حلقة 705: راتبة الظهر والعصر - الصلاة والحمام إلى القبلة - معنى حديث ما من مسلم يرد عن عرض أخيه - حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين - حكم الخروج إلى الحل ليأتي المعتمر بعمرة أخرى له أو لغيره - الفاصل بين العمرتين

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

5 / 50 محاضرة

حلقة 705: راتبة الظهر والعصر - الصلاة والحمام إلى القبلة - معنى حديث ما من مسلم يرد عن عرض أخيه - حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين - حكم الخروج إلى الحل ليأتي المعتمر بعمرة أخرى له أو لغيره - الفاصل بين العمرتين

1-   ثبت عن سيد المرسلين قوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) و (حرم الله النار على رجل صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعد الظهر)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهل هذه الثمان الركعات التي هي قبل الظهر وبعده هي الراتبة، وهل الأربع ركعات التي قبل العصر هي التي تصلى بعد سماع الأذان وقبل الفريضة، أم تصلى قبل ذلك كله، أرجو إفادتنا بذلك بارك الله فيكم؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فالأربع الركعات التي قبل العصر تصلى بعد دخول الوقت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى أربعاً قبل العصر)، فظاهر الحديث أنها قبله يعني بعد دخول الوقت، وهذه ليست راتبة ولكنها مشروعة؛ لأن الرسول ندب إليها عليه الصلاة والسلام، ودعا لصاحبها، فهي سنة وقربة وطاعة بعد دخول الوقت، وتصلى ثنتين ثنتين هذا هو السنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، يعني ثنتين ثنتين هذا هو السنة، أما أربع قبل الظهر وأربع بعدها فإنه يدخل فيها الراتبة، الراتبة المحفوظة عنه صلى الله عليه وسلم أربع قبل الظهر وثنتان بعدها، جاء ذلك من حديث عائشة ومن حديث أم حبيبة ومن أحاديث أخرى، والمعنى تسليمتان قبل الظهر وتسليمة واحدة بعدها، وجاء في حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار)، وفي لفظ: (من صلى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله تعالى على النار)، فهذه الثمان يدخل فيها الراتبة، الست التي في الراتبة داخلة فيها، فإذا صلى أربعاً قبل الظهر وصلى أربعاً بعدها حصل بذلك المقصود، الراتبة وزيادة ركعتين، وكلها فيها فضل عظيم وخير كبير.  
 
2- أصلي أحياناً في حجرتي؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة المرأة في حجرتها أفضل من صلاتها في بيتها...) الحديث، لكن عندما أريد الاتجاه نحو القبلة فإن الحمام يكون أمامي، وليس بيني وبينه إلا متر تقريباً، ولكن هناك فاصل بين الحجرة والحمام وهو الجدار المشترك، فما حكم صلاتي على النحو الذي ذكرت؟ 
لا حرج في ذلك، المنهي عنه هو الصلاة في الحمام، أما كونه في قبلة المصلي أو عن يمينه أو شماله فلا حرج في ذلك، والصلاة في الحجرة أفضل لأنها أبعد عن الرياء وأبعد عن رؤية الرجال فهي أفضل، كل ما كانت المرأة في محل أبعد عن الرجال كان أفضل، كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام.  
 
3-  أرجو بيان معنى الحديث الآتي: (ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة)؟
هذا الحديث لا بأس به، ولفظه المعروف: (من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، وهذا يدل على فضل الذب عن أخيه، والمسلم يذب عن أخيه، والمرأة تذب عن أخيها في الله وأختها في الله، فإذا رآه يتكلم في عرضه، يقول: يا أخي اتق الله، ما بلغنا هذا ولا نعلم عليه إلا خيراً، إذا كان يعلم عنه خير، ولم يبلغه عنه إلا الخير؛ لأن الغيبة شرها عظيم وفسادها كبير، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا (12) سورة الحجرات، ويقول صلى الله عليه وسلم: أنه رأى ليلة عرج به إلى السماء رجالاً لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فسأل عنهم، فقيل له: (إنهم هم الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)، يعني هم أهل الغيبة، فالمقصود أن الغيبة محرمة ومن الكبائر، فيجب الحذر منها، وإذا سمع المسلم أو المسلمة من يغتاب يرد عليه ويقول: يا أخي اتق الله، تقول له: يا أخي اتق الله، ويقول له الرجل: يا أخي اتق الله، أو يا فلانة اتقي الله، هذا لا يجوز، الغيبة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، ولأن هذا من إنكار المنكر، والله جل وعلا أمر بإنكار المنكر، قال جل وعلا: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (104) سورة آل عمران، وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (71) سورة التوبة، وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).   
 
4-  هل هذا حديث: (لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)؟
حديث صحيح نعم، معناه أنه ينبغي للمؤمن أن يأخذ حذره، إذا لدغ من جحر، من إنسان يأخذ حذره، إذا كان زيد خدعه مرة، فليحذره حتى لا يخدعه مرة أخرى، وإذا كان عمرو ظلمه في معاملة، فليحذر أن يخدعه ويظلمه في معاملة أخرى، وهكذا، يعني ينبغي له توقي الشر ممن خدعه أولاً أو أضره أولاً. 
 
5- إذا أتى الشخص إلى مكة المكرمة لأداء الحج أو العمرة فهل يجوز له بعد الانتهاء من حجته أو عمرته أن يؤدي عمرة أخرى له أو لغيره في نفس هذا الموسم الذي أتى فيه، بحيث يخرج من مكة إلى التنعيم للإحرام ثم يقضي هذه العمرة، أرجو الإفادة؟ بارك الله فيكم.
لا حرج في ذلك، والحمد لله، إذا قدم للعمرة أو للحج فحج عن نفسه أو اعتمر عن نفسه أو حج عن غيره أو اعتمر عن غيره وأحب أن يأخذ عمرة أخرى لنفسه أو لغيره فلا حرج في ذلك، لكن يأخذها من الحل، يخرج من مكة إلى الحل التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما فيحرم من هناك ثم يدخل فيطوف ويسعى ويقصر، سواء عن نفسه أو عن ميت من أقاربه وأحبابه أو عن عاجز، شيخ كبير، أو عجوز كبيرة، عاجزين عن العمرة فلا بأس، وقد فعلت هذا عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم استأذنت في ليلة الحصبة ليلة ثلاثة عشرة وليلة أربعة عشر استأذنت من ليلة ثلاثة عشر استأذنت في ليلة الحصبة وهي مساء اليوم الثالث ليلة أربعة عشر، استأذنت أن تعتمر فأذن لها عليه الصلاة والسلام، وأمر عبد الرحمن بن أبي بكر وهو أخوها أن يذهب معها إلى التنعيم فاعتمرت -رضي الله عنه- الله عنها، وهذه عمرة ثانية من داخل مكة، فالحاصل أنه لا حرج أن يؤدي الإنسان الحج عن نفسه أو العمرة عن نفسه ثم يعتمر لشخص آخر أو يعتمر عن غيره أو يحج عن غيره ثم يعتمر لنفسه، لا حرج في ذلك.  
 
6-  إذا كانت العمرة الأولى والثانية لنفسه، فهل تشترطون فاصلاً زمنياً معيناً؟
ليس هناك دليل، بعض أهل العلم كره تقارب العمرتين، لكن ليس عليه دليل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، متفق على صحته، ولم يقل بينهما كذا ولا كذا، وعائشة رضي الله عنها اعتمرت بعد عمرتها الأولى أقل من عشرين يوماً، اعتمرت في أول ذي الحجة أدت العمرة في آخر ذي القعدة من المدينة وكملت حجها مع النبي صلى الله عليه وسلم قارنة لأنها منعها الحيض من أداء العمرة فحجت قارنة ثم استأذنت في العمرة الجديدة في ليلة الحصبة ليلة أربعة عشر، وقالت: إنكم تنطلقون بحجة وعمرة يعني مفردين، وأنا أنطلق بحج، يعني بحج مع العمرة المقرونة، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم فاعتمرت، فالمقصود ليس على اشتراط المدة بين العمرتين، ليس هناك دليل واضح، وإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) يعم القليل والكثير، لكن إذا كان هناك زحمة أو مشقة فالأولى ترك ذلك، حتى لا يشق على غيره، وأيام الحج يكون مشقة إذا كثر المعتمرون شقوا على الناس فترك ذلك أولى؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يعتمروا بعد الحج ما عدا عائشة، بل اكتفوا بعمرتهم الأولى، فإذا تأسى بهم المؤمن وترك العمرة هذا أفضل، وإذا اعتمر بعد ما يخف الناس وتقل الزحمة فلا حرج في ذلك.   
 
7-   هل يجوز للمرأة الجمع بين صيام ستة أيام من شوال وقضاء ما عليها من رمضان في هذه الأيام الستة بنية القضاء والأجر معاً، أم لا بد من القضاء أولاً ثم صيام ستة أيام من شوال؟
نعم، تبدأ بالقضاء، ثم تصوم الست إذا أرادت، الست نافلة، فإذا قضت في شوال ما عليها ثم صامت الست من شوال فهذا خير عظيم، وأما أن تصوم الست بنية القضاء والست فلا يظهر لنا أنه يحصل لها بذلك أجر الست، الست تحتاج إلى نية خاصة في أيام مخصوصة.  
 
8-  هل يجوز للمرأة قصر الصلاة إذا أرادت زيارة بيت والدها الذي يبعد عن بيت زوجها مسافة قصر أم لا؟ وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
نعم، إذا أرادت السفر إلى زيارة أبيها أو غيره بمسافة قصر فإنها تقصر الصلاة، سواء عند أبيها أو عند غير أبيها ما دامت ساكنة في محل آخر عند زوجها، فإذا رجعت إلى أبيها تزوره أو إلى أمها أو إخوتها فإنها تقصر إذا كانت المسافة مسافة قصر وهي يوم وليلة، يعني بالأقدام والإبل ونحوها، أما اليوم فهي بمقدار ثمانين كيلو، سبعين كيلو، خمسة وسبعين كيلو، حوالي هذه المسافة، من سبعين كيلو إلى ثمانين كيلو تقريباً، هذه مسافة يوم وليلة للإبل كما أفتى ابن عباس وابن عمر وجماعة في ذلك. المقدم: يا أختنا نوارة سالم محمد، من مدينة المرج في ليبيا، أسئلتك كلها جيدة، واصلي كتابتك لهذا البرنامج واسألي عما بدا لك وإخوتكِ هناك، جزاكِ الله خيراً.  
 
9-   سؤال عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:279-280] صدق الله العظيم، فسروا لنا هذه الآيات لو سمحتم؟ وما هو رأس المال المذكور في هذه الآية؟ 
كان أهل الجاهلية قبل البعثة، بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يرابون، يبيعون المتاع من أرض أو إبل أو غير ذلك بالثمن إلى أجل، فإذا حل الأجل وصار المدين معسراً قالوا له: إما أن تعطينا حقنا، وإما أن تُربي، إما أن تقضي وإما أن تُربي، المعنى إما أن تعطينا حقنا الآن أو نزيد عليك في المال ونؤخر الأجل، نفسح لك في الأجل، فإن كان عنده مال سلم لهم وإلا رضي بهذا، فإذا كانت القيمة مثلاً مائة ريال، قالوا نؤجلك أيضاً ستة أشهر أو عشرة أشهر تكون المائة مائة وعشرين مائة وثلاثين هذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد، وهذا معنى: إما أن تربي وإما أن تقضي، تُربي يعني تقبل الزيادة، تعطينا الزيادة وهي الربا، وإما أن تقضينا حقنا الآن، فلما جاء الله بالإسلام نهاهم عن هذا، وخاطبهم النبي في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، وأخبرهم أن الربا موضوع، وأن لكل واحد رأس ماله فقط، وأنزل الله جل وعلا هذه الآيات، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279]، فأمرهم سبحانه أن يذروا أي يتركوا ما بقي من الربا لهم في ذمم الناس، ويأخذوا رأس المال، فإذا كانت السلعة بمائة وأمهلوه وزادوا عليه عشرين يتركوا له العشرين، أو ثلاثين يتركوا الثلاثين يأخذوا رأس المال فقط، والزيادة يتركونها، هذا معنى (وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)، وإذا كانوا قد قبضوا رأس المال، وبقي الربا، يتركونه، ما يأخذون الربا، يكفيهم رأس المال، ثم قال: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)، يعني فإن لم تدعوا الربا، (فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، يعني فاعلموا بحرب، يعني اعلموا أنكم محاربون لله ورسوله، وهذا وعيد عظيم لم يأت مثله بشيء من المعاصي، وهو يدل على عظم جريمة الربا، وأنها جريمة عظيمة وكبيرة عظيمة، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: (هم سواء)، فالربا من أقبح الكبائر، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا)، فجعله الرابع، (وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف)، يعني يوم الحرب، (وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، فجعل الربا من السبع الموبقات، يعني المهلكات، ثم قال: (وَإِنْ تُبْتُمْ) يعني من الربا (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، يعني لهم رأس المال فقط، وهو المبلغ الذي بيعت به السلعة إلى أجل، الزيادة تبطل، فإذا كان باع المطية أو السيارة إلى رمضان مثلاً من عام 1411هـ بألف ريال، بعشرة آلاف بخمسين ألف ريال، ثم حل الثمن فإنه يأخذ رأس المال فقط ولا يطلب زيادة، وإن أعسر يُنظره، ولهذا قال: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)، إذا جاء رمضان، قال أنا ما عندي أنا معسر، وثبت إعساره فإنه يمهل بدون زيادة، ولا يأخذ ربا، هذا هو معنى قوله جل وعلا: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) أي إذا تبتم من الربا فلكم رؤوس أموالكم التي عند الناس، ما بعد قبضتموها (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، يقبض رأس المال، ويترك الربا الزيادة، وإن كان قد قبض رأس المال وبقيت الزيادة يترك الزيادة أفضل له، (لا تَظْلِمُونَ) بأخذ الزيادة، (وَلا تُظْلَمُونَ) بمنعكم من رأس المال، لكم رأس المال، فأنت لا تُظلم بمنعك من رأس مالك، لا، تعطى رأس مالك، وليس لك أن تَظلم أخاك بأخذ الربا، بل لك رأس المال فقط، فإن كان المدين معسراً عاجزاً بالبينة الشرعية فإنه يمهل ولا يطالب بالزيادة، لقوله سبحانه: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) سورة البقرة، إن تصدق عليه وأبرأه فجزاه الله خيراً، هذا طيب، وإلا فالواجب الإنظار إلى ميسرة، يقول: أنا أنظرك إلى ميسرة، والواجب على المدين تقوى الله، إن كان صادقاً في الإعسار فعليه تقوى الله ويتسبب حتى يحضر المال، وإن كان كاذباً فقد ظلم أخاه، فليتق الله وليؤد حقه إذا ادعى الإعسار وهو يكذب. فالمقصود أن المدين عليه أن يتقي الله فإن كان صادقاً في الإعسار وجب إمهاله، وإن ثبت أنه مليء وجب أخذ الحق منه، والحاكم ينظر في ذلك ويعتني، وإذا كان صاحب الدين يعلم أنه معسر فلا حاجة إلى المحكمة، يمهله وينظره، حتى يحصل له اليسر، وإن تصدق عليه وسامحه فقد فعل خيراً كثيراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن ينفِّس الله عنه كربات يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه) (من سره أن ينفس الله عنه كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)، ينفس أي بإنظاره، أو يضع عنه يعني بالصدقة عليه، وفي الحديث الآخر: (من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله)، وهذا فضل عظيم، فينبغي للمؤمن إذا عرف أن أخاه معسر المدين أن ينظره أو يسامحه بالدين كله أو بعضه، يرجو ما عند الله من المثوبة.  
 
10- يسأل أيضاً كسؤاله السابق عن حكم من يصلي بالناس الجمعة ويقول في خطبته: (اللهم ربنا عليك توكلنا، وبنبيك إليك توسلنا)، وما حكم هذا التوسل؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
هذا التوسل بدعة عند جمهور أهل العلم، لكن الصلاة صحيحة، لكن التوسل بدعة، التوسل بجاه نبينا أو بنبينا أو بحق نبينا أو بحق الأنبياء أو بحق الملائكة أو بذات الملائكة أو بحق فلان، أو فلان ابن فلان، أو بحق أبي أو ما أشبه ذلك، كل هذا ليس من الشرع، الوسيلة تكون بأسماء الله وصفاته، وبالأعمال الصالحات كما قال الله جل وعلا: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) سورة الأعراف، فيقول: "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترحمنا أن تغفر لنا، أن تسقينا الغيث"، إلى غير ذلك، أو: "اللهم إني أسألك بإيماني بك وطاعتي لك، واتباعي لنبيك"، يتوسل بأعماله الطيبة، أما التوسل بجاه فلان أو بنبينا أو بجاه نبينا أو بحق نبينا أو بحق الأنبياء أو الملائكة هذا كله بدعة عند أهل السنة، ليس عليه دليل، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه قال عليه الصلاة والسلام: لما سمع رجلاً يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد"، قال صلى الله عليه وسلم: (لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)، يعني توسل بصفات الله سبحانه وأسمائه، وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ثلاثة آواهم المبيت والمطر إلى غار في البرية، فدخلوا فيه ليبيتوا فيه ويتقوا المطر فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم فم الغار"، بإذن الله عز وجل، ليسن لعباده ويشرع لعباده ما فعله أهل الغار، وليعلم الناس علاج الكروب بما شرعه الله، "فلما انطبقت عليهم الصخرة، أرادوا دفعها فلم يستطيعوا، فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذا البلاء إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فدعوا ربهم بصالح أعمالهم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً"، الغبوق اللبن في أول الليل، "وإنه نأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فجئت بقدح ووقفت على رؤوسهما أنتظر اسيتقاظهما وكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون تحت قدمي، فلم أسقهم حتى برق الفجر واستيقظا وسقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكن لا يستطعيون الخروج رأوا السماء، ثم قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني أردتها لنفسها، يعني للفاحشة فأبت علي فألمت بها سنة، يعني ألمت بها حاجة فجاءت إليَّ وقالت: يا ابن عمي أنا محتاجة، فقلت: لا أعطيك شيئاً إلا أن تمكنيني من نفسك"، يعني زنا، فلشدة حاجتها وافقت، "فلما جلس بين رجليها ليجامعها قالت: يا عبد الله: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من ربه وقام ولم يجامعها وأعطاها الذهب الذي أعطاها إياه أعطاها ذهب مائة دينار وعشرين دينار، أعطاها إياه، ولم يرجع فيها ولم يجامعها وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء أيضاً"، ولكن لا يستطيعون الخروج؛ لأن هذا عمل عظيم، كونه تركها بعد القدرة، ترك الجماع خوفاً من الله، وترك لها الذهب العظيم، هذا يدل على رغبة عظيمة فيما عند الله، وعلى خوف عظيم فلهذا شكر الله له ونفعت هذه الوسيلة، "ثم قال الآخر: اللهم إنه كان لي أُجَراء فأخذوا أجرهم إلا واحداً ترك عندي أجره فنميته له واشتريت له إبلاً وبقراً وغنماً ورقيقاً، ثم جاءني يطلب أجره فقلت له: كل هذا من أجرك"، الإبل والبقر والرقيق كله ثمَّرته من أجلك، "فقال لي: اتق الله ولا تهزأ بي يا عبد الله، فقلت له: إني لا أستهزئ بك، فاستقاه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون" برحمة الله سبحانه وتعالى، بأسباب هذه الوسيلة العظيمة، أعمال صالحة فعلوها لله، فنفعتهم عند الحاجة توسلوا بها عند الحاجة، ونفعتهم، وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحة من أعظم الوسائل ولا سيما عند الحاجة والشدة، وهو القائل جل وعلا: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ (62) سورة النمل، سبحانه وتعالى، وهو القائل جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) سورة غافر، فهو سبحانه قدر هذه الصخرة ليتوسل هؤلاء وليعرفوا فضل أعمالهم؛ وليعرف الناس أيضاً فضل أعمالهم؛ وليتوسلوا كتوسلهم إذا وقعت عليهم الشدائد، والنبي صلى الله عليه وسلم قص علينا هذه القصة لنعلمها ونعمل بها ونستفيد منها، فهو حديث صحيح، متفق على صحته، عند البخاري ومسلم رحمة الله عليهم. والله ولي التوفيق. - إذا نستخلص مما تفضلتم به أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم غير جائز، إنما التوسل بالأعمال الصالحة هو المطلوب وهو الجائز؟ ج/ نعم بالأسماء الحسنى، بأسماء الله وصفاته، وبالإيمان والتوحيد وبالأعمال الصالحة، كلها وسائل، أما بذات النبي أو بجاه النبي أو جاه الأنبياء أو الملائكة أو غيرهم ليس بوسيلة.  
 
11-  أسألكم عن صلاة الفريضة ما هو حكم رفع اليدين في الصلاة في كل ركعة، جزاكم الله خير؟
السنة رفع اليدين في أربعة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، في هذه المواضع الأربعة يستحب رفع اليدين حذاء المنكبين أو حذاء الأذنين فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعل هذا وهذا عليه الصلاة والسلام، عند الإحرام ترفع يديك وتقول: الله أكبر، أول تكبيرة، وعند الركوع ترفع يديك وتقول: الله أكبر، وعند الرفع من الركوع ترفع يديك وتقول: سمع الله لمن حمده، إن كنت إماماً، أو منفرداً، وإن كنت مأموماً، تقول: ربنا ولك الحمد، عند الرفع من الركوع، رافعاً يديك، وعند القيام من الثانية إلى الثالثة، من التشهد الأول، عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة ترفع يديك تقول: الله أكبر، قائماً للثالثة. المقدم: جزاكم الله خيراً .

355 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply