<div class="wrapper" style="padding:10px;"> |
| <h1 class="title">سورة آل عمران - تفسير السعدي</h1> |
| <div class=Section1 dir=RTL> |
| |
| <p><h1>" الم " </h1></p> |
| |
| <p>" الم " من الحروف التي لا يعلم معناها إلا الله. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله لا إله إلا هو الحي القيوم " </h1> |
| |
| <p>فأخبر تعالى أنه <span class=hd>" الْحَيُّ " كامل |
| الحياة " الْقَيُّومُ " القائم بنفسه, المقيم |
| لأحوال خلقه. <br> |
| وقد أقام أحوالهم الدينية, وأحوالهم الدنيوية والقدرية.</span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة |
| والإنجيل " </h1> |
| |
| <p>فأنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب بالحق, الذي لا ريب |
| فيه, وهو مشتمل على الحق <span class=hd>" مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ |
| " من الكتب. <br> |
| أي: شهد بما شهدت به, ووافقها, وصدق من جاء بها من المرسلين. <br> |
| وكذلك " وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ " </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم |
| عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام " </h1> |
| |
| <p><span lang=AR-SA>" مِنْ |
| قَبْلُ " </span>هذا الكتاب <span class=hd>" |
| هُدًى لِلنَّاسِ " . <br> |
| وأكمل الرسالة, وختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه العظيم الذي هدى الله به |
| الخلق, من الضلالات, واستنقذهم به من الجهالات, وفرق به بين الحق والباطل, |
| والسعادة والشقاوة, والصراط المستقيم, وطرق الجحيم. <br> |
| فالذين آمنوا به واهتدوا, حصل لهم به, الخير الكثير, والثواب العاجل والآجل. <br> |
| و " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ " التي |
| بينها في كتابه وعلى لسان رسوله " لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ |
| وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ " ممن عصاه. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء " </h1> |
| |
| <p>ومن تمام قيوميته تعالى, أن علمه محيط بالخلائق <span class=hd>" |
| لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ " حتى |
| ما في بطون الحوامل. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز |
| الحكيم " </h1> |
| |
| <p>فهو <span class=hd>" الَّذِي |
| يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ " من ذكر وأنثى, وكامل |
| الخلق وناقصه, متنقلين في أطوار خلقته وبديع حكمته. <br> |
| فمن هذا شأن مع عباده, واعتناؤه العظيم بأحوالهم, من حين أنشأهم إلى منتهى أمورهم, |
| لا مشارك له في ذلك - فيتعين أنه لا يستحق العبادة إلا هو. <br> |
| " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ " الذي قهر |
| الخلائق بقوته, واعتز عن أن يوصف بنقص أو ينعت بذم " |
| الْحَكِيمُ " في خلقه وشرعه. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر |
| متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء |
| تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند |
| ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب " </h1> |
| |
| <p>يخبر تعالى, عن عظمته, وكمال قيوميته, أنه |
| هو الذي تفرد لإنزال هذا الكتاب العظيم, الذي لم يوجد - ولن يوجد - له نظير أو |
| مقارب في هدايته, وبلاغته, وإعجازه, وإصلاحه للخلق. <br> |
| وأن هذا الكتاب يحتوي على المحكم الواضح المعاني البين, الذي لا يشتبه بغيره. <br> |
| ومنه آيات متشابهات, تحتمل بعض المعاني, ولا يتعين منها واحد من الاحتمالين |
| بمجردها, حتى تضم إلى المحكم. <br> |
| فالذين في قلوبهم مرض وزيغ, وانحراف, لسوء قصدهم - يتبعون المتشابه منه. <br> |
| فيستدلون به على مقالاتهم الباطلة, وآرائهم الزائفة, طلبا للفتنة, وتحريفا لكتابه, |
| وتأويلا له على مشاربهم ومذاهبهم ليضلوا ويضلوا. <br> |
| وأما أهل العلم الراسخون فيه, الذين وصل العلم واليقين إلى أفئدتهم, فأثمر لهم |
| العمل والمعارف - فيعلمون أن القرآن كله من عند الله, وأنه كله حق, محكمه |
| ومتشابهه, وأن الحق لا يتناقض ولا يختلف. <br> |
| فلعلمهم أن المحكمات, معناها في غاية الصراحة والبيان, يردون إليها المشتبه, الذي |
| تحصل فيه الحيرة لناقص العلم, وناقص المعرفة. <br> |
| فيردون المتشابه إلى المحكم, فيعود كله محكما, ويقولون: <span class=hd>" |
| آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ " للأمور |
| النافعة, والعلوم الصائبة " إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ |
| " أي: أهل العقول الرزينة. <br> |
| ففي هذا دليل على أن هذا, من علامة أولي الألباب, وأن اتباع المتشابه, من أوصاف |
| أهل الآراء السقيمة, والعقول الواهية, والقصود السيئة. <br> |
| وقوله " وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ " إن |
| أريد بالتأويل, معرفة عاقبة الأمور, وما تنتهي وتئول, تعين الوقوف على " إلا الله " حيث هو تعالى, المتفرد بالتأويل بهذا |
| المعنى. <br> |
| وإن أريد بالتأويل: معنى التفسير, ومعرفة معنى الكلام, كان العطف أولى. <br> |
| فيكون هذا مدحا للراسخين في العلم, أنهم يعلمون كيف ينزلون نصوص الكتاب والسنة, |
| محكمها ومتشابهها. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت |
| الوهاب " </h1> |
| |
| <p>ولما كان المقام مقام انقسام إلى منحرفين ومستقيمين, دعوا الله تعالى |
| أن يثبتهم على الإيمان فقالوا: <span class=hd>" رَبَّنَا لَا تُزِغْ |
| قُلُوبَنَا " أي لا تملها عن الحق إلى الباطل. <br> |
| " بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ |
| رَحْمَةً " تصلح بها أحوالنا " إِنَّكَ أَنْتَ |
| الْوَهَّابُ " أي كثير الفضل والهبات. <br> |
| وهذه الآية, تصلح مثالا للطريقة, التي يتعين سلوكها في المتشابهات. <br> |
| وذلك: أن الله تعالى ذكر عن الراسخين, أنهم يسألونه أن لا يزيغ قلوبهم, بعد إذ |
| هداهم. <br> |
| وقد أخبر في آيات أخر عن الأسباب التي بها تزيغ قلوب أهل الانحراف وأن ذلك بسبب |
| كسبهم كقوله " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ |
| " , " ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ |
| قُلُوبَهُمْ " . <br> |
| " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ |
| يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " . <br> |
| فالعبد إذا تولى عن ربه, ووالى عدوه, ورأى الحق, فصدف عنه, ورأى الباطل, فاختاره - |
| ولاه الله ما تولى لنفسه, وأزاع قلبه, عقوبة له على زيغه. <br> |
| وما ظلمه الله, ولكنه ظلم نفسه, فلا يلم إلا نفسه الأمارة بالسوء. <br> |
| والله أعلم. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد |
| " </h1> |
| |
| <p>هذا من تتمة كلام الراسخين في العلم, وهو يتضمن الإقرار بالبعث |
| والجزاء, واليقين التام, وأن الله, لا بد أن يوقع ما وعد به. <br> |
| وذلك يستلزم موجبه ومقتضاه, من العمل والاستعداد لذلك اليوم. <br> |
| فإن الإيمان بالبعث والجزاء, أصل صلاح القلوب, وأصل الرغبة في الخير, والرهبة من |
| الشر, اللذين هما أساس الخيرات. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا |
| وأولئك هم وقود النار " </h1> |
| |
| <p>لما ذكر يوم القيامة, ذكر أن جميع من كفر بالله, وكذب رسل الله, لا بد |
| أن يدخلوا النار ويصلوها. <br> |
| وأن أموالهم وأولادهم, لن تغني عنهم شيئا من عذاب الله. <br> |
| وأنه سيجري عليهم في الدنيا من الأخذات والعقوبات, ما جرى على فرعون وسائر الأمم |
| المكذبة بآيات الله <span class=hd>" فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ |
| " وعجل لهم العقوبات الدنيوية, متصلة بالعقوبات الأخروية. <br> |
| " وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ " فإياكم أن |
| تستهونوا بعقابه, فيهون عليكم الإقامة على الكفر والتكديب. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " </h1> |
| |
| <p>وهذا خبر وبشرى للمؤمنين, وتخويف للكافرين, أنهم لا بد أن يغلبوا في |
| هذه الدنيا. <br> |
| وقد وقع كما أخبر الله, فغلبوا غلبة لم يكن لها مثيل ولا نظير. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى |
| كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي |
| الأبصار " </h1> |
| |
| <p>وجعل الله تعالى, ما وقع في <span class=hd>" بدر " من |
| آياته الدالة على صدق رسوله, وأنه على الحق, وأعداءه على الباطل, حيث التقت فئتان. |
| <br> |
| فئة المؤمنين لا يبلغون إلا ثلثمائة وبضعة عشر رجلا, مع قلة عددهم. <br> |
| وفئة الكافرين, يناهزون الألف, مع استعدادهم التام في السلاح وغيره. <br> |
| فأيد الله المؤمنين بنصره, فهزموهم بإذن الله. <br> |
| ففي هذا عبرة لأهل البصائر. <br> |
| فلولا أن هذا هو الحق الذي إذا قابل الباطل أزهقه واضمحل الباطل لكان - بحسب |
| الأسباب الحسية - الأمر بالعكس. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من |
| الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده |
| حسن المآب " </h1> |
| |
| <p>أخبر تعالى, في هاتين الآيتين, عن حالة الناس, في إيثار الدنيا على |
| الآخرة - وبين التفاوت العظيم, والفرق الجسيم بين الدارين. <br> |
| فأخبر أن الناس, زينت لهم هذه الأمور, فرمقوها بالأبصار, واستحلوها بالقلوب, وعكفت |
| على لذاتها, النفوس. <br> |
| كل طائفة من الناس, تميل إلى نوع من هذه الأنواع, قد جعلوها هي, أكبر همهم, ومبلغ |
| علمهم, وهي - مع هذا - متاع قليل, منقض في مدة يسيرة. <br> |
| فهذا <span class=hd>" مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ |
| حُسْنُ الْمَآبِ " . </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من |
| تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد " |
| </h1> |
| |
| <p>ثم أخبر عن ذلك بأن المتقين لله, القائمين بعبوديته, لهم خير من هذه |
| اللذات. <br> |
| فلهم أصناف الخيرات, والنعيم المقيم, مما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على |
| قلب بشر. <br> |
| ولهم رضوان الله, الذي هو أكبر من كل شيء. <br> |
| ولهم الأزواج المطهرة, من كل آفة ونقص, جميلات الأخلاق, كاملات الخلائق, لأن النفي |
| يستلزم ضده, فتطهيرها عن الآفات, مستلزم لوصفها بالكمالات. <br> |
| <span class=hd>" وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " فييسر كلا |
| منهم لما خلق له. <br> |
| أما أهل السعادة, فييسرهم للعمل لتلك الدار الباقية, ويأخذون من هذه الحياة |
| الدنيا, ما يعينهم على عبادة الله وطاعته. <br> |
| وأما أهل الشقاوة والإعراض, فيقيضهم لعمل أهل الشقاوة, ويرضون بالحياة الدنيا, |
| ويطمئنون بها, ويتخذونها قرارا. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار |
| " </h1> |
| |
| <p>أي: هؤلاء الراسخون في العلم, أهل العلم والإيمان, يتوسلون إلى ربهم |
| بإيمانهم, لمغفرة ذنوبهم, ووقايتهم عذاب النار, وهذا من الوسائل التي يحبها الله, |
| أن يتوسل العبد إلى ربه, بما من به عليه من الإيمان والأعمال الصالحة, إلى تكميل |
| نعم الله عليه, بحصول الثواب الكامل, واندفاع العقاب. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار |
| " </h1> |
| |
| <p>ثم وصفهم بأجمل الصفات: بالصبر الذي هو: حبس |
| النفوس على ما يحبه الله, طلبا لمرضاته. <br> |
| يصبرون على طاعة الله, ويصبرون عن معاصيه, ويصبرون على أقداره المؤلمة. <br> |
| وبالصدق بالأقوال والأحوال, وهو استواء الظاهر والباطن, وصدق العزيمة على سلوك |
| الصراط المستقيم. <br> |
| وبالقنوت الذي هو: دوام الطاعة, مع مصاحبة الخشوع والخضوع. <br> |
| بالنفقات في سبل الخيرات, وعلى الفقراء, وأهل الحاجات. <br> |
| وبالاستغفار, خصوصا وقت الأسحار, فإنهم مدوا الصلاة إلى وقت السحر, فجلسوا |
| يستغفرون الله تعالى. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط |
| لا إله إلا هو العزيز الحكيم " </h1> |
| |
| <p>هذه أجل الشهادات الصادرة من الملك العظيم, ومن الملائكة, وأهل العلم, |
| على أجل مشهود عليه, وهو توحيد الله, وقيامه بالقسط. <br> |
| وذلك يتضمن الشهادة, على جميع الشرع, وجميع أحكام الجزاء. <br> |
| فإن الشرع والدين, أصله وقاعدته, توحيد الله وإفراده بالعبودية, والاعتراف |
| بانفراده, بصفات العظمة والكبرياء, والمجد, والعز, والقدرة, والجلال, ونعوت الجود, |
| والبر والرحمة, والإحسان, والجمال وبكماله المطلق الذي لا يحصى أحد من الخلق, أن |
| يحيطوا بشيء منه, أو يبلغوه, أو يصلوا إلى الثناء عليه, والعبادات الشرعية, |
| والمعاملات وتوابعها, والأمر والنهي, كله عدل وقسط, لا ظلم فيه ولا جور, بوجه من |
| الوجوه. <br> |
| بل هو في غاية الحكمة والإحكام. <br> |
| والجزاء على الأعمال الصالحة والسيئة, كله قسط وعدل. <br> |
| <span class=hd>" قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ " . |
| <br> |
| فتوحيد الله, ودينه وجزاؤه, قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه, وهو أعظم الحقائق وأوضحها, |
| وقد أقام الله على ذلك من البراهين, والأدلة, ما لا يمكن إحصاؤه وعده. <br> |
| وفي هذه الآية: فضيلة العلم والعلماء, لأن الله خصهم بالذكر, من دون البشر. <br> |
| وقرن شهادتهم, بشهادته وشهادة ملائكته. <br> |
| وجعل شهادتهم, من أكبر الأدلة والبراهين, على توحيده ودينه وجزائه. <br> |
| وأنه يجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة. <br> |
| وفي ضمن ذلك: تعديلهم, وأن الخلق تبع لهم, وأنهم, هم الأئمة المتبوعون. <br> |
| وفي هذا من الفضل والشرف, وعلو المكانة, ما لا يقادر قدره. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من |
| بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب " </h1> |
| |
| <p>يخبر تعالى <span class=hd>" إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ |
| " أي: الدين الذي لا دين له سواه, ولا مقبول غيره, هو " |
| الْإِسْلَامُ " وهو: الانقياد لله وحده, ظاهرا وباطنا, بما شرعه على |
| ألسنة رسله, قال تعالى: " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ |
| دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " . |
| <br> |
| فمن دان بغير دين الإسلام, فهو لم يدن لله حقيقة, لأنه لم يسلك الطريق الذي شرعه |
| على ألسنة رسله. <br> |
| ثم أخبر تعالى, أن أهل الكتاب يعلمون ذلك, وإنما اختلفوا, فانحرفوا عنه, عنادا |
| وبغيا. <br> |
| وإلا فقد جاءهم العلم المقتضي لعدم الاختلاف, الموجب للزوم الدين الحقيقي. <br> |
| ثم لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عرفوه حق المعرفة, ولكن الحسد والبغي والكفر |
| بآيات الله, هي التي صدتهم عن اتباع الحق. <br> |
| " وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ |
| " أي: فلينتظروا ذلك فإنه آت, وسيجزيهم الله بما كانوا يعملون. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب |
| والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير |
| بالعباد " </h1> |
| |
| <p>لما بين أن الدين الحقيقي عنده الإسلام, وكان أهل الكتاب قد شافهوا |
| النبي صلى الله عليه وسلم بالمجادلة, وقامت عليهم الحجة, فعاندوها, أمره الله |
| تعالى عند ذلك, أن يقول ويعلن, أنه أسلم وجهه أي: ظاهره وباطنه, لله, وأن من اتبعه |
| كذلك, قد وافقوه على هذا الإذعان الخالص. <br> |
| وأن يقول للناس كلهم, من أهل الكتاب, والأميين أي: الذين ليس لهم كتاب, من العرب |
| وغيرهم. <br> |
| إن أسلمتم, فأنتم على الطريق المستقيم والهدى والحق. <br> |
| وإن توليتم, فحسابكم على الله, وأنا ليس علي إلا البلاغ, وقد أبلغتكم, وأقمت عليكم |
| الحجة. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون |
| الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم " </h1> |
| |
| <p>أي الذين جمعوا بين هذه الشرور: الكفر بآيات الله وتكذيب رسل الله, |
| والجناية العظيمة على أعظم الخلق حقا على الخلق, وهم الرسل وأئمة الهدى, الذين |
| يأمرون الناس بالقسط, الذي اتفقت عليه الأديان والعقول </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين |
| " </h1> |
| |
| <p>فهؤلاء قد <span class=hd>" حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي |
| الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " واستحقوا العذاب الأليم, وليس لهم ناصر من |
| عذاب الله, ولا منقذ من عقوبته. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله |
| ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " </h1> |
| |
| <p>أي: ألا تنظر وتعجب من هؤلاء <span class=hd>" الَّذِينَ أُوتُوا |
| نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ " و " يُدْعَوْنَ إِلَى |
| كِتَابِ اللَّهِ " الذي يصدق ما أنزله على رسله. <br> |
| " ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ |
| " عن اتباع الحق. <br> |
| فكأنه قيل: أي داع دعاهم إلى هذا الإعراض, وهم أحق بالاتباع, وأعرفهم بحقيقة ما |
| جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ فذكر لذلك سببين: أمنهم, وشهادتهم الباطلة |
| لأنفسهم بالنجاة. <br> |
| وأن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة حدودها بحسب أهوائهم الفاسدة, كأن تدبير |
| الملك راجع إليهم, حيث قالوا " لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ |
| إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى " . <br> |
| ومن المعلوم أن هذه أماني باطلة, شرعا وعقلا. <br> |
| والسبب الثاني: أنهم لما كذبوا بآيات الله وافتروا عليه, زين لهم الشيطان سوء |
| عملهم, واغتروا بذلك, وتراءى لهم أنه الحق, عقوبة لهم على إعراضهم عن الحق, فهؤلاء |
| كيف يكون حالهم - إذا جمعهم الله يوم القيامة, ووفى العاملين ما عملوا, وجرى عدل |
| الله في عباده, فهنالك لا تسأل عما يصلون إليه من العقاب, وما يفوتهم من الخير |
| والثواب, وذلك بما كسبت أيديهم " وما ربك بظلام للعبيد " |
| . </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء |
| وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " </h1> |
| |
| <p>يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أصلا, |
| وغيره تبعا - أن يقول عن ربه, معلنا بتفرده بتصريف الأمور, وتدبير العالم العلوي |
| والسفلي, واستحقاقه باختصاصه بالملك المطلق, والتصريف المحكم, وأنه يؤتي الملك من |
| يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء. <br> |
| فليس الأمر بأماني أهل الكتاب ولا غيرهم, بل الأمر أمر الله, والتدبير له. <br> |
| فليس له معارض في تدبيره, ولا معاون في تقديره. <br> |
| وأنه كما أنه المتصرف بمداولة الأيام بين الناس, فهو المتصرف بنفس الزمان. <br> |
| وقوله <span class=hd>" بِيَدِكَ الْخَيْرُ " أي: الخير كله منك, |
| ولا يأتي بالحسنات والخيرات, إلا الله. <br> |
| وأما الشر فإنه لا يضاف إلى الله تعالى, لا وصفا, ولا اسما, ولا فعلا. <br> |
| ولكنه يدخل في مفعولاته, ويندرج في قضائه وقدره. <br> |
| فالخير والشر, كله داخل في القضاء والقدر, فلا يقع في ملكه إلا ما شاءه. <br> |
| ولكن الشر لا يضاف إلى الله. <br> |
| فلا يقال " بيدك الخير والشر " , بل يقال " بيدك الخير " كما قاله الله, وقاله رسوله. <br> |
| وأما استدراك بعض المفسرين حيث قال " وكذلك الشر بيد الله |
| " فإنه وهم محض. <br> |
| ملحظهم, حيث ظنوا أن تخصيص الخير بالذكر, ينافي قضاءه وقدره العام, وجوابه ما |
| فصلنا. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من |
| الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب " </h1> |
| |
| <p>يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار, أي: يدخل هذا على هذا, |
| ويحل هذا محل هذا, ويزيد في هذا, ما ينقص من هذا, ليقيم بذلك مصالح خلقه. <br> |
| ويخرج الحي من الميت, كما يخرج الزروع والأشجار المتنوعة من بذورها, والمؤمن من |
| الكافر, والميت من الحي. <br> |
| كما يخرج الحبوب والنوى, والزروع والأشجار, والبيضة من الطائر. <br> |
| فهو الذي يخرج المتضادات, بعضها من بعض, وقد انقادت له جميع العناصر. <br> |
| وقوله <span class=hd>" وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " قد |
| ذكر الله في غير هذه الآية, الأسباب التي ينال بها رزقه كقوله: " |
| وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا |
| يَحْتَسِبُ " . <br> |
| " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " . |
| <br> |
| فعلى العباد أن لا يطلبوا الرزق, إلا من الله, ويسعوا فيه بالأسباب التي يسرها |
| الله وأباحها. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك |
| فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير |
| " </h1> |
| |
| <p>هذا نهي من الله, وتحذير للمؤمنين, أن يتخذوا الكافرين أولياء من دون |
| المؤمنين, فإن المؤمنين بعضهم أولياء بعض, والله وليهم. <br> |
| <span class=hd>" وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ " التولي " فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ " أي: فهو بريء من |
| الله, والله بريء منه كقوله تعالى " وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ |
| مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " . <br> |
| وقوله: " إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً " أي: |
| إلا أن تخافوا على أنفسكم في إبداء العداوة للكافرين, فلكم - في هذه الحال - |
| الرخصة في المسألة والمهادنة, لا في التولي الذي هو محبة القلب, الذي تتبعه |
| النصرة. <br> |
| " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " أي: فخافوه |
| واخشوه, وقدموا خشيته على خشية الناس, فإنه هو الذي يتولى شئون العباد, وقد أخذ |
| بنواصيهم وإليه يرجعون وسيصيرون إليه. <br> |
| فيجازي من قدم حقوقه ورجاءه, على غيره, بالثواب الجزيل. <br> |
| ويعاقب الكافرين, ومن تولاهم, بالعذاب الوبيل. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في |
| السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير " </h1> |
| |
| <p>يخبر تعالى بإحاطة علمه بما في الصدور, سواء أخفاه العباد, أو أبدوه. <br> |
| كما أن علمه محيط بكل شيء, في السماء والأرض, فلا تخفى عليه خافية. <br> |
| ومع إحاطة علمه, فهو العظيم القدير على كل شيء, الذي لا يمتنع عن إرادته موجود. </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن |
| بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد " </h1> |
| |
| <p>ولما ذكر لهم من عظمته وسعة أوصافه, ما يوجب للعباد أن يراقبوه في كل |
| أحوالهم, ذكر لهم أيضا, داعيا آخر إلى مراقبته وتقواه, وهو: أنهم كلهم صائرون |
| إليه, وأعمالهم - حينئذ, من خير وشر - محضرة. <br> |
| فحينئذ يغتبط أهل الخير, بما قدموه لأنفسهم, ويتحسر أهل الشر إذا وجدوا ما عملوه |
| محضرا ويودون أن بينهم وبينه أمدا بعيدا فإذا عرف العبد أنه ساع إلى ربه, وكادح في |
| هذه الحياة, وأنه لا بد أن يلاقي ربه, ويلاقي سعيه, أوجب له أخذ الحذر, والتوقي من |
| الأعمال التي توجب الفضيحة والعقوبة, والاستعداد بالأعمال الصالحة, التي توجب |
| السعادة والمثوبة. <br> |
| ولهذا قال تعالى <span class=hd>" وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " وذلك |
| بما يبدي لكم من أوصاف عظمته, وكمال عدله وشدة نكاله, ومع شدة عقابه, فإنه رءوف |
| رحيم. <br> |
| ومن رأفته ورحمته, أنه خوف العباد, وزجرهم عن الغي والفساد, كما قال تعالى - لما |
| ذكر العقوبات " ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا |
| عِبَادِ فَاتَّقُونِ " فرأفته ورحمته, سهلت لهم الطرق, التي ينالون |
| بها الخيرات. <br> |
| ورأفته ورحمته, حذرتهم من الطرق التي تفضي بهم إلى المكروهات. <br> |
| فنسأله تعالى, أن يتمم علينا إحسانه, بسلوك الصراط المستقيم, والسلامة من الطرق, |
| التي تفضي بسالكها, إلى الجحيم. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم |
| والله غفور رحيم " </h1> |
| |
| <p>هذء الآية هي الميزان, التي يعرف بها من أحب الله حقيقة, ومن ادعى ذلك |
| دعوى مجردة. <br> |
| فعلامة محبة الله, اتباع محمد صلى الله عليه وسلم, الذي جعل متابعته, وجميع ما |
| يدعو إليه, طريقا إلى محبته ورضوانه. <br> |
| فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه, إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة |
| وامتثال أمرهما, واجتناب نهيهما. <br> |
| فمن فعل ذلك, أحبه الله, وجازاه جزاء المحبين, وغفر له ذنوبه, وستر عليه عيوبه. <br> |
| فكأنه قيل: ومع ذلك, فما حقيقة اتباع الرسول وصفتها؟ </p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين |
| " </h1> |
| |
| <p>فأجاب بقوله. <br> |
| <span class=hd>" قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ " بامتثال |
| الأمر, واجتناب النهي وتصديق الخبر. <br> |
| " فَإِنْ تَوَلَّوْا " عن ذلك, فهذا هو الكفر |
| والله " لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " . </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين |
| " </h1> |
| |
| <p>لله تعالى من عباده أصفياء, يصطفيهم |
| ويختارهم, ويمن عليهم بالفضائل العالية, والنعوت السامية, والعلوم النافعة, |
| والأعمال الصالحة, والخصائص المتنوعة. <br> |
| فذكر هذه البيوت الكبار, وما احتوت عليه من كملة الرجال, الذين حازوا أوصاف |
| الكمال, وأن الفضل والخير, تسلسل في ذراريهم وشمل ذكورهم ونساءهم. <br> |
| وهذا من أجل مننه وأفضل مواقع جوده وكرمه. <br> |
| <span class=hd>" وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " يعلم من يستحق |
| الفضل والتفضيل, فيضع فضله حيث اقتضت حكمته. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " </h1> |
| |
| <p>فلما قرر عظمة هذه البيوت, ذكر قصة مريم وابنها عيسى صلى الله عليه |
| وسلم, وكيف تسلسلا من هذه البيوت الفاضلة, وكيف تنقلت بهما الأحوال, من ابتداء |
| أمرهما إلى آخره, وأن امرأة عمران قالت - متضرعة إلى ربها, متقربة إليه بهذه |
| القربة التي يحبها, التي فيها تعظيم بيته وملازمة طاعته: <span class=hd>" |
| إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا " أي: خادما لبيت |
| العبادة, المشحون بالمتعبدين. <br> |
| " فَتَقَبَّلْ مِنِّي " هذا العمل أي: اجعله |
| مؤسسا على الإيمان والإخلاص, مثمرا للخير والثواب. <br> |
| " إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا |
| قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ |
| وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى " كان في هذا الكلام, نوع تضرع منها, |
| وانكسار نفس حيث كان نذرها بناء على أنه يكون ذكرا, يحصل منه من القوة والخدمة |
| والقيام بذلك, ما يحصل من أهل القوة, والأنثى بخلاف ذلك. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما |
| دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند |
| الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " </h1> |
| |
| <p>فجبر الله قلبها, وتقبل الله نذرها, وصارت |
| هذه الأنثى, أكمل وأتم من كثير من الذكور, بل من أكثرهم. <br> |
| وحصل بها من المقاصد, أعظم مما يحصل بالذكر, ولهذا قال: <span class=hd>" |
| فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا " أي: |
| ربيت تربية عجيبة, دينية, أخلاقية, أدبية كملت بها أحوالها, وصلحت بها أقوالها |
| وأفعالها, ونما فيها كمالها, ويسر الله لها زكريا كافلا. <br> |
| وهذا من منة الله على العبد, أن يجعل من يتولى تربيته من الكاملين المصلحين. <br> |
| ثم إن الله تعالى أكرم مريم وزكريا, حيث يسر لمريم من الرزق الحاصل بلا كد ولا |
| تعب, وإنما هو كرامة أكرمها الله به. <br> |
| إذ " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ |
| " وهو محل العبادة. <br> |
| وفيه إشارة إلى كثرة صلاتها وملازمتها لمحرابها " وَجَدَ |
| عِنْدَهَا رِزْقًا " هنيئا معدا. <br> |
| " قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ |
| عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " . |
| <br> |
| فلما رأى زكريا هذه الحال, والبر واللطف من الله بها, ذكره أن يسأل الله تعالى |
| حصول الولد, على حين اليأس منه فقال: " رَبِّ هَبْ لِي مِنْ |
| لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ |
| الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ |
| يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ " اسمه أي: |
| الكلمة التي من الله " عيسى بن مريم " : فكانت |
| بشارته بهذا النبي الكريم, تتضمن البشارة بـ " عيسى " ابن |
| مريم, والتصديق له, والشهادة له بالرسالة. <br> |
| فهذه الكلمة من الله, كلمة شريفة, اختص الله بها عيسى بن مريم. <br> |
| وإلا, فهي من جملة كلماته التي أوجد بها المخلوقات, كما قال تعالى: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ |
| تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " وقوله " |
| وَسَيِّدًا وَحَصُورًا " . <br> |
| أي: هذا المبشر به وهو يحيى, سيد من فضلاء الرسل وكرامهم: " |
| والحصور " قيل: هو الذي لا يولد له, ولا شهوة له في النساء, وقيل: هو |
| الذي عصم وحفظ من الذنوب والشهوات الضارة. <br> |
| وهذا أليق المعنيين: " وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ " الذين |
| بلغوا في الصلاح ذروته العالية. </span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك |
| الله يفعل ما يشاء " </h1> |
| |
| <p><span lang=AR-SA>" |
| قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي |
| عَاقِرٌ " </span>. <br> |
| فهذان مانعان. <br> |
| فمن أي طريق - يا رب - يحصل لي ذلك, مع ما ينافي ذلك؟!. <br> |
| <span class=hd>" قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ " فإنه |
| - كما اقتضت حكمته جريان الأمور بأسبابها المعروفة - فإنه قد يخرق ذلك, لأنه |
| الفعال لما يريد, الذي قد انقادت الأسباب لقدرته, ونفذت فيها مشيئته وإرادته, فلا |
| يتعاصى على قدرته, شيء من الأسباب, ولو بلغت في القوة, ما بلغت</span></p> |
| |
| <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا |
| رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار " </h1> |
| |
| <p><span lang=AR-SA>" |
| قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً " </span>ليحصل |
| السرور والاستبشار. <br> |
| وإن كنت - يا رب - متيقنا ما أخبرتني به, ولكن النفس تفرح, ويطمئن القلب, إلى |
| مقدمات الرحمة واللطف. <br> |
| <span class=hd>" قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ |
| أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا " . <br> |
| وفي هذه المدة اذكر " رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ |
| بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ " أول النهار وآخره. <br> |
| فمنع من الكلام في هذه المدة, فكان في هذا, مناسبة لحصول الولد من بين الشيخ |
| الكبير, والمرأة العاقر. <br> |
| وكونه لا يقدر على مخاطبة الآدميين, ولسانه منطلق بذكر الله وتسبيحه, آية أخرى. <br> |
| فحينئذ حصل له الفرح والاستبشار, وشكر الله, وأكثر من الذكر والتسبيح, بالعشايا |
| والأبكار. <br> |
| وكان هذا المولود, من بركات مريم بنت عمران, على زكريا. <br> |
| فإن ما من الله به عليها, من ذلك الرزق الهني, الذي يحصل بغير حساب, ذكره وهيجه |
| على التضرع والسؤال. <br> |
<