سورة الأنبياء - تفسير السعدي | |
| | |
" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون " | |
هذا تعجب من حالة | |
| الناس, وأنه لا ينجع فيهم تذكير, ولا يرعون إلى نذير, وأنهم قد قرب حسابهم, | |
| ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة, والحال أنهم في غفلة معرضون أي: غفلة عما خلقوا | |
| له, وإعراض عما زجروا به. | |
| كأنهم للدنيا خلقوا, وللتمتع بها ولدوا, وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير | |
| والوعظ, ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم, ولهذا قال | |
" ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون " | |
" مَا | |
| يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ " يذكر ما ينفعهم, ويحثهم عليه وما يضرهم, ويرهبهم منه " | |
| إِلَّا اسْتَمَعُوهُ " سماعا, تقوم عليهم به الحجة. | |
| " وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " أي: | |
| قلوبهم غافلة معرضة بمطالبها الدنيوية وأبدانهم لاعبة, قد اشتغلوا بتناول الشهوات, | |
| والعمل بالباطل, والأقوال الردية. | |
| مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة, تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه, | |
| وتستمعه استماعا, تفقه المراد منه, وتسعى جوارحهم, في عبادة ربهم, التي خلقوا | |
| لأجلها, ويجعلون القيامة والحساب, والجزاء منهم على بال. | |
| فبذلك يتم لهم أمرهم, وتستقيم أحوالهم, وتزكو أعمالهم. | |
| وفي معنى قوله " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ " قولان. | |
| أحدهما أن هذه الأمة, هي آخر الأمم, ورسولها, آخر الرسل, وعلى أمته تقوم الساعة, | |
| فقد قرب الحساب منها, بالنسبة لما قبلها من الأمم, لقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين, وقرن بين إصبعيه, السبابة والتي تليها | |
| " . | |
| والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت, وأن من مات, قامت قيامته, ودخل في | |
| دار الجزاء على الأعمال, وأن هذا تعجب من كل غافل معرض, لا يدري متى يفجأه الموت, | |
| صباحا أو مساء. | |
| فهذه حالة الناس كلهم إلا من أدركته العناية الربانية, فاستعد للموت وما بعده. | |
" لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم | |
| أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " | |
ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون, على | |
| وجه العناد, ومقابلة الحق بالباطل, وأنهم تناجوا, وتواطأوا فيما بينهم, أن يقولوا | |
| في الرسول صلى الله عليه وسلم, إنه بشر مثلكم, فما الذي فضله عليكم, وخصه من | |
| بينكم. | |
| فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه, لكان قوله من جنس قوله. | |
| ولكنه يريد أن يتفضل عليكم, ويرأس فيكم, فلا تطيعوه, ولا تصدقوه. | |
| وأنه ساحر, وما جاء به من القرآن, سحر, فانفروا عنه, ونفروا الناس, وقولوا. | |
| " أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ " هذا, | |
| وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما يشاهدون من الآيات الباهرة, ما لم يشاهده غيرهم, | |
| ولكن حملهم على ذلك, الشقاء والظلم والعناد. | |
| والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به, وسيجازيهم عليه ولهذا قال: | |
" قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم " | |
" | |
| قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ " الخفي | |
| والجلي " فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " أي: في | |
| جميع ما احتوت عليه أقطارهما " وَهُوَ السَّمِيعُ " لسائر | |
| الأصوات, باختلاف اللغات, على تفنن الحاجات " الْعَلِيمُ | |
| " بما في الضمائر, وأكنته السرائر. | |
" بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما | |
| أرسل الأولون " | |
يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم, وبما جاء به من | |
| القرآن العظيم, وأنهم تقولوا فيه, وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة. | |
| فتارة يقولون " أضغاث أحلام " بمنزلة كلام النائم | |
| الهاذي, الذي لا يحس بما يقول. | |
| وتارة يقولون " افتراه " واختلقه وتقوله من عند | |
| نفسه. | |
| وتارة يقولون. | |
| إنه شاعر وما جاء به شعر. | |
| وكل من له أدنى معرفة بالواقع, من حالة الرسول, ونظر في هذا الذي جاء به, جزم جزما | |
| لا يقبل الشك, أنه أجل الكلام وأعلاه, وأنه من عند الله, وأن أحدا من البشر, لا | |
| يقدر على الإتيان بمثل بعضه. | |
| كما تحدى الله أعداءه بذلك, ليعارضوه مع توفر دواعيهم لمعارضته, وعداوته فلم | |
| يقدروا على شيء من معارضته, وهم يعلمون ذلك. | |
| وإلا, فما الذي أقامهم, وأقعدهم؟ وأقض مضاجعهم, وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا | |
| يقوم له شيء؟ وإنما يقولون هذه الأقوال فيه, حيث لم يؤمنوا به, تنفيرا عنه لمن لم | |
| يعرفه. | |
| وهو أكبر الآيات المستمرة, الدالة على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, | |
| وصدقه, وهو كاف شاف. | |
| فمن طلب دليلا غيره, أو اقترح آية من الآيات سواه, فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء | |
| المعاندين الذين كذبوه, وطلبوا من الآيات الاقتراحية, ما هو أضر شيء عليهم. | |
| وليس لهم فيها مصلحة لأنهم إن كان قصدهم معرفة الحق إذا تبين دليله, فقد تبين | |
| دليله بدونها. | |
| وإن كان قصدهم التعجيز وإقامة العذر لأنفسهم, إن لم يأت بما طلبوا فإنهم بهذه | |
| الحالة - على فرض إتيان ما طلبوا من الآيات - لا يؤمنون قطعا, فلو جاءتهم كل آية, | |
| لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. | |
| ولهذا قال الله عنهم: " فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ | |
| الْأَوَّلُونَ " أي: كناقة صالح, وعصى موسى, ونحو ذلك. | |
" ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون " | |
قال الله: " مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ | |
| أَهْلَكْنَاهَا " أي: بهذه الآيات المقترحة. | |
| وإنما سنته تقتضي أن من طلبها, ثم حصلت له لم يأمن أن يعاجله بالعقوبة. | |
| فالأولون ما آمنوا بها أفيؤمن هؤلاء بها؟ ما الذي فضلهم على أولئك وما الخير الذي | |
| فيهم, يقتضي الإيمان عند وجودها؟ وهذا الاستفهام, يعني النفي, أي: لا يكون ذلك | |
| منهم أبدا. | |
" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن | |
| كنتم لا تعلمون " | |
هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين: هلا كان ملكا, لا يحتاج إلى | |
| طعام وشراب, وتصرف في الأسواق؟ وهلا كان خالدا؟ فإذا لم يكن كذلك, دل على أنه ليس | |
| برسول. | |
| وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل, تشابهوا في الكفر, فتشابهت أقوالهم. | |
| فأجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول, المقرين بإثبات الرسل قبله. | |
| ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام, الذي قد أقر بنبوته جميع الطوائف. | |
| والمشركون, يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم, | |
| كلهم من البشر, الذين يأكلون الطعام, ويمشون في الأسواق, وتطرأ عليهم العوارض | |
| البشرية, من الموت وغيره. | |
| وأن الله أرسلهم إلى قومهم وأممهم, فصدقهم من صدقهم, وكذبهم من كذبهم. | |
| وأن الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة, والسعادة لهم, ولأتباعهم, وأهلك المسرفين | |
| المكذبين لهم. | |
| فما بال محمد صلى الله عليه وسلم, تقام الشبه الباطلة على إنكار رسالته وهي موجودة | |
| في إخوانه المرسلين, الذين يقر بهم المكذبون لمحمد؟ فهذا إلزام لهم, في غاية | |
| الوضوح. | |
| وأنهم إن أقروا برسول من البشر, ولن يقروا برسول من غير البشر, فإن شبههم باطلة, | |
| قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها, وتناقضهم بها. | |
| فلو قدر انتقالهم هنا إلى إنكار نبوة البشر رأسا, وأنه لا يكون نبي إن لم يكن ملكا | |
| مخلدا, لا يأكل الطعام, فقد أجاب الله عن هذه الشبهة بقوله: " | |
| وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ | |
| الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ | |
| رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " . | |
| وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة " قُلْ لَوْ | |
| كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا | |
| عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا " . | |
| فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين " | |
| فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ " من الكتب السالفة, كأهل التوراة | |
| والإنجيل, يخبرونكم بما عندهم من العلم, وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم. | |
| وهذه الآية وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين من أهل الذكر, وهم | |
| أهل العلم, فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين, أصوله وفروعه, إذا لم يكن عند | |
| الإنسان علم منها, أن يسأل من يعلمها. | |
| ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم. | |
| ولم يؤمر بسؤالهم, إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه. | |
| وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم, نهى عن سؤال المعروف بالجهل, وعدم العلم, | |
| ونهى له أن يتصدى لذلك, وفي هذه الآية, دليل على أن النساء ليس منهن نبية, لا مريم | |
| ولا غيرها, لقوله " إِلَّا رِجَالًا " . | |
" لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون " | |
أي: لقد أنزلنا إليكم - أيها المرسل إليهم, محمد بن عبد الله ابن عبد | |
| المطلب - كتابا جليلا, وقرآنا مبينا " فِيهِ ذِكْرُكُمْ | |
| " أي شرفكم وفخركم, وارتفاعكم, إن تذكرتم به, ما فيه من الأخبار | |
| الصادقة, فاعتقدتموها, وامتثلتم ما فيه من الأوامر, واجتنبتم ما فيه من النواهي, | |
| وارتفع قدركم, وعظم أمركم. | |
| " أَفَلَا تَعْقِلُونَ " ما ينفعكم وما يضركم؟ | |
| كيف لا تعملون على ما فيه ذكركم, وشرفكم في الدنيا والآخرة, فلو كان لكم عقل, | |
| لسلكتم هذا السبيل. | |
| فلما لم تسلكوه, وسلكتم غيره, من الطرق, التي فيها ضعتكم. | |
| وخستكم في الدنيا والآخرة وشقاوتكم فيهما, علم أنه ليس لكم معقول صحيح, ولا رأي | |
| رجيح. | |
| وهذه الآية, مصداقها ما وقع. | |
| فإن المؤمنين بالرسول, والذين تذكروا بالقرآن, من الصحابة, فمن بعدهم, حصل لهم من | |
| الرفعة والعلو الباهر, والصيت العظيم, والشرف على الملوك, ما هو أمر معلوم لكل | |
| أحد. | |
| كما أنه معلوم ما حصل, لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا, ولم يهتد, ولم يتزك به, من | |
| المقت والضعة, والتدسية, والشقاوة, فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخره, إلا | |
| بالتذكر بهذا الكتاب. | |
" وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين " | |
يقول تعالى - محذرا لهؤلاء الظالمين, المكذبين للرسول, بما فعل بالأمم | |
| المكذبة لغيره من الرسل - " وَكَمْ قَصَمْنَا " أي: | |
| أهلكنا بعذاب مستأصل " مِنْ قَرْيَةٍ " تلفت عن | |
| آخرها " وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ " وأن | |
| هؤلاء المهلكين, لما أحسوا بعذاب الله وعقابه, وباشرهم نزوله, لم يمكن لهم الرجوع | |
| ولا طريق إلى النزوع وإنما ضربوا الأرض بأرجلهم, ندما, وقلقا, وتحسروا على ما | |
| فعلوا. | |
" لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون | |
| " | |
فقيل لهم على وجه التهكم بهم: " لَا تَرْكُضُوا | |
| وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ | |
| تُسْأَلُونَ " أي: لا يفيدكم الركوض والندم. | |
| ولكن إن كان لكم اقتدار, فارجعوا إلى ما أترفتم فيه, من اللذات, والمشتهيات, | |
| ومساكنكم المزخرفات, ودنياكم التي غرتكم وألهتكم, حتى جاءكم أمر الله. | |
| فكونوا فيها متمكنين, وللذاتها جانين, وفي منازلكم مطمئنين معظمين, لعلكم أن | |
| تكونوا مقصودين في أموركم, كما كنتم سابقا, مسئولين من مطالب الدنيا, كحالتم | |
| الأولى, وهيهات, أين الأصول إلى هذا؟ وقد فات الوقت, وحل بهم العقاب والمقت, وذهب | |
| عنهم عزهم, وشرفهم ودنياهم, وحضرهم ندمهم وتحسرهم؟ | |
" قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين " | |
ولهذا " قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا | |
| ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ " . | |
| أي: الدعاء بالويل والثبور, والندم, والإقرار على أنفسهم بالظلم وأن الله عادل | |
| فيما أحل بهم. | |
| " حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ " اى:. | |
| بمنزلة النبات الذي قد حصد وأنيم. | |
| قد خمدت منهم الحركات, وسكنت منهم الأصوات. | |
| فاحذروا - أيها المخاطبون - أن تستمروا على تكذيب أشرف الرسل فيحل بكم كما حل | |
| بأولئك. | |
" وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين " | |
يخبر تعالى أنه ما خلق السماوات والأرض عبثا, ولا لعبا من غير فائدة بل | |
| خلقها بالحق وللحق, ليستدل بها العباد على أنه الخالق العظيم, المدبر الحكيم, | |
| الرحمن الرحيم, الذي له الكمال كله, والحمد كله, والعزة كلها. | |
| الصادق في قيله, الصادقة رسله, فيما تخبر عنه, وأن القادر على خلقهما مع سعتهما | |
| وعظمهما, قادر على إعادة الأجساد بعد موتها, ليجازي المحسن بإحسانه, والمسيء | |
| بإساءته. | |
" لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين " | |
" لَوْ | |
| أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا " على | |
| الفرض والتقدير المحال " لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا | |
| " أي: من عندنا " إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ " ولم | |
| نطلعكم على ما فيه عبث ولهو, لأن ذلك نقص ومثل سوء, لا نحب أن نريه إياكم. | |
| فالسماوات والأرض اللذان بمرأى منكم على الدوام, لا يمكن أن. | |
| يكون القصد منها العبث واللهو. | |
| كل هذا تنزل مع العقول الصغيرة وإقناعها بجميع الوجوه المقنعة. | |
| فسبحان الحليم الرحيم, الحكيم, في تنزيله الأشياء منازلها. | |
" بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما | |
| تصفون " | |
يخبر تعالى, أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل. | |
| وإن كان باطل قيل وجودل به, فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان, ما يدمغه, | |
| فيضمحل, ويتبين لكل أحد بطلانه " فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ " | |
| . | |
| أي: مضمحل, فإن, وهذا عام في جميع المسائل الدينية, لا يورد مبطل, شبهة, عقلية ولا | |
| نقلية, في إحقاق باطل, أو رد حق, إلا وفي أدلة الله, من القواطع العقلية والنقلية, | |
| ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد. | |
| وهذا يتبين باستقراء المسائل, مسألة مسألة, فإنك تجدها كذلك, ثم قال: " وَلَكُمْ " أيها الواصفون الله, بما لا يليق به, من | |
| اتخاذ الولد والصاحبة, ومن الأنداد والشركاء, حظكم من ذلك, ونصيبكم الذي تدركون به | |
| " الْوَيْلُ " والندامة والخسران. | |
| ليس لكم مما قلتم فائدة, ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها, وتعملون لأجلها, وتسعون | |
| في الوصول إليها, إلا عكس مقصودكم, وهو: الخيبة والحرمان. | |
| ثم أخبر أنه له ملك السماوات والأرض وما بينهما. | |
| فالكل عبيده ومماليكه, فليس لأحد منهم ملك ولا قسط من الملك, ولا معاونة عليه, ولا | |
| يشفع إلا بإذن الله. | |
| فكيف يتخذ من هؤلاء آلهة وكيف يجعل الله منها ولد؟! | |
" وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا | |
| يستحسرون " | |
فتعالى وتقدس, المالك العظيم, الذي خضعت له الرقاب, وذلت له الصعاب, | |
| وخشعت, له الملائكة المقربون, وأذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة, أجمعون. | |
| ولهذا قال: " وَمَنْ عِنْدَهُ " أي الملائكة " لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ | |
| " أي: لا يملكون ولا يسأمون, لشدة رغبتهم, وكمال محبتهم, وقوة | |
| أبدانهم. | |
" يسبحون الليل والنهار لا يفترون " | |
" | |
| يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ " أي: مستغرقين في العبادة والتسبيح في جميع أوقاتهم فليس في أوقاتهم وقت | |
| فارغ ولا خال منها وهم على كثرتهم بهذه الصفة, وفي هذا من بيان عظمته وجلالة | |
| سلطانه وكمال علمه وحكمته, ما يوجب أن لا يعبد إلا هو, ولا تصرف العبادة لغيره. | |
" أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون " | |
لما بين تعالى كل اقتداره وعظمته, وخضوع كل شيء له, أنكر على المشركين | |
| الذين اتخذوا من دون الله آلهة من الأرض, في غاية العجز وعدم القدرة " هُمْ يُنْشِرُونَ " . | |
| استفهام بمعنى النفي, أي: لا يقدرون على نشرهم وحشرهم, يفسرها قوله تعالى: " وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا | |
| وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا | |
| يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا " " وَاتَّخَذُوا | |
| مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ | |
| نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ " . | |
| فالمشرك يعبد المخلوق, الذي لا ينفع ولا يضر, ويدع الإخلاص لله, الذي له الكمال | |
| كله وبيده الأمر والنفع والضر. | |
| وهذا من عدم توفيقه, وسوء حظه, وتوفر جهله, وشدة ظلمه. | |
| فإنه لا يصلح الوجود, إلا على إله واحد, كما أنه لم يوجد, إلا برب واحد. | |
" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون | |
| " | |
ولهذا قال: " لَوْ كَانَ فِيهِمَا " أي: | |
| في السماوات والأرض " آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا | |
| " في ذاتهما, وفسد ما فيهما, من المخلوقات. | |
| وبيان ذلك: أن العالم العلوي والسفلي, على ما يرى, في أكمل ما يكون من الصلاح | |
| والانتظام, الذي ما فيه خلل ولا عيب, ولا ممانعة, ولا معارضة. | |
| فدل ذلك, على أن مدبره واحد, وربه واحد, وإلهه واحد. | |
| فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك, لاختل نظامه, وتقوضت أركانه فإنهما | |
| يتمانعان ويتعارضان. | |
| وإذا أراد أحدهما تدبير شيء, وأراد الآخر عدمه, فإنه محال وجود مرادهما معا. | |
| ووجود مراد أحدهما دون الآخر, يدل على عجز الآخر, وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد | |
| واحد في جميع الأمور, غير ممكن. | |
| فإذا, يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده, من غير ممانع ولا مدافع, هو الله | |
| الواحد القهار, ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله: " مَا | |
| اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ | |
| كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ | |
| عَمَّا يَصِفُونَ " . | |
| ومنه - على أحد التأويلين - قوله تعالى: " قُلْ لَوْ كَانَ | |
| مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا | |
| سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا " . | |
| ولهذا قال هنا: " فَسُبْحَانَ اللَّهِ " أي: تنزه | |
| وتقدس عن كل نقص لكماله وحده. | |
| " رَبُّ الْعَرْشِ " الذي هو سقف المخلوقات | |
| وأوسعها, وأعظمها, فربوبية ما دونه من باب أولى. | |
| " عَمَّا يَصِفُونَ " أي: الجاحدون الكافرون, من | |
| اتخاذ الولد والصاحبة, وأن يكون له شريك بوجه من الوجوه | |
" أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر | |
| من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون " | |
" لَا | |
| يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ " لعظمته وعزته, | |
| وكمال قدرته, لا يقدر أحد أن يمانعه أو يعارضه, لا بقول, ولا بفعل. | |
| ولكمال حكمته ووضعه الأشياء مواضعها, وإتقانها, أحسن كل شيء يقدره العقل, فلا | |
| يتوجه إليه سؤال, لأن خلقه ليس فيه خلل ولا إخلال. | |
| " وَهُمْ " أي: المخلوقين كلهم " | |
| يَسْأَلُونَ " عن أفعالهم وأقوالهم, لعجزهم وفقرهم, ولكونهم عبيدا, قد | |
| استحقت أفعالهم وحركاتهم فليس لهم من التصرف والتدبير في أنفسهم, ولا في غيرهم, | |
| مثقال ذرة. | |
" وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا | |
| فاعبدون " | |
ثم رجع إلى تهجين حال المشركين, وأنهم اتخذوا من دونه آلهة فقل لهم | |
| موبخا ومقرعا " أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ | |
| هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ " أي حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم إليه, ولن | |
| يجدوا لذلك سبيلا بل قد قامت الأدلة القطعية على بطلانه, ولهذا قال: " هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي " أي: | |
| قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم, من إبطال الشرك. | |
| فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء, بأدلته العقلية والنقلية. | |
| وهذه الكتب السابقة كلها, براهين وأدلة لما قلت. | |
| ولما علم أنهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا إليه, علم أنه لا | |
| برهان لهم, لأن البرهان القاطع, يجزم أنه لا معارض له, وإلا لم يكن قطعيا. | |
| وإن وجد في معارضات, فإنها شبه لا تغني من الحق شيئا. | |
| وقوله " بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ " أي: | |
| وإنما أقاموا على ما هم عليه, تقليدا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى. | |
| وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه, وإنما ذلك, لإعراضهم عنه. | |
| وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات, لتبين لهم الحق من الباطل تبينا واضحا جليا | |
| ولهذا قال " فَهُمْ مُعْرِضُونَ " . | |
" وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " | |
ولما حول تعالى على ذكر المتقدمين, وأمر بالرجوع إليهم في بيان هذه | |
| المسألة, بينها أتم تبيين في قوله " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ | |
| قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا | |
| فَاعْبُدُونِ " . | |
| فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم, زبدة رسالتهم وأصلها, الأمر بعبادة الله وحده | |
| لا شريك له, وبيان أنه الإله الحق المعبود, وأن عبادة ما سواه, باطلة. | |
" لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " | |
يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين | |
| للرسول, وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدا فقالوا: الملائكة بنات | |
| الله, تعالى الله عن قولهم. | |
| وأخبر عن وصف الملائكة, بأنهم عبيد مربوبون مدبرون, ليس لهم من الأمر شيء. | |
| وإنما هم مكرمون عند الله, قد ألزمهم الله, وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته, وذلك | |
| لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل, وأنهم في غاية الأدب مع الله, | |
| والامتثال لأوامره. | |
" يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من | |
| خشيته مشفقون " | |
" لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ " أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة, حتى يقول الله, لكمال | |
| أدبهم, وعلمهم بكمال حكمته وعلمه. | |
| " وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " أي: مهما | |
| أمرهم, امتثلوا لأمره, ومهما دبرهم عليه, فعلوه. | |
| فلا يعصونه طرفة عين, ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله, ومع هذا, | |
| فالله قد أحاط بهم علمه. | |
" ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي | |
| الظالمين " | |
" | |
| يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ " أي: أمورهم الماضية والمستقبلة, فلا خروج لهم عن علمه, كما لا خروج لهم | |
| عن أمره وتدبيره. | |
| ومن جزئيات وصفهم, بأنهم لا يسبقونه بالقول, وأنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه | |
| ورضاه, فإذا أذن لهم, وارتضى من يشفعون فيه, شفعوا فيه. | |
| ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل, إلا ما كان خالصا لوجهه, متبعا فيه الرسول. | |
| وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة, وأن الملائكة يشفعون. | |
| " وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ " أي: | |
| خائفون وجلون, قد خضعوا لجلاله, وعنت وجوههم لعزه وجماله. | |
" أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما | |
| وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " | |
فلما بين أنه لا حق لهم في الألوهية, ولا | |
| يستحقون شيئا من العبودية بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك - ذكر أيضا أنه لا | |
| حظ لهم, من الألوهية, ولا بمجرد الدعوى, وأن من قال منهم: " | |
| إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ " على سبيل الفرض والتنزل " | |
| فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ " . | |
| وأي: ظلم أعظم من ادعاء المخلوق الناقص, الفقير إلى الله من جميع الوجوه مشاركته | |
| الله في خصائص الإلهية والربوبية؟!! | |
" وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا | |
| لعلهم يهتدون " | |
أي: أو لم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم, وجحدوا الإخلاص له في | |
| العبودية, ما يدلهم دلالة مشاهدة, على أنه الرب المحمود الكريم المعبود. | |
| فيشاهدون السماء والأرض فيجدونهما رتقا: هذه ليس فيها سحاب ولا مطر. | |
| وهذه هامدة ميتة, لا نبات فيها, ففتقناهما: السماء بالمطر, والأرض بالنبات. | |
| أليس الذي أوجد في السماء السحاب, بعد أن كان الجو صافيا لا قزعة فيه. | |
| وأودع فيه الماء الغزير, ثم ساقه إلى بلد ميت; قد أغبرت أرجاؤه, وقحط عنه ماؤه. | |
| فأمطره فيها, فاهتزت, وتحركت, وربت, وأنبتت من كل زوج بهيج, مختلف الأنواع, متعدد | |
| المنافع. | |
| أليس ذلك دليلا على أنه الحق, وما سواه باطل, وأنه محيي الموتى, وأنه الرحمن | |
| الرحيم؟ ولهذا قال " أَفَلَا يُؤْمِنُونَ " أي: | |
| إيمانا صحيحا, ما فيه شك ولا شرك. | |
" وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون " | |
ثم عدد تعالى الأدلة الأفقية فقال: " وَجَعَلْنَا | |
| فِي الْأَرْضِ " إلى " فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ | |
| " . | |
| أي: ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته, أنه لما كانت الأرض لا تستقر | |
| إلا بالجبال, أرساها بها وأوتدها, لئلا تميد بالعباد, أي: لئلا تضطرب, فلا يتمكن | |
| العباد من السكون فيها, ولا حرثها, ولا الاستقرار بها. | |
| فأرساها بالجبال, فحصل بسبب ذلك, من المصالح والمنافع, ما حصل. | |
| ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض, قد اتصلت اتصالا كثيرا جدا, فلو بقيت بحالها, | |
| جبالا شامخات, وقللا باذخات, لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان. | |
| فمن حكمة الله ورحمته, أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا. | |
| أي: طرقا سهلة لا حزنة. | |
| لعلهم يهتدون إلى الوصول, إلى مطالبهم من البلدان. | |
| ولعهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان. | |
" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون " | |
" | |
| وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا " للأرض التي | |
| أنتم عليها " مَحْفُوظًا " من السقوط " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا | |
| " محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع. | |
| " وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ " أي: | |
| غافلون لاهون,: هذا عام في جميع آيات السماء, من علوها, وسعتها, وعظمتها, ولونها | |
| الحسن, وإتقانها العجيب, وغير ذلك من المشاهد فيها, من الكواكب الثوابت, | |
| والسيارات, وشمسها, وقمرها النيرات, المتولد عنهما, الليل والنهار, وكونهما دائما | |
| في فلكهما سابحين, وكذلك النجوم. | |
| فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد, والفصول, ويعرفون حساب عباداتهم | |
| ومعاملاتهم, ويستريحون في ليلهم, ويهدأون ويسكنون وينتشرون في نهارهم, ويسعون في | |
| معايشهم. | |
| كل هذه الأمور إذا تدبرها اللبيب, وأمعن فيها النظر, جزم حزما لا شك فيه, أن الله | |
| جعلها مؤقتة في وقت معلوم, إلى أجل محتوم, يقضي العباد منها مآربهم, وتقوم بها | |
| منافعهم, وليستمتعوا وينتفعوا. | |
| ثم بعد هذا, ستزول وتضمحل, ويفنيها الذي أوجدها, ويسكنها الذي حركها. | |
| وينتقل المكلفون إلى دار غير هذه الدار, يجدون فيها جزاء أعمالهم, كاملا موفرا | |
| ويعلم أن المقصود من هذه الدار أن تكون مزرعة لدار القرار, وأنها منزل سفر, لا محل | |
| إقامة. | |
" كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون | |
| " | |
لما كان أعداء الرسول يقولون " نَتَرَبَّصُ بِهِ | |
| رَيْبَ الْمَنُونِ " قال الله تعالى: هذا طريق مسلوك ومعبد, منهوك, | |
| فلم نجعل لبشر " مِنْ قَبْلِكَ " يا محمد " الْخُلْدِ " في الدنيا. | |
| فإذا مت, فسبيل أمثالك, من الرسل والأنبياء, والأولياء. | |
| " أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ " أي: فهل | |
| إذا مت خلدوا بعدك. | |
| فليهنهم الخلود إذا, إن كان, وليس الأمر كذاك, بل كل من عليها فان. | |
| ولهذا قال: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ " وهذا | |
| يشمل سائر نفوس الخلائق, وإنا هذا كأس لابد من شربه وإن طال بالعبد المدى, وعمر | |
| سنين. | |
" وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر | |
| آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون " | |
ولكن الله تعالى, أوجد عباده في الدنيا, وأمرهم, ونهاهم, وابتلاهم | |
| بالخير والشر, وبالغنى والفقر, والعز والذل والحياة والموت, فتنة منه تعالى " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " ومن يفتتن | |
| عند مواقع الفتن ومن ينجو. | |
| " ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " فنجازيكم | |
| بأعمالكم, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر " وَمَا رَبُّكَ | |
| بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " . | |
| وهذه الآية, تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر, وأنه مخلد في الدنيا. | |
| فهو قول, لا دليل عليه, ومناقض للأدلة الشرعية. | |
" خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون " | |
وهذا من شدة كفرهم, فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه | |
| وسلم, استهزأوا به وقالوا: " أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ | |
| آلِهَتَكُمْ " . | |
| أي: هذا المحتقر بزعمهم, الذي يسب آلهتكم ويذمها, ويقع فيها, أي: فلا تبالوا به, | |
| ولا تحتفلوا به. | |
| هذا استهزاؤهم واحتقارهم له, بما هو من كماله, فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله | |
| ومكارمه, إخلاص العبادة لله, وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه, وذكر محله ومكانته. | |
| ولكن محل الازدراء والاستهزاء, هؤلاء الكفار, الذين جمعوا كل خلق ذميم. | |
| ولو لم يكن إلا كفرهم بربهم, وجحدهم لرسله فصاروا بذلك, من أخساء الخلق وأراذلهم, | |
| ومع هذا, فذكرهم للرحمن, الذي هو أعلى حالاتهم, كافرون به, لأنهم لا يذكرونه ولا | |
| يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك, فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: " وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ " وفي | |
| ذكر اسمه " الرَّحْمَنِ " هنا, بيان لقباحة | |
| حالهم, وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها, ودافع النقم الذي, ما بالعباد | |
| من نعمة إلا منه, ولا يدفع السوء إلا هو- بالكفر والشرك. | |
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " | |
" | |
| خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ " أي: خلق | |
| عجولا, يبادر الأشياء, ويستعجل وقوعها. | |
| فالمؤمنون, يستعجلون عقوبة الله للكافرين, ويستبطئونها. | |
| والكافرون, يتولون ويستعجلون بالعذاب, تكذيبا وعنادا, ويقولون: | |
" لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن | |
| ظهورهم ولا هم ينصرون " | |
" | |
| مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " والله تعالى, يمهل ولا يهمل ويحلم, ويجعل لهم أجلا مؤقتا " فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا | |
| يَسْتَقْدِمُونَ " . | |
| ولهذا قال: " سَأُرِيكُمْ آيَاتِي " أي: في | |
| انتقامي ممن كفر بي وعصاني " فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ " ذلك. | |
| وكذلك الذين كفروا يقولون: " مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ | |
| كُنْتُمْ صَادِقِينَ " قالوا هذا القول, اغترارا, ولما يحق عليهم | |
| العقاب, وينزل بهم أكثر المصاحف تفاعلاً |