حلقة 613: دعاء قال بعض العلماء أنه يجاب - دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب - حكم الوليمة وتركها - قول الإمام للمأمومين في تسوية الصفوف في الصلاة استووا اعتدلوا - العصمة في يد الزوجة - معنى كلمة مهاجر - بعض أحكام الشهيد

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

13 / 50 محاضرة

حلقة 613: دعاء قال بعض العلماء أنه يجاب - دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب - حكم الوليمة وتركها - قول الإمام للمأمومين في تسوية الصفوف في الصلاة استووا اعتدلوا - العصمة في يد الزوجة - معنى كلمة مهاجر - بعض أحكام الشهيد

1-   ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال: كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره يضرب به الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ما معك فإني قاتلك؟ قال: فما تريد إلا دمي فشأنك والمال، قال: أما المال فلا، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صلِّ ما بدا لك فتوضأ، ثم صلى أربع ركعات، وكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني! يا مغيث أغثني! يا مغيث أغثني! فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه، فلما ظفر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم! فقال: من أنت بأبي أنت وأمي، فقد أغاثني الله بك اليوم، فقال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوة بدعائك الثالث، فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله أن يوليني قتله. قال الحسن: (فمن توضأ وصلى أربع ركعات ، ودعا بهذا الدعاء أستجيب له مكروباً كان أو غير مكروب). هل ما جاء في هذه القصة صحيح؟ وإذا كان صحيحاً هل من الجائز العمل بما قاله الحسن في نهاية القصة؟ أفتونا في هذا، جزاكم الله خيراً؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعـد: فهذه القصة معروفة ، وذكرها العلامة ابن القيم - رحمه الله - في الجواب الكافي ، وهي من أخبار بني إسرائيل؛ لأن الحسن تابعي وليس يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم مرسلاته لا يحتج بها، ، وأخبار بني إسرائيل كما جاء في الحديث لا تصدق ولا تكذب؛ كما قال عليه الصلاة والسلام : (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج). وأخبارهم كما قال العلماء على أقسامٍ ثلاثة: قسم علم من شرعنا صحته فيصدق، وقسم علم من شرعنا تكذيبه فيكذب، وقسم لم يعرف في الشرع لا هذا ولا هذا ، فيكون موقوفا ، يخبر به ويحدث به ولا حرج ، لما فيه من العظات والذكرى، وهذا الدعاء كله طيب، والله - جل وعلا - هو القائل سبحانه: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [(62) سورة النمل]. فهو سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا شاء سبحانه كما وعد بذلك، فهذا إنسان مضطر على تقدير صحة الحكاية، إنسان مضطر فأجاب الله دعوته، وهو دعا بدعواتٍ عظيمة: يا ودود ، يا ذو العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعز وجهك الكريم، وبملكك الذي لا يضام ، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، ثم قال: يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني ، فهو دعا دعواتٍ طيبة، ليس فيها محذور ، فإذا دعا بها الإنسان مضطر أو غير مضطر ليس فيها شيء، وإذا صلى ودعا، فالصلاة قربة عظيمة ، والله يقول: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [(45) سورة البقرة]. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. فإذا كرب إنسان بظالم و بشيء شق عليه وفزع إلى الله ، ودعاه واستغاث به ، أو صلى ودعا، كل ذلك طيب، كله مشروع، سواء دعا بهذا الدعاء أو بغير هذا الدعاء، بأي دعاءٍ طيب، كأن يقول : اللهم خلصني من كذا، اللهم أنجني من كذا، اللهم فرج كربتي من كذا، اللهم اعطني كذا، اللهم يسر لي كذا، الدعوات الطيبة كثيرة، وإذا دعا بنفس هذا الدعاء فلا بأس في ذلك، كله طيب، لكن ليس محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، إنما هو يروى من الأخبار التي لا تعرف صحتها لكن معناها صحيح. 
 
2-   عندما يدعو الإنسان بدعاء في ظهر الغيب بشر على أشخاص أو فئة معينة، سواء كانوا أهلين لهذا الدعاء أم لا، فهل يقع عليه حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال ما معناه: كلما دعا المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب فله ملك موكل خاص يقول: آمين ولك بالمثل. هل يشمله دعاء الشر؟
لا يدخل في هذا دعاء الشر، لأنك لا تعين على الشر، إنما تعين على الخير، هذا إذا دعا له بخير، دعا له بالتوفيق، دعا له بالهداية، دعا له بالغنى، دعا له بالمغفرة، فالملك الموكل يقول : آمين ولك بالمثل، لأنه محسن، والمحسن يستحق أن يدعى له، أما الذي يدعو على غيره فهو ظالم، فلا يستحق أن يعان، ولا يؤمن على دعائه، والمشروع للمؤمن أن يتقي الله – جل وعلا - وأن يحذر ، وأن تكون دعواته فيما ينفعه أو فيما ينفع المسلمين، أما أن يدعو على الناس فيما يضرهم فلا يجوز له، وإذا كان مظلوماً ففي إمكانه أن يطلب القصاص ممن ظلمه من الجهات المسؤولة، وإذا دعا عليه بقدر مظلمته لا يضره ذلك، إذا دعا عليه بقدر مظلمته، قال الله - جل وعلا -: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ [(148) سورة النساء]. لكن لو ترك الدعاء عليه كان ثوابه أكثر يوم القيامة، وإن اشتكاه إلى الجهات المسؤولة في الدنيا ليعطوه حقه فلا بأس عليه في ذلك.   
 
3-   ما حكم من لم يولم لزواجه، وهل يتأثر عقد النكاح بهذا، وهل يعتبر عاصياً للرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما أمر عبدالرحمن بن عوف حين زواجه أن يولم ولو بشاة؟
الوليمة سنة مؤكدة ولو بشاة كما قال عليه الصلاة والسلام: (أولم ولو بشاة) لعبد الرحمن بن عوف، ولكن لا يؤثر على النكاح، النكاح صحيح، ولو لم يحصل هناك وليمة ، إذا تمت شرائطه وأركانه فهو صحيح، وإن لم يولم، لكن كونه يولم بما تيسر هو السنة ، وهو الذي ينبغي ، والقول بوجوب الوليمة قول قوي ؛ لأن الرسول أمر بها: (أولم ولو بشاة). فالقول بالوجوب له قوة ولو بشيء اليسير على حسب الطاقة، وترك ذلك خلاف السنة، لكنه لا يؤثر في النكاح ولا يبطله ، بل النكاح صحيح إذا استوفى شروطه وأركانه. 
 
4-  هل من السنة عندما يقول الإمام للمأمومين في تسوية الصفوف في الصلاة: استووا، اعتدلوا، يرحمني ويرحمكم الله؟
ما نعلم في هذا بأس إذا دعا لهم، النبي كان يأمرهم بالاستواء، يأمرهم بتعديل الصفوف، يأمرهم بسد الخلل، وإذا دعا ما أعلم في هذا بأس وقال: غفر الله لنا ولكم ، أو رحمنا الله وإياكم، لا أعلم في هذا بأسا إن شاء الله. 
 
5-   ما حكم الشرع في بعض العوام من الناس عندما يقول تكون العصمة في يد الزوجة، أي بمعنى هي التي بيدها الطلاق وليس الزوج، هل هذا جائز؟
الصواب في هذا أن هذا شرط غير صحيح، لأنه خلاف ما شرع الله، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل). وإن كان مئة شرط. فالشروط التي تخالف شرع الله ليست صحيحة، وكونه يشير لها أن الطلاق بيدها هذا خلاف ما شرع الله، الطلاق بيد الزوج ، وهذا يسبب فساداً كبيراً لأنها قلَّ أن تصبر على الزوج، بل عندها أقل شيء يصدر منها الطلاق، فالحاصل أن هذا لا يصح، والشرط باطل. 
 
6-   نرجو من سماحتكم توضيح معنى كلمة مهاجر؛ لأن معظم الناس يطلقونها على كل من ابتعد عن بلده لأي سبب كان، وليس بسبب الهجرة في سبيل الله؟
الهجرة هي الانتقال من بلد إلى بلد، الذي ينتقل من بلد إلى بلد يقال هاجر إلى البلاد الفلانية، إذا انتقل إليها، للإقامة فيها، لكن الهجرة الشرعية هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام هذه يطلق عليها الهجرة الشرعية، أما الهجرة في اللغة هي أوسع، فينبغي أن يفرق في ذلك. فالمهاجر الهجرة الشرعية هو الذي ينتقل من بلاد الشرك أو من بلاد ظهرت فيها البدع والمعاصي إلى بلاد سليمة، فيقال له مهاجر، كما سمي المهاجرون من قريش وغيرهم الذين انتقلوا إلى المدينة سموا بذلك، لأنهم تركوا بلاد الشرك وانتقلوا إلى البلاد الإسلامية. أما من حيث اللغة فاللغة أوسع في تسمية المهاجر الذي ينتقل من بلد إلى بلد، من إقليم إلى إقليم، أو من دولة أو دولة ، بمعنى أنه هجر الأولى واستقر في الثانية، يعني ترك الأولى واستقر في الثانية. 
 
7-   قبل بضع سنوات أفطرت رمضان كله بأمر من الدكتور حيث كنت مريضاً، وبعدها أفطرت في رمضان آخر خمسة عشر يوماً لأسباب أخرى، ومر على هذه الأيام سنين وما قضيتها، وصمت بعدها، وأريد أن أقضيها، فماذا أفعل؟ أفيدوني أثابكم الله.
عليك القضاء مع التوبة إلى الله - جل وعلا - عما حصل من التأخير، فعليك يا أخي أن تستغفر الله ، وتتوب إليه ، وتندم على ما فعلت، وعليك أن تقضي هذه الأيام، وأن تطعم مع ذلك عن كل يوم مسكين من قوت البلد، نصف صاع من قوت البلد. فالواجب عليك ثلاثة أمور: الأمر الأول: القضاء، والمبادرة به. والأمر الثاني: إطعام مسكين عن كل يوم، مع القدرة، فإن كنت فقيراً عاجزاً سقط عنك الإطعام ، وبقي عليك الصيام. الأمر الثالث: التوبة إلى الله من هذا التأخير ، والاستغفار ، والندم، ومن تاب تاب الله عليه، نسأل الله لنا ولك الهداية. 
 
8-  هل يحاسب الإنسان على سيئاته إذا كانت حسناته أكثر؟
أخبر الله - جل وعلا - في كتابه العظيم في قوله سبحانه وتعالى : فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [سورة القارعة (6-9)]. فتوزن الحسنات والسيئات، كل إنسان يوازن بين حسناته وسيئاته، ومن رجحت الحسنات أفلح ونجا، وقد يعفو الله عن العبد ويدخله الجنة من دون أن يحاسبه على سيئاته، إما بتوبةٍ فعلها، وإما لحسناتٍ عظيمة أتى بها قبل موته، وإما لأسبابٍ أخرى اقتضت رحمة الله – عز وجل - وفضله - سبحانه وتعالى - بإدخاله الجنة وعدم محاسبته على سيئاته. لكن الأصل الموازنة كما أخبر الله به في كتابه العظيم، فالحسنات توزن والسيئات توزن ، وهو لما رجح منها، من رجحت حسناته نجا، ومن رجحت سيئاته هلك إلا من رحم الله. لكن قد يعفو سبحانه وتعالى عن العبد ويتجاوز عن سيئاته فضلاً منه وإحسانا، إما بالتوبة لأنه وعد التائبين بالمغفرة، لما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [(82) سورة طـه]. وإما لحسنات عظمية صارت سبباً لمغفرة ذنوبه، وإما لأسبابٍ أخرى اقتضت حكمة الله أن تكون سبباً للمغفرة. 
 
9-   هل يحاسب الشهيد الذي لم يستشهد في ساعة المعركة، والشهداء أقسام كما نعلم؟ وهل يشفع في سبعين فرداً؟ وهل يحاسب على كل شيء؟ وهل يعفى عنه في كل شيء إلا على الدين؟
جاء في الحديث الصحيح أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فالشهيد الذي قتل في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، يغفر له كل شيء، كما قاله النبي - عليه الصلاة والسلام - إلا الدين، فإن جبرائيل أخبر النبي بذلك، وأن صاحب الدين لا يضيع حقه، بل يجزيه الله عن حقه ويعطيه حقه يوم القيامة، ولا يضيع عليه شيء، والشهيد يغفر له كل شيء لكن الدين الذي عليه الله يقضيه عنه - سبحانه وتعالى - ، لا يضيع على صاحبه. الشهيد الذي لم يستشهد في المعركة؟ ما دام مات بسبب الجراحات فهو شهيد، ما دام بسبب الجراحات التي يعتبر فيها في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، سواء مات في المعركة أو تأخر موته أياماً وليالي لكنه مات بسبب الجراحات التي أصابته. لعلها تقصد من سؤالها أقسام الشهداء الآخرين؟ الشهداء أقسام، لكن أفضلهم شهيد المعركة في سبيل الله – عز وجل - ، ومنهم المطعون، الذي مات بالطاعون، والمبطون الذي يموت بالإسهال في البطن، وصاحب الهدم الذي يموت بالهدم، تسقط عليه دار، أو سقف ، وفي حكمه من يموت في دهس السيارات أو انقلاب السيارات وصدام السيارات هذا من جنس الهدم، وكذلك الغرق ، كل هذه أنواع من الشهادة، لكن أفضلهم شهيد المعركة ، وهو الذي لا يغسل ، ولا يصلى عليه، أما البقية يغسلون ، ويصلى عليهم ، وإن كانوا شهداء. هل يشفعون؟ هل يعفى عن كل شيءٍ عملوه إلا عن الدين؟ أم أن ذلك؟ هذا ما جاء في الحديث الصحيح في شهيد المعركة. في شهيد المعركة فقط؟ أنه إذا كان صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، هذا في شهيد المعركة. أما غيره فالله أعلم، له الفضل وله خير ، ولكن كونهم يشفعون في كذا، أو كونهم يغفر لهم كل شيء هذا محل نظر يحتاج إلى دليل خاص، لكن لهم فضل، فضل الشهادة. 
 
10-   إذا ارتكب المسلم إثماً يستحق الحد والقصاص أو التعزير ولم يقام عليه هذا العقاب، ولم يعلم عنه أحد ، وتاب توبة نصوحاً ، فهل يعاقب يوم الحساب على هذا العمل أم لا؟
من توبته للقصاص أن يمكن نفسه، حتى يرضى صاحبه أو يقتص، أما بقية المعاصي إذا تاب إلى الله فالله يعفو عنه - سبحانه وتعالى -، لكن إذا كان الحق للمخلوق كالسرقة والقتل ونحوه ، فهذا لابد من إعطاء المخلوق حقه، فإن لم يعطه حقه فالتوبة تسقط عنه حق الله ، وتسقط عنه خطر دخول النار، ولكن يبقى عليه حق القتيل، حق المسروق منه، لابد أن يؤدى عنه، فإن تاب توبةً صحيحة فيرجى له أن الله يؤدي عنه - سبحانه وتعالى -، إذا لم يستطع أداء الحق ، فالله - جل وعلا - يؤدي عنه - سبحانه وتعالى - تلك الحقوق إذا كانت التوبة صحيحة ، وسليمة ، ومستوفي شروطها، مستوفية شروطها، ومن شروطها أن لا يستطيع أن لا يتمكن من أداء الحق للمخلوق، فإن شروطها ثلاثة: الندم على الماضي، والإقلاع من الذنب، والعزم الصادق أن لا يعود فيه، هذه الذنوب متعلقة بالله - جل وعلا -. وهناك شرط رابع يتعلق بالمخلوق كالدم، السرقة، وظلم الأموال والأعراض، فهذا الحق يجب أن يؤدى لصاحبه ، فإذا عجز عنه بأن مات صاحبه، وليس له ورثة يعطيهم حقهم، فإن حق الميت يبقى ، وإذا كانت التوبة صادقة ، فالله يقضيه عنه - سبحانه وتعالى - جل وعلا - ؛ لأنه صادق في محبته للتوبة ، وإعطائه حقه ، لكنه لم يتمكن من هذا الشيء لأنه مات وليس ورائه أحد يقضيه الحق ، فحينئذ يبقى الأمر بينه وبين الله - عز وجل -، والله - سبحانه وتعالى - يتقبل من عبده التوبة الصادقة في جميع الأشياء؛ كما قال الله – تعالى -: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [(53) سورة الزمر]. لكن إذا كان صاحب الحق موجوداً فلابد من إعطاءه حق أو استباحته ، وإلا فإنه يأخذ من حسناته بقدر مظلمته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من كان عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات - يعني الظالم - أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). هذا يدل على أن خلق المخلوق لابد من أدائه حيث أمكن، أما إذا لم يمكن فالله يعفو عنه - سبحانه وتعالى -، والتوبة مقبولة ، ونافعة ومفيدة ، ويبقى حق المخلوق الذي لم يستطع أدائه يرضيه الله ، يرضيه الله، يرضي الله صاحبه عنه بأنواع الثواب والخير فإنه سبحانه جواد كريم، والعبد معذور ؛ لأنه لم يتمكن من أداء الحق.  
 
11-  إذا سهوت في صلاة ما ، فإنني أعلم أنه يجب علي أن أسجد سجود السهو ، فمتى أسجده ، أفتوني ولكم الأجر؟
هذا فيه تفصيل: فإذا سهوت في العدد وجب عليك البناء على اليقين، ويكون السجود قبل السلام، سجدتين قبل أن تسلم، فإذا شككت هل صليت ثنتين أم ثلاثاً جعلتها ثنتين وكملت الصلاة، أو سهوت هل صليت ثلاثاً أم أربعاً ، العشاء أو الظهر أو العصر جعلتها ثلاثاً ، وبنيت على اليقين ثم أتيت بالرابعة ، فإذا كملت صلاتك سجدت للسهو سجدتين قبل أن تسلم، أما إن كان السهو نوعاً آخر بأن نسيت التشهد الأول، وقمت إلى الثانية ما جلست للتشهد الأول، أو نسيت : سبحان ربي الأعلى في السجود، أو نسيت أن تقول : سبحان ربي العظيم في الركوع ، أو نسيت بعض التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وأنت منفرد أو إمام فإنك تسجد السهو قبل أن السلام سجدتين، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما ترك التشهد الأول في بعض صلواته سجد للسهو قبل أن يسلم سجدتين - عليه الصلاة والسلام - . وهناك أنواع أخرى من السهو، لها أحكامها مثل من زاد ركعة ، فهذا يلزمه الرجوع إذا تنبه ونبه، فإن لم يرجع بطلت صلاته ؛ لأنه زاد الصلاة متعمداً، زاد زيادة متعمداً لها، إذا نبهوه ولم يرجع، نبهه اثنان فأكثر ولم يرجع بطلت صلاته، إلا أن يتيقن صواب نفسه، يعتقد خطأهم، فإذا تيقن صواب نفسه وأن المنبه مخطئ فلا حرج عليه، يكمل، والذين يعتقدون أنه زائد يجلسون لا يتابعونه فلهم اعتقادهم وله اعتقاده ، فإذا اعتقدوا أنه قام إلى خامسة في الظهر أو العصر أو العشاء يجلسون أو إلى رابعة في المغرب أو إلى ثالثة في الفجر أو في الجمعة يجلسون ولا يتابعونه فإذا سلم سلموا معه بعد ذلك، أما إذا كان ساهياً فلما نبهوه تنبه ورجع ، فإنه يتشهد ، وإذا فرغ من التشهد سجد سجدتين للسهو قبل السلام أو بعده، وقبله أفضل. وبذلك تتم صلاته بهذا السجود وتنجبر الصلاة بهذا السجود، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في بعض الأحاديث إن كان صلى كما ... كانت ترغمة للشيطان، وإن كان صلى ... .... له صلاته، فالمقصود أنه إن كان صلى صلاةً تامةً وهو مأجور على سجود السهو وفي إرغامه للشيطان، وإن كان النقص كان جابراً، وهناك نوع آخر وهو أن يسلم عن نقص في ثلاث الظهر أو العصر أو العشاء أو يسلم في ثنتين في المغرب أو في واحدة في الفجر، ثم ينبّه فهذا يقوم ويكمل فإذا كمل سلم ثم سجد السهو بعد ذلك، إذا كان سلم عن نقص ونبهوه، وتنبه ثم قام وكمل فالأفضل أن يكون سجوده بعد السلام، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سها في صلاته وسلم عن نقص ونبه كمل صلاته وسلم ثم سجد السهو – عليه الصلاة والسلام – فهذا هو الأفضل في هذه الحال أن يكون السجود بعد السلام، ولو سجد قبل السلام أجزأ عن كونه يتحرى أمره صلى الله عليه وسلم ويسجد كما سجد بعد السلام يكون هذا هو الأفضل. 

472 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply