<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة الفرقان - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا | |
" </h1></p> | |
<p>هذا بيان لعظمته | |
الكاملة, وتفرده بالوحدانية من كل وجه, وكثرة خيراته وإحسانه, فقال: " | |
تَبَارَكَ " أي: تعاظم, وكملت أوصافه, وكثرت خيراته, الذي من أعظم خيراته | |
ونعمه, أن " نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ " الفارق بين الحلال والحرام, | |
والهدى والضلال, وأهل السعادة من أهل الشقاوة. <br> | |
" عَلَى عَبْدِهِ " محمد صلى الله عليه وسلم الذي كمل مراتب العبودية, | |
وفاق جميع المرسلين. <br> | |
" لِيَكُونَ " ذلك الإنزال للفرقان على عبده " لِلْعَالَمِينَ | |
نَذِيرًا " . <br> | |
ينذرهم بأس الله ونقمه, ويبين لهم, مواقع رضا الله من سخطه. <br> | |
حتى إن من قبل نذارته, وعمل بها, كان من الناجين في الدنيا والآخرة, الذين حصلت | |
لهم السعادة الأبدية, والملك السرمدي. <br> | |
فهل فوق هذه النعمة, وهذا الفضل والإحسان, شيء؟ فتبارك الذي هذا بعض إحسانه | |
وبركاته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في | |
الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا " </h1> | |
<p>" | |
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أى: له التصرف فيهما وحده, وجميع من فيهما, مماليك وعبيد له, مذعنون | |
لعظمته, خاضعون لربوبيته, فقراء إلى رحمته, الذي " لَمْ | |
يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ " . <br> | |
وكيف يكون له ولد, أو شريك, وهو المالك, وغيره مملوك, وهو القاهر, وغيره مقهور, | |
وهو الغني بذاته, من جميع الوجوه, والمخلوقون, مفتقرون إليه, فقراء من جميع | |
الوجوه؟!! وكيف يكون له شريك في الملك, ونواصي العباد كلهم بيديه, فلا يتحركون أو | |
يسكنون, ولا يتصرفون, إلا بإذنه, فتعالى الله عن ذلك, علوا كبيرا. <br> | |
فلم يقدره حق قدره, من قال فيه ذلك, ولهذا قال: " وَخَلَقَ | |
كُلَّ شَيْءٍ " شمل العالم العلوي, والعالم السفلي, من حيواناته, | |
ونباتاته, وجماداته. <br> | |
" فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا " أي: أعطى كل مخلوق | |
منها, ما يليق به, ويناسبه من الخلق, وما تقتضيه حكمته من ذلك, بحيث صار كل مخلوق, | |
لا يتصور العقل الصحيح, أن يكون بخلاف شكله, وصورته المشاهدة. <br> | |
بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد, لا يناسبه غير محله, الذي هو فيه. <br> | |
قال تعالى: " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي | |
خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى " . <br> | |
وقال تعالى: " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ | |
خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون | |
لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا " </h1> | |
<p>ولما بين كماله وعظمته, وكثرة إحسانه, كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده, | |
المحبوب المألوه, المعظم, المفرد بالإخلاص وحده, لا شريك له - ناسب أن يذكر بطلان | |
عبادة ما سواه فقال: " وَاتَّخِذُوا " إلى قوله " وَلَا نُشُورًا " . <br> | |
أي: من أعجب العجائب, وأول الدليل على سفههم, ونقص عقولهم. <br> | |
بل أدل على ظلمهم, وجراءتهم على ربهم, أن اتخذوا آلهة بهذه الصفة وبلغ من عجزها, | |
أنها لا تقدر على خلق شيء, بل هم مخلوقون, بل بعضهم مما عملته أيديهم. <br> | |
" وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا | |
" أي: لا قليلا ولا كثيرا, لأنه نكرة في سياق النفي فتعم. <br> | |
" وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا | |
" أي: بعثا بعد الموت. <br> | |
فأعظم أحكام العقل, بطلان إلهيتها, وفسادها, وفساد عقل من اتخذها آلهة, وشركاء | |
للخالق لسائر المخلوقات, من غير مشاركة له, في ذلك الذي بيده النفع والضر, والعطاء | |
والمنع, الذي يحيي ويميت, ويبعث من في القبور, ويجمعهم يوم النشور. <br> | |
وقد جعل لهم دارين, دار الشقاء, والخزي, والنكال, لمن اتخذ معه آلهة أخرى. <br> | |
ودار الفوز والسعادة, والنعيم المقيم, لمن اتخذه وحده, معبودا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون | |
فقد جاءوا ظلما وزورا " </h1> | |
<p>ولما قرر بالدليل القاطع الواضح, صحة | |
التوحيد وبطلان ضده, قرر صحة الرسالة, وبطلان قول من عارضها واعترضها فقال: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا " إلى " | |
إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " . <br> | |
أي: وقال الكافرون بالله, الذي أوجب لهم كفرهم, أن قالوا في القرآن والرسول: إن | |
هذا القرآن كذب, كذبه محمد, وإفك, افتراه على الله, وأعانه على ذلك قوم آخرون. <br> | |
فرد الله عليهم ذلك, بأن هذا مكابرة منهم, وإقدام على الظلم والزور, الذي لا يمكن, | |
أن يدخل عقل أحد, وهم أشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم, وكمال | |
صدقه, وأمانته, وبره التام, وأنه لا يمكنه, لا هو, ولا سائر الخلق, أن يأتوا بهذا | |
القرآن, الذي هو أجل الكلام وأعلاه, وأنه لم يجتمع بأحد يعينه, على ذلك, فقد جاءوا | |
بهذا القول ظلما وزورا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا | |
" </h1> | |
<p>ومن جملة أقاويلهم فيه, أن قالوا: هذا الذي | |
جاء به محمد " أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا " أي: | |
هذا قصص الأولين وأساطيرهم, التي تتلقاها الأفواه, وينقلها كل أحد, استنسخها محمد " فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " وهذا | |
القول منهم, فيه عدة عظائم: منها: رميهم الرسول, الذي هو أبر الناس وأصدقهم, | |
بالكذب, والجرأة العظيمة. <br> | |
ومنها: إخبار عن هذا القرآن, الذي هو أصدق الكلام وأعظمه, وأجله, بأنه كذب | |
وافتراء. <br> | |
ومنها: أن في ضمن ذلك, أنهم قادرون أن يأتوا بمثله, وأن يضاهي المخلوق الناقص من | |
كل وجه, للخالق الكامل من كل وجه, بصفة من صفاته, وهي الكلام. <br> | |
ومنها: أن الرسول, قد علمت حاله, وهم أشد الناس علما بها, أنه لا يكتب, ولا يجتمع | |
بمن يكتب له, وقد زعموا ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا | |
رحيما " </h1> | |
<p>فلذلك رد عليهم ذلك بقوله " قُلْ أَنْزَلَهُ | |
الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي: أنزله | |
من أحاط علمه بما في السماوات, وما في الأرض, من الغيب والشهادة, والجهر والسر, | |
لقوله: " وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ | |
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ " . | |
<br> | |
ووجه إقامة الحجة عليهم, أن الذي أنزله, هو المحيط علمه بكل شيء فيستحيل ويمتنع, | |
أن يقول مخلوق, ويتقول عليه, هذا القرآن, ويقول: هو من عند الله, وما هو من عنده, | |
ويستحل دماء من خالفه, وأموالهم, ويزعم أن الله قال له ذلك. <br> | |
والله يعلم كل شيء, ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على أعدائه, ويمكنه من رقابهم | |
وبلادهم, فلا يمكن أحدا أن ينكر هذا القرآن, إلا بعد إنكار علم الله. <br> | |
وهذا لا تقول به طائفة من بني آدم, سوى الفلاسفة الدهرية. <br> | |
وأيضا, فإن ذكر علمه تعالى العام, ينبههم,: ويحضهم على تدبر القرآن, وأنهم لو | |
تدبروا, لرأوا فيه, من علمه وأحكامه, ما يدل دلالة قاطعة, على أنه لا يكون إلا من | |
عالم الغيب والشهادة. <br> | |
ومع إنكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم, أنه لم يدعهم وظلمهم, بل دعاهم إلى | |
التوبة والإنابة إليه, ووعدهم بالمغفرة والرحمة, إن هم تابوا, ورجعوا فقال: " إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا " أي: وصفه المغفرة, لأهل | |
الجرائم والذنوب, إذا فعلوا أسباب المغفرة, وهي: الرجوع عن معاصيه, والتوبة منها. <br> | |
" رَحِيمًا " بهم, حيث لم يعاجلهم بالعقوبة, وقد | |
فعلوا مقتضاها. <br> | |
وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي, وحيث محا, ما سلف من سيئاتهم, وحيث قبل حسناتهم, | |
وحيث أعاد الراجع إليه بعد شروده, والمقبل عليه بعد إعراضه, إلى حالة المطيعين | |
المنيبين إليه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل | |
إليه ملك فيكون معه نذيرا " </h1> | |
<p>هذا من مقالة المكذبين للرسول, الذين قدحوا في رسالته. <br> | |
وهو: أنهم اعترضوا بأنه, هلا كان ملكا أو ملكا, أو يساعده ملك, فقالوا: " مَالِ هَذَا الرَّسُولِ " أي: ما لهذا الذي ادعى | |
الرسالة؟ تهكما منهم واستهزاء. <br> | |
" يَأْكُلُ الطَّعَامَ " وهذا من خصائص البشر, | |
فهلا كان ملكا, لا يأكل الطعام, ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر. <br> | |
" وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ " البيع والشراء, | |
وهذا - بزعهم - لا يليق بمن يكون رسولا. <br> | |
مع أن الله قال: " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ | |
الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي | |
الْأَسْوَاقِ " . <br> | |
" لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ " أي: هلا | |
أنزل معه ملك يساعده ويعاونه. <br> | |
" فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا " وبزعمهم أنه غير | |
كاف للرسالة, ولا بطوقه وقدرته القيام بها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن | |
تتبعون إلا رجلا مسحورا " </h1> | |
<p>" أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ " أي: مال مجموع من غير تعب. <br> | |
" أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا " فيستغني | |
بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق. <br> | |
" وَقَالَ الظَّالِمُونَ " حملهم على القول, | |
ظلمهم لا اشتباه منهم. <br> | |
" إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا " هذا, | |
وقد علموا كمال عقله, وحسن حديثه, وسلامته من جميع المطاعن. <br> | |
ولما كانت هذه الأقوال منهم, عجيبة جدا, قال تعالى: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " </h1> | |
<p>" | |
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ " وهي: هل كان ملكا, وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك, لأنه غير قادر | |
على ما قال, أو أنزل عليه كنز, أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق, أو أنه | |
كان مسحورا. <br> | |
" فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا " قالوا: | |
أقوالا متناقضة, كلها جهل, وضلال, وسفه, ليس في شيء منها هداية, بل ولا في شيء | |
منها أدنى شبهة, تقدح في الرسالة. <br> | |
فبمجرد النظر إليها وتصورها, يجزم العاقل ببطلانها, ويكفيه عن ردها. <br> | |
ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها, وتدبرها, والنظر: هل توجب التوقف عن الجزم للرسول | |
بالرسالة والصدق؟ ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيه خيرا كثيرا في الدنيا فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها | |
الأنهار ويجعل لك قصورا " </h1> | |
<p>" | |
تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ " أي: خيرا مما قالوا. <br> | |
ثم فسره بقوله: " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ | |
وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا " مرتفعة مزخرفة. <br> | |
فقدرته ومشيئته, لا تقصر عن ذلك, ولكنه تعالى - لما كانت الدنيا عنده في غاية | |
البعد والحقارة - أعطى منها أولياءه ورسله, ما اقتضته حكمته منها. <br> | |
واقتراح أعدائهم بأنهم, هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا, ظلم وجراءة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا " </h1> | |
<p>ولما كانت تلك الأقوال, التي قالوها, معلومة | |
الفساد, وأخبر تعالى أنها لم تصدر منهم لطلب الحق, ولا لاتباع البرهان, وإنما صدرت | |
منهم تعنتا وظلما, وتكذيبا بالحق, قالوا ما في قلوبهم من ذلك, ولهذا قال: " بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ " . <br> | |
والمكذب المتعنت, الذي ليس له قصد في اتباع الحق, لا سبيل إلى هدايته, ولا حيلة في | |
مجادلته وإنما له حيلة واحدة, وهي نزول العذاب به, فلهذا قال: " | |
وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا " أي: نارا | |
عظيمة, قد اشتد سعيرها, وتغيظت على أهلها, واشتد زفيرها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا " </h1> | |
<p>" إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ " أي: قبل وصولهم, ووصولها إليهم " سَمِعُوا لَهَا | |
تَغَيُّظًا " عليهم " وَزَفِيرًا " تقلق | |
منهم الأفئدة, وتتصدع القلوب, ويكاد الواحد منهم, يموت خوفا منها, وذعرا, قد غضبت | |
عليهم, لغضب خالقها, وقد زاد لهبها, لزيادة كفرهم وشرهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا " </h1> | |
<p>" وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ | |
" أي: وقت عذابهم, وهم في وسطها, جمع في مكان | |
بين ضيق المكان, وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والأغلال. <br> | |
فإذا وصلوا لذلك المكان النحس, وحبسوا في أشر حبس " دَعَوْا | |
هُنَالِكَ ثُبُورًا " دعوا على أنفسهم بالثبور, والخزي والفضيحة, | |
وعلموا أنهم ظالمون معتدون, قد عدل فيهم الخالق, حيث أنزلهم بأعمالهم هذا المنزل, | |
وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم, ولا مغنية من عذاب الله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " </h1> | |
<p>بل يقال لهم: " لَا | |
تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا " أي: | |
لو زاد ما قلتم أضعاف أضعافه, ما أفادكم إلا الهم, والغم, والحزن. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء | |
ومصيرا " </h1> | |
<p>لما بين جزاء الظالمين, ناسب أن يذكر جزاء المتقين فقال: " قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ " إلى " | |
وَعْدًا مَسْئُولًا " . <br> | |
أي: قل لهم - مبينا لسفاهة رأيهم, واختيارهم الضار على النافع - " | |
أَذَلِكَ " الذي وضعت لكم من العذاب " خَيْرٌ | |
أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ " التي زادها | |
تقوى الله, فمن قام بالتقوى, فالله قد وعده إياها. <br> | |
" كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً " على تقواهم " وَمَصِيرًا " موئلا يرجعون إليها, ويستقرون فيها, | |
ويخلدون دائما أبدا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا " </h1> | |
<p>" | |
لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ " أي ما يطلبون | |
وتتعلق به أمانيهم ومشيئتهم, من المطاعم, والمشارب اللذيذة, والملابس الفاخرة, | |
والنساء الجميلات, والقصور العاليات, والجنات, والحدائق المرجحنة والفواكه, التي | |
تسر ناظريها وآكليها, من حسنها, وتنوعها, وكثرة أصنافها, والأنهار التي تجري في | |
رياض الجنة, وبساتينها, حيث شاءوا يصرفونها, ويفجرونها أنهارا من ماء غير آسن, | |
وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهارا من عسل مصفى, | |
وروائح طيبة, ومساكن مزخرفة, وأصوات شجية, تأخذ من حسنها, بالقلوب, ومزاورة | |
الإخوان, والتمتع بلقاء الأحباب. <br> | |
وأعلى من ذلك كله, التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم, وسماع كلامه, والحظوة | |
بقربه, والسعادة برضاه, والأمن من سخطه, واستمرار هذا النعيم ودوامه, وزيادته على | |
ممر الأوقات, وتعاقب الآنات " كَانَ " دخولها | |
والوصول إليها " عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا " يسأله | |
إياها, عباده المتقون بلسان حالهم, ولسان مقالهم. <br> | |
فأي الدارين المذكورتين, خير وأولى بالإيثار؟ وأي العاملين, عمال دار الشقاء, أو | |
عمال دار السعادة, أولى بالفضل والعقل, والفخر, يا أولي الألباب؟ لقد وضح الحق, | |
واستنار السبيل, فلم يبق للمفرط عذر, في تركه الدليل. <br> | |
فنرجوك يا من قضيت على أقوام بالشقاء, وأقوام بالسعادة, أن تجعلنا ممن كتبت لهم | |
الحسنى وزيادة. <br> | |
ونستعيذ بك اللهم, من حالة الأشقياء, ونسألك المعافاة منها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي | |
هؤلاء أم هم ضلوا السبيل " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة, وتبريهم منهم, | |
وبطلان سعيهم فقال: " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ " أي: | |
المكذبين المشركين " وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ | |
فَيَقُولُ " الله مخاطبا للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم: " أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا | |
السَّبِيلَ " هل أمرتموهم بعبادتكم, وزينتم لهم ذلك, أم ذلك من تلقاء | |
أنفسهم؟ </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن | |
متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا " </h1> | |
<p>" | |
قَالُوا سُبْحَانَكَ " نزهوا الله عن شرك | |
المشركين به, وبرأوا أنفسهم من ذلك. <br> | |
" مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا " أي: لا يليق بنا, | |
ولا يحسن منا, أن نتخذ من دونك منه أولياء, نتولاهم, ونعبدهم, وندعوهم. <br> | |
فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك, ومتبرين من عبادة غيرك, فكيف نأمر أحدا | |
بعبادتنا؟ هذا لا يكون. <br> | |
أو, سبحانك " أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ | |
" وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام " | |
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ | |
اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا | |
يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ | |
عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ | |
أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ | |
اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ " الآية. <br> | |
وقال تعالى: " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ | |
لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ | |
أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ | |
بِهِمْ مُؤْمِنُونَ " , " وَإِذَا حُشِرَ | |
النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " . | |
<br> | |
فلما نزهوا أنفسهم, أن يدعوا لعبادة غير الله, أو يكونوا أضلوهم, ذكروا السبب | |
الموجب لإضلال المشركين فقالوا: " وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ | |
وَآبَاءَهُمْ " في لذات الدنيا وشهواتها, ومطالبها النفسية. <br> | |
" حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ " اشتغالا في لذات | |
الدنيا, وانكبابا على شهواتها, فحافظوا على دنياهم, وضيعوا دينهم " | |
وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا " أي: بائرين لا خير فيهم, ولا يصلحون | |
لصالح, لا يصلحون إلا للهلاك والبوار. <br> | |
فذكروا المانع من اتباعهم الهدى, وهو التمتع في الدنيا, الذي صرفهم عن الهدى. <br> | |
وعدم المقتضي للهدى, وهو: أنهم لا خير فيهم. <br> | |
فإذا عدموا المقتضي, ووجد المانع, فلا تشاء من شر وهلاك, إلا وجدته فيهم. <br> | |
فلما تبرأوا منهم, قال الله توبيخا وتقريعا للمعاندين: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم | |
منكم نذقه عذابا كبيرا " </h1> | |
<p>" | |
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ " إنهم | |
أمروكم بعبادتهم, ورضوا فعلكم وأنهم شفعاء لكم عند ربكم. <br> | |
كذبوكم في ذلك الزعم, وصاروا من أكبر أعدائكم, فحق عليكم العذاب. <br> | |
" فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا " للعذاب عنكم بفعلكم, | |
أو بفداء, أو غير ذلك. <br> | |
" وَلَا نَصْرًا " لعجزكم, وعدم ناصركم. <br> | |
هذا حكم الضالين المقلدين الجاهلين, كما رأيت, أسوأ حكم, وشر مصير. <br> | |
وأما المعاند منهم, الذي عرف الحق وصدف عنه, فقال في حقه: " | |
وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ " بترك الحق ظلما وعنادا " | |
نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا " لا يقادر قدره, ولا يبلغ أمره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في | |
الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا " </h1> | |
<p>ثم قال تعالى جوابا لقول المكذبين: " مَالِ هَذَا | |
الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ " . <br> | |
فما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام, وما جعلناهم ملائكة, فلك فيهم أسوة. <br> | |
وأما الغنى والفقر, فهو فتنة, وحكمة من الله تعالى, كما قال: " | |
وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً " الرسول فتنة للمرسل | |
إليهم, واختبار للمطيعين من العاصين, والرسل فتناهم بدعوة الخلق, والغنى فتنة | |
للفقير, والفقر فتنة للغني. <br> | |
وهكذا سالر أصناف الخلق في هذه الدار, دار الفتن والابلاء والاختبار. <br> | |
والقصد من تلك الفتنة " أَتَصْبِرُونَ " فتقومون | |
بما هو وظيفتكم اللازمة الراتبة, فيثيبكم مولاكم, أم لا تصبرون فتستحقون المعاقبة؟ | |
" وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا " يرى ويعلم أحوالكم | |
ويصطفي من يعلمه يصلح لرسالته, ويختصه بتفضيله, ويعلم أعمالكم فيجازيكم عليها, إن | |
خيرا فخير, وإن شرا فشر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى | |
ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " </h1> | |
<p>أي: قال المكذبون للرسول, المكذبون بوعد الله ووعيده, الذين ليس في | |
قلوبهم خوف الوعيد, ولا رجاء لقاء الخالق. <br> | |
" لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى | |
رَبَّنَا " أي: هلا نزلت الملائكة, تشهد لك بالرسالة, وتؤيدك عليها, | |
أو تنزل رسلا مستقلين, أو نرى ربنا, فيكلمنا, ويقول: هذا رسولي فاتبعوه؟ وهذا | |
معارضة للرسول, بما ليس بمعارض, بل بالتكبر والعلو والعتو. <br> | |
" لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ " حيث | |
اقترحوا هذا الاقتراح, وتجرأوا هذه الجرأة. <br> | |
فمن أنتم يا فقراء, ويا مساكين, حتى تطلبوا رؤية الله, وتزعموا أن الرسالة, متوقف | |
ثبوتها على ذلك؟ وأي كبر أعظم من هذا؟. <br> | |
" وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا " أي: قسوا وصلبوا | |
عن الحق, قساوة عظيمة. <br> | |
فقلوبهم أشد من الأحجار, وأصلب من الحديد, لا تلين للحق, ولا تصغى للناصحين. <br> | |
فلذلك لم ينجع فيهم وعظ ولا تذكير, ولا اتبعوا الحق, حين جاءهم النذير. <br> | |
بل قابلوا أصدق الخلق وأنصحهم, وآيات الله البينات, بالإعراض والتكذيب. <br> | |
فأي عتو أكبر من هذا العتو؟!! ولذلك, بطلت أعمالهم, واضمحلت, وخسروا أشد الخسران. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا | |
" </h1> | |
<p>" يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ | |
لِلْمُجْرِمِينَ " وذلك أنهم لا يرونها, مع | |
استمرارهم, على جرمهم وعنادهم, إلا لعقوبتهم, وحلول البأس بهم. <br> | |
فأول ذلك عند الموت, إذا تنزلت عليهم الملائكة, قال الله تعالى: " | |
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ | |
بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ | |
الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ | |
عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " . <br> | |
ثم في القبر, حيث يأتيهم منكر ونكير, فيسألانهم, عن ربهم, ونبيهم, ودينهم, فلا | |
يجيبون جوابا ينجيهم, فيحلون بهم النقمة, وتزول عنهم بهم الرحمة. <br> | |
ثم يوم القيامة, حين تسوقهم الملائكة إلى النار, ثم يسلمونهم لخزنة جهنم, الذين | |
يتولون عذابهم, ويباشرون عقابهم. <br> | |
فهذا الذي اقترحوه, وهذا الذي طلبوه, إن استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه | |
ويلقوه. <br> | |
وحينئذ يتعوذون من الملائكة, ويفرون, ولكن لا مفر لهم. <br> | |
" وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا " " يَا | |
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ | |
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " | |
. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " </h1> | |
<p>" | |
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ " أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم, وتعبوا فيها. <br> | |
" فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا " أي: باطلا | |
مضمحلا, قد خسروه, وحرموا أجره, وعوقبوا عليه, وذلك لفقده الإيمان, وصدوره عن مكذب | |
لله ورسله. <br> | |
فالعمل الذي يقبله الله, هو ما صدر من المؤمن المخلص, المصدق للرسل, المتبع لهم | |
فيه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " </h1> | |
<p>أي: في ذلك اليوم الهائل, كثير البلابل " | |
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ " الذين آمنوا بالله, وعملوا صالحا, واتقوا ربهم | |
" خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا " من أهل النار " وَأَحْسَنُ مَقِيلًا " أي: مستقرهم في الجنة, وراحتهم | |
التي هي القيلولة, هو المستقر النافع, والراحة التامة, لاشتمال ذلك, على تمام | |
النعيم, الذي لا يشوبه كدر. <br> | |
بخلاف أصحاب النار, فإن جهنم مستقرهم " سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا | |
وَمُقَامًا " وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل, فيما ليس في الطرف | |
الآخر منه شيء, لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم, كقوله " | |
آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة, وما فيه من الشدة والكروب, ومزعجات | |
القلوب فقال: " وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ | |
" وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه, من فوق السماوات, فتنفطر له | |
السماوات, وتشقق, وتنزل الملائكة كل سماء, فيقفون صفا صفا, إما صفا واحدا محيطا | |
بالخلائق, وإما كل سماء, يكونون صفا, ثم السماء التي تليها صفا وهكذا. <br> | |
القصد أن الملائكه - على كثرتهم وقوتهم - ينزلون محيطين بالخلق, مدعنين لأمر ربهم, | |
لا يتكلم منهم أحد, إلا بإذن من الله. <br> | |
فما ظنك بالآدمي الضعيف, خصوصا, الذي بارز مالكه بالعظائم, وأقدم على مساخطه, ثم | |
قدم عليه بذنوب وخطايا, لم يتب منها, فيحكم فيه الملك الخلاق, بالحكم الذي لا | |
يجور, ولا يظلم مثقال ذرة, ولهذا قال: " وَكَانَ يَوْمًا | |
عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا " لصعوبته الشديدة, وتعسر أموره عليه. <br> | |
بخلاف المؤمن, فإنه يسير عليه, خفيف الحمل. <br> | |
" يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا | |
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا " </h1> | |
<p>وقوله " الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ " أي: | |
يوم القيامة " الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ " لا يبقى | |
لأحد من المخلوقين, ملك ولا صورة ملك, كما كانوا في الدنيا. <br> | |
بل قد تساوت الملوك ورعاياهم, والأحرار, والعبيد, والأشراف وغيرهم. <br> | |
ومما يرتاح له القلب, وتطمئن به النفس, وينشرح له الصدر, أنه أضاف الملك في يوم | |
القيامة, لاسمه " الرحمن " الذي وسعت رحمته كل | |
شيء, وعمت كل حي, وملأت الكائنات, وعمرت بها الدنيا والآخرة, وتم بها كل ناقص, | |
وزال بها كل نقص. <br> | |
وغلبت الأسماء الدالة عليه, الأسماء الدالة على الغضب, وسبقت رحمته غضبه وغلبته, | |
فلها السبق والغلبة. <br> | |
وخلق هذا الآدمي الضعيف, وشرفه, وكرمه, ليتم عليه نعمته, وليتغمده برحمته. <br> | |
وقد حضروا في موقف الذل, والخضوع, والاستكانة بين يديه, ينتظرون ما يحكم فيهم, وما | |
يجري عليهم, وهو أرحم بهم من أنفسهم, ووالديهم, فما ظنك بما يعاملهم به. <br> | |
ولا يهلك على الله, إلا هالك, ولا يخرج من رحمته, إلا من غلبت عليه الشقاوة, وحقت | |
عليه كلمة العذاب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا | |
" </h1> | |
<p>" | |
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ " بشركه وكفره, | |
وتكذيبه للرسل " عَلَى يَدَيْهِ " تأسفا, وتحسرا, | |
وحزنا, وأسفا. <br> | |
" يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا | |
" أي طريقا بالإيمان به, وتصديقه واتباعه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " </h1> | |
<p>" يَا | |
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا " وهو الشيطان الإنسي, أو الجني. <br> | |
" خَلِيلًا " أي, حبيبا مصافيا, عاديت أنصح الناس | |
لي, وأبرهم بي, وأرفقهم بي. <br> | |
وواليت أعدى عدو لي, الذي لم تفدني ولايته, إلا الشقاء والخسار والخزي, والبوار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا | |
" </h1> | |
<p>" | |
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي " حيث زين له, ما هو عليه من الضلال, بخدعه وتسويله. <br> | |
" وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا " يزين | |
له الباطل, ويقبح له الحق, ويعده الأماني, ثم يتخلى عنه, ويتبرأ منه, كما قال | |
لجميع أتباعه, حين قضي الأمر, وفرغ الله من حساب الخلق " | |
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ | |
الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ | |
سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا | |
أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي | |
كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ " الآية. <br> | |
فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان, وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن. <br> | |
وليوال من ولايته, فيها سعادته, وليعاد من تنفعه عداوته, وتضره صداقته. <br> | |
والله الموفق. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " </h1> | |
<p>" وَقَالَ الرَّسُولُ " مناديا | |
لربه, وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به, ومتأسفا على ذلك منهم: " | |
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي " الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم. <br> | |
" اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " أي | |
قد أعرضوا عنه, وهجروه, وتركوه, مع أن الواجب عليهم, الانقياد لحكمه, والإقبال على | |
أحكامه, والمشي خلفه. <br> | |
قال الله مسليا لرسوله, ومخبرا, أن هؤلاء الخلق, لهم سلف, صنعوا. <br> | |
كصنيعهم, فقال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا | |
" </h1> | |
<p>" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ | |
الْمُجْرِمِينَ " أي من الذين لا يصلحون | |
للخير, ولا يزكون عليه, يعارضونهم, ويردون عليهم, ويجادلونهم بالباطل. <br> | |
من بعض فوائد ذلك, أن يعلو الحق على الباطل, وأن يتبين الحق, ويتضح اتضاحا عظيما | |
لأن معارضة الباطل للحق, مما تزيده وضوحا وبيانا, وكمال استدلال, وأن نتبين ما | |
يفعل الله بأهل الحق من الكرامة, وبأهل الباطل من العقوبة. <br> | |
فلا تحزن عليهم, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. <br> | |
" وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا " يهديك, فيحصل لك | |
المطلوب, ومصالح دينك ودنياك. <br> | |
" وَنَصِيرًا " ينصرك على أعدائك, ويدفع عنك كل | |
مكروه, في أمر الدين والدنيا, فاكتف به, وتوكل عليه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت | |
به فؤادك ورتلناه ترتيلا " </h1> | |
<p>هذا من جملة مقترحات الكفار, الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: " لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً " وأي | |
محذور من نزوله على هذا الوجه؟, بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن. <br> | |
ولهذا قال: " كَذَلِكَ " أنزلناه متفرقا " لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ " لأنه كلما نزل عليه شيء | |
من القرآن, ازداد طمأنينة وثباتا, وخصوصا عند ورود أسباب القلق, فإن نزول القرآن | |
عند حدوث السبب, يكون له موقع عظيم, وتثبيت كثير, أبلغ مما ل |