله من ذلك، وعدم العود، والأرباح التي قبضتم من طريق الربا تصرف في بعض المشاريع الخيرية، مثل الصدقة على الفقراء، مثل قضاء دين إنسان معسر، مثل إصلاح دورات مياه للمساجد، أو إصلاح بعض الطرق، أو حاجة بعض المدارس، أو ما أشبه ذلك من المشاريع الخيرية التي تصرف فيها هذه الأموال التي ليس لها مالك شرعي، فهي من جنس الأموال الضائعة والرهون المجهولة أهلها، ونحو ذلك.  
 
3- ما مدى صحة الحديث القائل: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد ريح الجنة)، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-؟ وحيث أني تعلمت علماً والآن أعمل نتيجة تعلمي ذلكم العلم، لكني في قلق؟
هذا الحديث الذي ذكره السائل حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة) والعرف الريح، وهذا وعيد شديد، هذا الحديث من أحاديث الوعيد التي عند السلف تجرى على ظاهرها؛ لأن ذلك أعظم في الزجر، وحكمه حكم سائر أهل المعاصي، لكن إذا تاب إلى الله من ذلك فإن الله -جل وعلا- يتوب عليه، كل ذنب متى تاب صاحبه منه ولو كان من الشرك الأكبر، إذا تاب صاحبه توبة صادقة توبة نصوحة تاب الله عليه، يقول الله -عز وجل-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا[التحريم: 8] ويقول -سبحانه-: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) فالذي تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله من أجل الوظيفة أو من أجل أغراض أخرى فإن عليه التوبة إلى الله من ذلك، والله يمحو عنه ما حصل من النية الفاسدة، وهو ذو الفضل العظيم -سبحانه وتعالى-، وما حصله من أثر الوظيفة بعد ذلك لا يضره، ما حصل من معاشات ومرتبات وغير ذلك على أثر الشهادة التي حصلها بهذا العلم هو له حلال، وعليه التوبة إلى الله مما حصل من النية الفاسدة، والله ولي التوفيق.  
 
4- يزورونا أحياناً بعض الناس التاركين للصلاة، ولكني دائم النصيحة لهم والإلحاح عليهم، ومع ذلك لم ترق قلوبهم، فهل لهم علي حق الضيافة، وماذا علي أن أفعل نحوهم؟ جزاكم الله خيراً.
قد أحسنت في نصيحتهم، وأمرهم بالمعروف وإرشادهم إلى الخير، وإذا لم يتوبوا ولم يرعووا، فالواجب هجرهم، وعدم إجابة دعوتهم، وعدم دعوتهم إلى بيتك، وعدم اتخاذهم أصحاباً وأصدقاء، ومنعهم من الزيارة؛ لأنهم حينئذ قد ارتكبوا جريمة عظيمة، وهي الكفر بالله، فإن ترك الصلاة كفر بنص الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والصحيح أنه كفرٌ أكبر هذا هو الصحيح من قولي العلماء، فالحجة في ذلك ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، وخرج الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، فهؤلاء الذين عرفتهم بترك الصلاة وقد تكرر منك النصح لهم ثم لم يستجيبوا فإنهم جديرون بالهجر والإنكار، وإظهار البغضاء والعداوة لهم، حتى يرجعوا عن باطلهم، وليس لهم عليك حق الضيافة إذا جاءوا إليك؛ لأنهم مرتدون بهذا العمل، وقد نصحتهم وكررت عليهم فلا وجه للزيارتهم لك بعد ذلك، وليسوا ضيوفاً، هؤلاء معاندون أرادوا بذلك إيذائك بهذه الزيارة التي أنت تكرههم من أجل ما هو عليه من الباطل، بخلاف الضيف الكافر الذي لم يتقدم له النصح، ولم تحدث بينك وبينه مذاكرة بهذا الأمر، فهذا له حق الضيافة مع النصيحة، أما إنسان قد نصحته ووجهته إلى الخير وأمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر ثم يصر على الباطل، ويأتي إليك، فهذا لا حق له عليك، بل حقه عليك أن تنكر عليه، وأن تهجره حتى يتوب إلى الله من عمله السيئ، ولعل الله -جل وعلا- يهديه بأسبابك، فيكون لك مثل أجره، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، وقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أقل من هذا، فإن كعب بن مالك -رضي الله عنه- الأنصاري وصاحبيه لما تخلفوا عن غزوة تبوك وهم قادرون على المشاركة في الغزو، وقد أبلغوا وعرفوا وجوب النفير فتخلفوا بدون عذر، فهجرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون خمسين ليلة، حتى تاب الله عليهم، فكيف بحال من ترك الصلاة عمداً بغير عذر شرعي، وبغير حق، بل لمجرد التساهل والتهاون في أمرها، فهو جدير بالهجر وجدير بالعداوة والبغضاء، والواجب على ولاة الأمر إذا كانوا مسلمين الواجب عليهم إقامة الحد على هذا الصنف من الناس، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، كما قال الله -عز وجل-: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ[التوبة: 5]، فدل على أن من لم يرجع إلى الصلاة ولم يقم الصلاة لا يخلى سبيله، بل يقتل بعد الاستتابة، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-: (إن نهيت عن قتل المصلين)، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله -عز وجل-) متفق على صحته. والخلاصة أن من ترك الصلاة عمداً عدواناً من غير جحد لوجوبها فإنه يكون كافراً بأصح قولي العلماء، وعلى ولي أمر المسلمين استتابته فإن تاب وإلا قتل كافراً في أصح أقوال أهل العلم. أما إن كان جاحداً لوجوبها لا يؤمن بأنها فرض فإنه يكفر بذلك عند جميع العلماء، ولو صلى، متى جحد الوجوب كفر إجماعاً ولو فعلها، نسأل الله العافية والسلامة.  
 
5- سمعت أن طفلاً توجد له عينان حادتان توازي أشعة إكس؛ وقد اختبره العلماء وأحضروا له امرأة حامل فقال: بإنها حامل بطفلين، وتحقق ذلك! والله -سبحانه وتعالى- يقول في سورة لقمان: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت إن الله عليمٌ خبيرٌ ))[لقمان:34]، والمطلوب أن تتفضلوا بإيضاح ذلك، جزاكم الله عنا ألف خير. 
أما صحة وجود هذا الطفل فهذا يرجع إلى الأطباء وأهل الخبرة بالبصر الذي أشار إليه السائل، وأما كون الطفل اطلع على كون الحمل ولدين فهذا محل نظر، مهما كانت الحال ومهما زعم من حدة بصره، ولكن على فرض أنه وجد ذلك فقد يطلع على هذا بعض الأطباء بالطرق الجديدة، والوسائل الجديدة؛ لأن هذا ليس من علم الغيب بعدما يوجد الحمل في البطن، وبعدما يتخلق في البطن، ليس من علم الغيب، فقد اطلع عليه الملك بأمر الله -عز وجل-؛ لأن الله –سبحانه- يأمر الملك بأن يخلقه ذكراً أو أنثى تام الخلقة، أو ناقص الخلقة، وكل ذلك يكتب، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فهذا حينئذ صار معلوماً للملك الموكل بالرحم، ولم يختص علمه بالله -عز وجل-، وقد يطلع على هذا بالوسائل وبالأمارات وبالعلامات التي جربها الخبراء بالحمل، وجربها الأطباء، وإنما الذي لا يعلمه إلا الله فقط هو الذي قبل ذلك، قبل أن يخلق الطفل مادام نطفة وعلقة ومضغة لم يُخلَّق، فهذا هو الذي يختص الله بعمله -سبحانه وتعالى-، لأنه حينئذ لم يطلع الملك على شيء، أما بعد اطلاع الملك على التخليق فهو حينئذ من الأمر المشترك، وليس من خصائص الله -سبحانه وتعالى-، بعدما أخبر الملك بما أخبره به -سبحانه وتعالى-، ونفذ الملك ما قاله الله -عز وجل-، وهو ملك موكل بالأرحام كما جاءت به الأخبار عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فليس في هذا إشكال والحمد لله.  
 
6- ما حكم الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة وجميع المناسبات الإسلامية العظيمة؛ كالإسراء والمعراج وليلة القدر وليلة النصف من شعبان؟ أثابكم الله وحفظكم للإسلام والمسلمين.
القاعدة الشرعية: أن العبادات توقيفية، ليس لأحد أن يحدث عبادة لم يأذن بها الشرع، والله -جل وعلا- يقول سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ[الشورى: 21]، ويقول -سبحانه وتعالى-: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا[الجاثية: 18]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا -يعني الإسلام- ما ليس منه فهو رد) يعني فهو مردود، متفق على صحته، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني مردود خرجه الإمام مسلم في الصحيح، وعلقه البخاري رحمه الله في الصحيح جازماً. فالاحتفالات يتعبد بها، فلا يجوز منها إلا ما دل عليه الدليل، فالاحتفال بليلة القدر بليالي العشر من رمضان أمرٌ مشروع شرعه الله لنا أن نعظم هذه الليالي، وأن نقيم ليلها بالعبادة والذكر والطاعة والقراءة، ونصوم نهارها لأنه من رمضان، فهذه الليالي العشر يلتمس فيها ليلة القدر، والمشروع للمسلمين أن يعظموها بالصلاة والعبادة في المساجد، وفي البيوت للنساء أيضاً، كل هذا أمرٌ مشروع. أما الاحتفال بالمولد النبوي، أو بأي مولد كان، كمولد البدوي، أو مولد الحسين، أو مولد علي -رضي الله عنهما- إلى غير ذلك، فهذه الاحتفالات من البدع التي أحدثها الناس، وليست مشروعة، وإن فعلها كثير من الناس في كثير من الأمصار، فإنها لا تكون سنة بفعل الناس، وليس في الإسلام بدعة حسنة، بل كل البدع منكرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل بدعة ضلالة)، وكان يخطب يوم الجمعة -عليه الصلاة والسلام- ويقول: (أما بعد.. فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه الإمام مسلم في الصحيح، وزاد النسائي رحمه الله بإسناد صحيح (وكل ضلالة في النار)، فالبدع كلها ضلالة، وإن سمى بعض الناس بعض البدع بدعة حسنة فهو قول اجتهادي لا دليل عليه، ولا يجوز أن يعارض قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقول أحدٍ من الناس، والرسول -صلى الله عليه وسلم- حكم على البدع بأنها ضلالة، فليس لنا أن نستثني شيئاً من هذا الأمر إلا بدليل شرعي؛ لأن هذه الجملة عامة محكمة، وكل بدعة ضلالة، وهكذا الاحتفال بليلة الإٍسراء والمعراج، وبليلة النصف من شعبان، والاحتفال بالهجرة النبوية، أو فتح مكة أو بيوم بدر، كل ذلك من البدع؛ لأن هذه الأمور موجودة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يحتفل بها، ولو كانت قربة إلى الله لاحتفل بها -عليه الصلاة والسلام-، أو أمر بها الصحابة، أو فعلها الصحابة بعده، فلما لم يكن شيء من هذا علمنا أنها بدعة، وأنها غير مشروعة هذه الاحتفالات، ولا يبرر فعلها أنه فعلها فلان وفلان، أو فعلها أهل البلاد الفلاني، كل ذلك لا يبرر، إنما الحجة ما قال الله ورسوله، أو أجمع عليه سلف الأمة، أو فعله الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم-، وقد ثبت أن هذا الاحتفال إنما حدث في المائة الرابعة في القرن الرابع، أعني الاحتفال بالمولد النبوي، فعله الفاطميون حين ملكوا المغرب ومصر وبعض البلاد الإسلامية، وهم شيعة، ثم تبعهم بعض الناس بعد ذلك، فلا يليق بأهل الإسلام أن يتأسوا بأهل البدع في بدعهم، بل يجب على أهل الإسلام وأصحاب السنة أن يحاربوا البدع، وأن ينكروها، وأن لا يوافقوا على فعلها، اقتداءً بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وبخلفائه الراشدين، وبصحابته المرضيين -رضي الله عنهم-، ثم بالسلف بعدهم في القرون المفضلة، هذا الذي نعتقده وندين به شرعاً، وننصح إخواننا المسلمين به ونوصيهم به أينما كانوا، ونسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، والثبات على السنة، والحذر من البدعة، إنه سميع قريب.  
 
7- كان لها ولد لا يصلي ولا يصوم وقد توفي، وتراه في المنام يناقشها في موضوع صلاته؛ وترجو من سماحتكم التوجيه، هل تقضي عنه ما لم يصلِّ؟
لا يقضى عنه، ولا يدعى له ولا عليه، يترك أمره إلى الله؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر، فلا يدعى له ولا يدعى عليه، ولا يتصدق عنه؛ لأن الصدقة والدعاء إنما تكون لأهل الإسلام، أما من مات على غير الإسلام فإنه لا يدعى له، فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أن استأذن ربه أن يستغفر لأمه، وقد ماتت في الجاهلية، فلم يؤذن له، مع أنها ماتت في الجاهلية، فلا يجوز للمسلم أن يستغفر لمن مات على أعمال الكفر: كترك الصلاة، وعبادة أصحاب القبور، وسب الدين، والاستهزاء بالدين، ونحو ذلك، كل هؤلاء لا يصلى عليهم، ولا يدعى لهم إذا ماتوا على هذه الحال ولم يتوبوا. نسأل الله السلامة.  
 
8- ورد في بعض المجلات الناطقة باسم الإسلام مقال جاء فيه: إن بعض المسلمين يُنذرون إن حصل لهم كذا وكذا فسيقدمون بعض الأموال لصناديق النذور الموضوعة في المساجد المقامة على أضرحة الأولياء والصالحين، وهذه الأموال تجرد كل عام وتقسم على العاملين في هذه المساجد، كالإمام وغيره، ويرجوا من سماحتكم التوجيه في هذا الموضوع ؟
هذه النذور التي يتقرب بها الناس إلى أصحاب القبور والسدنة التي على القبور كلها باطلة، وكلها شرك بالله -عز وجل-، لأن النذر عبادة، فلا يجوز أن يصرف لغير الله -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز أن ينذر لقبر البدوي، أو الحسين، أو فلان، أو فلان، أو فلان، لا دراهم ولا شمعاً ولا خبزاً ولا غير ذلك، كل ذلك منكر لا يجوز، كما أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم منكر، وهكذا الذبح لهم والتقرب إليهم بالذبائح منكر، فهكذا النذر قال الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي والنسك العبادة يعم النذر وغيره: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162-163] وقال -عز وجل-: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر: 1-2]، وقال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ[البقرة: 270] يعني فيجازيكم عليه، فالنذور قرب وطاعات، فإن كانت لله فلصاحبه ثوابها، مع أن الرسول نهى عن النذر قال: (إنه لا يأتي بخير)، فلا ينبغي النذر لكن لو فعل النذر طاعة لله وجب عليه أن يفعل الطاعة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) خرجه البخاري في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها-، فإذا نذر طاعة لزمه الوفاء وأجره على الله -سبحانه وتعالى-، ولكن ينصح إلا يعود إلى ذلك، فإذا قال: لله علي أن أصلي ركعتين هذه الليلة، أو لله علي أن أصوم يوم الاثنين أو يوم الخميس، أو لله علي أن أتصدق بكذا وكذا على الفقراء، أو لله علي أن أحج هذا العام أو عام كذا أو عام كذا، هذه كلها نذور عبادة وطاعة، فعليه أن يوفي بها، أما إذا نذر أن يتصدق بكذا وكذا للشيخ البدوي أو للسيد حسين، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو لفلان أو لفلان فهذه نذور باطلة، نذور شركية باطلة، وهذا المال الذي يجمع في الصناديق يجب أن يفرق على الفقراء، فلا يعطى إمام المسجد، ولا خدم المسجد، ولا السدنة؛ لأنهم أعانوا على الشرك، ودعوا إلى الشرك، فهم بدعائهم إلى الشرك ورضاهم بالشرك يكونوا مشركين بهذا العمل، فإن من دعا إلى الشرك ورضي بالشرك فهو مشرك، نسأل الله العافية. وهؤلاء السدنة الذين يدعون الناس إلى التقرب إلى هذه القبور معناه أنهم يضلونهم، ويدعونهم إلى الشرك بالله -عز وجل-، فلا يجوز أن تدفع إليهم هذه الأموال، بل يجب أن تؤخذ من الصناديق يأخذها ولي الأمر، وتدفع إلى الفقراء والمساكين الذين لا تعلق لهم بهذه القبور، وعلى ولي الأمر وعلى الدعاة إلى الله وعلى العلماء أن ينصحوا الناس، وأن يعلموهم أن هذه النذور باطلة، وأنه لا يجوز لهم أن يتقربوا إلى هذه الصناديق بشيء، وأن ترفع هذه الصناديق وتقفل، وأن يمنع السدنة من أعمالهم الخبيثة، وهكذا أئمة المساجد التي فيها القبور، يبين لهم أن هذا باطل، وعلى ولاة الأمور أن يزيلوا القبور من المساجد، وأن يجعلوها في مقابر المسلمين، وإذا كان المسجد مبني على القبر وجب هدم المسجد، وأن لا يصلى فيه، ويبقى القبر على حاله من دون مسجد، أما أن تبنى المساجد على القبور فهذا لا يجوز؛ لأن هذا وسيلة إلى الشرك، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقال -عليه الصلاة والسلام- فيما صح عنه من حديث جندب عند مسلم: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإن أنهاكم عن ذلك) فالرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن اتخاذ القبور مساجد، من جهات ثلاث أولاً: من جهة ذم الماضين على هذا الفعل، وتحذيراً لنا من عملهم السيئ، ولهذا قال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فهذا كله تحذير لنا من فعلهم والتأسي بهم. الوجه الثاني: أنه قال: (فلا تتخذوا) هذا نهي صريح. الوجه الثالث: قال: (فإني أنهاكم عن ذلك) تأكيد لما تقدم، وهذه الوجوه الثلاثة كلها توجب تحريم اتخاذ المساجد على القبور، والصلاة عند القبور واتخاذها محل للقراءة أو محلاً للدعاء أو الاستجداء والسؤال وعلى ولاة الأمر من المسلمين أن يعقلوا هذا وأن يعلموا وأن يمنعوا من اتخاذ المساجد قبور ويمنعوا من إيجاد الصناديق عند أهل النذور ويرشدوا العامة إلى أن هذا لا يجوز، كما يجب عليهم أن يرشدوا العامة إلى أنه لا يجوز دعاء الميت ولا الاستغاثة بالميت ولا النذر له، ولا الطواف بقبره كل هذا منكر بل شرك بالله، الطواف بالقبور، التقرب إلى المقبور والدعاء للميت والاستغاثة بالميت... العارفين بما شرع الله في أمر القبور وأمر الشرك لأن كثيرة الناس قد ينتسب إلى العلم وهو ليس من العلماء بل يعلن الشرك ويدعوا إليه وهو بين أهله فمثل هذا لا يعد من العلماء ولا ينسب إلى العلم لجهله ووقوعه في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنما العلماء هم العلماء بالله العارفون بشرعه الذين فهموا الكتاب والسنة وفهموا ما كان عليه سلف الأمة وعرفوا الشرك والتوحيد وهم المذكورون في قوله جل وعلا: شهد الله أن لا إله إلا هو والملائكة وأولي العلم، وهم المذكورون في قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء، يعني العلماء بالله وبشرعه أهل البصائر وهم المذكورون في قوله عليه الصلاة والسلام العلماء ورثة الأنبياء. رزق الله الجميع التوفيق والهداية وأرشد الأئمة والعلماء والأمراء لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ومنح الجميع الفقه في الدين والثبات عليه وهدى العامة لما فيه صلاحهم ونجاتهم وأعاذهم من كل ما يغضبه سبحانه ويوقعهم في الهلاك والعذاب في العاجل والآجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

558 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply