<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الأنبياء - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون " </h1></p> | |
<p>هذا تعجب من حالة | |
الناس, وأنه لا ينجع فيهم تذكير, ولا يرعون إلى نذير, وأنهم قد قرب حسابهم, | |
ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة, والحال أنهم في غفلة معرضون أي: غفلة عما خلقوا | |
له, وإعراض عما زجروا به. <br> | |
كأنهم للدنيا خلقوا, وللتمتع بها ولدوا, وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير | |
والوعظ, ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم, ولهذا قال</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون " </h1> | |
<p>" مَا | |
يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ " يذكر ما ينفعهم, ويحثهم عليه وما يضرهم, ويرهبهم منه " | |
إِلَّا اسْتَمَعُوهُ " سماعا, تقوم عليهم به الحجة. <br> | |
" وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " أي: | |
قلوبهم غافلة معرضة بمطالبها الدنيوية وأبدانهم لاعبة, قد اشتغلوا بتناول الشهوات, | |
والعمل بالباطل, والأقوال الردية. <br> | |
مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة, تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه, | |
وتستمعه استماعا, تفقه المراد منه, وتسعى جوارحهم, في عبادة ربهم, التي خلقوا | |
لأجلها, ويجعلون القيامة والحساب, والجزاء منهم على بال. <br> | |
فبذلك يتم لهم أمرهم, وتستقيم أحوالهم, وتزكو أعمالهم. <br> | |
وفي معنى قوله " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ " قولان. | |
<br> | |
أحدهما أن هذه الأمة, هي آخر الأمم, ورسولها, آخر الرسل, وعلى أمته تقوم الساعة, | |
فقد قرب الحساب منها, بالنسبة لما قبلها من الأمم, لقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين, وقرن بين إصبعيه, السبابة والتي تليها | |
" . <br> | |
والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت, وأن من مات, قامت قيامته, ودخل في | |
دار الجزاء على الأعمال, وأن هذا تعجب من كل غافل معرض, لا يدري متى يفجأه الموت, | |
صباحا أو مساء. <br> | |
فهذه حالة الناس كلهم إلا من أدركته العناية الربانية, فاستعد للموت وما بعده. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم | |
أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " </h1> | |
<p>ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون, على | |
وجه العناد, ومقابلة الحق بالباطل, وأنهم تناجوا, وتواطأوا فيما بينهم, أن يقولوا | |
في الرسول صلى الله عليه وسلم, إنه بشر مثلكم, فما الذي فضله عليكم, وخصه من | |
بينكم. <br> | |
فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه, لكان قوله من جنس قوله. <br> | |
ولكنه يريد أن يتفضل عليكم, ويرأس فيكم, فلا تطيعوه, ولا تصدقوه. <br> | |
وأنه ساحر, وما جاء به من القرآن, سحر, فانفروا عنه, ونفروا الناس, وقولوا. <br> | |
" أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ " هذا, | |
وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما يشاهدون من الآيات الباهرة, ما لم يشاهده غيرهم, | |
ولكن حملهم على ذلك, الشقاء والظلم والعناد. <br> | |
والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به, وسيجازيهم عليه ولهذا قال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم " </h1> | |
<p>" | |
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ " الخفي | |
والجلي " فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " أي: في | |
جميع ما احتوت عليه أقطارهما " وَهُوَ السَّمِيعُ " لسائر | |
الأصوات, باختلاف اللغات, على تفنن الحاجات " الْعَلِيمُ | |
" بما في الضمائر, وأكنته السرائر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما | |
أرسل الأولون " </h1> | |
<p>يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم, وبما جاء به من | |
القرآن العظيم, وأنهم تقولوا فيه, وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة. <br> | |
فتارة يقولون " أضغاث أحلام " بمنزلة كلام النائم | |
الهاذي, الذي لا يحس بما يقول. <br> | |
وتارة يقولون " افتراه " واختلقه وتقوله من عند | |
نفسه. <br> | |
وتارة يقولون. <br> | |
إنه شاعر وما جاء به شعر. <br> | |
وكل من له أدنى معرفة بالواقع, من حالة الرسول, ونظر في هذا الذي جاء به, جزم جزما | |
لا يقبل الشك, أنه أجل الكلام وأعلاه, وأنه من عند الله, وأن أحدا من البشر, لا | |
يقدر على الإتيان بمثل بعضه. <br> | |
كما تحدى الله أعداءه بذلك, ليعارضوه مع توفر دواعيهم لمعارضته, وعداوته فلم | |
يقدروا على شيء من معارضته, وهم يعلمون ذلك. <br> | |
وإلا, فما الذي أقامهم, وأقعدهم؟ وأقض مضاجعهم, وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا | |
يقوم له شيء؟ وإنما يقولون هذه الأقوال فيه, حيث لم يؤمنوا به, تنفيرا عنه لمن لم | |
يعرفه. <br> | |
وهو أكبر الآيات المستمرة, الدالة على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, | |
وصدقه, وهو كاف شاف. <br> | |
فمن طلب دليلا غيره, أو اقترح آية من الآيات سواه, فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء | |
المعاندين الذين كذبوه, وطلبوا من الآيات الاقتراحية, ما هو أضر شيء عليهم. <br> | |
وليس لهم فيها مصلحة لأنهم إن كان قصدهم معرفة الحق إذا تبين دليله, فقد تبين | |
دليله بدونها. <br> | |
وإن كان قصدهم التعجيز وإقامة العذر لأنفسهم, إن لم يأت بما طلبوا فإنهم بهذه | |
الحالة - على فرض إتيان ما طلبوا من الآيات - لا يؤمنون قطعا, فلو جاءتهم كل آية, | |
لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. <br> | |
ولهذا قال الله عنهم: " فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ | |
الْأَوَّلُونَ " أي: كناقة صالح, وعصى موسى, ونحو ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون " </h1> | |
<p>قال الله: " مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ | |
أَهْلَكْنَاهَا " أي: بهذه الآيات المقترحة. <br> | |
وإنما سنته تقتضي أن من طلبها, ثم حصلت له لم يأمن أن يعاجله بالعقوبة. <br> | |
فالأولون ما آمنوا بها أفيؤمن هؤلاء بها؟ ما الذي فضلهم على أولئك وما الخير الذي | |
فيهم, يقتضي الإيمان عند وجودها؟ وهذا الاستفهام, يعني النفي, أي: لا يكون ذلك | |
منهم أبدا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن | |
كنتم لا تعلمون " </h1> | |
<p>هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين: هلا كان ملكا, لا يحتاج إلى | |
طعام وشراب, وتصرف في الأسواق؟ وهلا كان خالدا؟ فإذا لم يكن كذلك, دل على أنه ليس | |
برسول. <br> | |
وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل, تشابهوا في الكفر, فتشابهت أقوالهم. <br> | |
فأجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول, المقرين بإثبات الرسل قبله. <br> | |
ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام, الذي قد أقر بنبوته جميع الطوائف. <br> | |
والمشركون, يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم, | |
كلهم من البشر, الذين يأكلون الطعام, ويمشون في الأسواق, وتطرأ عليهم العوارض | |
البشرية, من الموت وغيره. <br> | |
وأن الله أرسلهم إلى قومهم وأممهم, فصدقهم من صدقهم, وكذبهم من كذبهم. <br> | |
وأن الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة, والسعادة لهم, ولأتباعهم, وأهلك المسرفين | |
المكذبين لهم. <br> | |
فما بال محمد صلى الله عليه وسلم, تقام الشبه الباطلة على إنكار رسالته وهي موجودة | |
في إخوانه المرسلين, الذين يقر بهم المكذبون لمحمد؟ فهذا إلزام لهم, في غاية | |
الوضوح. <br> | |
وأنهم إن أقروا برسول من البشر, ولن يقروا برسول من غير البشر, فإن شبههم باطلة, | |
قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها, وتناقضهم بها. <br> | |
فلو قدر انتقالهم هنا إلى إنكار نبوة البشر رأسا, وأنه لا يكون نبي إن لم يكن ملكا | |
مخلدا, لا يأكل الطعام, فقد أجاب الله عن هذه الشبهة بقوله: " | |
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ | |
الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ | |
رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " . <br> | |
وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة " قُلْ لَوْ | |
كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا | |
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا " . <br> | |
فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين " | |
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ " من الكتب السالفة, كأهل التوراة | |
والإنجيل, يخبرونكم بما عندهم من العلم, وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم. <br> | |
وهذه الآية وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين من أهل الذكر, وهم | |
أهل العلم, فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين, أصوله وفروعه, إذا لم يكن عند | |
الإنسان علم منها, أن يسأل من يعلمها. <br> | |
ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم. <br> | |
ولم يؤمر بسؤالهم, إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه. <br> | |
وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم, نهى عن سؤال المعروف بالجهل, وعدم العلم, | |
ونهى له أن يتصدى لذلك, وفي هذه الآية, دليل على أن النساء ليس منهن نبية, لا مريم | |
ولا غيرها, لقوله " إِلَّا رِجَالًا " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون " </h1> | |
<p>أي: لقد أنزلنا إليكم - أيها المرسل إليهم, محمد بن عبد الله ابن عبد | |
المطلب - كتابا جليلا, وقرآنا مبينا " فِيهِ ذِكْرُكُمْ | |
" أي شرفكم وفخركم, وارتفاعكم, إن تذكرتم به, ما فيه من الأخبار | |
الصادقة, فاعتقدتموها, وامتثلتم ما فيه من الأوامر, واجتنبتم ما فيه من النواهي, | |
وارتفع قدركم, وعظم أمركم. <br> | |
" أَفَلَا تَعْقِلُونَ " ما ينفعكم وما يضركم؟ | |
كيف لا تعملون على ما فيه ذكركم, وشرفكم في الدنيا والآخرة, فلو كان لكم عقل, | |
لسلكتم هذا السبيل. <br> | |
فلما لم تسلكوه, وسلكتم غيره, من الطرق, التي فيها ضعتكم. <br> | |
وخستكم في الدنيا والآخرة وشقاوتكم فيهما, علم أنه ليس لكم معقول صحيح, ولا رأي | |
رجيح. <br> | |
وهذه الآية, مصداقها ما وقع. <br> | |
فإن المؤمنين بالرسول, والذين تذكروا بالقرآن, من الصحابة, فمن بعدهم, حصل لهم من | |
الرفعة والعلو الباهر, والصيت العظيم, والشرف على الملوك, ما هو أمر معلوم لكل | |
أحد. <br> | |
كما أنه معلوم ما حصل, لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا, ولم يهتد, ولم يتزك به, من | |
المقت والضعة, والتدسية, والشقاوة, فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخره, إلا | |
بالتذكر بهذا الكتاب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين " </h1> | |
<p>يقول تعالى - محذرا لهؤلاء الظالمين, المكذبين للرسول, بما فعل بالأمم | |
المكذبة لغيره من الرسل - " وَكَمْ قَصَمْنَا " أي: | |
أهلكنا بعذاب مستأصل " مِنْ قَرْيَةٍ " تلفت عن | |
آخرها " وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ " وأن | |
هؤلاء المهلكين, لما أحسوا بعذاب الله وعقابه, وباشرهم نزوله, لم يمكن لهم الرجوع | |
ولا طريق إلى النزوع وإنما ضربوا الأرض بأرجلهم, ندما, وقلقا, وتحسروا على ما | |
فعلوا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون | |
" </h1> | |
<p>فقيل لهم على وجه التهكم بهم: " لَا تَرْكُضُوا | |
وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ | |
تُسْأَلُونَ " أي: لا يفيدكم الركوض والندم. <br> | |
ولكن إن كان لكم اقتدار, فارجعوا إلى ما أترفتم فيه, من اللذات, والمشتهيات, | |
ومساكنكم المزخرفات, ودنياكم التي غرتكم وألهتكم, حتى جاءكم أمر الله. <br> | |
فكونوا فيها متمكنين, وللذاتها جانين, وفي منازلكم مطمئنين معظمين, لعلكم أن | |
تكونوا مقصودين في أموركم, كما كنتم سابقا, مسئولين من مطالب الدنيا, كحالتم | |
الأولى, وهيهات, أين الأصول إلى هذا؟ وقد فات الوقت, وحل بهم العقاب والمقت, وذهب | |
عنهم عزهم, وشرفهم ودنياهم, وحضرهم ندمهم وتحسرهم؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين " </h1> | |
<p>ولهذا " قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا | |
ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ " . <br> | |
أي: الدعاء بالويل والثبور, والندم, والإقرار على أنفسهم بالظلم وأن الله عادل | |
فيما أحل بهم. <br> | |
" حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ " اى:. | |
<br> | |
بمنزلة النبات الذي قد حصد وأنيم. <br> | |
قد خمدت منهم الحركات, وسكنت منهم الأصوات. <br> | |
فاحذروا - أيها المخاطبون - أن تستمروا على تكذيب أشرف الرسل فيحل بكم كما حل | |
بأولئك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين " </h1> | |
<p>يخبر تعالى أنه ما خلق السماوات والأرض عبثا, ولا لعبا من غير فائدة بل | |
خلقها بالحق وللحق, ليستدل بها العباد على أنه الخالق العظيم, المدبر الحكيم, | |
الرحمن الرحيم, الذي له الكمال كله, والحمد كله, والعزة كلها. <br> | |
الصادق في قيله, الصادقة رسله, فيما تخبر عنه, وأن القادر على خلقهما مع سعتهما | |
وعظمهما, قادر على إعادة الأجساد بعد موتها, ليجازي المحسن بإحسانه, والمسيء | |
بإساءته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين " </h1> | |
<p>" لَوْ | |
أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا " على | |
الفرض والتقدير المحال " لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا | |
" أي: من عندنا " إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ " ولم | |
نطلعكم على ما فيه عبث ولهو, لأن ذلك نقص ومثل سوء, لا نحب أن نريه إياكم. <br> | |
فالسماوات والأرض اللذان بمرأى منكم على الدوام, لا يمكن أن. <br> | |
يكون القصد منها العبث واللهو. <br> | |
كل هذا تنزل مع العقول الصغيرة وإقناعها بجميع الوجوه المقنعة. <br> | |
فسبحان الحليم الرحيم, الحكيم, في تنزيله الأشياء منازلها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما | |
تصفون " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل. <br> | |
وإن كان باطل قيل وجودل به, فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان, ما يدمغه, | |
فيضمحل, ويتبين لكل أحد بطلانه " فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ " | |
. <br> | |
أي: مضمحل, فإن, وهذا عام في جميع المسائل الدينية, لا يورد مبطل, شبهة, عقلية ولا | |
نقلية, في إحقاق باطل, أو رد حق, إلا وفي أدلة الله, من القواطع العقلية والنقلية, | |
ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد. <br> | |
وهذا يتبين باستقراء المسائل, مسألة مسألة, فإنك تجدها كذلك, ثم قال: " وَلَكُمْ " أيها الواصفون الله, بما لا يليق به, من | |
اتخاذ الولد والصاحبة, ومن الأنداد والشركاء, حظكم من ذلك, ونصيبكم الذي تدركون به | |
" الْوَيْلُ " والندامة والخسران. <br> | |
ليس لكم مما قلتم فائدة, ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها, وتعملون لأجلها, وتسعون | |
في الوصول إليها, إلا عكس مقصودكم, وهو: الخيبة والحرمان. <br> | |
ثم أخبر أنه له ملك السماوات والأرض وما بينهما. <br> | |
فالكل عبيده ومماليكه, فليس لأحد منهم ملك ولا قسط من الملك, ولا معاونة عليه, ولا | |
يشفع إلا بإذن الله. <br> | |
فكيف يتخذ من هؤلاء آلهة وكيف يجعل الله منها ولد؟! </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا | |
يستحسرون " </h1> | |
<p>فتعالى وتقدس, المالك العظيم, الذي خضعت له الرقاب, وذلت له الصعاب, | |
وخشعت, له الملائكة المقربون, وأذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة, أجمعون. <br> | |
ولهذا قال: " وَمَنْ عِنْدَهُ " أي الملائكة " لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ | |
" أي: لا يملكون ولا يسأمون, لشدة رغبتهم, وكمال محبتهم, وقوة | |
أبدانهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يسبحون الليل والنهار لا يفترون " </h1> | |
<p>" | |
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ " أي: مستغرقين في العبادة والتسبيح في جميع أوقاتهم فليس في أوقاتهم وقت | |
فارغ ولا خال منها وهم على كثرتهم بهذه الصفة, وفي هذا من بيان عظمته وجلالة | |
سلطانه وكمال علمه وحكمته, ما يوجب أن لا يعبد إلا هو, ولا تصرف العبادة لغيره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون " </h1> | |
<p>لما بين تعالى كل اقتداره وعظمته, وخضوع كل شيء له, أنكر على المشركين | |
الذين اتخذوا من دون الله آلهة من الأرض, في غاية العجز وعدم القدرة " هُمْ يُنْشِرُونَ " . <br> | |
استفهام بمعنى النفي, أي: لا يقدرون على نشرهم وحشرهم, يفسرها قوله تعالى: " وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا | |
وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا | |
يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا " " وَاتَّخَذُوا | |
مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ | |
نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ " . <br> | |
فالمشرك يعبد المخلوق, الذي لا ينفع ولا يضر, ويدع الإخلاص لله, الذي له الكمال | |
كله وبيده الأمر والنفع والضر. <br> | |
وهذا من عدم توفيقه, وسوء حظه, وتوفر جهله, وشدة ظلمه. <br> | |
فإنه لا يصلح الوجود, إلا على إله واحد, كما أنه لم يوجد, إلا برب واحد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون | |
" </h1> | |
<p>ولهذا قال: " لَوْ كَانَ فِيهِمَا " أي: | |
في السماوات والأرض " آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا | |
" في ذاتهما, وفسد ما فيهما, من المخلوقات. <br> | |
وبيان ذلك: أن العالم العلوي والسفلي, على ما يرى, في أكمل ما يكون من الصلاح | |
والانتظام, الذي ما فيه خلل ولا عيب, ولا ممانعة, ولا معارضة. <br> | |
فدل ذلك, على أن مدبره واحد, وربه واحد, وإلهه واحد. <br> | |
فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك, لاختل نظامه, وتقوضت أركانه فإنهما | |
يتمانعان ويتعارضان. <br> | |
وإذا أراد أحدهما تدبير شيء, وأراد الآخر عدمه, فإنه محال وجود مرادهما معا. <br> | |
ووجود مراد أحدهما دون الآخر, يدل على عجز الآخر, وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد | |
واحد في جميع الأمور, غير ممكن. <br> | |
فإذا, يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده, من غير ممانع ولا مدافع, هو الله | |
الواحد القهار, ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله: " مَا | |
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ | |
كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ | |
عَمَّا يَصِفُونَ " . <br> | |
ومنه - على أحد التأويلين - قوله تعالى: " قُلْ لَوْ كَانَ | |
مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا | |
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا " . <br> | |
ولهذا قال هنا: " فَسُبْحَانَ اللَّهِ " أي: تنزه | |
وتقدس عن كل نقص لكماله وحده. <br> | |
" رَبُّ الْعَرْشِ " الذي هو سقف المخلوقات | |
وأوسعها, وأعظمها, فربوبية ما دونه من باب أولى. <br> | |
" عَمَّا يَصِفُونَ " أي: الجاحدون الكافرون, من | |
اتخاذ الولد والصاحبة, وأن يكون له شريك بوجه من الوجوه </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر | |
من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون " </h1> | |
<p>" لَا | |
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ " لعظمته وعزته, | |
وكمال قدرته, لا يقدر أحد أن يمانعه أو يعارضه, لا بقول, ولا بفعل. <br> | |
ولكمال حكمته ووضعه الأشياء مواضعها, وإتقانها, أحسن كل شيء يقدره العقل, فلا | |
يتوجه إليه سؤال, لأن خلقه ليس فيه خلل ولا إخلال. <br> | |
" وَهُمْ " أي: المخلوقين كلهم " | |
يَسْأَلُونَ " عن أفعالهم وأقوالهم, لعجزهم وفقرهم, ولكونهم عبيدا, قد | |
استحقت أفعالهم وحركاتهم فليس لهم من التصرف والتدبير في أنفسهم, ولا في غيرهم, | |
مثقال ذرة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا | |
فاعبدون " </h1> | |
<p>ثم رجع إلى تهجين حال المشركين, وأنهم اتخذوا من دونه آلهة فقل لهم | |
موبخا ومقرعا " أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ | |
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ " أي حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم إليه, ولن | |
يجدوا لذلك سبيلا بل قد قامت الأدلة القطعية على بطلانه, ولهذا قال: " هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي " أي: | |
قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم, من إبطال الشرك. <br> | |
فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء, بأدلته العقلية والنقلية. <br> | |
وهذه الكتب السابقة كلها, براهين وأدلة لما قلت. <br> | |
ولما علم أنهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا إليه, علم أنه لا | |
برهان لهم, لأن البرهان القاطع, يجزم أنه لا معارض له, وإلا لم يكن قطعيا. <br> | |
وإن وجد في معارضات, فإنها شبه لا تغني من الحق شيئا. <br> | |
وقوله " بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ " أي: | |
وإنما أقاموا على ما هم عليه, تقليدا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى. <br> | |
وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه, وإنما ذلك, لإعراضهم عنه. <br> | |
وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات, لتبين لهم الحق من الباطل تبينا واضحا جليا | |
ولهذا قال " فَهُمْ مُعْرِضُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " </h1> | |
<p>ولما حول تعالى على ذكر المتقدمين, وأمر بالرجوع إليهم في بيان هذه | |
المسألة, بينها أتم تبيين في قوله " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ | |
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا | |
فَاعْبُدُونِ " . <br> | |
فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم, زبدة رسالتهم وأصلها, الأمر بعبادة الله وحده | |
لا شريك له, وبيان أنه الإله الحق المعبود, وأن عبادة ما سواه, باطلة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين | |
للرسول, وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدا فقالوا: الملائكة بنات | |
الله, تعالى الله عن قولهم. <br> | |
وأخبر عن وصف الملائكة, بأنهم عبيد مربوبون مدبرون, ليس لهم من الأمر شيء. <br> | |
وإنما هم مكرمون عند الله, قد ألزمهم الله, وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته, وذلك | |
لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل, وأنهم في غاية الأدب مع الله, | |
والامتثال لأوامره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من | |
خشيته مشفقون " </h1> | |
<p>" لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ " أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة, حتى يقول الله, لكمال | |
أدبهم, وعلمهم بكمال حكمته وعلمه. <br> | |
" وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " أي: مهما | |
أمرهم, امتثلوا لأمره, ومهما دبرهم عليه, فعلوه. <br> | |
فلا يعصونه طرفة عين, ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله, ومع هذا, | |
فالله قد أحاط بهم علمه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي | |
الظالمين " </h1> | |
<p>" | |
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ " أي: أمورهم الماضية والمستقبلة, فلا خروج لهم عن علمه, كما لا خروج لهم | |
عن أمره وتدبيره. <br> | |
ومن جزئيات وصفهم, بأنهم لا يسبقونه بالقول, وأنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه | |
ورضاه, فإذا أذن لهم, وارتضى من يشفعون فيه, شفعوا فيه. <br> | |
ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل, إلا ما كان خالصا لوجهه, متبعا فيه الرسول. <br> | |
وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة, وأن الملائكة يشفعون. <br> | |
" وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ " أي: | |
خائفون وجلون, قد خضعوا لجلاله, وعنت وجوههم لعزه وجماله.</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما | |
وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " </h1> | |
<p>فلما بين أنه لا حق لهم في الألوهية, ولا | |
يستحقون شيئا من العبودية بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك - ذكر أيضا أنه لا | |
حظ لهم, من الألوهية, ولا بمجرد الدعوى, وأن من قال منهم: " | |
إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ " على سبيل الفرض والتنزل " | |
فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ " . <br> | |
وأي: ظلم أعظم من ادعاء المخلوق الناقص, الفقير إلى الله من جميع الوجوه مشاركته | |
الله في خصائص الإلهية والربوبية؟!! </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا | |
لعلهم يهتدون " </h1> | |
<p>أي: أو لم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم, وجحدوا الإخلاص له في | |
العبودية, ما يدلهم دلالة مشاهدة, على أنه الرب المحمود الكريم المعبود. <br> | |
فيشاهدون السماء والأرض فيجدونهما رتقا: هذه ليس فيها سحاب ولا مطر. <br> | |
وهذه هامدة ميتة, لا نبات فيها, ففتقناهما: السماء بالمطر, والأرض بالنبات. <br> | |
أليس الذي أوجد في السماء السحاب, بعد أن كان الجو صافيا لا قزعة فيه. <br> | |
وأودع فيه الماء الغزير, ثم ساقه إلى بلد ميت; قد أغبرت أرجاؤه, وقحط عنه ماؤه. <br> | |
فأمطره فيها, فاهتزت, وتحركت, وربت, وأنبتت من كل زوج بهيج, مختلف الأنواع, متعدد | |
المنافع. <br> | |
أليس ذلك دليلا على أنه الحق, وما سواه باطل, وأنه محيي الموتى, وأنه الرحمن | |
الرحيم؟ ولهذا قال " أَفَلَا يُؤْمِنُونَ " أي: | |
إيمانا صحيحا, ما فيه شك ولا شرك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون " </h1> | |
<p>ثم عدد تعالى الأدلة الأفقية فقال: " وَجَعَلْنَا | |
فِي الْأَرْضِ " إلى " فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ | |
" . <br> | |
أي: ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته, أنه لما كانت الأرض لا تستقر | |
إلا بالجبال, أرساها بها وأوتدها, لئلا تميد بالعباد, أي: لئلا تضطرب, فلا يتمكن | |
العباد من السكون فيها, ولا حرثها, ولا الاستقرار بها. <br> | |
فأرساها بالجبال, فحصل بسبب ذلك, من المصالح والمنافع, ما حصل. <br> | |
ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض, قد اتصلت اتصالا كثيرا جدا, فلو بقيت بحالها, | |
جبالا شامخات, وقللا باذخات, لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان. <br> | |
فمن حكمة الله ورحمته, أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا. <br> | |
أي: طرقا سهلة لا حزنة. <br> | |
لعلهم يهتدون إلى الوصول, إلى مطالبهم من البلدان. <br> | |
ولعهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون " </h1> | |
<p>" | |
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا " للأرض التي | |
أنتم عليها " مَحْفُوظًا " من السقوط " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا | |
" محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع. <br> | |
" وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ " أي: | |
غافلون لاهون,: هذا عام في جميع آيات السماء, من علوها, وسعتها, وعظمتها, ولونها | |
الحسن, وإتقانها العجيب, وغير ذلك من المشاهد فيها, من الكواكب الثوابت, | |
والسيارات, وشمسها, وقمرها النيرات, المتولد عنهما, الليل والنهار, وكونهما دائما | |
في فلكهما سابحين, وكذلك النجوم. <br> | |
فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد, والفصول, ويعرفون حساب عباداتهم | |
ومعاملاتهم, ويستريحون في ليلهم, ويهدأون ويسكنون وينتشرون في نهارهم, ويسعون في | |
معايشهم. <br> | |
كل هذه الأمور إذا تدبرها اللبيب, وأمعن فيها النظر, جزم حزما لا شك فيه, أن الله | |
جعلها مؤقتة في وقت معلوم, إلى أجل محتوم, يقضي العباد منها مآربهم, وتقوم بها | |
منافعهم, وليستمتعوا وينتفعوا. <br> | |
ثم بعد هذا, ستزول وتضمحل, ويفنيها الذي أوجدها, ويسكنها الذي حركها. <br> | |
وينتقل المكلفون إلى دار غير هذه الدار, يجدون فيها جزاء أعمالهم, كاملا موفرا | |
ويعلم أن المقصود من هذه الدار أن تكون مزرعة لدار القرار, وأنها منزل سفر, لا محل | |
إقامة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون | |
" </h1> | |
<p>لما كان أعداء الرسول يقولون " نَتَرَبَّصُ بِهِ | |
رَيْبَ الْمَنُونِ " قال الله تعالى: هذا طريق مسلوك ومعبد, منهوك, | |
فلم نجعل لبشر " مِنْ قَبْلِكَ " يا محمد " الْخُلْدِ " في الدنيا. <br> | |
فإذا مت, فسبيل أمثالك, من الرسل والأنبياء, والأولياء. <br> | |
" أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ " أي: فهل | |
إذا مت خلدوا بعدك. <br> | |
فليهنهم الخلود إذا, إن كان, وليس الأمر كذاك, بل كل من عليها فان. <br> | |
ولهذا قال: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ " وهذا | |
يشمل سائر نفوس الخلائق, وإنا هذا كأس لابد من شربه وإن طال بالعبد المدى, وعمر | |
سنين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر | |
آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون " </h1> | |
<p>ولكن الله تعالى, أوجد عباده في الدنيا, وأمرهم, ونهاهم, وابتلاهم | |
بالخير والشر, وبالغنى والفقر, والعز والذل والحياة والموت, فتنة منه تعالى " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " ومن يفتتن | |
عند مواقع الفتن ومن ينجو. <br> | |
" ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " فنجازيكم | |
بأعمالكم, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر " وَمَا رَبُّكَ | |
بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " . <br> | |
وهذه الآية, تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر, وأنه مخلد في الدنيا. <br> | |
فهو قول, لا دليل عليه, ومناقض للأدلة الشرعية. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون " </h1> | |
<p>وهذا من شدة كفرهم, فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه | |
وسلم, استهزأوا به وقالوا: " أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ | |
آلِهَتَكُمْ " . <br> | |
أي: هذا المحتقر بزعمهم, الذي يسب آلهتكم ويذمها, ويقع فيها, أي: فلا تبالوا به, | |
ولا تحتفلوا به. <br> | |
هذا استهزاؤهم واحتقارهم له, بما هو من كماله, فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله | |
ومكارمه, إخلاص العبادة لله, وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه, وذكر محله ومكانته. <br> | |
ولكن محل الازدراء والاستهزاء, هؤلاء الكفار, الذين جمعوا كل خلق ذميم. <br> | |
ولو لم يكن إلا كفرهم بربهم, وجحدهم لرسله فصاروا بذلك, من أخساء الخلق وأراذلهم, | |
ومع هذا, فذكرهم للرحمن, الذي هو أعلى حالاتهم, كافرون به, لأنهم لا يذكرونه ولا | |
يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك, فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: " وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ " وفي | |
ذكر اسمه " الرَّحْمَنِ " هنا, بيان لقباحة | |
حالهم, وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها, ودافع النقم الذي, ما بالعباد | |
من نعمة إلا منه, ولا يدفع السوء إلا هو- بالكفر والشرك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " </h1> | |
<p>" | |
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ " أي: خلق | |
عجولا, يبادر الأشياء, ويستعجل وقوعها. <br> | |
فالمؤمنون, يستعجلون عقوبة الله للكافرين, ويستبطئونها. <br> | |
والكافرون, يتولون ويستعجلون بالعذاب, تكذيبا وعنادا, ويقولون:</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن | |
ظهورهم ولا هم ينصرون " </h1> | |
<p>" | |
مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " والله تعالى, يمهل ولا يهمل ويحلم, ويجعل لهم أجلا مؤقتا " فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا | |
يَسْتَقْدِمُونَ " . <br> | |
ولهذا قال: " سَأُرِيكُمْ آيَاتِي " أي: في | |
انتقامي ممن كفر بي وعصاني " فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ " ذلك. | |
<br> | |
وكذلك الذين كفروا يقولون: " مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ | |
كُنْتُمْ صَادِقِينَ " قالوا هذا القول, اغترارا, ولما يحق عليهم | |
العقاب, وينزل بهم |