حلقة 809: تفسير قوله وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ - تفسير قوله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

9 / 50 محاضرة

حلقة 809: تفسير قوله وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ - تفسير قوله أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ

1- فسروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ* فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ))[يس:64-76]؟

بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعــد: فالآية واضحة في بيان حال المشركين الذين بعث فيهم -عليه الصلاة والسلام- من قريشٍ وغيرهم، وأنهم اتخذوا من دون الله آلهة من الأصنام، والأشجار، والأحجار، والملائكة، والأنبياء وغيرهم، فإن آلهة المشركين أنواع كثيرة، وهم فعلوا هذا؛ لعلهم ينصرون، يرجون نصرهم، يرجون شفاعتهم، كما قال جل وعلا عنهم في آيةٍ أخرى: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ (18) سورة يونس. يعني شفعاؤنا في نصرهم لنا، وإعانتهم لنا على أعداءنا وفي شفاء مرضانا في وغير ذلك، وقال في الآيةٍ الأخرى في سورة التنزيل الزمر: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) سورة الزمر. فهم عبدوهم ليقربوهم وينصروهم ويشفعوا لهم، ثم بين سبحانه أنهم لا يستطيعون نصرهم، هذه الآلهة ما تستطيع نصرهم، ولا نصر نفسها أيضاً كما قال جل وعلا في سورة الأعراف: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ *وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (191-192) سورة الأعراف. فهم لا يستطيعون نصر عابديهم، ولا نصر أنفسهم، بل النصر من عند الله جل وعلا، هو الذي ينصر من يشاء سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) سورة آل عمران. وهم لهم جند محضرون يوم القيامة، ضدهم، يحضرون معهم يوم القيامة في النار كلهم يعذبون جميعاً، وهذا في الآلهة المعبودة من دون الله لرضاها، كفرعون، والنمرود، والأصنام، وأشباههم فهم معهم في النار، أما الملائكة، والأنبياء فهم براء منهم، لا يرضون بعبادتهم إياهم، كما قال جل وعلا عن الملائكة: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) سورة القصص. فالمقصود أن هؤلاء الأصنام الذي هم معهم يوم القيامة في النار هم الذين عبدوهم من دون الله من جمادات كالأصنام، والأشجار، أو آلهة من الجن، أو من الإنس، رضوا بذلك فهم معهم في النار، أما من لم يرض بذلك من الأنبياء، والملائكة، والصالحين فهم ليسوا معهم، بل الله قد أجارهم منهم وحماهم منهم وهم برؤاء منهم، بل العابدون هم اللي في النار، اللي عبدوا غير الله وأشركوا بالله، وأما المعبودون الذين لم يرضوا بذلك كالملائكة، والرسل، والأنبياء، والصالحين، فإنهم لا يرضون أن يعبدوا من دون الله، بل يتبرؤون من ذلك.  
 
2- فسروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: (( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))[الزمر:3]؟
مثل ما تقدم، نعم، هم اتخذوهم من دون الله، عبدوهم من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى، كقولهم: ما نعبدهم يعني يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. وقبلها يقول جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) سورة الزمر، ثم قال سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ. يعني العبادة الخالصة له وحده جل وعلا، ليس له شريك في ذلك، كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء (5) سورة البينة. وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) سورة غافر. ولهذا قال سبحانه: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ. ثم قال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. يعني يقولون هؤلاء المتخذون يقولون: ما نعبدهم -يعني هؤلاء الآلهة الأصنام، والأشجار، والأحجار، والأنبياء، وغيرهم- إلا ليقربونا إلى الله زلفى، يعني ما نعبدهم؛ لأنهم يخلقون، أو يرزقون، أو ينفعون، أو يضرون، لا، هم يعرفون أن الله هو النافع الضار، يعرف المشركون الأولون من قريش وغيرهم، يعرفون أن الله هو النافع الضار، وهو الخلاق الرزاق، وهو المدبر، والمحيي، والمميت يعرفون هذا. كما قال جل وعلا آمراً نبيه أن يسألهم، قال سبحانه لنبيه: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْر قال تعالى: فَسَيَقُولُونَ اللّهُ يعني يقوله المشركون فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) سورة يونس. يعني قل لهم يا محمد أفلا تتقون الإشراك بالله، وأولها يقول سبحانه: قُلُأي قل يا محمد للناس، قريش وغيرهم مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ، يعني من هو الذي يرزقكم من السماء والأرض، يعني يرزق العباد من السماء والأرض، يرزقهم من السماء بالمطر وغيره، ومن الأرض بالنبات، الذي ينبته الله من الثمار والحيوانات التي في الأرض والمعادن وغير ذلك، أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ، هو الذي يملك سمع الناس وأبصارهم، وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ يعيني في العالم كله، قال تعالى: فَسَيَقُولُونَ اللّهُ، يعني هؤلاء المشركون سيقولون الله، هو المدبر للأمور والخلاق والرزاق وهو النافع الضار وهو الذي يحي ويميت سبحانه وتعالى، فسر إخراج الحي من الميت إخراج المسلم من الكافر، والميت من الحي الكافر من المسلم، وفسر بإخراج البيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، والنبات من الأرض الميتة كل هذا نوع من إخراج الحي من الميت، والميت من الحي، فالمقصود أن المشركين من عبدة الأوثان يعرفون الله سبحانه هو النافع والضار وهو مدبر الأمور، وهو الخلاق الرزاق، ولكنهم يعبدون الآلهة ليشفعوا لهم، وليقربوهم إلى الله زلفى، لا؛ لأنهم ينفعون ويضرون بخلاف الكفار المشركين المتأخرين هؤلاء قد وقعوا في الشرك الأكبر من جهة الربوبية، بعض المشركين المتأخرين شركهم أكبر من أولئك المشركين، لأنهم أشركوا مع الله في الربوبية، وظنوا أن بعض آلهتهم يدبرون الأمور، ويتصرفون في الأمور، وينفعون ويضرون، وأن الله جعل لهم هذا، وهذا باطل، هذا كفر في الربوبية، شرك في الربوبية أعظم وأقبح من شرك قريش وأشباههم، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) سورة الزمر. فسماهم كذبة في قولهم إنهم يقربونهم زلفى، كفار؛ لأنهم عبدوهم مع الله، ودعوهم، واستغاثوا بهم، ونذورا لهم، وتقربوا لهم، فصاروا بهذا كفارا؛ ولهذا قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) سورة الزمر، يعني لا يوفقه لقبور الحق ولا الهداية، وإلا البلاغ، قد بلغهم سبحانه بالرسل والكتب لكن لا يهديهم: لا يوفقهم بسبب إعراضهم عن الحق، واستكبارهم عن الحق، وعنادهم للرسل نسأل الله العافية والسلامة.  
 
3- يسأل أخونا -أيضاً- عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:64]؟
هذه الآية عظيمة، أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى إلى كلمة: وهي كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، مع شهادة أن محمداً رسول الله، سواء: يعني فصل بيننا وبينكم، نستوي نحن وأنتم فيها، كلنا سواء فيها، علينا جميعاً أن نعبد الله وحده دون ما سواه سبحانه وتعالى، وعلينا أن لا نشرك به شيئاً، لا نشرك به لا صنماً، ولا نبياً، ولا جنياً، ولا شجراً، ولا حجراً، ولا غير ذلك، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، ليس لنا أن نتخذ بعضنا بعضاً من دون الله، فليس للإنس أن يتخذ بعضهم بعضاً، ولا للجن، ولا للملائكة ولا غيرهم، كلهم يجب أن يعبدوا الله وحده، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80) سورة آل عمران. فلا يجوز لأحد أن يتخذ رباً مع الله يعبده، ويستغيث به، أو يصلي له، أو يسجد له، أو نحو ذلك، بل الجميع عباد الله، يجب عليهم أن يخصوا الله بالعبادة أينما كانوا من دعاء، وخوف، ورجاء، وصلاة، وصوم، وذبح، ونذر، وغير ذلك، فإن تولوا: يعني فإن تولوا هؤلاء من اليهود والنصارى، وأعرضوا عن قبول الحق، فقولوا اشهدوا: فقولوا لهم مشافهةً وصريحاً: إنا مسلمون، يعني اشهدوا إنا مسلمون، وأنتم كفار، يعني اشهدوا علينا إنا مسلمون يعني منقادون لله، موحدون له، معظمون له، خاضعون له، نعبده وحده دون كل ما سواه، خلافاً لكم.
 
4- ما حكم السلام في المسجد، وذلك أن يقول الإنسان للجالسين عند دخوله المسجد: السلام عليكم، ويردون عليه السلام؟
حكم السلام أنه سنة، وقربة لمن دخل على قوم في المسجد، أو في أي مكان يسلم عليهم، يقول: السلام عليكم، وإن زاد ورحمة الله وبركاته، فهو أفضل، وهم يردون عليه مثل ما قال: أو يزيدونه، قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) سورة النساء. فالرد واجب مثل التحية، والزيادة مستحبة، فإذا قال: السلام عليكم وجب عليهم أن يقولوا: وعليكم السلام، فإن زادوه ورحمة الله كان أفضل، وإن زادوه وبركاته كان أفضل. وإذا قال السلام عليكم ورحمة الله وجب عليهم أن يقولوا: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زادوه وبركاته كان أفضل، فإن قال: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، وجب عليهم أن يقولوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، هذا ردها، الله قال: فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) سورة النساء. وهذه هي النهاية في السلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فعليهم أن يردوها، فإذا زادوها بعد ذلك كيف حالك؟ بارك الله فيك، كيف أولادك، كل هذا طيب، هذا من الزيادة الطيبة.  
 
5- أنا أعمل ميكانيكي، ماذا أعمل إذا حضرتني الصلاة وأنا في العمل، هل لي أن أصلي بملابس العمل، وملابس العمل هذه فيها زيت وقاز، وبعض الناس يقولون: لا تجوز فيها الصلاة، ولا يتسع لي الوقت بتبديلها، ماذا أعمل وأنا أريد صلاة الجماعة؟
الواجب عليك أن تصلي مع إخوانك المسلمين في الجماعة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سمع النداء فلم يأتي فلا صلاة له إلا من عذر). قيل لابن عباس -رضي الله عنه- وأرضاه: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض؛ ولأنه -عليه الصلاة والسلام- لما أتاه رجل أعمى يسأله ويقول: له يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له -عليه الصلاة والسلام-: (هل تسمع النداء بالصلاة، قال: نعم، قال: فأجب). هذا أعمى ليس له قائد ومع هذا يأمره أن يجيب المؤذن ويحضر الصلاة، وعليك يا أخي أن تغير الملابس التي يتأذى منها إخوانك، إذا كان فيها رائحة تؤذيهم، أما إذا ما كان فيها رائحة تؤذيهم، فصلي فيها والحمد لله؛ لأنها طاهرة، أما إن كان في روائح تؤذيهم، أو أوساخاً تنتقل إليهم، إلى من بجوارك تنتقل إليه الأوساخ، بدلها، أعد الثياب إذا أذن المؤذن تلبسها، وتذهب إلى الصلاة، وعليك أن تتقي الله في ذلك، هذا أمر عظيم، هذي عمود الإسلام، الصلاة عمود الإسلام فلا بد من العناية بها، أعظم واجب وأهم واجب بعد الشهادتين هذه الصلاة، يقول فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة). ويقول فيها -عليه الصلاة والسلام-: (من حافظ عليها كانت له نوراً، وبرهاناً، ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون، وهامان، وقارون، وأبي بن خلف). فهذا وعيد عظيم، يحشر من تركها مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إن ضيعها من أجل الرياسة، والملك صار شبيهاً بفرعون والعياذ بالله، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وإن ضيعها بسبب الوزارة والوظيفة صار شبيهاً بهامان وزير فرعون، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وإن ضيعها بأسباب المال والشهوات صار شبيهاً بقارون تاجر بني إسرائيل الذي حمله كبره، وبغيه على ترك الحق، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وإن ترك الصلاة من أجل التجارة والبيع، والشراء صار شبيهاً بأبي بن خلف تاجر أهل مكة، الذي قتله النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد كافراً، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، فالواجب على العالم ميكانيكي، أو غيره، الواجب عليه أن يصلي مع المسلمين الجماعة، وأن يلبس الملابس التي لا تؤذي الناس، الطيبة السليمة، ويبتعد عن الروائح الكريهة إذا كان يتعاطى الثوم، أو البصل، أو التدخين، يحذر ذلك حتى لا يكون في روائح كريهة وقت الصلاة، وحتى لا تكون في ملابسه أوساخ تؤذي الناس، أما إن كان لا تؤذي الناس فلا بأس أن يصلي فيها إذا كانت طاهرة، ولكن كونه يلبس ثياباً حسنة، وجميلة للصلاة هذا هو الأفضل، يقول الله سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31) سورة الأعراف، يعني عند كل صلاة، فالمشروع للمؤمن عند الصلاة أن يلبس الملابس الحسنة، يتوجه إلى المسجد بالملابس الحسنة مع إخوانه؛ لأنه يقوم بين يدي الله، نسأل الله للجميع التوفيق.  
 
6- نحن في معظم قرى ومدن مصر نعاني من مشكلة ضيق المساحة في القبور، حيث أنها محددة في أماكن معلومة، ولا يجوز ترك مكانها وخاصة في بلاد الدلتا -أي: البلاد البعيدة عن الصحراء- مما اضطر الناس لبنائها وارتفاعها عن الأرض أكثر من المتر في بعض الأحيان؛ وذلك لدفن عدد من الموتى في كل قبر، فما حكم ذلك، وماذا نفعل إن أردنا أن نفعل الصواب في عدم بنائها، فلا نجد الظروف التي تعيننا على ذلك؟
أيها الأخ الكريم نسأل الله لك المثوبة على دعواتك، ونسأل الله أن يتقبل منك دعواتك، وأن يثيبنا وإياك، وأن يجعلنا وإياك من عباد الله الصالحين، إنه خير مسئول، أما القبور فالواجب أن لا تبنى، هذا الواجب، وأن تحفر في الأرض وتعمق، هذا هو الواجب؛ لأنه ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في صحيح مسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها، ولعن اليهود والنصارى على اتخاذهم المساجد على القبور، وأخبر أنهم شرار الخلق بهذا العمل، وهو البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، فالواجب على أهل الإسلام في مصر وفي غير مصر، الواجب عليهم أن يحفروا القبور في الأرض وأن يعمقوها إلى نصف القائمة تقريباً حتى لا تظهر رائحتها، وحتى لا تحفرها الكلاب، ونحوها، فإذا كانت البلد ليس فيها محل الحفر؛ لأنها صلبة حجرية فلا حرج أن يدفن على ظهرها، ويحوط عليها لأجل حفظها عن الكلاب وغيرها وصيانتها؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16) سورة التغابن، لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (286) سورة البقرة، فالبناء حينئذٍ لا لتعظيمها والغلو فيها، ولكن لحفظها عن ظهور الروائح الكريهة، وعن امتهانها وعن تناول السباع لها، فلا حرج بقدر الحاجة، بقدر الحاجة، فقط والضرورة، أما مع القدرة على الحفر فلا يجوز البناء، لا متر ولا غيره، يجب أن تكون في الأرض، وأن تبين للناس، ترفع قدر شبر تقريباً، ترابها يكون على كل قبر ترابه، وعليه النصائب في أطرافه حتى يعرف أنه قبر، وإذا رش وجعل في بطحاء فذلك أفضل، هذا هو المشروع في القبور، لكن من لم يستطع ذلك؛ لأن الأرض لا يمكن حفرها، فإنه معذور بقدر الحاجة فقط. إذا كانت الأرض بعكس ذلك سماحة الشيخ، وكانت التربة تنهال ولا تتماسك فما هو الحل الذي يراه سماحتكم؟ إذا كانت الأرض ضعيفة لا يستطيع الحفر فيها؛ لضعفها وانهيارها يجعل ما يحفظ للميت من ألواح، أو حجارة، أو نحو ذلك مما يحفظ الميت حتى لا ينهار به القبر، يفعل ما يستطيع المؤمن من ألواح، أو أخشاب، أو حديد، المقصود الذي يستطيع حفظ الميت حتى لا ينهار القبر. والأمر متيسر في هذه الأزمنة والحمد لله. حسب الطاقة، فاتقوا الله ما استطعتم. أرجو أن يتفهم إخواننا هذه الإجابة جيداً، وأن يعيدوا الاستماع إليها أكثر من مرة فهي في غاية الوضوح. جزى الله الجميع كل خير. لا شك أن هذا مهم، نسأل الله للجميع التوفيق، ثم نعيد أيضاً مرةً أخرى التحذير من البناء على القبور، الذي فعله اليهود والنصارى، لا يجوز أن يبنى عليها، مساجد ولا قباب ولا غير ذلك؛ لأن هذا البناء من أسباب الشرك بالله والغلو كما فعله اليهود والنصارى، وفعله أشباههم من عباد القبور الذين ظنوا أن هذا مشروع فاتخذوا المساجد على القبور، وغلوا فيها، واستغاثوا بأهلها ونذروا لهم، وطافوا بقبورهم، هذا هو البلاء العظيم، هذا الشرك الأكبر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال -عليه الصلاة والسلام- لما أخبرته أم حبيبة، وأم سلمة في كنيسة في بلاد الحبشة وما فيها من الصور قال -عليه الصلاة والسلام-: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله). حكم عليهم بأنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر، وفي الصحيح عند مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك). وهذا نهي عظيم من وجوهٍ ثلاثة: أولاً: ذم من فعل ذلك من اليهود والنصارى وغيرهم، وهذا تحذير من التشبه بهم، والثاني: قوله فلا تتخذوا القبور مساجد، هذا نهي صريح، لا تتخذوا القبور مساجد، الثالث قوله: فإني أنهاكم عن ذلك. فهذا أيضاً تأكيد للنهي فإني أنهاكم عن ذلك، فالواجب الحذر، السر في هذا والله أعلم كما هو معروف عند أهل العلم أنه دليل على الشرك، أن هذا البناء وهذا التصوير عليها من أسباب الشرك بها، واتخاذ عليها آلهة مع الله، كما قد وقع لليهود والنصارى وغيرهم، فيجب الحذر من ذلك، وأن لا يبنى على القبور، لا مسجد، ولا قبة ولا غيرها، ولا يدعى من دون الله، ولا يستغاث، ولا يطاف إلى غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يدعى ويرجى، ويصلى له ويسجد له، وينذر له، ويذبح له، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي -يعني قل يا محمد للناس- وَنُسُكِي -يعني ذبحي وعباداتي- وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (162-163) سورة الأنعام. هكذا أمره الله، أن يبلغ الناس -عليه الصلاة والسلام-. وقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ*فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (1-2) سورة الكوثر. وقال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) سورة الحـج. الطواف بالبيت العتيق، لا يطاف بالقبور عبادة كلها من دون الله، وشرك بالله عز وجل، فإذا طاف يتقرب من الميت بالطواف، أو يصلي له، أو يسجد له، أو يقول: يا سيدي أغثني، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك كان هذا شرك بالله، كان هذا عبادة لغيره سبحانه وتعالى, فالواجب الحذر غاية الحذر، نسأل الله للجميع الهداية.  

801 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply