<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الأنفال - تفسير السعدي</h1> | |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p> </p> | |
<p><h1>" يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله | |
وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " </h1></p> | |
<p>الأنفال, هي: | |
الغنائم, التي ينفلها اللّه لهذه الأمة, من أموال الكفار. <br> | |
وكانت هذه الآيات في هذه السورة, قد نزلت في قصة " بدر " أول غنيمة | |
كبيرة غنمها المسلون من المشركين. <br> | |
فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع. <br> | |
فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها, فأنزل اللّه " يَسْأَلُونَكَ | |
عَنِ الْأَنْفَالِ " كيف تقسم وعلى من تقسم؟ " قُلْ " لهم " | |
الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ " يضعانها حيث شاءا, فلا اعتراض لكم على | |
حكم اللّه ورسوله. <br> | |
بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله, أن ترضوا بحكمهما, وتسلموا الأمر لهما. <br> | |
وذلك داخل في قوله " فَاتَّقُوا اللَّهَ " بامتثال أوامره, واجتناب | |
نواهيه. <br> | |
" وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ " أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن, | |
والتقاطع, والتدابر, بالتوادد, والتحاب, والتواصل. <br> | |
فبذلك تجتمع كلمتكم, ويزول ما يحصل - بسبب التقاطع - من التخاصم, والتشاجر | |
والتنازع. <br> | |
ويدخل في إصلاح ذات البين, تحسين الخلق لهم, والعفو عن المسيئين منهم فإنه - بذلك | |
- يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء, والتدابر. <br> | |
والأمر الجامع لذلك كله قوله " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ | |
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " . <br> | |
فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله. <br> | |
كما أن من لم يطع اللّه ورسوله, فليس بمؤمن. <br> | |
ومن نقصت طاعته للّه ورسوله, فذلك لنقص إيمانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم | |
آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " </h1> | |
<p>ولما كان الإيمان قسمين, إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء, | |
والفوز التام, وإيمانا, دون ذلك - ذكر الإيمان الكامل فقال: " | |
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ " الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان. <br> | |
" الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ | |
" أي: خافت ورهبت, فأوجبت لهم, خشية اللّه تعالى, الانكفاف عن | |
المحارم, فإن خوف اللّه تعالى, أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب. <br> | |
" وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ | |
إِيمَانًا " . <br> | |
ووجه ذلك, أنهم يلقون له السمع, ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك, يزيد إيمانهم. <br> | |
لأن التدبر من أعمال القلوب, ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى, كانوا يجهلونه, | |
ويتذكرون ما كانوا نسوه. <br> | |
أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير, واشتياقا إلى كرامة ربهم. <br> | |
أو وجلا من العقوبات, وازدجارا عن المعاصي, وكل هذا مما يزداد به الإيمان. <br> | |
" وَعَلَى رَبِّهِمْ " وحده, لا شريك له " يَتَوَكَّلُونَ " أي: يعتمدون في قلوبهم على ربهم, في | |
جلب مصالحهم, ودفع مضارهم الدينية, والدنيوية, ويثقون بأن اللّه تعالى, سيفعل ذلك. | |
<br> | |
والتوكل, هو, الحامل للأعمال كلها, فلا توجد ولا تكمل, إلا به.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " </h1> | |
<p>" | |
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ " من فرائض, | |
ونوافل, بأعمالها الظاهرة والباطنة, كحضور القلب فيها, الذي هو روح الصلاة ولبها. <br> | |
" وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " النفقات | |
الواجبة, كالزكوات, والكفارات, والنفقة على الزوجات والأقارب, وما ملكت أيمانهم. <br> | |
والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم | |
" </h1> | |
<p>" أُولَئِكَ " الذين اتصفوا | |
بتلك الصفات " هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا " لأنهم | |
جمعوا بين الإسلام والإيمان, بين الأعمال الباطنة, والأعمال الظاهرة, بين العلم | |
والعمل, بين أداء حقوق اللّه, وحقوق عباده. <br> | |
وقدم تعالى أعمال القلوب, لأنها أصل لأعمال الجوارح, وأفضل منها. <br> | |
وفيها دليل على أن الإيمان, يزيد وينقص, فيزيد بفعل الطاعة, وينقص بضدها. <br> | |
وأنه ينبغي للعبد, أن يتعاهد إيمانه وينميه. <br> | |
وأن أولى ما يحصل به ذلك, تدبر كتاب اللّه تعالى, والتأمل لمعانيه. <br> | |
ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال: " لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ | |
رَبِّهِمْ " أي: عالية بحسب علو أعمالهم. <br> | |
" وَمَغْفِرَةٌ " لذنوبهم " | |
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " وهو ما أعد اللّه لهم في دار كرامته, مما لا عين | |
رأت: ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. <br> | |
ودل هذا, على أن من يصل إلى درجتهم في الإيمان - وإن دخل الجنة - فلن ينال ما | |
نالوا, من كرامة اللّه التامة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون | |
" </h1> | |
<p>قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى | |
المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها, لأن من قام بها, استقامت | |
أحواله, وصلحت أعماله, التي من أكبرها, الجهاد في سبيله. <br> | |
فكما أن إيمانهم, هو الإيمان الحقيقي, وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به. <br> | |
كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم, من بيته إلى لقاء المشركين في " بدر " بالحق الذي يحبه اللّه تعالى, وقد قدره وقضاه. <br> | |
وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج, أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. <br> | |
فحين تبين لهم أن ذلك واقع, جعل فريق من المؤمنين, يجادلون النبي صلى الله عليه | |
وسلم, في ذلك, ويكرهون لقاء عدوهم, كأنما يساقون إلى الموت, وهم ينظرون. <br> | |
والحال أن هذا, لا ينبغي منهم, خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق, ومما أمر | |
اللّه به, ورضيه. <br> | |
فهذه الحال, ليس للجدال فيها محل, لأن الجدال, محله وفائدته, عند اشتباه الحق, | |
والتباس الأمر. <br> | |
فأما إذا وضح وبان, فليس إلا الانقياد والإذعان. <br> | |
هذا, وكثير من المؤمنين, لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء, ولا كرهوا لقاء عدوهم. <br> | |
وكذلك الذين عاتبهم اللّه, انقادوا للجهاد أشد الانقياد, وثبتهم اللّه, وقيض لهم | |
من الأسباب, ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها. <br> | |
وكان أصل خروجهم ليتعرضوا لعير, خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام, قافلة | |
كبيرة. <br> | |
فلما سمعوا برجوعها من الشام, ندب النبي صلى الله عليه وسلم, الناس. <br> | |
فخرج معه, ثلثمائة, وبضعة عشر رجلا, معهم سبعون بعيرا, يعتقبون عليها, ويحملون | |
عليها متاعهم. <br> | |
فسمع بخبرهم قريش, فخرجوا لمنع عيرهم, في عدد كثير وعُدَدٍ وافرة, من السلاح, | |
والخيل, والرجال, يبلغ عددهم قريبا من الألف. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات | |
الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين " </h1> | |
<p>فوعد اللّه المؤمنين, إحدى الطائفتين, إما | |
أن يظفروا بالعير, أو بالنفير. <br> | |
فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين, ولأنها غير ذات الشوكة. <br> | |
ولكن اللّه تعالى, أحب لهم, وأراد أمرا, أعلى مما أحبوا. <br> | |
أراد أن يظفروا بالنفير, الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم. <br> | |
" وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ | |
" فينصر أهله " وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ | |
" . <br> | |
أي يستأصل أهل الباطل, ويُرِيَ عباده من نصرة للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون " </h1> | |
<p>" لِيُحِقَّ الْحَقَّ " بما | |
يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه. <br> | |
" وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ " بما يقيم من الأدلة | |
والشواهد على بطلانه " وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " فلا | |
يبالي اللّه بهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة | |
مردفين " </h1> | |
<p>أي: اذكروا نعمة اللّه عليكم, لما قارب | |
التقاؤكم بعدوكم, استغثتم بربكم, وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم " | |
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ " وأغاثكم بعدة أمور. <br> | |
منها أن اللّه أمدكم " بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ | |
مُرْدِفِينَ " أي: يردف بعضهم بعضا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند | |
الله إن الله عزيز حكيم " </h1> | |
<p>" وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ " أي إنزال الملائكة " إِلَّا بُشْرَى " أي: | |
لتستبشر بذلك نفوسكم. <br> | |
" وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ " وإلا | |
فالنصر بيد اللّه, ليس بكثرة عدد, ولا عُدَدٍ. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ " لا يغالبه مغالب, بل | |
هو القهار, الذي يخذل من بلغوا من الكثرة, ومن العدد والآلات, ما بلغوا. <br> | |
" حَكِيمٌ " حيث قدر الأمور بأسبابها, ووضع | |
الأشياء مواضعها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم | |
به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام " </h1> | |
<p>ومن نصره واستجابته لدعائكم, أن أنزل عليكم | |
نعاسا " يُغَشِّيكُمُ " أي: فيذهب ما في قلوبكم | |
من الخوف والوجل, ويكون " أَمَنَةً " لكم, وعلامة | |
على النصر والطمأنينة. <br> | |
ومن ذلك أنه أنزل عليكم من السماء مطرا, ليطهركم به من الحدث والخبث, وليطهركم من | |
وساوس الشيطان, ورجزه. <br> | |
" وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ " أي: يثبتها | |
فإن ثبات القلب, أصل ثبات البدن. <br> | |
" وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ " فإن الأرض كانت | |
سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر, تلبدت, وثبتت به الأقدام. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في | |
قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " </h1> | |
<p>ومن ذلك أن اللّه أوحى إلى الملائكة " أَنِّي مَعَكُمْ " بالعون والنصر والتأييد. <br> | |
" فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا " أي: ألقوا في | |
قلوبهم, وألهموم الجراءة على عدوهم, ورغبوهم في الجهاد وفضله. <br> | |
" سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ " | |
الذي هو أعظم جند لكم عليهم. <br> | |
فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين, وألقى الرعب في قلوب الكافرين, لم يقدر الكافرون على | |
الثبات لهم, ومنحهم اللّه أكتافهم. <br> | |
" فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ " أي: على | |
الرقاب " وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ " . | |
<br> | |
أي: مفصل. <br> | |
وهذا خطاب, إما للملائكة الذين أوحى إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا, فيكون في ذلك | |
دليل, أنهم باشروا القتال يوم بدر. <br> | |
أو للمؤمنين يشجعهم اللّه, ويعلمهم كيف يقتلون المشركين, وأنهم لا يرحمونهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله | |
شديد العقاب " </h1> | |
<p>" ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " أي: حاربوهما, وبارزوهما بالعداوة. <br> | |
" وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ | |
شَدِيدُ الْعِقَابِ " ومن عقابه تسليط أوليائه على أعدائه, وتقتيلهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار " </h1> | |
<p>" ذَلِكُمْ " العذاب | |
المذكور " فَذُوقُوهُ " أيها المشاققون للّه | |
ورسوله عذابا معجلا. <br> | |
" وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ " . <br> | |
وفي هذه القصة من آيات اللّه العظيمة, ما يدل على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه | |
وسلم, رسول اللّه حقا. <br> | |
منها: أن اللّه وعدهم وعدا, فأنجزهموه. <br> | |
ومنها: ما قال اللّه تعالى " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي | |
فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ | |
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ " الآية. <br> | |
ومنها: إجابة دعوة اللّه للمؤمنين, لما استغاثوه, بما ذكره من الأسباب. <br> | |
وفيها الاعتناء العظيم, بحال عباده المؤمنين, وتقييض الأسباب, التي بها ثبت | |
إيمانهم, ثبتت أقدامهم, وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية. <br> | |
ومنها: أن من لطف اللّه بعبده, أن يسهل عليه طاعته, وييسرها بأسباب داخلية | |
وخارجية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم | |
الأدبار " </h1> | |
<p>أمر اللّه تعالى عباده المؤمنين, بالشجاعة الإيمانية, والقوة في أمره, | |
والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان. <br> | |
ونهاهم عن الفرار, إذا التقى الزحفان فقال: " يَا أَيُّهَا | |
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا " أي: | |
صف القتال, وتزاحف الرجال, واقتراب بعضهم من بعض. <br> | |
" فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ " , بل اثبتوا | |
لقتالهم, واصبروا على جلادهم, فإن في ذلك, نصرة لدين اللّه, وقوة لقلوب المؤمنين, | |
وإرهابا للكافرين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد | |
باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " </h1> | |
<p>" وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا | |
مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ " أي: رجع " بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ | |
" أي مقره " جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ | |
" . <br> | |
وهذا يدل على أن الفرار من الزحف, من غير عذر, من أكبر الكبائر, كما وردت بذلك | |
الأحاديث الصحيحة وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. <br> | |
ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال, وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى, ليكون أمكن له | |
في القتال, وأنكى لعدوه, فإنه لا بأس بذلك, لأنه لم يول دبره فارا, وإنما ولى | |
دبره, ليستعلى على عدوه, أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته, أو ليخدعه بذلك, أو غير | |
ذلك من مقاصد المحاربين, وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار, فإن | |
ذلك جائز. <br> | |
فإن كانت الفئة في العسكر, فالأمر في هذا واضح. <br> | |
وإن كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم | |
إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين, فقد ورد من آثار | |
الصحابة ما يدل على أن هذا جائز. <br> | |
ولعل هذا يقيد بما إذا ظن المسلمون, أن الانهزام أحمد عاقبة, وأبقى عليهم. <br> | |
أما إذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم, فيبعد - في هذه الحال - أن تكون من | |
الأحوال المرخص فيها, لأنه - على هذا - لا يتصور الفرار المنهي عنه. <br> | |
وهذه الآية مطلقة, وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى | |
وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم " </h1> | |
<p>يقول تعالى - لما انهزم المشركون يوم بدر, | |
وقتلهم المسلمون. <br> | |
" فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ " بحولكم وقوتكم " وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ " حيث أعانكم على ذلك | |
بما تقدم ذكره. <br> | |
" وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى | |
" . <br> | |
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم, وقت القتال, دخل العريش, وجعل يدعو اللّه, | |
ويناشده في نصرته. <br> | |
ثم خرج منه, فأخذ حفنة من تراب, فرماها في وجوه المشركين, فأوصلها اللّه إلى | |
وجوههم. <br> | |
فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه, وفمه, وعينيه منها. <br> | |
فحينئذ انكسر حدهم, وفتر زندهم, وبان فيهم الفشل والضعف, فانهزموا. <br> | |
يقول تعالى لنبيه: لست بقوتك - حين رميت التراب - أوصلته إلى أعينهم, وإنما | |
أوصلناه إليهم, بقوتنا واقتدارنا. <br> | |
" وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا " | |
أي: إن اللّه تعالى, قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين, من دون مباشرة | |
قتال. <br> | |
ولكن اللّه أراد أن يمتحن المؤمنين, ويوصلهم بالجهاد, إلى أعلى الدرجات, وأرفع | |
المقامات, ويعطيهم أجرا حسنا, وثوابا جزيلا. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " يسمع تعالى, | |
ما أسر به العبد, وما أعلن, ويعلم ما في قلبه, من النيات الصالحة وضدها. <br> | |
فيقدر على العباد أقدارا, موافقة لعلمه وحكمته, ومصلحة عباده, ويجزي كلا بحسب نيته | |
وعمله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين " </h1> | |
<p>" | |
ذَلِكُمْ " النصر, من اللّه لكم " وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ " أي: | |
مضعف كل مكر وكيد, يكيدون به الإسلام وأهله, وجاعل مكرهم محيقا بهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا | |
نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين " </h1> | |
<p>" إِنْ | |
تَسْتَفْتِحُوا " أيها المشركون, أي: تطلبون | |
من اللّه أن يوقع بأسه وعذابه. <br> | |
على المعتدين الظالمين. <br> | |
" فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ " حين أوقع اللّه | |
بكم من عقابه, ما كان نكالا لكم, وعبرة للمتقين " وَإِنْ | |
تَنْتَهُوا " عن الاستفتاح " فَهُوَ خَيْرٌ | |
لَكُمْ " لأنه ربما أمهلكم, ولم يعجل لكم النقمة. <br> | |
" وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ " أي: | |
أعوانكم وأنصاركم, الذين تحاربون وتقاتلون, معتمدين عليهم " | |
شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " ومن | |
كان اللّه معه فهو المنصور وإن كان ضعيفا قليلا عدده. <br> | |
وهذه المعية التي أخبر اللّه أنه يؤيد بها المؤمنين, تكون بحسب ما قاموا به من | |
أعمال الإيمان. <br> | |
فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات, فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين | |
وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه, وإلا فلو قاموا بما أمر اللّه به من كل وجه. <br> | |
لما انهزمت لهم راية انهزاما مستقرا ولا أديل عليهم عدوهم أبدا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم | |
تسمعون " </h1> | |
<p>لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين, أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي | |
يدركون معيته فقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا | |
أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما. <br> | |
" وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ " أي: عن هذا الأمر | |
الذي هو طاعة اللّه, وطاعة رسوله. <br> | |
" وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ " ما يتلى عليكم من | |
كتاب اللّه, وأوامره, ووصاياه, ونصائحه. <br> | |
فتوليكم, في هذه الحال, من أقبح الأحوال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون " </h1> | |
<p>" | |
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ " أي: لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية, التي لا حقيقة لها, فإنها حالة, | |
لا يرضاها اللّه ولا رسوله. <br> | |
فليس الإيمان بالتمني والتحلي, ولكنه ما وقر في القلوب, وصدقته الأعمال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ | |
اللَّهِ " من لم تفد فيهم الآيات والنذر. <br> | |
وهم " الصُّمُّ " عن استماع الحق " | |
الْبُكْمُ " عن النطق به. <br> | |
" الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ " ما ينفعهم, | |
ويؤثرونه على ما يضرهم. <br> | |
فهؤلاء, شر عند اللّه, من شرار الدواب, لأن اللّه أعطاهم, أسماعا وأبصارا, وأفئدة, | |
ليستعملوها في طاعة اللّه, فاستعملوها في معاصيه, وعدموا - بذلك - الخير الكثير. <br> | |
فإنهم كانوا, بصدد أن يكونوا من خيار البرية, فأبوا هذا الطريق, واختاروا لأنفسهم, | |
أن يكونوا من شر البرية. <br> | |
والسمع الذين نفاه اللّه عنهم, سمع المعنى المؤثر في القلب. <br> | |
وأما سمع الحجة, فقد قامت حجة اللّه تعالى عليهم, بما سمعوه من آياته. <br> | |
وإنما لم يسمعهم السماع النافع, لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون | |
" </h1> | |
<p>" وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ | |
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ " على الفرض والتقدير " لَتَوَلَّوْا " عن الطاعة " | |
وَهُمْ مُعْرِضُونَ " لا التفات لهم إلى الحق, بوجه من الوجوه. <br> | |
وهذا دليل على أن اللّه تعالى, لا يمنع الإيمان والخير, إلا عمن لا خير فيه, والذي | |
لا يزكو لديه, ولا يثمر عنده. <br> | |
وله الحمد تعالى والحكمة, في هذا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم | |
واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون " </h1> | |
<p>يأمر تعالى, عباده المؤمنين, بما يقتضيه | |
الإيمان منهم, وهو: الاستجابة للّه وللرسول, أي: الانقياد لما أمر به, والمبادرة | |
إلى ذلك, والدعوة إليه, والاجتناب لما نهيا عنه, والانكفاف عنه, والنهي عنه. <br> | |
وقوله " إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " وصف | |
ملازم, لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه, وبيان لفائدته وحكمته, فإن حياة القلب والروح, | |
بعبودية اللّه تعالى, ولزوم طاعته, وطاعة رسوله, على الدوام. <br> | |
ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: " وَاعْلَمُوا | |
أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ " فإياكم أن تردوا | |
أمر اللّه, أول ما يأتيكم, فيحال بينكم وبينه, إذا أردتموه بعد ذلك, وتختلف قلوبكم | |
فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه, يقلب القلوب حيث شاء, ويصرفها, أنى شاء. <br> | |
فليكثر العبد من قول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك | |
" يا مصرف القلوب, اصرف قلبي إلى طاعتك. <br> | |
" وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " أي: تجمعون | |
ليوم لا ريب فيه, فيجازي المحسن بإحسانه, والمسيء بعصيانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله | |
شديد العقاب " </h1> | |
<p>" | |
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً " بل تصيب فاعل الظلم وغيره. <br> | |
وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير, فإن عقوبته, تعم الفاعل وغيره. <br> | |
وتُتَّقَى هذه الفتنة, بالنهي عن المنكر, وقمع أهل الشر والفساد, وأن لا يمكنوا من | |
المعاصي والظلم, مهما أمكن. <br> | |
" وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " لمن | |
تعرض لمساخطه, وجانب رضاه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم | |
الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " </h1> | |
<p>يقول تعالى - ممتنا على عباده, في نصرهم بعد | |
الذلة, وتكثيرهم بعد القله, وإغنائهم بعد العيلة. <br> | |
" وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي | |
الْأَرْضِ " أي: مقهورون تحت حكم غيركم " تَخَافُونَ | |
أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ " أي: يأخذوكم. <br> | |
" فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ | |
الطَّيِّبَاتِ " فجعل لكم بلدا تأوون إليه, وانتصر من أعدائكم على | |
أيديكم, وغنمتم من أموالهم, ما كنتم به أغنياء. <br> | |
" لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " اللّه على منته | |
العظيمة, وإحسانه التام, بأن تعبدوه, ولا تشركوا به شيئا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم | |
وأنتم تعلمون " </h1> | |
<p>يأمر تعالى, عباده المؤمنين, أن يؤدوا ما | |
ائتمنهم اللّه عليه, من أوامره, ونواهيه. <br> | |
فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها وأشفقن | |
منها, وحملها الإنسان, إنه كان ظلوما جهولا. <br> | |
فمن أدى الأمانة, استحق من اللّه الثواب الجزيل, ومن لم يؤدها بل خانها, استحق | |
العقاب الوبيل, وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته, منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه | |
بأخس الصفات, وأقبح الشيات, وهي الخيانة, مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها, وهي: | |
الأمانة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم | |
" </h1> | |
<p>ولما كان العبد ممتحنا بأمواله وأولاده, | |
فربما حملته محبته ذلك, على تقديم هوى نفسه, على أداء أمانته, أخبر اللّه تعالى أن | |
الأموال والأولاد, فتنة يبتلى اللّه بهما عبادة, وأنهما عارية, ستؤدى لمن أعطاها, | |
وترد لمن استودعها " وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ | |
" . <br> | |
فإن كان لكم عقل ورَأْيٌ, فآثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة. <br> | |
فالعاقل يوازن بين الأشياء, ويؤثر أولاها بالإيثار, وأحقها بالتقديم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم | |
سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " </h1> | |
<p>امتثال العبد لتقوى ربه, عنوان السعادة, | |
وعلامة الفلاح. <br> | |
وقد رتب اللّه على التقوى من خير الدنيا والآخرة, شيئا كثيرا. <br> | |
فذكر هنا, أن من اتقى اللّه, حصل له أربعة أشياء, كل واحد منها خير من الدنيا وما | |
فيها: الأول: الفرقان, وهو: العلم والهدى, الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال, | |
والحق والباطل, والحلال والحرام, وأهل السعادة من أهل الشقاوة. <br> | |
الثاني والثالث, تكفير السيئات, ومغفرة الذنوب. <br> | |
وكل واحد منها داخل في الآخر, عند الإطلاق, وعند الاجتماع. <br> | |
يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر, ومغفرة الذنوب, بتكفير الكبائر. <br> | |
الرابع: الأجر العظيم, والثواب الجزيل, لمن اتقاه, وآثر رضاه على هوى نفسه. <br> | |
" وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون | |
ويمكر الله والله خير الماكرين " </h1> | |
<p>أي وأذكر, أيها الرسول, ما منَّ اللّه به عليك. <br> | |
" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا " حين | |
تشاور المشركون في دار الندوة, فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم, إما أن | |
يثبتوه عندهم بالحبس, ويوثقوه. <br> | |
وإما أن يقتلوه فيستريحوا - بزعمهم - من دعوته. <br> | |
وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم. <br> | |
فكلُّ أبدى من هذه الآراء رأيا رآه. <br> | |
فاتفق رأيهم, على رأي رآه شريرهم, أبو جهل, لعنه اللّه. <br> | |
وهو أن يأخذ من كل قبيلة من قبائل قريش, فتى, ويعطوه سيفا صارما, ويقتله الجميع | |
قتلة رجل واحد, ليتفرق دمه في القبائل. <br> | |
فيرضى بنو هاشم ثَمَّ بديته, فلا يقدرون على مقاومة جميع قريش. <br> | |
فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم, في الليل, ليوقعوا به, إذا قام من فراشه. <br> | |
فجاء الوحي من السماء, وخرج عليهم, فذرَّ على رءوسهم التراب وخرج, وأعمى اللّه | |
أبصارهم عنه. <br> | |
حتى إذا استبطأوه, جاءهم آت وقال: خيبكم اللّه, قد خرج محمد, وذَرَّ على رءوسكم | |
التراب. <br> | |
فنفض كل منهم التراب عن رأسه. <br> | |
ومنع اللّه رسوله منهم, وأذن له في الهجرة إلى المدينة. <br> | |
فهاجر إليها, وأيده اللّه بأصحابه المهاجرين والأنصار. <br> | |
ولم يزل أمره يعلو, حتى دخل مكة عنوة, وقهر أهلها. <br> | |
فأذعنوا له, وصاروا تحت حكمه, بعد أن خرج مستخفيا منهم, خائفا على نفسه. <br> | |
فسبحان اللطيف بعباده الذي لا يغالبه مغالب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا | |
إن هذا إلا أساطير الأولين " </h1> | |
<p>يقول تعالى - في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم - " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا " الدالة على | |
صدق ما جاء به الرسول. <br> | |
" قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ | |
هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " وهذا من عنادهم | |
وظلمهم. <br> | |
وإلا فقد تحداهم اللّه, أن يأتوا بسورة من مثله, ويدعوا من استطاعوا من دون اللّه, | |
فلم يقدروا على ذلك, وتبين عجزهم. <br> | |
فهذا القول الصادر من هذا القائل, مجرد دعوى, كذبه الواقع. <br> | |
وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ, لا يقرأ ولا يكتب, ولا رحل ليدرس, من | |
أخبار الأولين, فأتى بهذا الكتاب الجليل, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من | |
خلفه تنزيل من حكيم حميد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة | |
من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " </h1> | |
<p>" | |
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا " الذي يدعو إليه محمد " هُوَ الْحَقَّ مِنْ | |
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ | |
أَلِيمٍ " قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم, والجهل بما ينبغي من | |
الخطاب. <br> | |
فلو أنهم إذ أقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات, ما أوجب لهم أن يكونوا على | |
بصيرة ويقين منه - قالوا لمن ناظرهم, وادعى أن الحق معه. <br> | |
إن كان هذا هو الحق من عندك, فاهدنا له, لكان أولى لهم وأستر لظلمهم. <br> | |
فمنذ قالوا: " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ | |
مِنْ عِنْدِكَ " الآية, علم بمجرد قولهم, أنهم السفهاء الأغبياء, | |
الجهلة الظالمون. <br> | |
فلو عاجلهم اللّه بالعقاب, لما أبقى منهم باقية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم | |
يستغفرون " </h1> | |
<p>ولكنه تعالى, دفع عنهم العذاب, بسبب وجود الرسول بين أظهرهم فقال: " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ " فوجوده | |
صلى الله عليه وسلم, أمنة لهم من العذاب. <br> | |
وكانوا مع قولهم هذه المقالة, التي يظهرونها على رءوس الأشهاد, يدرون بقبحها | |
فكانوا يخافون من وقوعها فيهم, فيستغفرون اللّه تعالى فلهذا قال " | |
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " . <br> | |
فهذا مانع يمنع من وقوع العذاب بهم, بعد ما انعقدت أسبابه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا | |
أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون " </h1> | |
<p>ثم قال " وَمَا لَهُمْ | |
أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ " أي: أي شيء يمنعهم من عذاب اللّه, وقد | |
فعلوا ما يوجب ذلك وهو صد الناس عن المسجد الحرام, خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه | |
وسلم, وأصحابه, الذين هم أولى به منهم. <br> | |
ولهذا قال: " وَمَا كَانُوا " أي المشركون " أَوْلِيَاءَهُ " يحتمل أن الضمير يعود إلى اللّه, أي: | |
أولياء اللّه. <br> | |
ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام, أي: وما كانوا أولى به من غيرهم. <br> | |
" إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ " وهم | |
الذين آمنوا باللّه ورسوله, وأفردوا اللّه بالتوحيد والعبادة, وأخلصوا له الدين. <br> | |
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فلذلك | |
ادَّعَوْا لأنفسهم أمرا, غيرهم أولى به. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما | |
كنتم تكفرون " </h1> | |
<p>يعني: أن اللّه تعالى, إنما جعل بيته | |
الحرام, ليقام فيه دينه, وتخلص له فيه العبادة. <br> | |
فالمؤمنون, هم الذين قاموا بهذا الأمر. <br> | |
وأما هؤلاء المشركون, الذين يصدون عنه, فما كان صلاتهم فيه, التي هي أكبر أنواع | |