حلقة 521: الحال التي ينبغي أن يكون عليها المسلم - وقت المسلم الدراسة الدوام الرسمي الفراغ الحامل والمرضع في رمضان - الدعاء الجماعي بعد الفريضة - حكم التوابيت والقبور والأضرحة للأموات - المرور بين يدي المصلي هل يبطل الصلاة؟

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

21 / 50 محاضرة

حلقة 521: الحال التي ينبغي أن يكون عليها المسلم - وقت المسلم الدراسة الدوام الرسمي الفراغ الحامل والمرضع في رمضان - الدعاء الجماعي بعد الفريضة - حكم التوابيت والقبور والأضرحة للأموات - المرور بين يدي المصلي هل يبطل الصلاة؟

1- أخونا يصف بعض أحوال المسلمين في رمضان خاصة، فيقول: إن البعض منهم يسهر حتى منتصف الليل ثم يتناول الطعام وينام، فإذا ما أذن الفجر استيقظ وشرب ماءً وربما شرب شيئاً محرماً واتجه إلى الصلاة، والحال كذلك بالنسبة للإفطار؛ فهو يُفطر على بعض المباحات وقد يخلطها ببعض المحرمات، ويرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بتنبيه المسلمين على الحال الأفضل الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم؟ جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن أهتدى بهداه، أما بعد: فلا شك أن الله -عز وجل- لا يرضى لعباده أن يتناولوا ما حرم عليهم، بل قد حرم عليهم أشياء ونهاهم عن تناولها، وأباح لهم أشياء وأمرهم بتناولها، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله فيما يأتي ويذر، كما يشرع له أن يتحرى الأمر المشروع في صيامه وقيامه وسائر حركاته وسكناته، فالسُنة للمؤمن في هذا الشهر الكريم أن يعمره بطاعة الله، وأن يحفظ أوقاته للمنافسة في الخير والمسارعة إلى الطاعات: من الصلاة، والصدقات، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، والاستغفار، وعيادة المريض، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو هذا من وجوه الخير، هكذا ينبغي للمؤمن أن يعمر هذه الأوقات الشريفة في طاعة الله والمنافسة فيما يرضيه -سبحانه وتعالى-، والحذر مما يجرح صومه من معاصي الله، ولهذا يقول -عليه الصلاة والسلام- (الصيام جنة) يعني ستر، أي سترة وحرز من النار، يعني لو صان هذا الصيام وحفظه، ولهذا في اللفظ الآخر (الصيام جنة أحدكم من النار كجنته من القتال)، (الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب، فأن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة من أن يدع طعامه شرابه)، هذا يبين لنا أن المقصود حفظ الجوارح عن محارم الله: من الغيبة والنميمة والكذب والأيمان الفاجرة والدعاوى الباطلة والسب والشتم وغير هذا من الأقوال الضالة وهكذا الأفعال المحرمة: كالسرقة والخيانة والزنا وغير هذا مما حرم الله، يصون جوارحه ليلاً ونهاراً عن كل ماحرم الله، ويستعملها في طاعة الله ورسوله، دائماً دائماً ولكن في هذا الشهر الكريم تكون العناية أكثر، تكون العناية بما شرع الله أكثر، ويكون الحذر مما حرم الله أكثر، ويشرع له أن يبادر بالإفطار إذا غابت الشمس؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الإفطار)، وقوله -عليه الصلاة والسلام- يقول الله -عز وجل-: (أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)، والسنة أن يفطر على مباح، لا على حرام: كالتمر والماء وسائر ما أباح الله، والأفضل على التمر، أو الرطب إن تيسر الرطب، فإن لم يتيسر فالتمر، فإن لم يتيسر فالماء، وليحذر كل الحذر أن يفطر بما حرم الله من المسكرات أو التدخين أو القات، ليحذر ماحرم الله، فليكن فطره على ما أباح الله وما شرع من الطعام الطيب والشراب الطيب. أما إفطاره على ماحرم الله من مسكرات، والمخدرات والتدخين والقات، هذا شيء يجب الحذر منه، ولا يختم صيامه بهذه القاذورات وهكذا في السحور، السنة يؤخر السحور، لا يتسحر في وسط الليل، فالسنة أن يتأخر في السحور إقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه كان يتسحر في آخر الليل قرب الأذان -عليه الصلاة والسلام-، وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، فقال له أنس: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية، وفي لفظ آخر: كم بين السحور والصلاة، قال قدر خمسين آية. والمعنى بين الأذان الذي هو دخول وقت الصلاة وبين السحور ما بين السحور أي التسحر قدر خمسين آية، وهذا يقارب خمس دقائق أو عشر دقائق، هذا يدل على أن التأخير أفضل وهو أقوى للصائم وأنشط له على العمل بالنهار، فالسنة التبكير بالإفطار بعد غروب الشمس، والتأخير للسحور، ولهذا في بعض الروايات عن سهل -رضي الله عنه-: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور) هكذا جاء مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تسحروا فإن في السحور بركة)، متفق على صحته. والسُحور بالضم: هو التسحر هو الأكل الذي آخر الليل، والسَحور بالفتح هو ما يؤكل يُقال: السَحور، من تمر أو طعام آخر، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) أخرجه مسلم في الصحيح، هذا يبين لنا أن الفصل بين صيام المسلمين وبين صيام اليهود والنصارى هو التسحر، والمعنى أن ترك ذلك يكون فيه مشابهه لليهود والنصارى، فمن يأكل السحور في وسط الليل خالف السنة، وشابه أهل الكتاب، والمؤمن لا يليق به ذلك، الواجب عليه أن يتحرى ماشرعه الله، وما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل شيء، وأن يبتعد عما يخالف ذلك، ثم نومه بعد ذلك قد يكون وسيلة إلى نومه عن الصلاة صلاة الفجر، ثم إذا قام عند الأذان قد يكون ....... السحر قبل الأذان أو يشرب بعد الأذان فيعرض صومه للبطلان، قد يكون صومه بعد ماطلع الفجر فيكون صومه باطلاً، فالواجب أن يحذر، وأن يكون أكله قبل طلوع الفجر، فلا يتساهل في هذه الأمور، والصواب أنه من أكل بعد الفجر ثم بان له أنه أكل في النهار فإنه يقضي هذا هو المحتمل هذا هو الأرجح، وهكذا لو أفطر قبل غروب الشمس ثم عرف أنه أفطر قبل غروب الشمس عليه أن يقضي، لكونه أفطر جزءاً من النهار بغير حق، فالحاصل أنه ينبغي للمؤمن أن يكون سحوره أن يكون تسحر الأكل في آخر الليل قبيل الفجر، حتى يكون نشيطاً يخرج إلى الصلاة، ويصلي مع المسلمين وهو نشيط، ولا يعرض صومه للأكل بعد الصبح، ولا يعرض أيضاً صلاته للذهاب والفوات في وقتها أو مع الجماعة ومع ذلك إذا أكل آخر الليل شابه الرسول، وسلم مشابه أهل الكتاب، نسأل الله لنا التوفيق والهداية.  
 
2- حياة الناس تنقلب رأساً على عقب في رمضان، فيتحول الليل إلى نهار، وتبقى الأسواق عامرة بالناس حتى الفجر، وفي النهار تكاد تخلو الشوارع من المارة، وهذا يجعل الناس في حياة متغيرة تماماً، حتى إذا ما انقضى رمضان مضى عليهم فترة حتى يتكيفوا مع الحياة الجديدة العادية، لا بد لسماحة الشيخ من توجيه، كيف يكون الناس في رمضان حتى تبقى حياتهم مستمرة؟
السنة في رمضان في العشرين الأول أن ينام ويقوم، يصلي ما تيسر وينام، أما السهر فلا وجه له، فلا ينبغي السهر ينبغي أن ينام ما تيسر حتى يتقوى بذلك على العمل بالنهار، وعلى حاجاته، وعلى عمله ووظيفته، فلا ينبغي السهر، فالمشروع أن ينام بعض الشيء في العشرين الأول ويقوم. أما في العشر الأخيرة فالسنة فيها إحياء الليل لمن قدر بالعبادة والقراءة والصلاة كما كان النبي يفعل -عليه الصلاة والسلام-، قالت عائشة -رضي الله عنها-: (كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقض أهله) شد مئزره: أي شمر للعبادة، هذا هو الأفضل في العشر الأخيرة إحياء الليل بالعبادة بالقراءة بالصلاة بالذكر، أما العشرين الأول فالسنة فيها أن ينام ويقوم كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا تصلح الأمور، وبهذا ينشط المؤمن على العمل بالنهار وتكون حياته شبيهة بحياته الأولى، بخلاف إذا سهر بالليل فإنه إذا قام في النهار سقط في الغالب؛ لأن الإنسان ضعيف يحتاج إلى النوم، كما قال الله –عز وجل-: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا[النساء: 28]، والله المستعان.  
 
3- فيما يخص دور التعليم والأعمال والوظائف سماحة الشيخ، هل من توجيه يرى سماحتكم أنه جدير بالتطبيق؟
لا شك أن الدراسة في الليل في رمضان لها ما يعطلها ولها ما يؤخذ عليها، فالذي أرى أنه ينبغي للمسؤولين عن التعليم أن يجتهدوا بأن تكون أيام رمضان ولياليه إجازة، وأن تكون الدراسة في غير رمضان قبله وبعده، وأن يكون هذا الشهر الكريم شهر إجازة للطلبة والمدرسين حتى لا يشق عليهم العمل، إما بالسهر بالليل وإما بالتعب في النهار؛ لأن الصائم ولا سيما في أيام الصيف قد يضعف عن القيام بالمهمة على الوجه الأكمل، ولأن الشباب والشابات قد يضعفون عن العبادة أيضاً، فإذا أمكن أن يدرس هذا الأمر دراسة وافية وأن يعتاد ..... في المستقبل حتى تكون أيام رمضان ولياليه أيام إجازة، وتكون الدراسة فيما سوى ذلك، فأرجوا أن يكون هذا هو الأصلح، ولا ريب أن الدراسة للأمور من أهل الحل والعقد وأهل البصائر لها نتيجتها العظيمة والفاضلة، ولها أيضاً إدراك الحقائق على وجهها، ونسأل الله أن يوفق المسؤولين لكل خير.   
 
4- بالنسبة للوظائف سماحة الشيخ، كيف ترون وقت الدوام الرسمي؟
الذي عملوه الآن طيب، بكونه خمس ساعات، يبتدأ من الساعة العاشرة إلى الساعة الثالثة هذا طيب؛ لأن بعد الساعة الثامنة ما بقي وقت للإنسان فيذهب من العمل إلى الصلاة ما بقي وقت يستطيع فيه النوم حتى يتأخر عن الصلاة ما بقي وقت، ولو أنه في أول النهار يأخذ حاجته من النوم، إذا كان قد سهر أو ما نام إلا قليلاً، ....... والله أعلم أن هذا الوقت مناسب ما فيه شيء، ...... والذي يظهر أنه لا بأس به.  
 
5-   بالنسبة للفراغ في رمضان، إذا تفرغ الطلبة والطالبات شهراً كاملاً عن الدراسة، والذهاب والعودة من المدارس، ألا ترون أن هذا سيُحدث فراغاً كبيراً قد يُحدث خلالاً في سير حياتهم وفي سير دراستهم؟
ولهذا قلت إن الدراسة لها ثمرتها، وينبغي أن يدرس دراسة وافية، وإن كان الكثير من الناس الآن يكتبون ويقولون ينبغي أن تكون أيام رمضان ولياليه من أيام الإجازة لأن أهل الطلبة من الرجال والنساء يتعبون في أنفسهم ويشق عليهم ....... في رمضان ليلاً ونهاراً. فالحاصل أن الدراسة يكون لها ثمرتها، أما المتبادر هو أن رمضان ينبغي أن يكون إجازة، وأن تكون الدراسة فيما قبله وبعده، هذا المتبادر الآن فيما يظهر لنا من حال الناس من حال الطالبات والطلبة ومن يتولى أرسالهم إلى المدارس وإرجاعهم من المدارس قد يشكل لهم في هذا الأمر، ولكن الدراسة مثلما تقدم الدراسة فيها خير، يتولاها الأخيار وأهل البصائر لا شك أن الله سوف يدلهم على فهم الخير والصلاح إن شاء الله.   
 
6- هل يجوز للحامل أو المرضع الإفطار في رمضان وعليهما الفدية فقط دون القضاء؟
هذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم، من أهل العلم من قال: أن عليهما الفدية فقط، ولهما أن تفطرا؛ لأن الحمل قد يتتابع رمضان قد يتتابع ولا يكون عندهما فرصة للقضاء وهذا مروي عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما- وقاله جماعة من السلف، والقول الثاني: أنهما كالمريض أن شق عليهما الصيام أفطرتا وقضتا فإن لم يشق عليهما صامتا وهذا القول هو الأرجح وهو الأقوى دليلاً وهو الذي جاء به الحديث الصحيح عن أنس ابن مالك الكعبي غير أنس مالك بن الأنصاري أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (إن الله وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة، ووضع عن المرضع الصوم)، فهذا يدل على إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحبلى والمرضع الصوم، فهذا يدل على أنهما كالمسافر، المسافر في الصوم يفطر ويقضي وهما كذلك، والمسافر يختص بالقصر في الصلاة وضع الله شطر الصلاة لأنها رباعية والظهر والعصر والعشاء، فليس بالدنيا من يقصر الصلاة سوى المسافر، فالمريض لا يقصر، والحبلى والمرضع لا تقصران، وإنما يقصر المسافر يصلي الظهر الرباعية ركعتين، الظهر والعصر والعشاء فقط، بعض الناس قد يغلط فيقول أن المريض يقصر، وهذا غلط، المريض لا يقصر يصلي أربع المريض، فالحبلى والمرضع الصوام فيها أنهما كالمسافر والمريض تفطران وتقضيان، وليس عليهما فدية هذا هو الأرجح وهذا هو الصواب، وهو الذي نفتي به، وهو الذي فيما يظهر هو قول الأكثر من أهل العلم لأنهما شبيهتان بالمريض فقد يشق عليهما الصوم من أجل الرضاع أو من أجل الحبل وقد لا يشق عليهما كالمريض خفيف المرض فتصومان.  
 
7- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يجتمع ملأٌ فيدعوا بعضهم ويؤمِّن بعضهم إلا أجباهم الله) رواه الطبراني والحاكم والبيهقي، هل يمكن أن يكون هذا الحديث دليلاً على الدعاء بعد صلاة الجماعة، وأعني الدعاء الجماعي؟
هذا الحديث لا نعرف صحته يحتاج إلى مراجعة سنده، فلو صح سنده يحمل على حالات أخرى، التي لا تخالف ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن الأحاديث يفسر بعضها كالآيات يفسر بعضها بعضا، فلو صح هذا فهو محمول على المواضع التي يفعل فيها ويؤمل فيها، أما المواضع التي ليست محل دعاء جماعي، أو دعاء ترفع فيه الأيدي فيستثنى من هذا الحديث، ومن ذلك الدعاء بعد الفرائض الخمس، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما كان يدعوا بعدهما دعاءً جماعياً، ولا دعاء برفع الأيدي، كان يدعوا بينه وبين نفسه، وهكذا يدعوا المصلي، لا بأس أن يدعوا في دبر الصلاة بعد الأذكار بما تيسر من الدعوات هذا ليس دعاء جماعياً وليس دعاء يرفع فيه الأيدي؛ لأن هذا لم يحفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفرائض، لا في الظهر ولا في العصر ولا في المغرب ولا في العشاء ولا في الفجر، ولو كان وقع منه -صلى الله عليه وسلم- أو في عهد الخلفاء الراشدين لنقل، لأن الصحابة نقلوا كل شيء -رضي الله عنهم وأرضاهم-، ما تركوا شيئاً، بل قد نقلوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- كل ما شاهدوه وكلما سمعوه -رضي الله عنهم- مما ينفع المسلمين، فلو صح هذا الخبر، فإنه يحمل على أحوال لا تخالف ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة.    
 
8- هل للمسجد الحرام والمسجد النبوي خاصية لمرور الناس أمام المصلي اضطراراً ودفعاً للحرج؟
هذا للمسجد الحرام، الصواب في المسجد الحرام أنه لا تقطع فيه الصلاة، وأنما من مر بين يدي أخيه لا يضره، فلا يمنع المار، ولا يقطع المار الصلاة في المسجد الحرام؛ لأنه مظنة الزحمة، ومشقة الدفع، والحاجة الماسة إلى المرور بين يدي المصلين كالطفل في المطاف وغير المطاف، فالصواب في ذلك أن المصلي في المسجد الحرام لا يمنع ولو مر بين يديه امرأة لم تقطع صلاته، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحفظ عنه في هذا شيء، أنه يمنع المرأة أو أنها تقطع الصلاة فيه، بل جاءت عنه في بعض الأحاديث وإن كان فيها ضعف أنه لا كما كان يمنع المار في المسجد الحرام وأنه كان يصلي والناس يمرون بين يديه، لكن الحديث فيه ضعف، وثبت عن بعض الصحابه كابن الزبير أنه كان يصلي والناس يمرون بين يديه، ولأن المسجد الحرام مظنة الزحام ولا سيما في أيام الحج وأيام العمرة في رمضان قد يصعب فض المار، والتحرز من المار، وتلحق بقية ........، أما المسجد النبوي فلم يرد فيه ......... المسجد الحرام، فثبت عن ابن سعيد -رضي الله عنه- أنه كان يصلي في المسجد النبوي فأراد أحد أن يمر بين يديه فمنعه، فاشتكاه المار إلى مروان، فدعا أبا سعيد فسأله فأخبره أبو سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)، فأبو سعيد رأى أن مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل غيره يمنع المار فيه، وهذا والله أعلم عند إمكان ذلك، أما إذا كانت الزحمة شديدة فإنه في هذه الحال يلحق بالمسجد الحرام، وهكذا في أي مكان يكون الزحمة فيه شديدة لا يمنع المار للضرورة في أي مكان، فإذا ازدحم الناس في أي مكان واحتاج المصلي أن يصلي فريضتة أو الراتبة فإن المار لا يقطع في هذه الحالة ولا يمنع، لعدم إمكان منع المار بالتخلص والتحرز منه، وقد قال الله -جل وعلا- في كتابه العظيم: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ[الأنعام: 119]، والضرورات لها أحكامها وهذا منها والله أعلم.  
 
9- يشيع عند عامة الناس سماحة الشيخ أن الذي يمر بين يدي المصلي أن صلاة المصلي تُعتبر باطلة والحالة هذه، هل هذا الاعتقاد صحيح؟
هذا فيه تفصيل: إن كان المار امرأة أو حماراً أو كلباً أسود قطع، لما ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي ذر، وحديث أبي هريرة، وابن عباس، أما إن كان المار غير هذه الثلاث فإنه لا يقطع لكن ينقص، إذا أمكن رده ينقص الصلاة، أما إذا ما ما أمكن رده فغلب المصلي فالإثم عليه لا على المصلي وهذا في غير المسجد الحرام كما تقدم، وفي غير مواضع الزحمة التي لا حيلة فيها.   
 
10- هل التوابيت والقبور والأضرحة للأموات حرام؟ وإذا كانت في مسجد فماذا نعمل؟ أنفصلها أم نتركها ملتحمة بالمسجد؟ وجهونا جزاكم الله خيراً.
السنة الدفن في الأرض لا في التابوت وفي غيرها من الصناديق، ولا يجصص القبر، ولا يشرف، ولا يوضع فيه شيء آخر من الحديد أو من الألواح أو غير ذلك، فالسنة أن يدفن الميت بالأرض كما دفن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودفن الصحابة في الأرض، وهكذا أيضاً، يحفر له في الأرض ويلحد له ويجعل في الأرض: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ[طـه: 55]. لكن إذا كانت الأرض رخوة مائية ضعيفة فلا مانع من جعله في تابوت، أو جعل ألواحا تحته تمسكه، حتى لا تنهار الأرض به أو حجارة لا بأس بذلك عند الحاجة، أما إن كانت الأرض قوية فلا حاجة إلى شيء من ذلك. أما دفن المسجد فلا يجوز، يجب أن تكون القبور خارج المسجد؛ لأن الدفن في المساجد وسيلة إلى عبادة الأموات من دون الله -عز وجل-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق على صحته. وقال -عليه الصلاة والسلام- :(ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، رواه مسلم في الصحيح عن جندب بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-، هذا يدل على أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد يصلى فيها وإذا كان الأمر هكذا لم يجز أيضاً الدفن فيها؛ لأن الدفن فيها يجعل القبور مساجد، وإذا وجد في المسجد قبر وجب أن ينبش وتنقل رفاته إلى المقبرة، أما إن كان القبر هو القديم وبني عليه المسجد وجب هدم المسجد وألا يصلى فيه وألا يبقى، بل يهدم؛ لأنه بني على معصية الله فلا يبقى بل تجب إزالته، ولا ينبغي أن يغتر بما وقع في بعض البلدان الإسلامية من البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها؛ لأن هذا منكر، وإن فعله الناس وإن فعله كثير من الناس فهو منكر، تجب إزالته على ولاة الأمور، يجب على ولاة أمر المسلمين أن يزيلوا هذا المنكر، وأن لا يبنى على القبور وألا يتخذوا عليها المساجد؛ لأن الرسول نهى عن هذا -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك لا تجصص، ولا يبنى عليها قبة، ولا أي بناء، لما ثبت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- من حديث جابر: (أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها) رواه مسلم في الصحيح، فالقبر لا يبنى عليه لا قبة ولا غير قبة، ولا يجصص، ولا يتخذ عليه قبة ولا مسجد، كل هذا منكر وإن فعله بعض الناس كما يوجد في مصر والشام والعراق وغير ذلك كله غلط نسأل الله أن يوفق ولاة الأمور في كل مكان برسالة هذه المساجد، وإبقاء الأمور على الطريقة المحمدية التي سار عليها رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، في مقابر مكشوفة لا يبنى عليها لا مساجد ولا غيرها ولا تجصص ولا تعظم ولا أي شيء بل الواجب أن يدفن الموتى في الأرض كما كان يفعل -عليه الصلاة والسلام- في المدينة، وكما فعله الرسول نفعله، والبناء عليها خلافاً لذلك وسيلة لعبادتها من دون الله، وسؤالها والاستغاثة بها هذا هو الشرك الأكبر، هذا قد وقع، وقد يطاف بالقبور إذا وضعت في المساجد كما قد يفعل ذلك كثير من الناس في قبور معروفة وبسبب هذا الظلم وقع الشرك للناس لما بني على القبور وعظمت ظن العامة أنها تعبد من دون الله، وأنه ويستغاث بها وأنه يطاف بها ففعلوا ووقع الشرك الأكبر والعياذ بالله، نسأل الله للجميع العافية والهداية.

521 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply