<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة طه - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" طه " </h1></p> | |
<p>" طه " من جملة الحروف المقطعة, المفتتح بها كثير من | |
السور, وليست اسما للنبي, صلى الله عليه وسلم. </p> | |
<p> </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما أنزلنا عليك | |
القرآن لتشقى " </h1> | |
<p>" مَا | |
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى " أي: ليس المقصود بالوحي, وإنزال القرآن عليك, وشرع الشريعة, لتشقى | |
بذلك, ويكون في الشريعة تكليف, يشق على المكلفين وتعجز عنه قوى العاملين. <br> | |
وإنما الوحي, والقرآن والشرع, شرعه الرحيم الرحمن, وجعله موصلا للسعادة, والفلاح, | |
والفوز, وسهله غاية التسهيل, ويسر كل طرقه وأبوابه, وجعله غذاء القلوب والأرواح, | |
وراحة للأبدان. <br> | |
فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة, بالقبول, والإذعان, لعلمها بما احتوى | |
عليه, من الخير في الدنيا والآخرة, ولهذا قال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إلا تذكرة لمن يخشى " </h1> | |
<p>" إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى " أي: إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى, فيتذكر ما فيه من الترغيب, لأجل | |
المطالب, فيعمل بذلك, ومن الترهيب عن الشقاء والخسران, فيرهب منه, ويتذكر به | |
الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة, التي كانت مستقرا في عقله حسنها مجملا, فوافق | |
التفصيل ما يجده في فطرته وعقله, ولهذا سماه الله " تذكرة | |
" . <br> | |
والتذكرة لشيء كان موجودا, إلا أن صاحبه غافل عنه, أو غير مستحضر لتفصيله. <br> | |
وخص بالتذكرة " من يخشى " لأن غيره لا ينتفع به. <br> | |
وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار, ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة؟ هذا | |
ما لا يكون. <br> | |
" سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى | |
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى " . <br> | |
ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم, وأنه تنزيل خالق الأرض والسماوات, المدبر لجميع | |
المخلوقات. <br> | |
أي: فاقبلوا تنزيله, بغاية الإذعان, والمحبة, والتسليم, وعظموه نهاية التعظيم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا " </h1> | |
<p>وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر, كما في هذة الآية, وكما في قوله: " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " وفي قوله: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ | |
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ " وذلك أنه الخالق | |
الآمر الناهي. <br> | |
فكما أنه لا خالق سواه, فليس على الخلق إلزام, ولا أمر, ولا نهي إلا من خالقهم. <br> | |
وأيضا, فإن خلقه للخلق, فيه من التدبير القدري الكوني, وأمره, فيه التدبير الشرعي | |
الديني. <br> | |
فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة, فلم يخلق شيئا عبثا, فكذلك لا يأمر ولا ينهى, | |
إلا بما هو عدل, وحكمة, وإحسان. <br> | |
فلما بين أنه الخالق المدبر, الآمر الناهي, أخبر عن عظمته وكبريائه, فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الرحمن على العرش استوى " </h1> | |
<p>" | |
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ " الذي هو أرفع | |
المخلوقات وأعظمها, وأوسعها. <br> | |
" اسْتَوَى " استواء يليق بجلاله, ويناسب عظمته | |
وجماله, فاستوى على العرش, واحتوى على الملك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى | |
" </h1> | |
<p>" لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا | |
بَيْنَهُمَا " من ملك وإنسي وجني, وحيوان, | |
وجماد, ونبات. <br> | |
" وَمَا تَحْتَ الثَّرَى " أي: الأرض, فالجميع | |
ملك لله, تعالى, عبيد مدبرون مسخرون, تحت قضائه وتدبيره ليس لهم من الملك شيء, ولا | |
يملكون لأنفسهم, نفعا ولا ضرا, ولا موتا, ولا حياة, ولا نشورا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " </h1> | |
<p>" | |
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ " الكلام الخفي " وَأَخْفَى " من السر, | |
الذي في القلب, ولم ينطق به, أو السر: ما خطر على القلب " | |
وأخفى " : ما لم يخطر, يعلم تعالى أنه يخطر في وقته, وعلى صفته. <br> | |
المعنى: أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء, دقيقها, وجليها خفيها, وظاهرها. <br> | |
فسواء جهرت بقولك أو أسررته, فالكل سواء, بالنسبة لعلمه تعالى. <br> | |
فلما قرر كماله المطلق, بعموم خلقه, وعموم أمره ونهيه, وعموم رحمته, وسعة عظمته, | |
وعلوه على عرشه, وعموم ملكه, وعموم علمه, نتج من ذلك, أنه المستحق للعبادة, وأن | |
عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع, والعقل, والفطرة. <br> | |
وعبادة غيره باطلة, فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى " </h1> | |
<p>" اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أي: لا معبود بحق, ولا مألوه بالحب والذل, والخوف والرجاء, والمحبة | |
والإنابة والدعاء وإلا هو. <br> | |
" لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " أي: له الأسماء | |
الكثيرة الكاملة الحسنى. <br> | |
من حسنها, أنها كلها, أسماء دالة على المدح. <br> | |
فليس فيها, اسم لا يدل على المدح والحمد ومن حسنها, أنها ليست أعلاما محضة, وإنما | |
هي أسماء وأوصاف. <br> | |
ومن حسنها, أنها دالة على الصفات الكاملة, وأن له من كل صفة, أكملها, وأعمها, | |
وأجلها. <br> | |
ومن حسنها, أنه أمر العباد أن يدعوه بها, لأنها وسيلة مقربة إليه, يحبها, ويحب من | |
يحبها, ويحب من يحفظها, ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها, قال تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " . | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وهل أتاك حديث موسى " </h1> | |
<p>يقول تعالى لنبيه محمد, صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام | |
التقريري. <br> | |
والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها: " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ | |
مُوسَى " في حاله التي هي مبدأ سعادته, ومنشأ نبوته, أنه رأى نارا من | |
بعيد, وكان قد ضل الطريق, وأصابه البرد, ولم يكن عنده, ما يتدفأ به في سفره.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها | |
بقبس أو أجد على النار هدى " </h1> | |
<p>" | |
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ " أي: أبصرت " نَارًا " وكان ذلك في | |
جانب الطور الأيمن. <br> | |
" لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ " تصطلون | |
به " أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى " . <br> | |
أي: من يهديني الطريق. <br> | |
وكان مطلبه, النور الحسي والهداية الحسية. <br> | |
فوجد ثم النور المعنوي, نور الوحي, الذي تستنير به الأرواح والقلوب, والهداية | |
الحقيقية, هداية الصراط المستقيم, الموصلة إلى جنات النعيم. <br> | |
فحصل له أمر, لم يكن في حسابه, ولا خطر بباله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما أتاها نودي يا موسى " </h1> | |
<p>" | |
فَلَمَّا أَتَاهَا " أي: النار التي آنسها من | |
بعيد, وكانت - في الحقيقة - نورا, وهي نار تحرق وتشرق, ويدل على ذلك قوله صلى الله | |
عليه وسلم " حجابه النور أو النار لو كشفه, لأحرقت سبحات | |
وجهه, ما انتهى إليه بصره " فلما وصل إليها نودي منها أي: ناداه الله | |
كما قال: " وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ | |
وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى " </h1> | |
<p>" | |
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ | |
طُوًى " أخبره أنه ربه, وأمره أن يستعد | |
ويتهيأ لمناجاته, ويهتم لذلك, ويلقى نعليه, لأنه بالوادي المقدس المطهر المعظم. <br> | |
ولو لم يكن من تقديسه, إلا أنه اختار لمناجاته, كليمه موسى, لكفى. <br> | |
وقد قال كثير من المفسرين: " إن الله أمره أن يلقي نعليه, | |
لأنهما من جلد حمار " , فالله أعلم بذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى " </h1> | |
<p>" | |
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ " أي: تخيرتك واصطفيتك | |
من الناس. <br> | |
وهذه أكبر نعمة ومنة أنعم الله بها عليه, تقتضي من الشكر, ما يليق بها, ولهذا قال: | |
" فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " أي: ألق سمعك للذي | |
أوحى إليك فإنه حقيق بذلك, لأنه أصل الدين ومبدأه, وعماد الدعوة الإسلامية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " | |
</h1> | |
<p>ثم بين الذي يوحيه إليه بقوله: " إِنَّنِي أَنَا | |
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا " أي: الله المستحق الألوهية المتصف | |
بها, لأنه الكامل في أسمائه, وصفاته, المنفرد بأفعاله, الذي لا شريك له, ولا مثيل, | |
ولا كفو ولا سمي. <br> | |
" فَاعْبُدْنِي " بجميع أنواع العبادة, ظاهرها | |
وباطنها, أصولها وفروعها. <br> | |
ثم خص الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة, لفضلها وشرفها, وتضمنها عبودية | |
القلب, واللسان, والجوارح. <br> | |
وقوله: " لِذِكْرِي " اللام للتعليل أي: أقم | |
الصلاة لأجل ذكرك إياي. <br> | |
لأن ذكره تعالى, أجل المقاعد, وبه عبودية القلب, وبه سعادته. <br> | |
فالقلب المعطل عن ذكر الله, معطل عن كل خير, وقد خرب كل خراب. <br> | |
فشرع الله للعباد, أنواع العبادات, التي, المقصود منها, إقامة ذكره وخصوصا, | |
الصلاة. <br> | |
قال تعالى: " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ | |
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ | |
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " . <br> | |
أي: ما فيها من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر. <br> | |
وهذا النوع يقال له توحيد الإلهية, وتوحيد, العبادة فالألوهية, وصفه تعالى, | |
والعبودية, وصف عبده. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " </h1> | |
<p>" | |
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ " أي: لا بد من | |
وقوعها " أَكَادُ أُخْفِيهَا " . <br> | |
أي: عن نفسي كما في بعض القراءات, كقوله تعالى " | |
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا | |
عِنْدَ رَبِّي " وقال: " وَعِنْدَهُ عِلْمُ | |
السَّاعَةِ " . <br> | |
فعلمها, قد أخفاه عن الخلائق كلهم, فلا يعلمها ملك مقرب, ولا نبي مرسل. <br> | |
والحكمة في إتيان الساعة " لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا | |
تَسْعَى " من الخير والشر, فهي الباب لدار الجزاء " | |
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا | |
بِالْحُسْنَى " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى " </h1> | |
<p>أي: فلا يصدك ويشغلك عن الإيمان بالساعة, والجزاء, والعمل لذلك, من كان | |
كافرا بها, غير معتقد لوقوعها. <br> | |
يسعى في الشك فيها, والتشكيك, ويجادل فيها, بالباطل, ويقيم من الشبه, ما يقدر | |
عليه, متبعا في ذلك هواه, ليس قصده الوصول إلى الحق, وإنما قصاراه, اتباع هواه. <br> | |
فإياك أن تصغي إلى من هذه حاله, أو تقبل شيئا, من أقواله وأعماله الصادرة عن الإيمان | |
بها والسعي لها سعيها. <br> | |
وإنما حذر الله تعالى عمن هذه حاله, لأنه من أخوف ما يكون على المؤمن, بوسوسته | |
وتدجيله, وكون النفوس مجبولة على التشبه, والاقتداء بأبناء الجنس. <br> | |
وفي هذا تنبيه وإشارة إلى التحذير, عن كل داع إلى باطل, يصد عن الإيمان الواجب, أو | |
عن كماله, أو يوقع الشبهة في القلب. <br> | |
وعن النظر في الكتب, المشتملة على ذلك. <br> | |
وذكر في هذا, الإيمان به, وعبادته, والإيمان باليوم الآخر, لأن هذه الأمور | |
الثلاثة, أصول الإيمان, وركن الدين, وإذا تمت تم أمر الدين, ونقصه أو فقده بنقصها, | |
أو نقص شيء منها وهذه نظير قوله تعالى في الإخبار عن ميزان سعادة الفرق, الذين | |
أوتوا الكتاب وشقاوتهم " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ | |
هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ | |
وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ | |
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " . <br> | |
وقوله " فَتَرْدَى " أي: تهلك وتشقى, إن اتبعت | |
طريق من يصد عنها </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما تلك بيمينك يا موسى " </h1> | |
<p>وقوله تعالى: " وَمَا تِلْكَ " إلى " مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى " . <br> | |
لما بين الله لموسى أصل الإيمان, أراد أن يبين له, ويريه من آياته, ما يطمئن به | |
قلبه, وتقر به عينه, ويقوي إيمانه, بتأييد الله له على عدوه فقال: " | |
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى " هذا, مع علمه تعالى, ولكن | |
لزيادة الاهتمام في هذا الموضع, أخرج الكلام بطريق الاستفهام. <br> | |
فقال موسى: " هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ | |
بِهَا عَلَى غَنَمِي " ذكر فيها, هاتين المنفعتين, منفعة لجنس الآدمي, | |
وهو أنه يعتمد عليها في قيامه ومشيه, فيحصل فيها معونة. <br> | |
ومنفعة للبهائم, وهو أنه كان يرعى الغنم, فإذا رعاها في شجر الخبط ونحوه, هش بها, | |
أي: ضرب الشجر, ليتساقط ورقه, فيرعاه الغنم. <br> | |
هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام, الذي من آثاره, حسن رعاية الحيوان البهيم, | |
والإحسان إليه, دل على عناية من الله له واصطفاء, وتخصيص تقتضيه رحمة الله وحكمته. | |
<br> | |
" وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ " أي: مقاصد " أُخْرَى " غير هذين الأمرين. <br> | |
ومن أدب موسى عليه السلام, أن الله لما سأله عما في يمينه, وكان السؤال محتملا عن | |
السؤال عن عينها, أو منفعتها - أجابه بعينها, ومنفعتها فقال الله له: " | |
أَلْقِهَا يَا مُوسَى </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال ألقها يا موسى " </h1> | |
<p>فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى " انقلبت بإذن الله | |
ثعبانا عظيما. <br> | |
فولى موسى هاربا خائفا, ولم يعقب. <br> | |
وفي وصفها بأنها تسعى, إزالة لوهم يمكن وجوده, وهو أن يظن أنها تخييل, لا حقيقة. <br> | |
فكونها تسعى يزيل هذا الوهم </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى " </h1> | |
<p>فقال الله لموسى: " خُذْهَا وَلَا تَخَفْ " أي: | |
ليس عليك منها بأس. <br> | |
" سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى " أي هيئتها | |
وصفتها, إذ كانت عصا. <br> | |
فامتثل موسى أمر الله, إيمانا به, وتسليما, فأخذها, فعادت عصاه التي كان يعرفها, | |
هذه آية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى " </h1> | |
<p>ثم ذكر الآية الأخرى فقال: " | |
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ " أي: أدخل يدك إلى جيبك,. <br> | |
وضم عليك عضدك, الذي هو جناح الإنسان " تَخْرُجْ بَيْضَاءَ | |
مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " أي: بياضا ساطعا, من غير عيب ولا برص " آيَةً أُخْرَى " . <br> | |
قال الله: " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى | |
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لنريك من آياتنا الكبرى " </h1> | |
<p>" | |
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى " أي: | |
فعلنا ما ذكرنا, من انقلاب العصا حية تسعى, ومن خرج اليد بيضاء للناظرين, لأجل أن | |
نريك من آياتنا الكبرى, الدالة على صحة رسالتك, وحقيقة ما جئت به, فيطمئن قلبك, | |
ويزداد علمك, وتثق بوعد الله لك, بالحفظ والنصرة, ولتكون حجة وبرهانا, لمن أرسلت | |
إليهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" اذهب إلى فرعون إنه طغى " </h1> | |
<p>لما أوحى الله إلى موسى, ونبأه, وأراه الآيات الباهرات, أرسله إلى | |
فرعون, ملك مصر فقال: " اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ | |
طَغَى " أي: تمرد وزاد على الحد, في الكفر والفساد, والعلو في الأرض, | |
والقهر للضعفاء, حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية, قبحه الله, أي: وطغيانه سبب | |
لهلاكه. <br> | |
ولكن من رحمة الله, وحكمته, وعدله, أنه لا يعذب أحدا, إلا بعد قيام الحجة بالرسل. <br> | |
فحينئذ علم موسى عليه السلام, أنه تحمل حملا عظيما, حيث أرسل إلى هذا الجبار | |
العنيد, الذي ليس له منازع في مصر من الخلق. <br> | |
وموسى عليه السلام, وحده, وقد جرى منه ما جرى من القتل. <br> | |
فامتثل أمر ربه, وتلقاه بالانشراح والقبول, وسأله المعونة, وتيسير الأسباب, التي | |
هي من تمام الدعوة فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب اشرح لي صدري " </h1> | |
<p>" | |
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي " أي: وسعه | |
وأفسحه, لأتحمل الأذى القولي والفعلي, ولا يتكدر قلبي بذلك, ولا يضيق صدري, فإن | |
الصدر إذا ضاق, لم يصلح صاحبه لهداية الخلق, ودعوتهم. <br> | |
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " فَبِمَا رَحْمَةٍ | |
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا | |
مِنْ حَوْلِكَ " وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه | |
عليهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويسر لي أمري " </h1> | |
<p>" | |
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي " أي: سهل علي أمر | |
أسلكه وكل طريق أقصده في سبيلك, وهون علي ما أمامي من الشدائد. <br> | |
ومن تيسير الأمر, أن ييسر للداعي, أن يأتي جميع الأمور من أبوابها, ويخاطب كل أحد | |
بما يناسب له, ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبول قوله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واحلل عقدة من لساني " </h1> | |
<p>" | |
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي " وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام, كما قال المفسرون, وكما | |
قال الله عنه أنه قال: " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ | |
مِنِّي لِسَانًا " فسأل الله أن يحل منه عقدة, يفقهوا ما يقول فيحصل | |
المقصود التام من المخاطبة, والمراجعة, والبيان عن المعاني. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واجعل لي وزيرا من أهلي " </h1> | |
<p>" وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " أي: معينا يعاونني, ويؤازرني, ويساعدني على من أرسلت إليهم. <br> | |
وسأل أن يكون من أهله, لأنه من باب البر, وأحق ببر الإنسان, قرابته. <br> | |
ثم عينه بسؤاله فقال: " هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي | |
" أي: قوني به: وشد به ظهري. <br> | |
قال الله " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا | |
سُلْطَانًا " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأشركه في أمري " </h1> | |
<p>" | |
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي " أي: في النبوة, | |
بأن تجعله نبيا رسولا, كما جعلتني. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كي نسبحك كثيرا " </h1> | |
<p>ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال: " كَيْ نُسَبِّحَكَ | |
كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " علم, عليه الصلاة والسلام, أن مدار | |
العبادات كلها والدين, على ذكر الله, فسأل الله أن يجعل أخاه معه, يتساعدان | |
ويتعاونان على البر والتقوى, فيكثر منهما ذكر الله, من التسبيح, والتهليل, وغيره | |
من أنواع العبادات. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنك كنت بنا بصيرا " </h1> | |
<p>" إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا " تعلم حالنا, وضعفنا, وعجزنا, وافتقارنا إليك في كل الأمور. <br> | |
وأنت أبصر بنا, من أنفسنا وأرحم, فمن علينا بما سألناك, وأجب لنا فيما دعوناك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال قد أوتيت سؤلك يا موسى " </h1> | |
<p>فقال الله: " قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى | |
" أي: أعطيت جميع ما طلبت. <br> | |
فسنشرح صدرك, ونيسر أمرك, ونحل عقدة من لسانك, يفقهوا قولك, ونشد عضدك, بأخيك | |
هارون, " ونجعل لكما سلطانا, فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما | |
ومن اتبعكما الغالبون " . <br> | |
وهذا السؤال من موسى عليه السلام, يدل على كمال معرفته بالله, وكمال فطنته ومعرفته | |
للأمور, وكمال نصحه. <br> | |
وذلك أن الداعي إلى الله, المرشد للخلق, خصوصا إذا كان المدعو من أهل العناد, | |
والتكبر, والطغيان, يحتاج إلى سعة صدر, وحلم تام, على ما يصيبه من الأذى, ولسان | |
فصيح, يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده. <br> | |
بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام, من ألزم ما يكون, لكثرة المراجعات | |
والمراوضات, ولحاجته لتحسين الحق, وتزيينه بما يقدر عليه, ليحببه إلى النفوس, وإلى | |
تقبيح الباطل وتهجينه, لينفر عنه. <br> | |
ويحتاج مع ذلك أيضا, أن يتيسر له أمره, فيأتي البيوت من أبوابها, ويدعو إلى سبيل | |
الله, بالحكمة والموعظة الحسنة, والمجادلة بالتي هي أحسن, يعامل الناس كلا بحسب | |
حاله. <br> | |
وتمام ذلك, أن يكون لمن هذه صفته, أعوان ووزراء, يساعدونه على مطلوبه. <br> | |
لأن الأصوات إذا كثرت, لا بد أن تؤثر, فلذلك سأله عليه الصلاة والسلام هذه الأمور, | |
فأعطيها. <br> | |
وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق, رأيتهم بهذه الحال, بحسب | |
أحوالهم. <br> | |
خصوصا, خاتمهم وأفضلهم, محمد صلى الله عليه وسلم, فإنه في الذروة العليا من كل صفة | |
كمال. <br> | |
وله من شرح الصدر, وتيسير الأمر, وفصاحة اللسان, وحسن التعبير والبيان, والأعوان | |
على الحق, من الصحابة, فمن بعدهم, ما ليس لغيره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد مننا عليك مرة أخرى " </h1> | |
<p>لما ذكر منته على عبده ورسوله, موسى بن | |
عمران, في الدين, والوحي, والرسالة, وإجابة سؤله, ذكر نعمته عليه, وقت التربية, | |
والتنقلات في أطواره فقال: " وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ | |
مَرَّةً أُخْرَى " حيث ألهمنا أمك, أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع, | |
خوفا من فرعون, لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل. <br> | |
فأخفته أمه, وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت, ثم قذفته في اليم, أي: شط | |
نيل مصر. <br> | |
فأمر الله اليم, أن يلقيه في الساحل, وقيض الله أن يأخذه, أعدى الأعداء لله | |
ولموسى, ويتربى في أولاده, ويكون قرة عين لمن رآه: ولهذا قال: " | |
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " فكل من رآه أحبه " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " أي ولتتربى على نظري | |
وفي حفظي وكلاءتي. <br> | |
وأي نظر وكفالة, أجل وأكمل, من ولاية البر الرحيم, القادر على إيصال مصالح عبده, | |
ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة, إلا, والله تعالى هو الذي في بر | |
ذلك لمصلحة موسى. <br> | |
ومن حسن تدبيره, أن موسى لما وقع في يد عدوه, قلقت أمه قلقا شديدا, وأصبح فؤادها | |
فارغا, وكادت تخبر به, لولا أن الله ثبتها, وربط على قلبها. <br> | |
" إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى | |
مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا | |
تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا | |
فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى | |
" <br> | |
ففي هذه الحالة, حرم الله على موسى المراضع, فلا يقبل ثدي امرأة قط, ليكون مآله | |
إلى أمه, فترضعه, ويكون عندها, مطمئنة ساكنة, قريرة العين. <br> | |
فجعلوا يعرضون عليه المراضع, فلا يقبل ثديا. <br> | |
فجاءت أخت موسى, فقالت لهم " هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه | |
لكم وهم له ناصحون " . <br> | |
" فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا | |
تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا " وهو القبطي لما دخل المدينة وقت غفلة | |
من أهلها, وجد رجلين يقتتلان, واحد من شيعة موسى, والآخر من عدوه قبطي " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه | |
" . <br> | |
فدعا الله وسأله المغفرة, فغفر له, ثم فر هاربا, لما سمع أن الملأ طلبوه, يريدون | |
قتله. <br> | |
" فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ " من عقوبة | |
الذنب, ومن القتل. <br> | |
" وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا " أي: اختبرناك, | |
وبلوناك, فوجدناك مستقيما في أحوالك. <br> | |
أو نقلناك في أحوالك, وأطوارك, حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. <br> | |
" فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ " حين | |
فر هاربا من فرعون وملأه, حين أرادو قتله. <br> | |
فتوجه إلى مدين, ووصل إليها, وتزوج هناك, ومكث عشر سنين, أو ثمان سنين. <br> | |
" ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى " أي: | |
جئت مجيئا, ليس اتفاقا من غير قصد, ولا تدبير منا, بل بقدر ولطف منا. <br> | |
وهذا يدل على كمال اعتناء الله, بكليمه, موسى عليه السلام, ولهذا قال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واصطنعتك لنفسي " </h1> | |
<p>" وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " أي: أجريت عليك صنائعي ونعمي, وحسن عوائدي, وتربيتي, لتكون لنفسي حبيبا | |
مختصا, وتبلغ في ذلك, مبلغا لا يناله أحد من الخلق, إلا النادر منهم. <br> | |
وإذا كان الحبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من المخلوقين, وأراد أن يبلغ من الكمال | |
المطلوب له ما يبلغ, يبذل غاية جهده, ويسعى نهاية ما يمكنه في إيصاله لذلك. <br> | |
فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم, وما تحسبه يفعل, بمن أراده لنفسه, واصطفاه من | |
خلقه؟!! </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري " </h1> | |
<p>لما امتن الله تعالى على موسى بما امتن به, من النعم الدينية والدنيوية | |
قال له: " اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ " هارون " بِآيَاتِي " أي: الآيات التي مني, الدالة على الحق | |
وحسنه, وقبح الباطل, كاليد, والعصا ونحوها, في تسع آيات إلى فرعون وملاءه. <br> | |
" وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي " أي: لا تفترا, ولا | |
تكسلا, عن مداومة ذكري بالاستمرار عليه, والزماه كما وعدتما بذلك " | |
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " . <br> | |
فإن ذكر الله, فيه معونة على جميع الأمور, يسهلها, ويخفف حملها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" اذهبا إلى فرعون إنه طغى " </h1> | |
<p>" | |
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى " أي: | |
جاوز الحد, في كفره وطغيانه, وظلمه وعدوانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " </h1> | |
<p>" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " أي: سهلا لطيفا, برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف, ولا غلظة | |
في المقال, أو فظاظة في الأفعال. <br> | |
" لَعَلَّهُ " بسبب القول اللين " | |
يَتَذَكَّرُ " ما ينفعه فيأتيه. <br> | |
" أَوْ يَخْشَى " ما يضره فيتركه, فإن القول | |
اللين, داع لذلك, والقول الغليظ, منفر عن صاحبه. <br> | |
وقد فسر القول اللين في قوله: " فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ | |
تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى " . <br> | |
فإن في هذا الكلام, من لطف القول وسهولته, وعدم بشاعته, ما لا يخفى على المتأمل. <br> | |
فإنه أتى ب " هل " الدالة على العرض والمشاورة, | |
التي لا يشمئز منها أحد, ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس, التي أصلها, التطهر | |
من الشرك, الذي يقبله كل عقل سليم, ولم يقل " أزكيك " بل | |
قال " تزكى " أنت بنفسك. <br> | |
ثم دعاه إلى سبيل ربه, الذي رباه, وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي | |
مقابلتها بشكرها, وذكرها فقال: " وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ | |
فَتَخْشَى " فلما لم يقبل هذا الكلام اللين, الذي يأخذ حسنه بالقلوب, | |
علم أنه لا ينجع فيه تذكير, فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " </h1> | |
<p>" | |
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا " أي: يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا, قبل أن نبلغه رسالاتك, ونقيم عليه | |
الحجة " أَوْ أَنْ يَطْغَى " أي يتمرد عن الحق, | |
ويطغى بملكه, وسلطانه, وجنده, وأعوانه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى " </h1> | |
<p>" | |
قَالَ لَا تَخَافَا " أن يفرط عليكما " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " أي: أنتما | |
بحفظي ورعايتي, أسمع قولكما, وأرى جميع أحوالكما, فلا تخافا منه. <br> | |
فزال الخوف عنهما, واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم | |
قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى " </h1> | |
<p>أي: فأتياه بهذين الأمرين, دعوته إلى | |
الإسلام, وتخليص هذا الشعب الشريف, بني إسرائيل, من قيده وتعبيده لهم, ليتحرروا | |
ويملكوا أمرهم, ويقيم فيهم موسى, شرع الله ودينه. <br> | |
" قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ " تدل على صدقنا " فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ | |
فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ " إلى آخر ما ذكر الله عنهما. <br> | |
" وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى " أي: | |
من اتبع الصراط المستقيم, واهتدى بالشرع المبين, حصلت له السلامة في الدنيا | |
والآخرة. </p> | |
<p><h1>" إنا قد | |
أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " </h1></p> | |
<p>" إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا " أي: خبرنا من عند | |
الله, لا من عند أنفسنا " أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى | |
" أي: كذب بأخبار الله, وأخبار رسله, وتولى عن الانقياد لهم, واتباعهم. <br> | |
وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما, والترهيب من ضد ذلك. <br> | |
ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير, فأنكر ربه, وكفر, وجادل في ذلك, ظلما وعنادا. | |
</p> | |
<p><h1>" قال فمن | |
ربكما يا موسى " </h1></p> | |
<p>أي قال فرعون | |
لموسى على وجه الإنكار: " فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى " . <br> | |
فأجاب موسى بحواب شاف كاف واضح قال: " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ | |
خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات, وأعطى كل مخلوق | |
خلقه اللائق به, على حسن صنعه من خلقه, من كبر الجسم وصغره, وتوسطه, وجميع صفاته. <br> | |
" ثُمَّ هَدَى " كل مخلوق إلى ما خلقه له, وهذه الهداية الكاملة | |
المشاهدة في جميع المخلوقات. <br> | |
فكل مخلوق, تجده يسعى لما خلق له من المنافع, وفي دفع المضار عنه. <br> | |
حتى إن الله أعطى الحيوان البهيم, من العقل, ما يتمكن به به من ذلك. <br> | |
وهذا كقوله تعالى: " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " . <br> | |
فالذي خلق المخلوقات, وأعطاها خلقها الحسن, الذي لا تقترح العقول فوق حسنه, وهداها | |
لمصالحها, هو الرب على الحقيقة. <br> | |
فإنكاره, إنكار لأعظم الأشياء وجودا, وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب. <br> | |
فلو قدر أن الإنسان, أنكر من الأمور المعلومة, ما أنكر, كان إنكاره لرب العالمين, | |
أكبر من ذلك. </p> | |
<p><h1>" قال فما | |
بال القرون الأولى " </h1></p> | |
<p>ولهذا | |
لما لم يمكن فرعون, أن يعاند هذا الدليل القاطع, عدل إلى المشاغبة, وحاد عن | |
المقصود فقال لموسى: " فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى " . <br> | |
أي: ما شأنهم, وما خبرهم وكيف وصلت بهم الحال, وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر, | |
والظلم, والعناد, ولنا فيهم أسوة؟ </p> | |
<p><h1>" قال علمها | |
عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " </h1></p> | |
<p>فقال موسى: | |
" عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى | |
" أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر, وكتبه في كتابه, وهو اللوح المحفوظ, وأحاط | |
به علما وخبرا فلا يضل عن شيء منها, ولا ينسى ما علمه منها. <br> | |