<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة النساء - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق | |
منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن | |
الله كان عليكم رقيبا " </h1></p> | |
<p>افتتح تعالى هذه | |
السورة, بالأمر بتقواه, والحث على عبادته, والأمر بصلة الأرحام, والحث على ذلك. <br> | |
وبين السبب الداعي, الموجب لكل من ذلك, وأن الموجب لتقواه أنه " رَبَّكُمُ | |
الَّذِي خَلَقَكُمْ " ورزقكم, ورباكم بنعمه العظيمة, التي من جملتها خلقكم | |
" مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا " ليناسبها, فيسكن | |
إليها, وتتم بذلك النعمة, ويحصل به السرور. <br> | |
وكذلك, من الموجب الداعي لتقواه, تساؤلكم به, وتعظيمكم. <br> | |
حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم, توسلتم بها, بالسؤال. <br> | |
فيقول من يريد ذلك لغيره: أسألك بالله, أن تفعل الأمر الفلاني. <br> | |
لعلمه بما قام في قلبه, من تعظيم الله الداعي, أن لا يرد من سأله بالله. <br> | |
فكما عظمتموه بذلك, فلتعظموه بعبادته وتقواه. <br> | |
وكذلك الإخبار بأنه رقيب, أي: مطلع على العباد, في حال حركاتهم وسكونهم, وسرهم | |
وعلنهم, وجميع الأحوال, مراقبا لهم فيها, مما يوجب مراقبته, وشدة الحياء منه, | |
بلزوم تقواه. <br> | |
وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة, وأنه بثهم في أقطار الأرض, مع رجوعهم إلى | |
أصل واحد - ليعطف بعضهم على بعض, ويرقق بعضهم على بعض. <br> | |
وقرن الأمر بتقواه, بالأمر ببر الأرحام, والنهي عن قطيعتها, ليؤكد هذا الحق. <br> | |
وأنه كما يلزم القيام بحق الله, كذلك يجب القيام بحقوق الخلق, خصوصا الأقربين | |
منهم, بل القيام بحقوقهم, هو من حق الله الذي أمر به. <br> | |
وتأمل كيف افتتح هذه السورة, بالأمر بالتقوى, وصلة الأرحام والأزواج عموما. <br> | |
ثم بعد ذلك, فصل هذه الأمور أتم تفصيل, من أول السورة إلى آخرها. <br> | |
فكأنها مبنية على هذه الأمور المذكورة, مفصلة لما أجمل منها, موضحة لما أبهم. <br> | |
وفي قوله " وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا " تنبيه على مراعاة حق الأزواج | |
والزوجات والقيام به, لكون الزوجات مخلوقات من الأزواج. <br> | |
فبينهم وبينهن, أقرب نسب, وأشد اتصال وأوثق علاقة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا | |
أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا " </h1> | |
<p>وقوله تعالى: " وَآتُوا | |
الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ " الآية. <br> | |
هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. <br> | |
وهم اليتامى, الذين فقدوا آباءهم, الكافلين لهم, وهم صغار ضعاف, لا يقومون | |
بمصالحهم. <br> | |
فأمر الرءوف الرحيم عباده, أن يحسنوا إليهم, وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي | |
أحسن, وأن يؤتوهم أموالهم, إذا بلغوا, ورشدوا, كاملة موفرة. <br> | |
وأن لا " تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ " الذي هو أكل | |
مال اليتيم بغير حق. <br> | |
" بِالطَّيِّبِ " وهو الحلال, الذي ما فيه حرج | |
ولا تبعة. <br> | |
" وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ " | |
أي: مع أموالكم. <br> | |
ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم, بهذه الحالة, التي هي قد استغنى بها الإنسان, بما جعل | |
الله له, من الرزق في ماله. <br> | |
فمن تجرأ على هذه الحالة, فقد أتى " حُوبًا كَبِيرًا " أي: | |
إثما عظيما, ووزرا جسيما. <br> | |
ومن استبدال الخبيث بالطيب, أن يأخذ الولي, من مال اليتيم, النفيس, ويجعل بدله من | |
ماله, الخسيس. <br> | |
وفيه الولاية على اليتيم, لأن من لازم إيتاء اليتيم ماله, ثبوت ولاية المؤتي على | |
ماله. <br> | |
وفيه الأمر بإصلاح مال اليتيم, لأن تمام إيتائه ماله, حفظه, والقيام به بما يصلحه | |
وينميه, وعدم تعريضه للمخاوف والأخطار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء | |
مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا | |
تعولوا " </h1> | |
<p>أي: وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء, التي تحت حجوركم وولايتكم, | |
وخفتم أن لا تقوموا بحقهن, لعدم محبتكم إياهن - فاعدلوا إلى غيرهن, وانكحوا " مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ " أي: ما وقع عليهن | |
اختياركم, من ذوات الدين, والمال, والجمال, والحسب, والنسب, وغير ذلك من الصفات | |
الداعية لنكاحهن, فاختاروا على نظركم. <br> | |
ومن أحسن ما يختار من ذلك, صفه الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولجمالها, ولحسبها, ولدينها, فاظفر | |
بذات الدين تَرِبَتْ يمينك " . <br> | |
وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان, أن يختار قبل النكاح. <br> | |
بل قد أباح له الشارع, النظر إلى من يريد تزوجها, ليكون على بصيرة من أمره. <br> | |
ثم ذكر العدد الذي أباحه من النساء فقال: " مَثْنَى وَثُلَاثَ | |
وَرُبَاعَ " أي: من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل, أو ثلاثا فليفعل, أو | |
أربعا فليفعل, ولا يزيد عليها, لأن الآية سيقت لبيان الامتنان. <br> | |
فلا يحوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعا. <br> | |
وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة, فأبيح له واحدة بعد واحدة, حتى تبلغ | |
أربعا, لأن في الأربع, غنية لكل أحد, إلا ما ندر. <br> | |
ومع هذا, فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم, ووثق بالقيام بحقوقهن. | |
<br> | |
فإن خاف شيئا من هذا, فليقتصر على واحدة, أو على ملك يمينه. <br> | |
فإنه لا يجب عليه القسم, في ملك اليمين. <br> | |
" ذَلِكَ " أي: الاقتصار على واحدة, أو ما ملكت | |
اليمين " أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا " أي: تظلموا. | |
<br> | |
وفي هذا, إن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم, وعدم القيام بالواجب - | |
ولو كان مباحا - أنه لا ينبغي له أن يتعرض له, بل يلزم السعة والعافية, فإن | |
العافية خير ما أعطي العبد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه | |
هنيئا مريئا " </h1> | |
<p>ولما كان كثير من الناس, يظلمون النساء, ويهضمونهن حقوقهن - خصوصا | |
الصداق, الذي يكون شيئا كثيرا, ودفعة واحدة, يشق دفعه للزوجة - أمرهم وحثهم على | |
إيتاء النساء " صَدُقَاتِهِنَّ " أي: مهورهن " نِحْلَةً " أي: عن طيب نفس, وحال طمأنينة, فلا | |
تمطلوهن, أو تبخسوا منه شيئا. <br> | |
وفيه: أن المهر يدفع إلى المرأة, إذا كانت مكلفة, وأنها تملكه بالعقد, لأنه أضافه | |
إليها, والإضافة تقتضي التمليك. <br> | |
" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ " أي: | |
من الصداق " نَفْسًا " بأن سمحن لكم عن رضا | |
واختيار, بإسقاط شيء منه, أو تأخيره أو المعاوضة عنه. <br> | |
" فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا " أي: لا حرج | |
عليكم في ذلك ولا تبعة. <br> | |
وفيه دليل على أن للمرأة, التصرف في مالها - ولو بالتبرع - إذا كانت رشيدة, فإن لم | |
تكن كذلك, فليس لعطيتها حكم. <br> | |
وأنه ليس لوليها من الصداق شيء, غير ما طابت به. <br> | |
وفي قوله " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ | |
" دليل على أن نكاح الخبيثة, غير مأمور به, بل منهي عنه, كالمشركة, | |
وكالفاجرة, كما قال تعالى: " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ | |
حَتَّى يُؤْمِنَّ " وقال " وَالزَّانِيَةُ لَا | |
يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم | |
فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا " </h1> | |
<p>السفهاء, جمع " سفيه " وهو: من لا | |
يحسن التصرف في المال. <br> | |
إما لعدم عقله, كالمجنون والمعتوه, ونحوهما. <br> | |
وإما لعدم رشده, كالصغير وغير الرشيد. <br> | |
فنهى الله الأولياء, أن يؤتوا هؤلاء أموالهم, خشية إفسادها وإتلافها. <br> | |
لأن الله جعل الأموال, قياما لعباده, في مصالح دينهم ودنياهم. <br> | |
وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها. <br> | |
فأمر الله الولي أن لا يؤتيهم إياها بل يرزقهم منها, ويكسوهم, ويبذل منها, ما | |
يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية, وأن يقولوا لهم قولا معروفا, بأن | |
يعدوهم - إذا طلبوها - أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم, ونحو ذلك, ويلطفوا لهم في | |
الأقوال, جبرا لخواطرهم. <br> | |
وفي إضافته تعالى, الأموال إلى الأولياء, إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في | |
أموال السفهاء, ما يفعلونه في أموالهم, من الحفظ, والتصرف, وعدم التعرض للأخطار. <br> | |
وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه, في مالهم, إذا كان لهم مال, | |
لقوله " وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ " . <br> | |
وفيه دليل على أن قول الولي مقبول فيما يدعيه, في النفقة الممكنة, والكسوة. <br> | |
لأن الله جعله مؤتمنا على مالهم, فلزم قبول قول الأمين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا | |
فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف | |
ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله | |
حسيبا " </h1> | |
<p>الابتلاء هو: الاختبار والامتحان. <br> | |
وذلك بأن يدفع لليتيم المقارب للرشد, الممكن رشده, شيئا من ماله, ويتصرف فيه التصرف | |
اللائق بحاله, فيتبين بذلك رشده من سفهه. <br> | |
فإن استمر غير محسن للتصرف, لم يدفع إليه ماله, بل هو باق على سفهه, ولو بلغ عمرا | |
كثيرا. <br> | |
فإن تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح " فَادْفَعُوا | |
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " كاملة موفرة. <br> | |
" وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا " أي مجاوزة | |
للحد الحلال الذي أباحه الله لكم, من أموالكم إلى الحرام الذي حرمه الله عليكم من | |
أموالهم. <br> | |
" وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا " أي: ولا تأكلوها, | |
في حال صغرهم, التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم, ولا منعكم من أكلها, تبادرون بذلك | |
أن يكبروا, فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. <br> | |
وهذا من الأمور الواقعة, من كثير من الأولياء, الذين ليس عندهم خوف من الله, ولا | |
رحمة ومحبة للمولى عليهم. <br> | |
يرون هذه الحال, حال فرصة, فيغتنمونها, ويتعجلون ما حرم الله عليهم. <br> | |
فنهى الله تعالى, عن هذه الحالة بخصوصها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك | |
الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا " </h1> | |
<p>كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم | |
وقسوتهم, لا يورثون الضعفاء, كالنساء والصبيان, ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء. <br> | |
لأنهم - بزعمهم - أهل الحرب والقتال, والنهب والسلب. <br> | |
فأراد الرب الرحيم الحكيم, أن يشرع لعباده شرعا, يستوي فيه رجالهم ونساؤهم, | |
وأقوياؤهم وضعفاؤهم. <br> | |
وقدم بين يدي ذلك, أمرا مجملا, لتتوطَّن على ذلك النفوس. <br> | |
فيأتي التفصيل بعد الإجمال, قد تشوفت له النفوس, وزالت الوحشة, التي منشأها, | |
العادات القبيحة فقال: " لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ " أي: | |
قسط وحصة " مِمَّا تَرَكَ " أي: خلف " الْوَالِدَانِ " أي: الأب والأم " | |
وَالْأَقْرَبُونَ " عموما بعد خصوص " | |
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ " . | |
<br> | |
فكأنه قيل: هل ذلك النصيب, راجع إلى العرف والعادة, وأن يرضخوا لهم ما يشاءون؟ أو | |
شيئا مقدرا؟ فقال تعالى " نَصِيبًا مَفْرُوضًا " أي: | |
قدره العليم الحكيم. <br> | |
وسيأتي - إن شاء الله - تقدير ذلك. <br> | |
وأيضا, فهنا توهم آخر, لعل أحدا يتوهم أن النساء والوالدين, ليس لهم نصيب, إلا من | |
المال الكثير, فأزال ذلك بقوله, " مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ | |
كَثُرَ " فتبارك الله أحسن الحاكمين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه | |
وقولوا لهم قولا معروفا " </h1> | |
<p>وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة, الجابرة للقلوب فقال: " وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ " أي: قسمة المواريث " أُولُو الْقُرْبَى " أي: الأقارب غير الوارثين, | |
بقرينة قوله " الْقِسْمَةَ " لأن الوارثين من | |
المقسوم عليهم. <br> | |
" وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ " أي: المستحقون | |
من الفقراء. <br> | |
" فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ " أي: أعطوهم ما تيسر من | |
هذا المال, الذي جاءكم بغير كد ولا تعب, ولا عناء, ولا نَصَب, فإن نفوسهم متشوفة | |
إليه, وقلوبهم متطلعة. <br> | |
فاجبروا خواطرهم, بما لا يضركم, وهو نافعهم. <br> | |
ويؤخذ من المعنى, أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان, ينبغي له أن | |
يعطيه منه, ما تيسر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " | |
إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه, فليجلسه معه, فإن لم يجلسه معه, فليناوله لقمة أو | |
لقمتين " أو كما قال: وكان الصحابة رضي الله عنهم - إذا بدأت باكورة | |
أشجارهم - أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبرَّك عليها, ونظر إلى أصغر | |
وليد عنده, فأعطاه ذلك, علما منه بشدة تشوفه إلى ذلك, وهذا كله, مع إمكان الإعطاء. | |
<br> | |
فإن لم يمكن ذلك - لكونه حق سفهاء, أو ثَمَّ أهم من ذلك - فليقولوا لهم " قَوْلًا مَعْرُوفًا " يردونهم ردا جميلا, بقول حسن, | |
غير فاحش, ولا قبيح. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا | |
الله وليقولوا قولا سديدا " </h1> | |
<p>قيل: إن هذا خطاب لمن يحضر, من حضره الموت وأجنف في وصيته, أن يأمره | |
بالعدل في وصيته, والمساواة فيها بدليل قوله. <br> | |
" وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا " أي: سدادا, | |
موافقا للقسط والمعروف. <br> | |
وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده, بما يحبون معاملة أولادهم بعدهم. <br> | |
وقيل: إن المراد بذلك, أولياء السفهاء, من المجانين, والصغار, والضعاف, أن | |
يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية, بما يحبون أن يعامل به من بعدهم, من | |
ذريتهم الضعاف. <br> | |
" فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ " في ولايتهم لغيرهم, | |
أي: يعاملونهم بما فيه تقوى الله, من عدم إهانتهم, والقيام عليهم, وإلزامهم لتقوى | |
الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا | |
وسيصلون سعيرا " </h1> | |
<p>ولما أمرهم بذلك, زجرهم عن أكل أموال اليتامى, وتوعد فقال: على ذلك أشد | |
العذاب " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى | |
ظُلْمًا " أي: بغير حق. <br> | |
وهذا القيد, يخرج به ما تقدم, من جواز الأكل للفقير بالمعروف, ومن جواز خلط طعامهم | |
بطعام اليتامى. <br> | |
فمن أكلها ظلما, فإنما " يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا | |
" أي: فإن الذي أكلوه, نار تتأجج من أجوافهم وهم الذين أدخلوه في | |
بطونهم. <br> | |
" وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " أي: نارا محرقة | |
متوقدة. <br> | |
وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب, يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها, وأنها | |
موجِبَة لدخول النار. <br> | |
فدل ذلك, أنها من أكبر الكبائر. <br> | |
نسأل الله العافية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق | |
اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس | |
مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة | |
فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم | |
نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما " </h1> | |
<p>(أحكام المواريث - بيان | |
أصحابها) هذه الآيات, والآية التي هي آخر السورة من آيات المواريث المتضمنة لها. <br> | |
فإنها - مع حديث عبد الله بن عباس, الثابت في صحيح البخاري " | |
ألحقوا الفرائض بأهلها, فما بقي, فلأولى رجل ذكر " - مشتملات على جلّ | |
أحكام الفرائض, بل على جميعها, كما سترى ذلك, إلا ميراث الجدات, فإنه غير مذكور في | |
ذلك. <br> | |
لكنه قد ثبت في السنن, عن المغيرة بن شعبة, ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه | |
وسلم أعطى الجدة السدس, مع إجماع العلماء على ذلك. <br> | |
(بيان ميراث الأولاد) " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ | |
" أي: أولادكم - يا معشر الوالدين - عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم, | |
لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية. <br> | |
فتعلمونهم وتؤدبونهم, وتكفونهم عن المفاسد, وتأمرونهم بطاعة الله, وملازمة التقوى | |
على الدوام كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا | |
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ | |
" فالأولاد - عند والديهم - موصى بهم. <br> | |
فإما أن يقوموا بتلك الوصية, فلهم جزيل الثواب. <br> | |
وإما أن يضيعوها, فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. <br> | |
وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين, حيث أوصى الوالدين - مع | |
كمال شفقتهما, عليهم. <br> | |
ثم ذكر كيفية إرثهم فقال " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ | |
الْأُنْثَيَيْنِ " أي: الأولاد للصلب, والأولاد للابن, للذكر مثل حظ | |
الأنثيين, إن لم يكن معهم صاحب فرض, أو ما أبقت الفروض, يقتسمونه كذلك. <br> | |
وقد أجمع العلماء على ذلك, وأنه - مع وجود أولاد الصلب - فالميراث لهم. <br> | |
وليس لأولاد الابن شيء, حيث كان أولاد الصلب, ذكورا وإناثا. <br> | |
هذا مع اجتماع الذكور والإناث. <br> | |
وهنا حالتان: انفراد الذكور, وسيأتي حكمها. <br> | |
وانفراد الإناث, وقد ذكره بقوله. <br> | |
(أحكام البنات في الميراث) " فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ | |
اثْنَتَيْنِ " أي: بنات صلب, أو بنات ابن, ثلاثا فأكثر " فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً " أي: | |
بنتا, أو بنت ابن " فَلَهَا النِّصْفُ " وهذا | |
إجماع. <br> | |
بقي أن يقال: من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين, الثلثين بعد الإجماع على ذلك؟ | |
فالجواب أنه يستفاد من قوله " وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً | |
فَلَهَا النِّصْفُ " . <br> | |
فمفهوم ذلك, أنه إن زادت على الواحدة, انتقل الفرض عن النصف, ولا ثَمَّ بعده إلا | |
الثلثان. <br> | |
وأيضا, فقوله " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ | |
" إذا خلف ابنا وبنتا, فإن الابن, له الثلثان, وقد أخبر الله, أنه مثل | |
حظ الأنثيين. <br> | |
فدل ذلك, على أن للبنتين الثلثين. <br> | |
وأيضا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررا عليها من أختها - فأخذها | |
له - مع أختها - من باب أَوْلَى وأحرى. <br> | |
وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين " فَإِنْ كَانَتَا | |
اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " نص في الأختين | |
الثنتين. <br> | |
فإذا كان الأختان الثنتان - مع بعدهما - يأخذان الثلثين, فالابنتان - مع قربهما - | |
من باب أَوْلَى وأحرى. <br> | |
وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم, ابنتي سعد, الثلثين كما في الصحيح. <br> | |
بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله " فَوْقَ اثْنَتَيْنِ | |
" ؟ قيل: الفائدة في ذلك - والله أعلم - أنه ليعلم أن الفرض الذي هو | |
الثلثان, لا يزيد بزيادتهن على الثنتين, بل من الثنتين فصاعدا. <br> | |
ودلت الآية الكريمة, أنه إذا وجد بنت صلب واحدة, وبنت ابن أو بنات ابن, فإن لبنت | |
الصلب, النصف, ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات, أو بنات الابن, السدس, | |
فيعطى بنت الابن, أو بنات الابن, ولهذا يسمى هذا السدس, تكملة الثلثين. <br> | |
ومثل ذلك, بنت الابن, مع بنات الابن, اللاتي أنزل منها. <br> | |
وتدل الآية, أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين, أنه يسقط من دونهن, من | |
بنات الابن, لأن الله لم يفرض لهن, إلا الثلثين, وقد تم. <br> | |
فلو لم يسقطن, لزم من ذلك أن يفرض لهن, أزيد من الثلثين, وهو خلاف النص. <br> | |
وكل هذه الأحكام, مجمع عليها بين العلماء, ولله الحمد. <br> | |
ودل قوله " مِمَّا تَرَكَ " أن الوارثين, يرثون | |
كل ما خلف الميت, من عقار, وأثاث, وذهب, وفضة, وغير ذلك, حتى الدية, التي لم تجب | |
إلا بعد موته, وحتى الديون التي في الذمة. <br> | |
(أحكام الأبوين في الميراث) ثم ذكر ميراث الأبوين فقال: " | |
وَلِأَبَوَيْهِ " , أي أبوه وأمه " لِكُلِّ | |
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ " أي: | |
ولد صلب, أو ولد ابن, ذكرا كان أو أنثى, واحدا أو متعددا. <br> | |
فأما الأم, فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد. <br> | |
(أحكام الأب في الميراث) وأما الأب, فمع الذكور منهم, لا يستحق أزيد من السدس. <br> | |
فإن كان الولد أنثى أو إناثا, ولم يبق بعد الفرض شيء, كأبوين وابنتين, لم يبق له | |
تعصيب. <br> | |
وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء, أخذ الأب السدس فرضا, والباقي تعصيبا. <br> | |
لأننا ألحقنا الفروض بأهلها, فما بقي, فلأولى رجل ذكر, وهو أولى من الأخ والعم, | |
وغيرهما. <br> | |
" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ | |
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ " أي: والباقي للأب, لأنه أضاف المال إلى الأب | |
والأم, إضافة واحدة, ثم قدر نصيب الأم, فدل ذلك, على أن الباقي للأب. <br> | |
وعلم من ذلك, أن الأب - مع عدم الأولاد - لا فرض له, بل يرث - تعصيبا - المال كله, | |
أو ما أبقت الفروض. <br> | |
ولكن لو وجد مع الأبوين, أحد الزوجين - ويعبر عنهما بالعمريتين - فإن الزوج أو | |
الزوجة, يأخذ فرضه, ثم تأخذ الأم ثلث الباقي, والأب الباقي. <br> | |
وقد دل على ذلك قوله " وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ | |
الثُّلُثُ " ثلث ما ورثه الأبوان. <br> | |
وهو في هاتين الصورتين, إما سدس في زوج وأم وأب, وإما ربع في زوجة وأم وأب. <br> | |
فلم تدل الآية على إرث الأم, ثلث المال كاملا, مع عدم الأولاد. <br> | |
حتى يقال: إن هاتين الصورتين, قد استثنيتا من هذا. <br> | |
ويوضح ذلك, أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة, بمنزلة ما يأخذه الغرماء. <br> | |
فيكون من رأس المال, والباقي, بين الأبوين. <br> | |
ولأنا لو أعطينا الأم ثلث المال, لزم زيادتها على الأب, في مسألة الزوج, أو أخذ | |
الأب في مسألة الزوجة, زيادة عنها نصف السدس, وهذا لا نظير له. <br> | |
فإن المعهود مساواتها للأب, أو أخذه ضعف ما تأخذه الأم. <br> | |
" فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " أشقاء, | |
أو لأب, أو لأم, ذكورا أو إناثا, وارثين, أو محجوبين بالأب, أو الجد. <br> | |
لكن قد يقال: ليس ظاهرُ قولهِ " فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ | |
" شاملا لغير الوارثين, بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف. <br> | |
فعلى هذا, لا يحجبها عن الثلث من الإخوة, إلا الإخوة الوارثون. <br> | |
ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث, لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال, وهو | |
معدوم. <br> | |
والله أعلم. <br> | |
ولكن يشرط كونهم اثنين فأكثر. <br> | |
ويشكل على ذلك, إتيان لفظ " الإخوة " بلفظ الجمع. | |
<br> | |
وأجيب عن ذلك, بأن المقصود, مجرد التعدد لا الجمع, ويصدق ذلك باثنين. <br> | |
وقد يطلق الجمع, ويراد به الاثنان كما في قوله تعالى عن داود وسليمان " وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ " وقال في الإخوة | |
للأم: " وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ | |
امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ | |
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " . <br> | |
فأطلق لفظ الجمع, والمراد به, اثنان فأكثر, بالإجماع. <br> | |
فعلى هذا, لو خلف أما وأبا وإخوة, كان للأم السدس, والباقي للأب, فحجبوها عن | |
الثلث, مع حجب الأب إياهم, إلا على الاحتمال الآخر, فإن للأم الثلث, والباقي للأب. | |
<br> | |
ثم قال تعالى " مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ | |
دَيْنٍ " أي هذه الفروض والأنصباء, والمواريث, إنما ترد وتستحق, بعد | |
نزع الديون التي على الميت لله, أو للآدميين, وبعد الوصايا, التي قد أوصى الميت | |
بها بعد موته, فالباقي عن ذلك, هو التركة, التي يستحقها الورثة. <br> | |
وقدم الوصية - مع أنها مؤخرة عن الدين - للاهتمام بشأنها, لكون إخراجها, شاقا على | |
الورثة, وإلا, فالديون مقدمة عليها, وتكون من رأس المال. <br> | |
وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل, للأجنبي الذي هو غير وارث. <br> | |
وأما غير ذلك, فلا ينفذ, إلا بإجازة الورثة, قال تعالى: " | |
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا | |
" . <br> | |
فلو رد تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم, لحصل من الضرر, ما الله به عليم, لنقص | |
العقول, وعدم معرفتها بما هو اللائق والأحسن, في كل زمان ومكان. <br> | |
فلا يدرون أي الأولاد, أو الوالدين, أنفع لهم وأقرب, لحصول مقاصدهم الدينية | |
والدنيوية. <br> | |
" فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا | |
حَكِيمًا " أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علما, وأحكم ما شرعه, | |
وقدر ما قدره, على أحسن تقدير, لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة | |
الموافقة, لكل زمان, ومكان, وحال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد | |
فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن | |
لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن | |
كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر | |
من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله | |
والله عليم حليم " </h1> | |
<p>(حكم | |
الزوج والزوجات في الميراث) ثم قال تعالى: " وَلَكُمْ " أيها | |
الأزواج " نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ | |
لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ | |
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا | |
تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ | |
الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ | |
" . <br> | |
ويدخل في مسمى الولد, المشروط وجوده أو عدمه, ولد الصلب أو ولد الابن الذكر | |
والأنثى, الواحد والمتعدد, الذي من الزوج, أو من غيره, ويخرج عنه, ولد البنات | |
إجماعا. <br> | |
(بيان معنى (الكلالة) ونصيبها في الميراث) ثم قال تعالى " | |
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ | |
" أي: من أم, كما هي في بعض القراءات. <br> | |
وأجمع العلماء على أن المراد بالإخوة - هنا - الإخوة للأم. <br> | |
فإذا كان يورث كلالة أي: ليس للميت والد ولا ولد, أي: لا أب, ولا جد, ولا ابن, ولا | |
ابن ابن, ولا بنت, ولا بنت ابن وإن نزلوا. <br> | |
وهذه هي: الكلالة, كما فسرها بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه, وقد حصل على ذلك, | |
الاتفاق, ولله الحمد. <br> | |
" فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " أي: من الأخ | |
والأخت " السُّدُسُ " . <br> | |
" فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " أي: من | |
واحد " فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " أي: لا | |
يزيدون على الثلث, ولو زادوا عن اثنين. <br> | |
ودل قوله " فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " أن | |
ذكرهم وأنثاهم سواء, لأن لفظ " الشريك " يقتضي | |
التسوية. <br> | |
ودل لفظ " الْكَلَالَةِ " على أن الفروع وإن | |
نزلوا, والأصول الذكور وإن علوا, يسقطون أولاد الأم, لأن الله لم يورثهم إلا في | |
الكلالة, فلو لم يكن يورث كلالة, لم يرثوا منه شيئا, اتفاقا. <br> | |
ودل قوله " فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ " أن | |
الإخوة الأشقاء, يسقطون في المسألة المسماة بالحمارية. <br> | |
وهى: زوج, وأم, وإخوة أشقاء. <br> | |
. <br> | |
وللزوج, النصف. <br> | |
وللأم, السدس. <br> | |
وللأخوة للأم: الثلث. <br> | |
ويسقط الأشقاء, لأن الله أضاف الثلث للإخوة من الأم. <br> | |
فلو شاركهم الأشقاء, لكان جمعا, لما فرق الله حكمه. <br> | |
وأيضا, فإن الإخوة للأم, أصحاب فروض, والأشقاء, عصبات. <br> | |
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها, | |
فما بقي, فلأولى رجل ذكر " . <br> | |
وأهل الفروض هم: الذين قدَّر الله أنصباءهم. <br> | |
ففي هذه المسألة, لا يبقى بعدهم شيء, فيسقط الأشقاء, وهذا هو الصواب في ذلك. <br> | |
وأما ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء, أو لأب, فمذكور في قوله: " | |
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ " الآية. <br> | |
فالأخت الواحدة, شقيقة, أو لأب, لها النصف. <br> | |
والثنتان, لهما الثلثان. <br> | |
والشقيقة الواحدة مع الأخت للأب, أو الأخوات, تأخذ النصف والباقي من الثلثين, | |
للأخت, أو الأخوات لأب, وهو السدس, تكملة الثلثين. <br> | |
وإذ استغرقت الشقيقات الثلثين, تسقط الأخوات للأب, كما تقدم في البنات, وبنات | |
الابن. <br> | |
وإن كان الإخوة, رجالا ونساء, فللذكر مثل حظ الأنثيين. <br> | |
(حكم القاتل واختلاف دين الميت وأقربائه) فإن قيل: فهل يستفاد حكم ميراث القاتل, | |
والرقيق, والمخالف في في الدين, والمبعض والخنثى, والجد مع الإخوة لغير أم, | |
والعول, والرد وذوي الأرحام, وبقية العصبة, والأخوات لغير أم, مع البنات, أو بنات | |
الابن, من القرآن أم لا؟ قيل: نعم, فيه تنبيهات وإشارات دقيقة, يعسر فهمها على غير | |
المتأمل, تدل على جميع المذكورات. <br> | |
فأما (القاتل والمخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان الحكمة الإلهية, | |
في توزيع المال على الورثة, بحسب قربهم, ونفعهم الديني والدنيوي. <br> | |
وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله " لَا تَدْرُونَ | |
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا " . <br> | |
وقد علم أن القاتل, قد سعى لمورثه بأعظم الضرر, فلا ينتهض ما فيه, من موجب الإرث, | |
أن يقاوم ضرر القتل, الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الإرث. <br> | |
فعلم من ذلك, أن القتل أكبر مانع يمنع من الميراث, ويقطع الرحم الذي قال الله فيه: | |
" وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي | |
كِتَابِ اللَّهِ " . <br> | |
مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية, أن " من استعجل شيئا قبل | |
أوانه, عوقب بحرمانه " . <br> | |
وبهذا ونحوه, يعرف أن المخالف لدين الموروث لا إرث له. <br> | |
وذلك أنه قد تعارض الموجب, الذي هو: اتصال النسب, الموجب للإرث, والمانع الذي, هو | |
المخالفة في الدين, الموجبة للمباينة من كل وجه. <br> | |
فقوي المانع, ومنع موجب الإرث, الذي هو النسب. <br> | |
فلم يعمل الموجب لقيام المانع. <br> | |
يوضح ذلك أن الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين, أولى من حقوق الأقارب الكفار | |
الدنيوية. <br> | |
فإذا مات المسلم, انتقل ماله إلى من هو أولى وأحق به. <br> | |
فيكون قوله تعالى: " وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ | |
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ " إذا اتفقت أديانهم. <br> | |
وأما مع تباينهم, فالأخوة الدينية, مقدمة على الأخوة النسبية المجردة. <br> | |
قال ابن القيم في " جلاء الأفهام " : " وتأمل هذا المعنى من آية المواريث,: وتعليقه سبحانه التوارث فيها | |
بلفظ الزوجة, دون المرأة كما في قوله تعالى " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا | |
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " . <br> | |
ففيه إيذان بأن هذا التوارث, إنما وقع بالزوجية, المقتضية للتشاكل والتناسب. <br> | |
والمؤمن والكافر, لا تشاكل بينهما, ولا تناسب, فلا يقع بينهما التوارث. <br> | |
وأسرار مفردات القرآن ومركباته, فوق عقول العاقلين " انتهى. <br> | |
(حكم الرقيق في الميراث) وأما (الرقيق), فإنه لا يرث ولا يورث. <br> | |
أما كونه لا يورث فواضح, لأنه ليس له مال يورث عنه, بل كل ما معه, فهو لسيده. <br> | |
وأما كونه لا يرث, فلأنه لا يملك, فإنه لو ملك, لكان لسيده, وهو أجنبي من الميت, | |
فيكون مثل قوله تعالى: " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ | |
الْأُنْثَيَيْنِ " , " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا | |
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " " فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " | |
ونحوها, لمن يتأتى منه التملك. <br> | |
وأما الرقيق, فلا يتأتى منه ذلك, فعلم أنه لا ميراث له. <br> | |
وأما من بعضه حر, وبعضه رقيق, فإنه تتبعض أحكامه. <br> | |
فما فيه من الحرية, يستحق بها ما رتبه الله في المواريث, لكون ما فيه من الحرية, | |
قابلا للتملك, وما فيه من الرق, فليس بقابل لذلك. <br> | |
فإذًا يكون المبعض, يرث ويورث, ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. <br> | |
وإذا كان العبد يكون محمودا ومذموما, مثابا ومعاقبا, بقدر ما فيه من موجبات ذلك, | |
فهذا كذلك. <br> | |
(حكم الخنثى والمشكل في الميراث) وأما (الخنثى) فلا يخلو, إما أن يكون واضحا | |
ذكوريته أو أنوثيته, أو مشكلا. <br> | |
فإن كان واضحا, فالأمر فيه واضح. <br> | |
إن كان ذكرا, فله حكم الذكور, ويشمله النص الوارد فيهم. <br> | |
وإن كانت أنثى, فلها حكم الإناث, ويشملها النص الوارد فيهن. <br> | |
وإن كان مشكلا, فإن كان الذكر والأنثى لا يختلف إرثهما - كالإخوة للأم - فالأمر | |
فيه واضح. <br> | |
وإن كان يختلف إرثه, بتقدير ذكوريته, وبتقدير أنوثيته, ولم يبق لنا طريق إلى العلم | |
بذلك, لم نعطه أكثر التقديرين, لاحتمال ظلم من معه من الورثة, ولم نعطه الأقل, | |
لاحتمال ظلمنا إياه. <br> | |
فوجب التوسط بين الأمرين, وسلوك أعدل الطريقين, قال تعالى: " | |
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " . <br> | |
فليس لنا طريق إلى العدل في مثل هذا, أكثر من هذا الطريق المذكور. <br> | |
" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلّ |