حلقة 810: حكم الحج عن من يستطيع أن يأدي المناسك ولكن ليس لديه القدرة المالية - حكم الإفتاء بجواز ترك الحجاب - الشرك الذي لا يغفره الله

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

10 / 50 محاضرة

حلقة 810: حكم الحج عن من يستطيع أن يأدي المناسك ولكن ليس لديه القدرة المالية - حكم الإفتاء بجواز ترك الحجاب - الشرك الذي لا يغفره الله

1- هل يجوز أن أحج عن أمي التي ما زالت على قيد الحياة؛ نظراً لعدم استطاعتها المادية، لكنها يمكنها أداء المناسك، مع العلم بأنني حججت عن نفسي -والحمد لله- نسأل الله القبول؟

بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسول نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعــد: الأخ السائل ليس لك أن تحج عنها ما دامت تستطيع الحج بنفسها ولكن تبذل وسعك في أن تحججها من مالك إذا تيسر لك ذلك، أما الحج عنها فلا؛ لأن الحج عن الحي لا بد يكون لعجز لكبر السن، أو لمرض لا يرجى بره، كما جاء في ذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا قادرين فلا يحج عنهما، كما لا يحج عن الشباب، بل إن استطاع الحج فالحمد لله، وإلا فهو معذور، يقول الله سبحانه: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (97) سورة آل عمران. من استطاع الزاد والراحلة، من استطاع ركوب السيارة، بالطايرة والمؤونة حج وإلا فلا حرج عليه والحمد لله، وليس عليك أن تحج عنها، بل إن قدرت أن تحججها من مالك فجزاك الله خيرا هذا من برها، وإلا فلا يلزمك الحج إلا إذا استطاعت من مالها هي.  
 
2- بعض العلماء يفتون بأن الحجاب للمرأة إذا ما تركته ليس هو بحرام بإجماع العلماء، مستدلين بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي معناه: إن المرأة إذا بلغت لا يجوز أن يظهر منها إلا الوجه والكفان؟
هذا القول غلط، المرأة عليها الحجاب؛ لقول الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (53) سورة الأحزاب. فبين سبحانه أنه لا بد من الحجاب، ولم يقل إلا الوجه، أو الكفين، بل أطلق، فاسألوهن من وراء حجاب، أو خمار، أو جلباب تستر به نفسها، أي حجاب يحصل به المقصود حتى لا ترى زينتها فالحمد لله، ثم بين سبحانه أن هذا أطهر لقلوب الجميع، بين العلة، قال: ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، يعني أطهر من الميل إلى الفاحشة والوقوع في الفاحشة، وأسلم للجميع؛ لأن بروز المرأة من أسباب الفتنة، فإذا احتجبت كان هذا من أسباب سلامة القلوب، ولهذا في الآية الأخرى من سورة النور يقول سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ... (31) سورة النــور الآية، أما الحديث الذي ذكره السائل هو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي الصديق رضي الله عنهم جميعاً دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا)، وأشار إلى وجهه وكفيه، احتج بهذا بعض الناس على أن المرأة الأجنبية لها أن تكشف وجهها وكفيها عند الأجنبي كأخي زوجها، وزوج أختها، وابن عمها، وغيرهم من الناس، وهذا غلط، والحديث ضعيف لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن فيه علل كثيرة، إحداها أنه منقطع؛ لأن في الرواية خالد بن دريك عن عائشة و لم يسمع منها، الثانية أن في سنده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته، العلة الثالثة: أنه من رواية قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس في العنعنة، العلة الرابعة: أن هذا منكر في متنه؛ لأنه لا يليق بأسماء المرأة الصالحة زوجة الزبير ومعروفة بالخير، والاستقامة لا يليق بها أن تدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب الرقاق، هذا منكر المتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة والآيات، خامساً: أن هذا يحتمل أن يكون هذا قبل نزول آيات الحجاب، حين كانت للمرأة يباح لها أن تكشف ثم نزل الحجاب وأمر النساء بالتستر، فهذه علل خمس في هذا الحديث، فهو مخالف لنص الآية الكريمة، وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن. مع ما فيه من العلل، ومع مخالفته لقوله تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن...الآية فالوجه من الزينة والكفان من الزينة نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.  
 
3- يسأل أولاً عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165]؟
هذه الآية الكريمة فيها الذم والعيب لمن اتخذ الأنداد من دون الله، يقول سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:165] يعني: بعض الناس، وهذا على سبيل الذم والعيب والتنفير
مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا [البقرة:165] والأنداد: هم الأمثال والنظراء، يعني في دعائهم إياهم، واستغاثتهم بهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، اتخاذهم أنداد في هذا المعنى، وإلا فهم يعلمون أنهم لا يخلقون ولا يرزقون، ولا ينفعون ولا يضرون، فلم يتخذوهم أنداداً لله في النفع والضر، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، لا، هم يعلمون أن هذا لله وحده.
لكن اتخذوهم أنداداً في العبادات في دعائهم إياهم، ذبحهم لهم، نذرهم لهم، طلبهم الشفاعة، طلبهم النصر إلى غير هذا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى عن المشركين أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] وقال عنهم أيضاً في سورة يونس أنهم قالوا: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] قال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] هذا وجه اتخاذهم أنداد، يطلبوا منهم الشفاعة والقربة إلى الله سبحانه وتعالى؛ بدعائهم إياهم، وذبحهم لهم، ونذرهم لهم، ونحو ذلك.
والمحبة، قالوا: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] يحبون أندادهم حباً يجعلهم يعبدونهم مع الله، حب عبادة لجهلهم وضلالهم، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] يعني كما يحب المؤمنون الله، أو كما يحبون الله أي: ساووهم في ذلك.
ثم قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] يعني: أشد حباً لله من هؤلاء لأندادهم؛ لأن حبهم لله خالص، وحب هؤلاء مشترك.
فالمؤمن أشد حباً لله من هؤلاء المشركين في حبهم لأندادهم، وأشد حباً منهم لله أيضاً؛ لأن محبة المشركين لله مشتركة مبعضة ومحبة المسلمين لله وحده، كاملة ليس فيها نقص ولا شركة.
فالحاصل أن المشركين وإن أحبوا الله لكن محبتهم ناقصة، محبتهم ضعيفة؛ لأنهم شركوا فيها حب الأنداد التي عبدوها من دون الله.
أما المؤمنون فهم أحب لله، وأكمل حباً لله من أولئك لأندادهم، ومن أولئك لحبهم لله، فهم يحبون الله حباً أكمل من حب المشركين لله، وأكمل من حب المشركين لأندادهم أيضاً.
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] الذين (ظلموا) يعني: أشركوا، الظلم هنا الشرك، وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة:165] يعني: يوم القيامة، يعني: إذا لقوا الله جل وعلا، ووقفوا بين يديه لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [البقرة:165] حين يرون العذاب يعلمون حينئذ أن القوة لله جميعاً، وأنهم قد ضلوا عن سواء السبيل، وقد أخطئوا في اتخاذهم الأنداد، وذلك حين يرون العذاب يوم القيامة، حين يقدموا للعذاب يوم القيامة؛ بسبب كفرهم وشركهم، لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [البقرة:165] وعرفوا أنهم في باطل في الدنيا وفي غفلة، وفي جهل عظيم وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165] يعني وعرفوا ذلك أيضاً.
فالحاصل أن المشركين في غفلة وضلال وجهل، ولهذا أشركوا بالله واتخذوا الأنداد مع الله، أما المؤمنون فلبصيرتهم وعلمهم بالله، أخلصوا العبادة لله وحده، وصارت محبتهم لله أكمل محبة، وأتم محبة، ليس فيها شركة ولا نقص، والله المستعان. 
 
4- يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا))[النساء:48]؟
هذه الآية آية عظيمة، وهي آية محكمة أنزلت في أهل الشرك إذا ماتوا على الشرك، إذا مات المشرك لا يغفر له، أما إذا أسلم وتاب إلى الله يغفر، لكن إذا مات على الشرك فإنه لا يغفر له، لهذا قال سبحانه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) سورة النساء. يعني لا يغفر له ذنوبه يدخله بها النار كما قال في الآية الأخرى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) سورة المائدة. فالمشرك إذا مات على الشرك لا يغفر له، بل له النار أبد الآباد والجنة عليه حرام. قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) سورة الأنعام، فالمقصود أن الشرك هو أعظم الذنوب، وأقبح القبائح فمن مات عليه لم يتب لا يغفر له والجنة عليه حرام بنص هذه الآية، وهو قوله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ثم قال سبحانه: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. يعني ما دون الشرك من الذنوب كالزنا، والعقوق، والخمر، ونحو ذلك تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر لصاحبه يوم القيامة بأعمالٍ صالحة أخرى، وبحسناته الأخرى فضلاً من الله وجوداً وكرما وإن شاء عاقبه على قدر معاصيه التي مات عليها من عقوق ٍ للوالدين أو أحدهما أو شرب المسكر من الزنا من الغيبة وغير ذلك، ثم قال سبحانه:ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما. في الآية الأخيرة: وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116) سورة النساء. فالمشرك ضال ضلالاً بعيدا، وقد افترى على الله إثماً عظيماً، حين ظن أن الله يجيز هذا الشيء ويرضاه، وعبد الأنداد والأصنام من دون الله، يظن أن هذا مرضي لله، وهذا باطل، قد افترى على الله إثماً عظيماً بهذا الظن السيء، والخلاصة أن مات على الشرك لا يغفر له، والجنة عليه حرام، من عرب، وعجم ومن جنٍ وإنس، ومن مات على ما دون الشرك من المعاصي فهو تحت مشيئة لله، خلافاً للمعتزلة والخوارج ومن سار على مذهبهم من سائر المبتدعة، فإن الخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم يرون العاصي مخلداً في النار وأنه لا يغفر له، إذا مات على الزنا يرونه مخلداً في النار، أو الخمر يرونه مخلداً في النار، وهذا باطل، فهم تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له ومحى عنه سيئاته وادخله الجنة بتوحيده، بإسلامه وما عمله من الصالحات...، وإن شاء عذبه على قدر معصيته، يعذب في النار ما شاء الله، ثم يخرج من النار عند أهل السنة والجماعة، وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، يعذب ما شاء الله، قد تطول مدته وقد تقصر على حسب أعماله السيئة، ثم يخرج من النار، لا يخلد في النار، لا يخلد في النار إلا المشركون والكفرة، أما العاصي الموحد المسلم لا يخلد في النار إذا دخلها، يعذب على قدر معاصيه التي مات عليها لم يتب، ثم يخرجه الله من النار، إلى الجنة عند أهل الحق، عند أهل السنة والجماعة، بإجماع أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، ومن سار على منهجهم من الإباظية المقصود أن هذا القول باطل وأن العاصي المسلم الموحد تحت مشيئة الله لا يكفر ولا يخلد في النار. الخوارج يقولون: كافر، إذا زنا كفر، إذا سرق كفر، إذا شرب الخمر كفر، هذا باطل، هذه معاصي وليس بكافر، لكن إيمانه ضعيف؛ ولهذا جاء في الحديث أنه عليه السلام أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن-يعني إيمان كامل-، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، يعني إيماناً كاملاً، عنده أصل الإيمان لكنه عاصي، إيمانه ضعيف وبهذا نفي عنه كماله، بدليل أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحكم على الزاني بالردة، ولا على السارق، بل جاء بنص القرآن أن الزاني يجلد مائة جلدة يعني إذا كان بكراً، والزانية كذلك، وإذا كان الزاني محصناً، فإنه يرجم بما صحت به السنة ونزل به القرآن نسخ لفظه وبقي حكمه، وجلد حداً، ورجم حداً، وصلى عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رجموا والسارق تقطع يده وليس بالكافر، ولو كان كافر يقتل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من بدل دينه فاقتله). إذا كان السارق كافر كان قتل ما قطعت يده، هكذا شارب الخمر لو كان كافراً قتل، ولكن يجلد أربعين جلدة كما رآها عمر رضي الله عنه والصحابة جعلها ثمانين، يجلد ثمانين جلدة، فقول الخوارج والمعتزلة من أبطل الباطل، فليس بكافر العاصي إذا كان موحداً يعبد الله وحده وليس عنده نقض من نواقض الإسلام، وليس بمخلد في النار إذا مات على معصية، وهو موحد مسلم، ولكنه إذا لم يعفو الله عنه يعاقب على قدر ذنبه حسب حكمة الله ومشيئته سبحانه وتعالى، ثم يخرجه الله من النار بعد التطهير، والتمحيص إلى الجنة، ولا يخلد في النار إلا الكفار، لا يخلد في النار إلا الكفار الذين حكم الشرع بكفرهم، وخروجهم من الإسلام، أو ارتدوا بعد الإسلام، ارتدوا عن الإسلام وصاروا كفاراً، هؤلاء يخلدون في النار بإجماع المسلمين علماء، كما قال الله في حقهم وأشباههم: وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) سورة البقرة. وقال فيهم سبحانه: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (37) سورة المائدة. وقال في حقهم: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) سورة البقرة. هذا هو الحق، هذه المسألة مهمة عظمية يجب على من كان عنده شيء من الإشكال أن يعتني بهذا المقال، وأن يعرف حقيقة مذهب أهل السنة والجماعة، وأن يحذر قول الخوارج والمعتزلة ومن سار على منهجهم من أهل الباطل، الذين يقولون أن العاصي كافر، كالزاني ونحوه، أو يقولون أنه مخلد في النار، كل هذا باطل، فالعاصي المسلم الموحد ليس بكافر، وليس مخلداً في النار، ولكن إن دخلها يعذب على قدر جريمته، ثم يخرج منها إلى الجنة كما تواترت في ذلك الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وغيرهما أنه يشفع في العصاة عدة شفاعات، فيخرج الله من النار أقواماً كثيرين قد امتحشوا، قد احترقوا يخرجهم الله؛ بشفاعته -عليه الصلاة والسلام-، ويخرج الله أيضاً من النار بشفاعة الملائكة والأنبياء الآخرين والرسل والمؤمنين والأقطاب، يخرج الله جماً غفيراً من النار بالشفاعة، ولا يبقى في النار موحد، وبعد الشفاعات يقول جل وعلا: شفع الأنبياء وشفعة الملائكة وشفع المؤمنون ولم يبق إلا رحمة ارحم الراحمين فيخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة أحد، يخرجهم من النار سبحانه؛ لأنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، كانوا موجودين مسلمين دخلوا النار بمعاصيهم، فلما عوقبوا بقدر معاصيهم أخرجهم الله من النار بتوحيدهم وإسلامهم وسلامتهم من الشرك، هذا هو القول الحق من أهل السنة والجماعة وهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا من أتباعهم بإحسان، فالواجب على كل مؤمن، وكل طالب علم أن يعتني بهذا المقام حتى يبصر الناس وحتى يوضح لهم بطلان قول المبتعدة من الخروج والمعتزلة في هذا الباب، ومن سار على نهجهم الباطل، نسأل الله للجميع الهداية.  
 
5- الإشراك الذي لا يغفره الله هل هو في العبودية فقط أو حتى في الطاعة؟ وهل هناك إشراك في الطاعة أم لا يوجد إشراك إلا في العبودية، ثم ما هو الإشراك، وكيف التخلص منه في أعمالنا ومعاملاتنا مع بعضنا، ثم إذا أطعنا أشخاصاً فيما فيه الخير وما فيه طاعة الله فهل هذه الطاعة إشراك بالله والعياذ بالله من كل عمل فيه شرك؟
الشرك بالله بينه الله في كتابه العظيم، وهو صرف العبادة لغير الله، كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، أو الملائكة أو الجن أو الأصنام، أو نحو ذلك، أو الصلاة لهم، أو السجود لهم، أو الذبح لهم تقرباً إليهم يرجو شفاعتهم، يرجو أنهم ينصرونه ويشفون مريضه، يتقربون إليه، أما إذا ذبح الذبيحة يتقرب إلى الله، الضحية، يضحي عن أبيه، أو عن أخيه، أو يتصدق بها عنه يرجو ثواب الله لا يتقرب إلى أحد، يتقرب إلى الله بالذبيحة، الضحية، فهذا قربة إلى الله ...، أما إذا ذبح يريد التقرب من ميت حتى يشفع له الميت، حتى ينصره، حتى يشف مريضه، هذه العبادة لغير الله، وهكذا النذر يقول إن شف الله مريضي، أو إن شفيت مريضي يا فلان فلك عليّ ذبيحة كذا وكذا هذا الشرك بالله، أو يقول يا سيدي فلان، أو يا فاطمة، أو يا سيدي البدوي انصرني، أو اشف مريضي، أو يا سيدي عبد القادر، أو يا شيخ عبد القادر، أو يا أبا ذر، أو يا رسول الله، أو يا أبا بكر الصديق، أو يا عمر، أو يا عثمان انصرني، أو اشف مريضي، أو يا ابن عباس، أو غيرهم من الناس، أو يا ملائكة الله انصروني، أو يا أيها الجن انصروني، أو يا جني فلان انصرني، أو اشف مريضي، أو يا... الفلاني، أو الشجرة الفلانية كل هذا شرك بالله وعبادة لغيره، وهكذا إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالأدلة الشرعية، إذا أنكره يكون كافراً مشركاً كالذي ينكر أن الله أوجب الصلاة، يقول: لا الصلاة ما هي واجبة، هذا كافر كفر أكبر، أو قال: الفجر ما هي بواجبة، أو العصر ما هي بواجبة، أو الظهر ما هي واجبة، أو المغرب ما هي واجبة، أو الجمعة ما هي واجبة على الناس كل هذا كفر أكبر، أو يقول الزكاة ما هي واجب، أو صيام رمضان ما هو بواجب على الناس، أو الحج مع الاستطاعة ما هو بواجب على الناس، هذا كفر أكبر، أو يقول الزنا حلال، أو الخمر حلال، إذا كان جاهل يبين له الأمر الشرعي، فإذا أصر على أن الزنا حلال، أو أن الخمر حلال صار كافراً كفراً أكبر، أو قال مساعدة المشركين على المسلمين كونه يساعد الكفار على إخوانه المسلمين حتى يذبحوهم، حتى يعذبوهم، هذا ردة، يقول الله سبحانه: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ -يعني يتولى الكفار، ينصرهم على المسلمين- فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (51) سورة المائدة. هكذا من يستحل السجود لغير الله والصلاة لغير الله ولو ما فعله، كونه يصلي للملائكة، أو يصلي للجن أو يصلي للأموات، أو يسجد لهم ولو ما فعله يكفر بهذا الاعتقاد، وهكذا من يطيع غير الله في الشرك بالله، إذا أطاعه في الشرك بالله، والسجود لغير الله صار مشركاً؛ لأنها طاعة فيما هو شرك بالله عز وجل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق)؛ فإن أطاعه في المعصية صارت معصية، وإن أطاعه في الشرك صار شرك، فإذا أطاع أنه يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله صار شركاً أكبر، وإذا أطاعه أنه يقتل بغير حق، يقتل إنسان بغير حق، أواو يجلد جلداً بغير حق يكون عاصياً ظالماً أطاعه في الظلم والمعصية، أما طاعة الرسول فهي طاعة لله،مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) سورة النساء. طاعة الرسول واجبة تطيع الرسول فيما أمر به ونهى عنه، الله قال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (54) سورة النــور. وقال سبحانه: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) سورة النساء. كذلك طاعة العلماء في الحق، طاعة الأمراء في الحق طاعة لله، إذا أمرك الأمير تصلي في الجماعة، أمرك أن توحد إلى الله ولا تشرك به شيئاً، أمرك أن تحكم بالحق، وأن تحكم بما أنزل الله، يجب أن يطـاع في ذلك؛ لأنه أمرك بطاعة الله، أمرك ببر والديك عليك أن تطيعه؛ لأن طاعته طاعة لله في هذا، نهاك عن السرقة، نهاك عن الظلم تطيعه؛ لأن الله أمر بهذا، فولي الأمر إذا أطعته في هذا فأنت مطيع لله؛ لأنه أمركم بطاعة الله ورسوله، لكن إذا قال لك اضرب والديك، لا، إذا قال لك اشرب الخمر، لا، لا تطيعه، إذا أطعته في هذا فأنت عاصي مثله؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الطاعة في المعروف)، (لا طاعة لمخلوق في المعصية الخالق). فإذا أطعته في شرك صرت مشركاً، وإذا أطعته في معصية صرت عاصياً، وإذا أطعته في طاعة الله فأنت مأجور، وفق الله الجميع.  

552 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply