<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الحجر - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " </h1></p> | |
<p>يقول | |
تعالى - معظما لكتابه, مادحا له: " تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ " أي: | |
الآيات الدالة على أحسن المعاني, وأفضل المطالب. <br> | |
" وَقُرْآنٍ مُبِينٍ " للحقائق, بأحسن لفظ وأوضحه, وأدله على المقصود. <br> | |
وهذا مما يوجب على الخلق, الانقياد إليه, والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول, والفرح | |
والسرور. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " </h1> | |
<p>فأما من قابل هذه النعمة العظيمة بردها, والكفر بها, فإنه من المكذبين | |
الضالين, الذين سيأتي عليهم وقت, يتمنون أنهم مسلمون, أي: منقادون لأحكامه, وذلك | |
حين ينكشف الغطاء, وتظهر أوائل الآخرة, ومقدمات الموت فإنهم في أحوال الآخرة كلها, | |
يتمنون أنهم مسلمون, وقد فات وقت الإمكان. <br> | |
ولكنهم في هذه الدنيا مغترون. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون " </h1> | |
<p>" ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا " بلذاتهم " وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ " أي: | |
يؤملون البقاء في الدنيا, فيلهيهم عن الآخرة. <br> | |
" فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " أن ما هم عليه باطل, | |
وأن أعمالهم ذهبت خسرانا عليهم, ولا يغتروا بإمهال الله تعالى, فإن هذه, سنته في | |
الأمم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " </h1> | |
<p>" | |
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ " كانت | |
مستحقة للعذاب " إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ " مقدر | |
لإهلاكها.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون " </h1> | |
<p>" مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ | |
" وإلا, فالذنوب لا بد من وقوع أثرها, وإن | |
تأخر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " </h1> | |
<p>أي: وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم, استهزاء وسخرية: " يا أيها الذي نزل عليه الذكر " على زعمك " إنك لمجنون " إذ تظن أنا سنتبعك, ونترك ما وجدنا عليه | |
آباءنا, لمجرد قولك: " لو ما تأتينا بالملائكة " يشهدون | |
لك بصحة ما جئت به " إن كنت من الصادقين " فلما | |
لم تأت بالملائكة, فلست بصادق. <br> | |
وهذا من أعظم الظلم والجهل. <br> | |
أما الظلم, فظاهر, فإن هذا تجرؤ على الله وتعنت بتعيين الآيات, التي لم يخترها, | |
وحصل المقصود والبرهان بدونها, من الآيات الكثيرة, الدالة على صحة ما جاء به. <br> | |
وأما الجهل, فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم. <br> | |
فليس في إنزال الملائكة, خير لهم, بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا | |
إمهال على من لم يتبعه وينقد له. <br> | |
" وما كانوا إذا " أي: حين تنزل الملائكة, إن لم | |
يؤمنوا, ولن يؤمنوا " منظرين " أي: بمهملين. <br> | |
فصار طلبهم لإنزال الملائكة, تعجيلا لأنفسهم بالهلاك والدمار. <br> | |
فإن الإيمان ليس في أيديهم, وإنما هو بيد الله. <br> | |
" ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم | |
كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله, ولكن أكثرهم يجهلون " ويكفيهم | |
من الآيات, إن كانوا صادقين, هذا القرآن العظيم ولهذا قال هنا: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " </h1> | |
<p>" إنا | |
نحن نزلنا الذكر " أي: القرآن الذي فيه ذكرى | |
لكل شيء, من المسائل والدلائل الواضحة, وفيه يتذكر من أراد التذكر. <br> | |
" وإنا له لحافظون " أي: في حال إنزاله, وبعد | |
إنزاله. <br> | |
ففي حال إنزاله حافظون له, من استراق كل شيطان رجيم. <br> | |
وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله, واستودعه في قلوب أمته, وحفظ الله ألفاظه من | |
التغيير فيها, والزيادة والنقص, ومعانيه, من التبديل. <br> | |
فلا يحرف محرف معنى من معانيه, إلا وقيض الله له من بين الحق المبين. <br> | |
وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين. <br> | |
ومن حفظه: أن الله يحفظ أهله من أعدائهم, ولا يسلط عدوا يجتاحهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين " </h1> | |
<p>يقول تعالى لنبيه إذ كذبه المشركون: لم يزل هذا دأب الأمم الخالية | |
والقرون الماضية: " ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين | |
" . <br> | |
أي, فرقهم وجماعتهم, رسلا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " </h1> | |
<p>" وما | |
يأتيهم من رسول " يدعوهم إلى الحق والهدى " إلا كانوا به يستهزئون " . <br> | |
" كذلك نسلكه " أي: ندخل التكذيب " | |
في قلوب المجرمين " أي: الذين وصفهم الظلم والبهت, عاقبناهم لما | |
تشابهت قلوبهم بالكفر والتكذيب, وتشابهت معاملتهم لأنبيائهم, ورسلهم بالاستهزاء | |
والسخرية وعدم الإيمان, ولهذا قال: " لا يؤمنون به وقد خلت | |
سنة الأولين " أي: عادة الله فيهم, بإهلاك من لم يؤمن بآيات الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون " </h1> | |
<p>أي: ولو جاءتهم كل آية عظيمة, لم يؤمنوا وكابروا. <br> | |
" ولو فتحنا عليهم بابا من السماء " فصاروا | |
يعرجون فيه, ويشاهدونه, عيانا بأنفسهم, لقالوا - من ظلمهم وعنادهم, منكرين لهذه | |
الآية: - " إنما سكرت أبصارنا " أي: أصابها سكر | |
وغشاوة, حتى رأينا ما لم نر " بل نحن قوم مسحورون " أي: | |
ليس هذا بحقيقة, بل هذا سحر. <br> | |
وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا الإنكار, فإنهم لا مطمع فيهم ولا رجاء. <br> | |
ثم ذكر الآيات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحق فقال: " | |
ولقد جعلنا في السماء بروجا " إلى " برازقين | |
" . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين " </h1> | |
<p>يقول تعالى - مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه: " | |
ولقد جعلنا في السماء بروجا " أي: نجوما كالأبراج, والأعلام العظام | |
يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. <br> | |
" وزيناها للناظرين " , فإنه لولا النجوم, لما | |
كان للسماء هذا المنظر البهي, والهيئة العجيبة. <br> | |
وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها, والنظر في معانيها, والاستدلال بها, على | |
باريها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وحفظناها من كل شيطان رجيم " </h1> | |
<p>" | |
وحفظناها من كل شيطان رجيم " إذا استرق | |
السمع, أتبعته الشهب الثواقب, فبقيت السماء, ظاهرها, مجملا بالنوم النيرات, | |
وباطنها, محروسا ممنوعا, من الآفات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " </h1> | |
<p>" إلا | |
من استرق السمع " أي: في بعض الأوقات, قد | |
يسترق بعض الشياطين السمع, بخفية واختلاس. <br> | |
" فأتبعه شهاب مبين " أي: بين منير, يقتله, أو | |
يخبله. <br> | |
فربما أدركه الشهاب, قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه, فينقطع خبر السماء عن الأرض. | |
<br> | |
وربما ألقاها إلى وليه, قبل أن يدركه الشهاب, فيضهما ويكذب معها مائة كذبة. <br> | |
ويستدل بتلك الكلمة التي, سمعت من السماء. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء | |
موزون " </h1> | |
<p>" | |
والأرض مددناها " أي وسعناها سعة, يتمكن | |
الآدميون والحيوانات كلها, من الامتداد بأرجائها, والتناول من أرزاقها, والسكون في | |
نواحيها. <br> | |
" وألقينا فيها رواسي " أي: جبالا عظاما, تحفظ | |
الأرض بإذن الله, أن تميد, وتثبها أن تزول. <br> | |
" وأنبتنا فيها من كل شيء موزون " أي: نافع | |
متقوم, يضطر إليه العباد والبلاد, ما بين نخيل, وأعناب, وأصناف الأشجار, وأنواع | |
النبات, والمعادن. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين " </h1> | |
<p>" | |
وجعلنا لكم فيها معايش " من الحرث, ومن | |
الماشية, ومن أنواع المكاسب والحرف. <br> | |
" ومن لستم له برازقين " أي: أنعمنا عليكم بعبيد | |
وإماء, وأنعام, لنفعكم, ومصالحكم, وليس عليكم رزقها, بل خولكم الله إياها, وتكفل | |
بأرزاقها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " </h1> | |
<p>أي: جميع الأرزاق وأصناف الأقدار, لا يملكها أحد إلا الله. <br> | |
فخزائنها بيده, يعطي من يشاء, ويمنع من يشاء, بحسب حكمته ورحمته الواسعة. <br> | |
" وَمَا نُنَزِّلُهُ " أي: المقدر من كل شيء, من | |
مطر وغيره. <br> | |
" إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ " فلا يزيد على ما | |
قدره الله, ولا ينقص منه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما | |
أنتم له بخازنين " </h1> | |
<p>أي: وسخرنا الرياح, رياح الرحمة, تلقح السحاب, كما يلقح الذكر الأنثى. <br> | |
فينشأ عن ذلك, الماء, بإذن الله, فيسقيه الله العباد, ومواشيهم, وأرضهم, ويبقى في | |
الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم, ما هو مقتضى قدرته ورحمته. <br> | |
" وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ " أي: لا | |
قدرة لكم على خزنه وادخاره. <br> | |
ولكن الله يخزنه لكم, ويسلكه ينابيع في الأرض, رحمة بكم, وإحسانا إليكم.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون " </h1> | |
<p>أي: هو وحده, لا شريك له, الذي يحيي الخلق من العدم, بعد أن لم يكونوا | |
شيئا مذكورا ويميتهم لآجالهم, التي قدرها " وَنَحْنُ | |
الْوَارِثُونَ " كقوله: " إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ | |
الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " . <br> | |
وليس ذلك بعزيز, ولا ممتنع على الله, فإنه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق | |
والمستأخرين منهم, ويعلم ما تنقص الأرض منهم, وما تفرق من أجزائهم. <br> | |
وهو الذي, قدرته لا يعجزها معجز, فيعيد عباده خلقا جديدا, ويحشرهم إليه. <br> | |
" إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ " يضع الأشياء | |
مواضعها, وينزلها منازلها, ويجازي كل عامل بعمله, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون " </h1> | |
<p>يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام, وما جرى من عدوه | |
إبليس, وفي ضمن ذلك, التحذير لنا من شره وفتنته, فقال تعالى: " | |
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ " أي آدم عليه السلام " مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " أي: من طين | |
قد يبس, بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت, كصوت الفخار. <br> | |
والحمأ المسنون, الطين المتغير لونه وريحه, من طول مكثه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والجان خلقناه من قبل من نار السموم " </h1> | |
<p>" | |
وَالْجَانَّ " وهو: أبو الجن أي: إبليس " خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ " خلق آدم " | |
مِنْ نَارِ السَّمُومِ " أي: من النار الشديدة الحرارة</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون | |
" </h1> | |
<p>فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة: " إِنِّي | |
خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ " | |
جسدا تاما " وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا | |
لَهُ سَاجِدِينَ " فامتثلوا أمر ربهم </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فسجد الملائكة كلهم أجمعون " </h1> | |
<p>" | |
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ " . <br> | |
تأكيد بعد تأكيد, ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد, وذلك, تعظيما لأمر الله, | |
وإكراما لآدم, حيث علم ما لم يعلموا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " </h1> | |
<p>" إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ | |
" وهذا أول عداوته لآدم وذريته. <br> | |
قال الله: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ | |
مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ | |
صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " . <br> | |
فاستكبر على أمر الله, وأبدى العداوة لآدم وذريته, وأعجب بعنصره وقال: أنا خير من | |
آدم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>قال فاخرج منها فإنك رجيم " </h1> | |
<p>" | |
قَالَ " الله - معاقبا له على كفره واستكباره | |
- " فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ " . <br> | |
أي: مطرود ومبعد من كل خير. <br> | |
" وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ " أي: الذم, | |
والعيب, والبعد عن رحمة الله " إِلَى يَوْمِ الدِّينِ " . | |
<br> | |
ففيها, وما أشبهها, دليل على أنه سيستمر على كفره, وبعده من الخير. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون " </h1> | |
<p>" | |
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي " أي: أمهلني " إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ | |
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ " . <br> | |
وليس إجابة الله لدعائه, كرامة في حقه, وإنما ذلك, امتحان وابتلاء من الله له | |
وللعباد, ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه, ممن ليس كذلك. <br> | |
ولذلك حذرنا منه, غاية التحذير, وشرح لنا, ما يريده منا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين | |
" </h1> | |
<p>" قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي | |
الْأَرْضِ " أي: أزين لهم الدنيا, وأدعوهم | |
إلى إيثارها على الأخرى, حتى يكونوا منقادين لكل معصية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا عبادك منهم المخلصين " </h1> | |
<p>" وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ | |
أَجْمَعِينَ " أي: أصدهم كلهم عن الصراط | |
المستقيم. <br> | |
" إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " أي: | |
الذين أخلصتهم واجتبيتهم, لإخلاصهم, وإيمانهم, وتوكلهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال هذا صراط علي مستقيم " </h1> | |
<p>قال الله تعالى: " | |
هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ " أي: معتدل موصل إلي, وإلى دار | |
كرامتي. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ " تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات, بسبب عبوديتهم لربهم, | |
وانقيادهم لأوامره, أعانهم الله وعصمهم من الشيطان. <br> | |
" إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ " فرضي بولايتك وطاعتك, | |
بدلا من طاعة الرحمن. <br> | |
" مِنَ الْغَاوِينَ " والغاوي: ضد الراشد, فهو: | |
الذي عرف الحق وتركه. <br> | |
والضال: الذي تركه من غير علم منه به. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن جهنم لموعدهم أجمعين " </h1> | |
<p>" | |
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ " أي: إبليس وجنوده. <br> | |
" لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ " كل باب أسفل من | |
الآخر. <br> | |
" لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ " أي: من أتباع إبليس " جُزْءٌ مَقْسُومٌ " بحسب أعمالهم. <br> | |
قال تعالى: " فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ | |
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ " . <br> | |
ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه, أتباع إبليس, من النكال والعذاب الشديد, ذكر ما | |
أعد لأوليائه من الفضل العظيم, والنعيم المقيم فقال: " إِنَّ | |
الْمُتَّقِينَ " إلى " هُوَ الْعَذَابُ | |
الْأَلِيمُ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن المتقين في جنات وعيون " </h1> | |
<p>يقول تعالى: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ " الذين | |
اتقوا طاعة الشيطان, وما يدعوهم إليه, من جميع الذنوب والعصيان " | |
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ " قد احتوت على جميع الأشجار, وأينعت فيها | |
جميع الثمار اللذيذة, في جميع الأوقات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ادخلوها بسلام آمنين " </h1> | |
<p>ويقال لهم حال دخولها: " ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ | |
آمِنِينَ " من الموت, والنوم والنصب, واللغوب, وانقطاع شيء من النعيم, | |
الذي هم فيه أو نقصانه, ومن المرض, والحزن, والهم, وسائر المكدرات. <br> | |
" وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ " فتبقى | |
قلوبهم سالمة, من كل غل, وحسد, متصافية متحابة " إخوانا على | |
سرر متقابلين " . <br> | |
دل ذلك على تزاورهم, واجتماعهم, وحسن أدبهم فيما بينهم, في كون كل منهم مقابلا | |
للآخر, لا مستديرا له, متكئين على تلك السرر المزينة, بالفرش واللؤلؤ, وأنواع | |
الجواهر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين " </h1> | |
<p>" لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ " لا ظاهر ولا باطن. <br> | |
وذلك, لأن الله ينشئهم نشأة وحياة كاملة, لا تقبل شيئا من الآفات. <br> | |
" وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " على سائر | |
الأوقات. <br> | |
ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة, من مفعولات الله, من الجنة, والنار, ذكر ما يوجب | |
ذلك من أوصافه تعالى فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " </h1> | |
<p>" | |
نَبِّئْ عِبَادِي " أي: أخبرهم خبرا جازما, | |
مؤيدا بالأدلة. <br> | |
" أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " فإنهم | |
إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته, سعوا بالأسباب الموصلة لهم إلى رحمته, وأقلعوا عن | |
الذنوب, وتابوا منها, لينالوا مغفرته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأن عذابي هو العذاب الأليم " </h1> | |
<p>ومع هذا, فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال. <br> | |
فنبئهم " وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ " | |
أي: لا عذاب في الحقيقة, إلا عذاب الله, الذي لا يقادر قدره, ولا يبلغ | |
كنهه, نعوذ به من عذابه. <br> | |
فإنهم إذا عرفوا أنه " لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه | |
أحد " حذروا, وبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب. <br> | |
فالعبد, ينبغي أن يكون قلبه دائما, بين الخوف والرجاء, والرغبة والرهبة. <br> | |
فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته, وجوده وإحسانه, أحدث له ذلك الرجاء والرغبة. <br> | |
وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه, أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ونبئهم عن ضيف إبراهيم " </h1> | |
<p>يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " | |
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ " . <br> | |
أي: عن تلك القصة العجيبة, فإن في قصك عليهم أنباء الرسل, وما جرى لهم, ما يوجب | |
لهم العبرة, والاقتداء بهم. <br> | |
خصوصا, إبراهيم الخليل, الذي أمرنا الله أن نتبع ملته. <br> | |
وضيفه هم: الملائكة الكرام, أكرمه الله بأن جعلهم أضيافه. <br> | |
" إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا | |
مِنْكُمْ وَجِلُونَ " <br> | |
" إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا " أي: | |
سلموا عليه, فرد عليهم " قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ | |
" أي: خائفون. <br> | |
لأنه لما دخلوا عليه, وحسبهم ضيوفا, ذهب مسرعا إلى بيته, فأحضر لهم ضيافتهم, عجلا | |
حنيذا فقدمه إليهم. <br> | |
فلما رأى أيديهم لا تصل إليه, خاف منهم أن يكونوا لصوصا أو نحوهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم " </h1> | |
<p>" قَالُوا " له: " لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ " وهو: | |
إسحق عليه الصلاة والسلام. <br> | |
تضمنت هذه البشارة, بأنه ذكر لا أنثى, عليم, أي: كثير العلم. <br> | |
وفي الآية الأخرى " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ | |
الصَّالِحِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشروني " </h1> | |
<p>قال لهم متعجبا من هذه البشارة: " | |
أَبَشَّرْتُمُونِي " بالولد " عَلَى أَنْ | |
مَسَّنِيَ الْكِبَرُ " وصار نوع إياس منه " | |
فَبِمَ تُبَشِّرُونَ " أي: على أي وجه تبشرون وقد عدمت الأسباب؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين " </h1> | |
<p>" قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ " الذي لا شك فيه, لأن الله على كل شيء قدير, وأنتم بالخصوص - يا أهل هذا | |
البيت - رحمة الله وبركاته عليكم, فلا يستغرب فضل الله وإحسانه إليكم. <br> | |
" فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ " الذين | |
يستبعدون وجود الخير, بل لا تزال راجيا لفضل الله وإحسانه, وبره وامتنانه. <br> | |
فأجابهم إبراهيم بقوله: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " </h1> | |
<p>" | |
وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ " الذين لا علم لهم بربهم, وكمال اقتداره. <br> | |
وأما من أنعم الله عليه بالهداية والعلم العظيم, فلا سبيل إلى القنوط إليه, لأنه | |
يعرف من كثرة الأسباب والوسائل والطرق, لرحمة الله, شيئا كثيرا. <br> | |
ثم لما بشروه بهذه البشارة, عرف أنهم مرسلون لأمر مهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال فما خطبكم أيها المرسلون " </h1> | |
<p>أي: " قَالَ " الخليل عليه السلام | |
للملائكة " فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ " . | |
<br> | |
أي: ما شأنكم, ولأي شيء أرسلتم؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين " </h1> | |
<p>" قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ | |
" أي: كثر فسادهم, وعظم شرهم, لنعذبهم | |
ونعاقبهم. <br> | |
" إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ " | |
أي: إلا لوطا, وأهله " إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا | |
إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ " أي: الباقين بالعذاب. <br> | |
وأما لوط, فلنخرجنه وأهله, وننجيهم منها: فجعل إبراهيم, يجادل الرسل في إهلاكهم, | |
ويراجعهم. <br> | |
فقيل له: " يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم | |
آتيهم عذاب غير مردود " فذهبوا عنه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما جاء آل لوط المرسلون " </h1> | |
<p>" | |
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ " لهم لوط " إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ " أي: | |
لا أعرفكم ولا أدري من أنتم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون " </h1> | |
<p>" | |
قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ " أي: جئناك بعذابهم الذي كانوا يشكون فيه, ويكذبونك حين توعدهم به. <br> | |
" وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ " الذي ليس بالهزل " وَإِنَّا لَصَادِقُونَ " فيما قلنا لك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد | |
وامضوا حيث تؤمرون " </h1> | |
<p>" | |
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ " أي: في أثنائه حين تنام العيون, ولا يدري أحد عن مسراك. <br> | |
" وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ | |
" أي: بادروا وأسرعوا. <br> | |
" وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ " كأن معهم دليلا | |
يدلهم إلى أين يتوجهون. <br> | |
" وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ " أي: أخبرناه | |
خبرا لا مثنوية فيه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " </h1> | |
<p>" | |
أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ " أي: سيصبحهم العذاب الذي يجتاحهم ويستأصلهم. <br> | |
" وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ " أي: المدينة | |
التي فيها قوم لوط " يَسْتَبْشِرُونَ " أي. <br> | |
يبشر بعضهم بعضا, بأضياف لوط, وصباحة وجوههم واقتدارهم عليهم, وذلك لقصدهم فعل | |
الفاحشة فيهم. <br> | |
فجاءوا حتى وصلوا إلى بيت لوط, فجعلوا يعالجون لوطا على أضيافه, ولوط يستعيذ منهم | |
ويقول: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون " </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِي وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي | |
" أي: راقبوا الله أول ذلك, وإن كان ليس فيكم | |
خوف من الله, فلا تفضحون في أضيافي, وتنتهكوا منهم حرمتهم بفعل الأمر الشنيع. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا أولم ننهك عن العالمين " </h1> | |
<p>و " قَالُوا " له جوابا عن قوله ولا | |
تخزون فقط: " أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ " أن | |
تضيفهم, فنحن قد أنذرناك, ومن أنذر فقد أعذر. <br> | |
" قَالَ " لهم لوط من شدة الأمر الذي أصابه: " هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ " . <br> | |
فلم يبالوا بقوله, ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم " | |
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ " وهذه السكرة, | |
هي سكرة محبة الفاحشة, التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم. <br> | |
" فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ " <br> | |
فلما بينت له الرسل حالهم, زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب. <br> | |
فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا, فنجوا. <br> | |
وأما أهل القرية " فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ | |
" أي: وقت شروق الشمس, حيث كانت العقوبة عليهم أشد. <br> | |
" فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا " أي: قلبنا | |
عليهم مدينتهم. <br> | |
" وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ " . | |
<br> | |
تتبع فيها من شذ من البلد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن في ذلك لآيات للمتوسمين " </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ " أي: المتأملين المتفكرين, الذين لهم فكر وروية وفراسة, يفهمون بها ما | |
أريد بذلك, من أن من تجرأ على معاصي الله, خصوصا هذه الفاحشة العظيمة, أن الله | |
سيعاقبهم بأشنع العقوبات, كما تجرأوا على أشنع السيئات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإنها لبسبيل مقيم " </h1> | |
<p>" | |
وَإِنَّهَا " أي: مدينة قوم لوط " لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ " للسالكين, يعرفه كل من تردد في | |
تلك الديار " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ | |
" . <br> | |
وفي هذه القصة من العبر: عنايته تعالى بخليله إبراهيم. <br> | |
فإن لوطا عليه السلام, من أتباعه, ومن آمن به فكأنه تلميذ له. <br> | |
فحين أراد الله إهلاك قوم لوط, حين استحقوا ذلك, أمر رسله أن يمروا على إبراهيم | |
عليه السلام, كي يبشروه بالولد, ويخبروه بما بعثوا له, حتى إنه جادلهم عليه السلام | |
في إهلاكهم, حتى أقنعوه, فطابت نفسه. <br> | |
وكذلك لوط عليه السلام, لما كانوا أهل وطنه, فربما أخذته الرقة عليهم والرأفة بهم, | |
قدر الله من الأسباب, ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم, حتى استبطأ إهلاكهم لما قيل | |
له: " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " . <br> | |
ومنها: أن الله تعالى, إذا أراد أن يهلك قرية, زاد شرهم وطغيانهم. <br> | |
فإذا انتهى, أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين " </h1> | |
<p>وهؤلاء قوم شعيب, نعتهم الله وأضافهم إلى الأيكة, وهو: البستان كثير | |
الأشجار, ليذكر نعمته عليهم, وأنهم ما قاموا بها, بل جاءهم نبيهم شعيب, فدعاهم إلى | |
التوحيد, وترك ظلم الناس في المكاييل والموازين, وعاجلهم على ذلك على أشد | |
المعالجة, فاستمروا على ظلمهم في حق الخالق, وفي حق الخلق, ولهذا, وصفهم, هنا, | |
بالظلم. <br> | |
" فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ " فأخذهم عذاب يوم | |
الظلة, إنه كان عذاب يوم عظيم. <br> | |
" وَإِنَّهُمَا " أي: ديار قوم لوط, وأصحاب | |
الأيكة " لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ " أي: لبطريق واضح, | |
يمر بهم المسافرون كل وقت, فيبين من آثارهم ما هو مشاهد بالأبصار, فيعتبر بذلك | |
أولوا الألباب.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن أهل الحجر, وهم, قوم صالح, الذين كانوا يسكنون الحجر | |
المعروف في أرض الحجاز, أنهم كذبوا المرسلين, أي: كذبوا صالحا. <br> | |
ومن كذب رسولا, فقد كذب سائر الرسل, لاتفاق دعوتهم. <br> | |
وليس تكذيب بعضهم لشخصه, بل لما جاء به من الحق الذي اشترك جميع الرسل بالإتيان | |
به. <br> | |
" وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا " الدالة على صحة ما | |
جاءهم به صالح من الحق, ومن جملتها: تلك الناقة, هي من آيات الله العظيمة.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين " </h1> | |
<p>" | |
فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ " كبرا وتجبرا | |
على الله. <br> | |
" وَكَانُوا " - من كثرة إنعام الله عليهم - " يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ " من | |
المخاوف مطمئنين في ديارهم. <br> | |
فلو شكروا النعمة, وصدقوا نبيهم صالحا, عليه السلام, لأدر الله عليهم الأرزاق, | |
ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل. <br> | |
ولكنهم - لما كذبوا, وعقروا الناقة, وعتوا عن أمر ربهم, وقالوا: " | |
يا صالح ائتنا بما تعدنا, إن كنت من الصادقين " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأخذتهم الصيحة مصبحين " </h1> | |
<p>" فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ " . <br> | |
فتقطعت قلوبهم في أجوافهم, وأصبحوا في دارهم جاثمين هلكى, مع ما يتبع ذلك, من | |
الخزي واللعنة المستمرة. <br> | |
" فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " لأن | |
أمر الله إذا جاء, لا يرده كثرة جنود, ولا قوة أنصار, ولا غزارة أموال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة | |
لآتية فاصفح الصفح الجميل " </h1> | |
<p>أي: ما خلقناهما عبثا باطلا, كما يظن أعداء | |
الله. <br> | |
بل ما خلقناهما " إِلَّا بِالْحَقِّ " الذي منه, | |
أن تكونا بما فيهما دالتين على كمال خالقهما, واقتداره, وسعة رحمته, وحكمته, وعلمه | |
المحيط, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له, وحده لا شريك له. <br> | |
" وَإِنَّ السَّ |