حلقة 650: فضل السواك والأوقات المناسبة لاستعماله - حديث لله تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة - أول جمعة في الإسلام ومن خطب فيها؟ - حكم لحم الثعلب - حكم اللعن في المسجد وخارجه - حكم زيارة النساء للقبور

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

50 / 50 محاضرة

حلقة 650: فضل السواك والأوقات المناسبة لاستعماله - حديث لله تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة - أول جمعة في الإسلام ومن خطب فيها؟ - حكم لحم الثعلب - حكم اللعن في المسجد وخارجه - حكم زيارة النساء للقبور

1-   نحن نعلم جميعاً فضل السواك، ونعلم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، لكني ألاحظ يا سماحة الشيخ أن كثيراً من الناس لا يحرصون على نظافة السواك، ولا يحرصون على الأوقات المستحب فيها استعمال السواك، فهم يستعملونه مثلاً بعد أن يكبر الإمام، ويستعملونه أثناء الخطبة، أرجو أن يتفضل سماحتكم بتوجيه الناس حول الأوقات المناسبة لاستعمال السواك؟ جزاكم الله خيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد. فقد صحت الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في فضل السواك والترغيب فيه، ومن ذلك ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، وهذا يدل على تأكد السواك وشرعيته؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رغب فيه وحرض عليه وإنما أراد أمر الوجوب "لأمرت" أمر إيجاب، وإلا فهو للاستحباب وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام ما يدل على استحبابه وشرعيته ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) خرجه النسائي وغيره بإسناد صحيح، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان عليه الصلاة والسلام يبدأ بالسواك إذا دخل منزله عليه الصلاة والسلام) وكان يستعمل السواك كثيراً عليه الصلاة والسلام، وكان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك رواه الشيخان من حديث أبي حذيفة - رضي الله عنه - والأحاديث في هذا كثيرة تدل على شرعية السواك واستحبابه، وهو يتأكد عن الصلاة قبل أن يكبر الإمام يستاك قبل أن يكبر، السنة أنه يستاك عند الصلاة قبل أن يكبر فإذا كبر الإمام، كبر بعده كذلك عند المضمضة عند الوضوء في أول الوضوء، وهكذا عند دخول المنزل، وهكذا إذا تغير الفم والأسنان يستحب أن يستاك حتى يزيل الرائحة السيئة من الفم وحتى يحصل بذلك تنظيف الأسنان ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، وهذا يعم الصائم وغير الصائم، في آخر النهار وفي أوله وفي الليل والنهار، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكره في آخر النهار للصائم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) قالوا: السواك قد يزيل هذا الخلوف أو يخففه، والصواب أنه لا يكره للصائم في آخر النهار بل يستحب دائماً لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) (وعند كل صلاة) وهذا يعم الصائم وغيره ويعم صلاة الظهر والعصر في حق الصائم وغيره ولأن الخلوف لا يزول بل يبقى لأن الخلوف يتصاعد من الجوف في حق الصائم، فالسواك لا يزيله بل بعد رفع السواك يحصل التصاعد للخلوف الذي هو مفضل عند الله سبحانه وتعالى، ثم خبر الخلوف خاص بمعنى يقتضي ترغيب الصائم في الصيام وبيان فضل الصيام وأنه له عنده الله منزلة عظيمة، ولا ينافي مسألة السواك، فالمشروع لكل مؤمن أن يعتني بالسواك كما شرعه الله جل وعلا على يد رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يحرص عليه إحياءً للسنة وتعظيماً لها وترغيباً فيها حتى يتأسى به غيره، وهكذا بقية السنن من الوتر لأنه متأكد ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر يستحب للمؤمن أن يوتر في السفر والحضر وأقله ركعة وليس له حد لكن أقله ركعة، وإن أوتر بخمس أو ثلاثة أو أكثر كان أجره أعظم، والأفضل أن يوتر بوتر النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشر ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة وإن أوتر بأقل أو أكثر فلا حرج في ذلك، وهكذا صلاة الضحى سنة مؤكدة وأقلها ركعتان وإن صلى أكثر فلا بأس، وهكذا سنة الظهر وسنة المغرب وسنة العشاء وسنة الفجر، وهكذا بقية السنن سنة الظهر أربعاً قبلها وثنتان بعدها يعني تسليمتين قبلها وسنة ركعتان بعدها، سنة المغرب ركعتان بعدها سنة العشاء ركعتان بعدها سنة الفجر ركعتان قبلها، يستحب قبل العصر أربع لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (رحم الله من صلى أربعاً قبل العصر) يعني تسليمتين ويستحب أن يصلي أمام كل صلاة ركعتين قبل المغرب قبل العشاء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة) ثم قال في الثالثة: (لمن شاء)، وهكذا عيادة المريض وتشميت العاطس إذا حمد الله، المبادئة بالسلام وإفشاء السلام، نصيحة المسلمين، إتباع الجنائز، الصلاة على الجنائز، كل هذه سنن عظيمة ينبغي للمؤمن العناية بها، وهكذا صدقة التطوع ولو بشق تمرة، الدعوة إلى الخير والتشجيع عليه، حفظ اللسان عن فضول الكلام التي لا فائدة فيها، إلى غير هذا مما ينبغي للمؤمن أن يعتني به. يذكر سماحة الشيخ أن بعض الناس يستعمل السواك بعد أن يكبر الإمام لبدايته في الصلاة وأثناء الخطبة؟ تقدم التنبيه على هذا السنة أن يستاك قبل أن يكبر الإمام حتى إذا كبر الإمام بادر بالتكبير لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كبر فكبروا) ويستحب للمؤمن أن يستاك قبل تكبير الإمام إذا قام للصلاة يستاك إذا كبر إمامه كبر، وهكذا يوم الجمعة لا يستاك في وقت الخطبة بل ينصت ويقبل على الخطبة ولا يستاك ولا يعبث حتى السواك ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس والإمام يخطب، بل يقبل على الخطبة ويستمع لها وينصت لها، ويحفظ السواك حتى تأتي الحاجة إليه عند إقامة الصلاة عندما ينتهي من الخطبة، وهكذا لا يعبث بثيابه ولا بلحيته أو بغير ذلك بل يقبل على خطبة الإمام ويستمع لها وينصت ويكون قلبه حاضراً حتى يستفيد.   
 
2-  هل هذا الحديث صحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة)؟
نعم، صحيح ورواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) وفي لفظ: (من حفظها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر) قال العلماء: معنى أحصاها ومعنى حفظها يعني أتقنها وتدبر معانيها وعمل بمقتضاها، فلو أحصاها ولكن لا يعمل بمقتضاها لا يحصل له هذا الفضل، لكن إذا أحصاها وتدبرها وحفظها وتعقلها وعمل بمقتضاها من تعظيم الله وتقديسه والقيام بأوامره وترك نواهيه دخل الجنة لكونه أدى الواجبات وترك المحارم، فصار حفظ هذه الأسماء وإحصاءها من وسائل نشاطه في الحق وتعظيمه للرب واتباع الشريعة والحذر مما نهى الله عنه ورسوله.   
 
3-  أين أقيمت أول جمعة في الإسلام؟ ومن الذي خطب الخطبة فيها وصلى بالناس؟
أول جمعة في المدينة صلى بهم أسعد بن زرارة - رضي الله عنه -، وكان ذلك قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان جمَّع الناس وصلى بهم في الهاضمات موضع معروف في المدينة، وأول جمعة في غير المدينة في جوادا قرية في مجمع البحرين، وهذا هو المعروف في السير وكتب الحديث ثم هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصار يقيمها في مسجده عليه الصلاة والسلام.   
 
4-  هل لحم الثعلب حرام أم حلال؟
الثعلب فيه خلاف بين أهل العلم، والصواب أنه حرام لأنه سبع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) ونهى عن كل ذي ناب وهو من السباع التي تفترس الطيور والدجاج ونحوها من الحيوانات الصغيرة يفترسها الثعلب، وهكذا القط السنور حرام، لأنه أيضاً يفترس، والقاعدة مثلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) وهكذا كل ذي مخلب من الطير يصيدُ به كالعقاب والباشق والصقر والباز والفهد ـــ هذه الطيور التي لها مخالب تصيد بها حرام أكلها كالسباع التي تفترس، كالذئب والأسد والنمر والفهد والكلب ونحو ذلك.   
 
5-  ما هي نصيحتكم من يلعن في المسجد؟
اللعن محرم في المسجد وفي غير المسجد، اللعن من كبائر الذنوب، في المساجد وفي البيوت وفي الطرقات وفي السيارات وفي القطارات وفي الطيارات وفي كل مكان، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لعن المؤمن كقتله) شبهه بالقتل لعظم الجريمة، ولأنه من أعظم الأسباب في الشحناء والعداوات والفتن، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة)، ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة حفظ اللسان وصيانته عما لا ينبغي، ومن أقبح الكلام اللعن والشتم يلعن أخاه أو صاحبه ولو مازحاً ولو لاعباً لا يجوز، فالمؤمن من شأنه حفظ لسانه وصيانته حتى لا يتكلم إلا بالخير، وهكذا المؤمنة عليها حفظ لسانها وصيانته وأن لا تقول إلا خيراً، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، هذا حديث عظيم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، والله يقول سبحانه: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)، ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (إن العبد ليتكلم بكلمة ما يتثبت فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)، ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (إن العبد ليتكلم بكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه)، فالأمر عظيم وخطير لا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب حفظ اللسان وصيانته عن جميع الكلام الذي يضر العبد اللعن الشتم الغيبة النميمة والكذب، وشهادة الزور والدعاوى الباطلة وغير هذا مما حرم الله.   
 
6-   أرجو أن تتكرموا بتفسير قول الحق تبارك وتعالى في سورة مريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا))[مريم:59-60]، رجل كان في شبابه يعمل كثيراً من الكبائر ويترك الصلاة، ثم تاب واهتدى وأقبل على الصلاة ويستشهد كثيراً بهذه الآية، ما هو قولكم شيخ عبد العزيز؟ جزاكم الله خيراً.
نعم، هذه الآية تدل على عظم جريمة من أضاع الصلاة يقول سبحانه: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) الخلْف بالتسكين هو خلف السوء، يعني الذي يأتي بعد الصالح وهو على غير هدى يقال له خلْف، يعني خلف قومٌ جاءوا بعدهم ليسوا على استقامة بل على إضاعةٍ للصلوات وركوب للمحارم، ولهذا قال: (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) يعني المحرمة كالزنا وشرب المسكرات واللواط وأكل الربا وغير ذلك مما حرم (فَسَوْفَ الله يَلْقَوْنَ غَيًّا) يعني خساراً ودماراً وعاقبة سيئة، وقال بعض المفسرين (غياً): يعني وادي في جهنم خبيثاً طعمه بعيداً قعره نسأل الله العافية، وفي كل حال فالذي يضيع الصلوات ويتركها قد أتى منكراً عظيماً، وهو كافر عند جمع من أهل العلم وإن لم يجحد الوجوب، أما إذا جحد الوجوب وقال إنها لا تجب صار كافراً عند الجميع نسأل الله العافية، لكن لو تركها تهاوناً وهو يعلم أنها واجبة عليه لكن تساهل فهذا هو محل الخلاف بين أهل العلم، والصواب أنه يكفر بذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، ولم يقل إذا جحد الوجوب وقال- صلى الله عليه وسلم -: (بين الرجل وبين الكفر والشرك والترك الصلاة) خرجه مسلم في صحيحه، في أدلة أخرى غير هذين الحديثين، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة العناية بالصلاة والمحافظة عليها طاعة لله وتعظيماً لها كما قال سبحانه: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى) وقال عز وجل: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ). كذلك يحذر الشهوات التي حرم الله عليه من سائر المعاصي يجب الحذر منها أينما كان في السفر في الإقامة، في الغيبة والشهادة في جميع الأحوال، كالزنا والمآكل المحرمة والمشارب المحرمة كالخمر وغيرها مما حرم الله عز وجل لكن متى تاب؛ تاب الله عليه، والكفر أعظم الذنوب إذا تاب صاحبه تاب الله عليه، ولهذا قال سبحانه: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) فإذا ندم على ما مضى منه وأقلع، وعزم أن لا يعود واستقام على الصلاة وغيرها مما أوجب الله وعلى ترك ما حرم الله فله الجنة والكرامة، كما قال في آية الفرقان سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) فهذا وعيدهم إذا ماتوا على الشرك ،أو على قتل النفس بغير حق، أو على الزنا هذا وعيدهم نسأل الله العافية ثم قال: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، فإذا تاب من الشرك والقتل والزنا أبدل الله سيئاته حسنات، وصحت التوبة وأتبعها بالعمل الصالح بدل الله سيئاته حسنات وغفر له سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل في الآية الأخرى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) وقال سبحانه في آية الزمر: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) سبحانه وتعالى، والمعنى للتائبين أجمع العلماء على أن المراد بالآية التائبون، من تاب تاب الله عليه وغفر له جميع ذنوبه، فالواجب التوبة والبدار بها، ولا يقنط ولا ييئس بل يحسن ظنه بربه ويبادر بالتوبة، ويتبعها بالعمل الصالح، بالصلوات، تطوع، الصدقات، زيارة المريض، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدعوة إلى الله إلى غير هذا من وجوه الخير التي تكون تارة واجبة كالأمر بالمعروف، وتكون تارة مستحبة، فالمقصود أنه يتبع توبته بالأعمال الصالحات من واجب ومستحب، ويحافظ على الصلوات الخمس ويؤدي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر،ويدعو إلى الله، ويتعاطى ما يسر الله له من النوافل وغيرها من الطاعات التي أوجبها عليه سبحانه وتعالى، وذلك من الدلائل على صدق التوبة، كونه يتبعها بالعمل الصالح من الدلائل على صدق التوبة واستقامة صاحبها عليها.   
 
7-   تقوم بعض النساء عندنا بزيارة القبور والمساجد، ومن خلال الزيارة يقمن بجمع الأطفال داخل المسجد أو على القبور، ويفرقن عليهم خبزاً وبعض الأشياء، ويقلن: لوجه الله، ثم يقمن بدعاء الولي الذي زرنَ لأجله، ويقلن يا ولي عافني واحفظ أولادي! وكثيراً من الدعاء، فما رأيكم يا سماحة الشيخ في هذا العمل؟
هذا العمل خطير يجب الحذر منه، النساء ممنوعات من زيارة القبور وإنما الإذن للرجال يقول - صلى الله عليه وسلم -:(زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، ولعن زائرات القبور من النساء لأنهن فتنة وصبرهن قليل، أما إذا كان مع ذلك دعوة الموتى والاستغاثة بالموتى صار شرك أكبر، من الشرك الأكبر وهكذا الذبح لهم وطلب المدد هذا من الشرك الأكبر من الرجال والنساء جميعاً، فالذي يأتي القبور ليدعوها من دون الله ويطلبها النصر والمدد والعون هذا أتى شركاً عظيماً من الرجال والنساء جميعاً، وهذا شرك المشركين، هذا شرك عباد القبور كأبي جهل وأصحابه من عباد القبور، وهكذا توزيع الصدقات إذا كان القصد بهذا التقرب إلى الموتى بذلك، وأنه يتصدق لأجل التقرب بالصدقة لهم، يعتقد أنهم ينفعونه إذا تصدق عند قبورهم، وأنهم بهذه الصدقة التي يتقرب بها إليهم ينفعونه مثل لو صلى لهم، أما إن كانت الصدقة يطلب من الله ثوابها ولكن يظن ويعتقد أنها عند القبور أفضل فهذا بدعة ـــ وعليه أن يتصدق في بيته وفي أي محل وإذا كانت من طريق السر كان أفضل إلا إذا دعت الحاجة إلى الجهر ــ في الأسواق، في البيت، في أي مكان في المسجد لمن سأل لا بأس، والخلاصة أن زيارة النساء للقبور لا تجوز، وكونهن يذبحن للأموات أو يطلبن منهم المدد أو الغوث أو شفاء المرضى هذا شركٌ أكبر، سواءٌ وقع من امرأة أو رجل، حتى ولو فعله في بيته ما هو عند القبور، يا سيدي فلان يا عبد القادر يا حسين يا علي يا رسول الله، ولو في بيته، ولو في أي مكان بعيد عن القبور هو شرك أكبر، ولو أنه في الصحراء ما عنده أحد، إذا قال: يا رسول الله انصرني، أو يا رسول الله اشفي مريضي، أو ما أشبه ذلك فقد عبدهم من دون الله بهذا الدعاء، أو قال يا سيدي الحسين أو يا سيدي الحسن أو يا سيدي علي أو يا سيدي عبد القادر أو أحمد البدوي أو ما أشبه ذلك؛ يطلب منهم المدد والعون والغوث هذا من الشرك الأكبر، وهكذا إذا تقرب إليهم بالذبائح سواءٌ عند قبره أو بعيداً عن قبره، يذبح من أجل التقرب إليه، يرى أنه إذا ذبح له يمده بأشياء أو يعطيه أشياء أو يحفظ له أشياء، فالذبح لغير الله شركٌ أكبر قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي- يعني ذبحي- وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) وقال سبحانه: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فأمر بالصلاة والنحر لله عز وجل، وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من ذبح لغير الله) فالذبح عبادة عظيمة كالصلاة فإذا ذبح لأصحاب القبور، وتقرب إليهم بذلك يرجوا شفاعتهم ويرجوا أنهم يقربونه من الله زلفى، أو يتصدق يطلب الأجر منهم والثواب منهم، أو حج بقبورهم أو ما أشبه ذلك من المقاصد التي يفعلها يتقرب بها إلى أصحاب القبور؛ يكون بهذا قد عبدهم وجعلهم آلهة يعبدهم مع الله بصلاته لهم أو دعائه لهم أو ذبحه لهم أو نذره لهم أو غير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.   
 
8-   استشهد زوجها في الحرب في اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك، وكان لا يصلي ولكنه كان ينوي أن يصلي بعد انتهاء الحرب، ولكنه استشهد قبل أن يصلي، فهل يجوز أن أصلي بدلاً عنه، وإنني أنفق كثيراً بغية الثواب له، فهل تصله النفقات التي أنفقها من راتبي وليس من راتب ابنتي الوحيدة التي عمرها سنتان، بعض الناس يقولون: لا يجوز أن تنفقي لأن في عصمتك قاصرة علماً بأني غير محتاجة، وجهوني جزاكم الله خيراً؟
الذي مات وهو لا يصلي لا يصلى له، والصلاة ما يفعلها أحد عن أحد، الصلاة لا تفعل عن أحد والذي مات وهو لا يصلي تقدم في الجواب السابق أنه كافر نسأل الله العافية، ترك الصلاة كفر أكبر على الصحيح وإن لم يجحد الوجوب، كونه يعزم أن يصلي في المستقبل هذا ما هو عذرٌ له، الواجب البدار بالصلاة، فلا تتصدقين عنه ولا تصلين له ولا تدعين له ما دام على مات على ترك الصلاة نعوذ بالله، من ذلك ولا تنفقين من مال اليتيمة لا في حقه ولا في غيره بل يجب أن تحفظيه لها، وثمريه لها أو أعطيه إنسان من الأخيار الطيبين يثمره لها، تصدقي من مالك أنتِ، أما الزوج الذي توفي على هذه الحالة وهي ترك الصلاة لا تتصدقي عنه شيء ولا تدعين له ولا تستغفرين له لأنه مات على الكفر نسأل الله العافية، أما الصدقة من مالك في وجوه البر للفقراء والمساكين ما هو عن زوجك، بل عن نفسك مصلحتك أنتِ تتصدقين على الفقراء والمساكين في عمارة مسجد، في جهاد في سبيل الله كل ذلك لكِ أجره، أما هو لا، ما دام مات وهو لا يصلي لا تتصدقين عنه ولا تصومين عنه ولا تصلين عنه إلى غير هذا. 

467 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply