<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة القصص - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" تلك آيات الكتاب المبين " </h1></p> | |
<p>" تِلْكَ " الآيات المستحقة للتعظيم والتفخيم " | |
آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " لكل أمر يحتاج إليه العباد, من معرفة ربهم, | |
ومعرفة حقوقه, ومعرفة أوليائه وأعدائه, ومعرفة وقائعه وأيامه, ومعرفة ثواب | |
الأعمال, وجزاء العمال. <br> | |
فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين, وجلَّالها للعباد, ووضحها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون " </h1> | |
<p>ومن جملة ما أبان, قصة موسى وفرعون, فإنه | |
أبداها, وأعادها في عدة مواضع. <br> | |
وبسطها في هذا الموضع فقال: " نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ | |
مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ " . <br> | |
فإن نبأهما غريب, وخبرهما عجيب. <br> | |
" لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " فإليهم يساق الخطاب, | |
ويوجه الكلام. <br> | |
حيث إن معهم من الإيمان, ما يقبلون به, على تدبُّر ذلك, وتلقِّيه بالقبول | |
والاهتداء, بمواقع العبر, ويزدادون به إيمانا, ويقينا, وخيرا إلى خيرهم. <br> | |
وأما من عداهم, فلا يستفيدون منه, إلا إقامة الحجة عليهم, وصانه اللّه عنهم, وجعل | |
بينهم وبينه حجابا أن يفقهوه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح | |
أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين " </h1> | |
<p>فأول هذه القصة " إِنَّ | |
فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ " في ملكه وسلطانه, وجنوده, وجبروته, | |
فصار من أهل العلو فيها, لا من الأعلين فيها. <br> | |
" وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا " أي: طوائف | |
متفرقة, يتصرف فيهم بشهوته, وينفذ فيهم ما أراد من قهره, وسطوته. <br> | |
" يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ " وتلك | |
الطائفة, هم: بنو إسرائيل, الذين فضلهم اللّه على العالمين, الذين ينبغي له أن | |
يكرمهم ويجلهم. <br> | |
ولكنه استضعفهم, بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم. <br> | |
فصار لا يبالي بهم ولا يهتم بشأنهم, وبلغت به الحال, إلى أنه " | |
يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ " خوفا من أن | |
يكثروا, فيغمروه في بلاده, ويصير لهم الملك. <br> | |
" إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ " الذين لا | |
قصد لهم في صلاح الدين, ولا صلاح الدنيا, وهذا من إفساده في الأرض. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم | |
الوارثين " </h1> | |
<p>" وَنُرِيدُ | |
أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ " بأن نزيل عنهم مواد الاستضعاف, ونهلك من قاومهم, ونخذل من ناوأهم. <br> | |
" وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً " في الدين, وذلك لا | |
يحصل مع استضعاف, بل لا بد من تمكين في الأرض, وقدرة تامة. <br> | |
" وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " للأرض, الذين | |
لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا | |
يحذرون " </h1> | |
<p>" وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ " فهذه الأمور كلها, قد تعلقت بها إرادة اللّه, وجرت بها مشيئته. <br> | |
وكذلك نريد أن " وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ " وزيره | |
" وَجُنُودَهُمَا " الذين بهم صالوا وجالوا, | |
وعلوا وبغوا " مِنْهُمْ " أي: من هذه الطائفة | |
المستضعفة. <br> | |
" مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ " من إخراجهم من | |
ديارهم, ولذلك كانوا يسعون في قمعهم, وكسر شوكتهم, وتقتيل أبنائهم, الذين هم محل | |
ذلك. <br> | |
فكل هذا قد أراده اللّه, وإذا أراد أمرا, سهل أسبابه, ونهج طرقه. <br> | |
وهذا الأمر كذلك, فإنه قدر وأجرى من الأسباب - التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا | |
أعداؤه - ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم | |
ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " </h1> | |
<p>فأول ذلك, لما أوجد اللّه رسوله موسى, الذي جعل استنقاذ هذا الشعب | |
الإسرائيلي على يديه وبسببه, وكان في وقت تلك المخافة العظيمة, التي يذبحون بها | |
الأبناء, أوحى إلى أمه, أن ترضعه, ويمكث عندها. <br> | |
" فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ " بأن أحسست أحدا | |
تخافين عليه منه أن يوصله إليهم. <br> | |
" فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ " أي نيل مصر, في وسط | |
تابوت مغلق. <br> | |
" وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ | |
وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ " . <br> | |
فبشرها بأنه سيرده إليها, وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم, ويجعله اللّه رسولا. <br> | |
وهذا من أعظم البشائر الجليلة, وتقديم هذه البشارة لأم موسى, ليطمئن قلبها, ويسكن | |
روعها, فكأنها خافت عليه, وفعلت ما أمرت به, ألقته في اليم, وساقه اللّه تعالى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان | |
وجنودهما كانوا خاطئين " </h1> | |
<p>" | |
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ " فصار من | |
لقطهم, وهم الذين باشروا وجدانه. <br> | |
" لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا " أي: | |
لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط, أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم, بسبب أن | |
الحذر لا ينفع من القدر, وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل, قيض اللّه أن يكون | |
زعيمهم, يتربى تحت أيديهم, وعلى نظرهم, وبكفالتهم. <br> | |
وعند التدبر والتأمل, تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل, ودفع كثير من الأمور | |
الفادحة بهم, ومنع كثير من التعديات قبل رسالته بحيث إنه صار من كبار المملكة. <br> | |
وبالطبع لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا, وهو هو ذو الهمة العالية | |
والغيرة المتوقدة. <br> | |
ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف - الذي بلغ بهم الذل والإهانة, إلى ما قص | |
اللّه علينا بعضه - أن صار بعض أفراده, ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض: | |
كما سيأتي بيانه. <br> | |
وهذا مقدمة للظهور, فإن اللّه تعالى من سنته الجارية, أن جعل الأمور تمشي على | |
التدريج, شيئا فشيئا, ولا تأتي دفعة واحدة. <br> | |
وقوله " إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا | |
خَاطِئِينَ " أي: مجرمين, فأردنا أن نعاقبهم على إجرامهم, ونكيد لهم, | |
جزاء على مكرهم وكيدهم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو | |
نتخذه ولدا وهم لا يشعرون " </h1> | |
<p>فلما التقظه آل فرعون, حنَّن اللّه عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة, | |
المؤمنة " آسية " بنت مزاحم " | |
وَقَالَتِ " : هذا الولد " قُرَّةُ عَيْنٍ لِي | |
وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ " . <br> | |
أي أبقه لنا, لِتقرَّ به أعيننا, ونسر به في حياتنا. <br> | |
" عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " أي: | |
لا يخلو, إما أن يكون بمنزلة الخدم, الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا أو نرقيه درجة | |
أعلى من ذلك, نجعله ولدا لنا, ونكرمه, ونجله. <br> | |
فقدَّر اللّه تعالى, أنه نفع امرأة فرعون, التي قالت تلك المقالة. <br> | |
فإنه لما صار قرة عين لها, وأحبته حبا شديدا, فلم يزل لها بمنزلة الولد الشقيق, | |
حتى كبر, ونبأه اللّه وأرسله, بادرت إلى الإسلام والإيمان به, رضى اللّه عنها, | |
وأرضاها. <br> | |
قال اللّه تعالى هذه المراجعات والمقاولات, في شأن موسى: " | |
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " ما جرى به القلم, ومضى به القدر, من وصوله | |
إلى ما وصل إليه. <br> | |
وهذا من لطفه تعالى, فإنهم لو شعروا, لكان لهم وله, شأن آخر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على | |
قلبها لتكون من المؤمنين " </h1> | |
<p>ولما فقدت موسى أمه, حزنت حزنا شديدا, وأصبح فؤادها فارغا من القلق, | |
الذي أزعجها, على مقتضى الحالة البشرية, مع أن اللّه تعالى نهاها عن الحزن والخوف, | |
ووعدها برده. <br> | |
" إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ " أي: بما في | |
قلبها " لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا " فثبتناها, | |
فصبرت, ولم تبد به. <br> | |
" لِتَكُونَ " بذكر الصبر والثبات " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " فإن العبد إذا أصابته مصيبة, | |
فصبر وثبت, ازداد بذلك إيمانه, ودل ذلك, على أن استمرار الجزع مع العبد, دليل على | |
ضعف إيمانه</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون " </h1> | |
<p>" وَقَالَتِ " أم موسى " لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ " أي: اذهبي فقصي الأثر عن أخيك, | |
وابحثي عنه, من غير أن يحس بك أحد, أو يشعروا بمقصودك. <br> | |
فذهبت تقصه " فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا | |
يَشْعُرُونَ " أي: أبصرته على وجه, كأنها مارة لا قصد لها فيه. <br> | |
وهذا من تمام الحزم والحذر, فإنها لو أبصرته, وجاءت إليهم قاصدة لظنوا بها, أنها | |
هي التي ألقته, فربما عزموا على ذبحه, عقوبة لأهله. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه | |
لكم وهم له ناصحون " </h1> | |
<p>ومن لطف اللّه بموسى وأمه, أن منعه من قبول ثدي امرأة, فأخرجوه إلى | |
السوق, رحمة به, ولعل أحدا يطلبه. <br> | |
فجاءت أخته, وهو بتلك الحال " فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ | |
عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ " . | |
<br> | |
وهذا جُلُّ غرضهم, فإنهم أحبوه حبا شديدا, وقد منعه اللّه من المراضع فخافوا أن | |
يموت. <br> | |
فلما قالت لهم أخته, تلك المقالة المشتملة على الترغيب, في أهل هذا البيت, بتمام | |
حفظه وكفالته, والنصح له, بادروا إلى إجابتها, فأعلمتهم, ودلتهم على أهل هذا | |
البيت. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق | |
ولكن أكثرهم لا يعلمون " </h1> | |
<p>" فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ " كما وعدناها بذلك " كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا | |
تَحْزَنَ " بحيث أنه تربى عندها, على وجه تكون فيه آمنة مطمئنة, تفرح | |
به, وتأخذ الأجرة الكثيرة على ذلك. <br> | |
" وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ " فأريناها | |
بعض ما وعدناها به عيانا, ليطمئن بذلك قلبها, ويزداد إيمانها, ولتعلم أنه سيحصل | |
وعد اللّه, في حفظه, ورسالته. <br> | |
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فإذا | |
رأوا السبب متشوشا, شوش ذلك إيمانهم, لعدم علمهم الكامل, أن اللّه تعالى يجعل المحن | |
والعقبات الشاقة, بين يدي الأمور العالية, والمطالب الفاضلة. <br> | |
فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند آل فرعون, يتربى في سلطانهم, ويركب مراكبهم, | |
ويلبس ملابسهم. <br> | |
وأمه بذلك مطمئنة, قد استقر أنها أمه من الرضاع, ولم يستنكر ملازمته إياها, وحنوه | |
عليها. <br> | |
وتأمل هذا اللطف من اللّه, وصيانة نبيه موسى من الكذب في منطقه, وتيسير الأمر, | |
الذي صار به التعلق, بينه وبينها, الذي بان للناس, أنه هو الرضاع, الذي بسببه | |
يسميها أُمَّا, فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله, صدقا وحقا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين | |
" </h1> | |
<p>" | |
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ " من القوة والعقل | |
واللب, وذلك نحو أربعين سنة في الغالب. <br> | |
" وَاسْتَوَى " فكملت فيه تلك الأمور " آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا " أي: حكما يعرف به | |
الأحكام الشرعية, ويحكم به بين الناس, وعلما كثيرا. <br> | |
" وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " في عبادة | |
اللّه المحسنين, لخلق اللّه, يعطيهم علما وحكما, بحسب إحسانهم, ودل هذا على كمال | |
إحسان موسى عليه السلام. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان | |
هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى | |
فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين " </h1> | |
<p>" وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا | |
" إما وقت القائلة, أو غير ذلك من الأوقات, | |
التي بها يغفلون عن الانتشار. <br> | |
" فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ " يتخاصمان | |
ويتضاربان " هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ " أي من بني | |
إسرائيل " وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ " كالقبط. <br> | |
" فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ | |
عَدُوِّهِ " لأنه قد اشتهر, وعلم الناس أنه من بني إسرائيل, واستغاثته | |
لموسى, دليل على أنه بلغ موسى عليه السلام مبلغا, يخاف منه, ويرجى من بيت المملكة | |
والسلطان. <br> | |
" فَوَكَزَهُ مُوسَى " أي: وكز الذي من عدوه, | |
استجابة لاستغاثة الإسرائيلي. <br> | |
" فَقَضَى عَلَيْهِ " أي: أماته من تلك الوكزة, | |
لشدتها, وقوة موسى. <br> | |
فندم موسى عليه السلام على ما جرى منه, و " قَالَ هَذَا مِنْ | |
عَمَلِ الشَّيْطَانِ " أي: من تزيينه, ووسوسته " | |
إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ " فلذلك أجريت ما أجريت بسبب عداوته | |
البينة, وحرصه على الإضلال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم | |
" </h1> | |
<p>ثم استغفر ربه " قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ | |
نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " خصوصا | |
للمخبتين إليه, المبادرين للإنابة والتوبة, كما جرى من موسى عليه السلام. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين " </h1> | |
<p>" قَالَ " موسى " رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ " بالتوبة والمغفرة, | |
والنعم الكثيرة " فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا " أي: | |
معينا ومساعدا " لِلْمُجْرِمِينَ " أي: لا أعين | |
أحدا على معصية. <br> | |
وهذا وعد من موسى عليه السلام, بسبب منة اللّه عليه, أن لا يعين مجرما, كما فعل في | |
قتل القبطي. <br> | |
وهذا يفيد أن النعم, تقتضي من العبد فعل الخير, وترك الشر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه | |
قال له موسى إنك لغوي مبين " </h1> | |
<p>لما جرى منه قتل الذي هو من عدوه " فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ " هل | |
يشعر به آل فرعون, أم لا؟ وإنما خاف, لأنه قد علم, أنه لا يتجرأ أحد على مثل هذه | |
الحال, سوى موسى, من بني إسرائيل. <br> | |
فبينما هو على تلك الحال " فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ | |
بِالْأَمْسِ " على عدوه " يَسْتَصْرِخُهُ " على | |
قبطي آخر. <br> | |
" قَالَ لَهُ مُوسَى " موبخا على حاله " إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ " أي: بين الغواية, ظاهر | |
الجراءة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن | |
تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون | |
من المصلحين " </h1> | |
<p>" فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ " موسى " بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا " أي: | |
له وللمخاصم المستصرخ لموسى, أي: لم يزل اللجاج بين القبطي والإسرائيلي, وهو | |
يستغيث بموسى, فأخذته الحمية, حتى هم أن يبطش بالقبطي. <br> | |
" قَالَ " له القبطي زاجرا له عن قتله: " يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ | |
إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ " لأن من | |
أعظم آثار الجبار في الأرض, قتل النفس بغير حق. <br> | |
" وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ " وإلا, | |
فلو أردت الإصلاح, لحلت بيني وبينك, من غير قتل أحد. <br> | |
فانكف موسى عن قتله, وارعوى, لوعظه وزجره. <br> | |
وشاع الخبر بما جرى من موسى في هاتين القضيتين, حتى تراود ملأ فرعون, وفرعون على | |
قتله, وتشاوروا على ذلك. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك | |
ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين " </h1> | |
<p>فقيض اللّه, ذلك الرجل الناصح, وبادر إلى | |
الإخبار لموسى بما اجتمع عليه رَأْيُ ملإهم. <br> | |
فقال: " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى | |
" أي: ركضا على قدميه, من نصحه لموسى, وخوفه أن يوقعوا به, قبل أن | |
يشعر. <br> | |
" قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ | |
" أي: يتشاورون فيك " لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ | |
" عن المدينة " إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ | |
" . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين " </h1> | |
<p>فامتثل نصحه " فَخَرَجَ | |
مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ " أن يوقع به القتل, ودعا اللّه. <br> | |
" قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " فإنه | |
قد تاب من ذنبه وفعله غضبا, من غير قصد منه للقتل, فَتَوعُّدُهُمْ له, ظلم منهم | |
وجراءة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " | |
</h1> | |
<p>" | |
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ " أي: | |
قاصدا بوجهه مدين, وهو جنوبي فلسطين, حيث لا ملك فيه لفرعون. <br> | |
" قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ | |
" أي: وسط الطريق المختصر, الموصل إليها, بسهولة ورفق, فهداه اللّه | |
سواء السبيل, فوصل إلى مدين. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم | |
امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير | |
" </h1> | |
<p>" وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً | |
مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ " مواشيهم, وكانوا | |
أهل ماشية كثيرة " وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ " أي: | |
دون تلك الأمة " امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ " غنمهما, | |
عن حياض الناس, لعجزهما عن مزاحمة الرجال, وبخلهم, وعدم مروءتهم, عن السقي لهما. <br> | |
" قَالَ " لهما موسى " مَا | |
خَطْبُكُمَا " أي: ما شأنكما بهذه الحالة. <br> | |
" قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ " أي: | |
قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم, فإذا خلا لنا الجو, | |
سقينا. <br> | |
" وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ " أي: لا قوة له على | |
السقي, فليس فينا قوة, نقتدر بها, ولا لنا رجال, يزاحمون الرعاء. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير | |
فقير " </h1> | |
<p>فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما " فَسَقَى لَهُمَا " غير طالب منهما الأجر, ولا له قصد, | |
غير وجه اللّه تعالى. <br> | |
فلما سقي لهما, وكان ذلك وقت شدة حر, وسط النهار, بدليل قوله: " | |
ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ " مستريحا لتلك الظلال بعد التعب. <br> | |
" فَقَالَ " في تلك الحالة, مسترزقا ربه " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ | |
" . <br> | |
أي: إني مفتقر للخير, الذي تسوقه إليَّ,, وتيسره لي. <br> | |
وهذا سؤال منه بحاله, والسؤال بالحال, أبلغ من السؤال بلسان المقال. <br> | |
فلم يزل في هذه الحالة, داعيا ربه متملقا. <br> | |
وأما المرأتان, فذهبتا إلى أبيهما, وأخبرتاه بما جرى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر | |
ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين " </h1> | |
<p>فأرسل أبوهما, إحداهما إلى موسى, فجاءته " تَمْشِي | |
عَلَى اسْتِحْيَاءٍ " . <br> | |
وهذا يدل على كرم عنصرها, وخلقها الحسن, فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة, وخصوصا في | |
النساء. <br> | |
ويدل على أن موسى عليه السلام, لم يكن فيما فعله من السقي, بمنزلة الأجير والخادم, | |
الذي لا يستحى منه عادة, وإنما هو عزيز النفس, رأت من حسن خلقه, ومكارم أخلاقه, ما | |
أوجب لها الحياء منه. <br> | |
" قَالَتِ " له: " إِنَّ | |
أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا " أي: لا | |
لِمَنٍّ عليك, بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان, وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك. <br> | |
فأجابها موسى. <br> | |
" فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ " من | |
ابتداء السبب الموجب لهربه, إلى أن وصل إليه " قَالَ " مسكنا | |
روعه, جابرا قلبه: " لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ | |
الظَّالِمِينَ " أي: ليذهب خوفك وروعك, فإن اللّه نجاك منهم, حيث وصلت | |
إلى هذا المحل, الذي ليس لهم عليه سلطان. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين | |
" </h1> | |
<p>" | |
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا " أي: إحدى ابنتيه " يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ " أي: اجعله أجيرا عندك, | |
يرعى الغنم ويسقيها. <br> | |
" إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ | |
" أي: إن موسى, أولى من استؤجر, فإنه جمع القوة والأمانة, وخير أجير | |
استؤجر, من جمعهما, القوة, والقدرة, على ما استؤجر عليه, والأمانة فيه بعدم | |
الخيانة. <br> | |
وهذان الوصفان, ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا, بإجارة أو غيرها. <br> | |
فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما, أو فقد إحداهما. <br> | |
وأما باجتماعهما, فإن العمل يتم ويكمل. <br> | |
وإنما قالت ذلك, لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما, ونشاطه, ما عرفت به | |
قوته, وشاهدت من أمانته وديانته, وأنه رحمهما في حالة, لا يرجى نفعهما, وإنما قصده | |
بذلك, وجه اللّه تعالى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني | |
حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين | |
" </h1> | |
<p>" قَالَ " صاحب مدين | |
لموسى " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ | |
هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي " أي تصير أجيرا عندي " ثَمَانِيَ حِجَجٍ " . <br> | |
أي: ثماني سنين. <br> | |
" فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ " تبرع | |
منك, لا شيء واجب عليك. <br> | |
" وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ " فأحتم | |
عشر السنين, وما أريد أن أستأجرك, لأكلفك أعمالا شاقة, وإنما استأجرتك, لعمل سهل | |
يسير, لا مشقة فيه " سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ | |
الصَّالِحِينَ " فرغبه في سهولة العمل, وفي حسن المعاملة. <br> | |
وهذا يدل على أن الرجل الصالح, ينبغي له أن يحسن خلقه, مهما أمكنه, وأن الذي يطلب | |
منه, أبلغ من غيره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على | |
ما نقول وكيل " </h1> | |
<p>" قَالَ " موسى عليه | |
السلام - مجيبا له فيما طلبه منه -: " ذَلِكَ بَيْنِي | |
وَبَيْنَكَ " أي هذا الشرط, الذي أنت ذكرت, رضيت به, وقد تم فيما بيني | |
وبينك. <br> | |
" أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ | |
" سواء قضيت الثماني الواجبة, أم تبرعت بالزائد عليها " | |
وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ " حافظ يراقبنا, ويعلم ما | |
تعاقدنا عليه. <br> | |
وهذا الرجل, أبو المرأتين, صاحب مدين, ليس بشعيب النبي المعروف, كما اشتهر عند | |
كثير من الناس, فإن هذا, قول لم يدل عليه دليل وغاية ما يكون, أن شعيبا عليه | |
السلام, قد كانت بلده مدين, وهذه القضية, جرت في مدين, فأين الملازمة بين الأمرين؟ | |
وأيضا, فإنه غير معلوم, أن موسى أدرك زمان شعيب, فكيف بشخصه؟!! ولو كان ذلك الرجل | |
شعيبا, لذكره اللّه تعالى, ولسمته المرأتان. <br> | |
وأيضا فإن شعيبا, عليه الصلاة والسلام, قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه. <br> | |
ولم يبق إلا من آمن به. <br> | |
وقد أعاذ اللّه المؤمنين به, أن يرضوا لبنتي نبيهم, بمنعهما عن الماء, وصد | |
ماشيتهما, حتى يأتيهما رجل غريب, فيحسن إليهما, ويسقي ماشيتهما. <br> | |
وما كان شعيب, ليرضى أن يرعى موسى عنده, ويكون خادما له, وهو أفضل منه, وأعلى | |
درجة, إلا أن يقال: هذا قبل نبوة موسى, فلا منافاة. <br> | |
وعلى كل حال, لا يعتمد على أنه شعيب النبي, بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه | |
وسلم, واللّه أعلم. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال | |
لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون | |
" </h1> | |
<p>" فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ " يحتمل أنه قضى الأجل الواجب, أو الزائد عليه, كما هو الظن بموسى, | |
ووفائه, اشتاق إلى الوصول إلى أهله, ووالدته, وعشيرته, ووطنه. <br> | |
وظن من طول المدة, أنهم قد تناسوا ما صدر منه. <br> | |
" وَسَارَ بِأَهْلِهِ " قاصدا مصر " آنَسَ " أي: أبصر " مِنْ جَانِبِ | |
الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي | |
آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ | |
" وكان قد أصابهم البرد, وتاهوا الطريق. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من | |
الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين " </h1> | |
<p>" فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي | |
الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى | |
إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " فأخبر | |
بألوهيته, وربوبيته. <br> | |
ويلزم من ذلك, أن يأمره بعبادته, وتألهه, كما صرح به في الآية الأخرى " فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا | |
موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين " </h1> | |
<p>" وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ " فألقاها " فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ " تسعى | |
سعيا شديدا, ولها سورة مُهِيلة " كَأَنَّهَا جَانٌّ " ذَكَرُ | |
الحيات العظيم. <br> | |
" وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ " أي: يرجع, | |
لاستيلاء الروع على قلبه. <br> | |
فقال اللّه له: " يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ | |
مِنَ الْآمِنِينَ " وهذا أبلغ ما يكون في التأمين, وعدم الخوف. <br> | |
قإن قوله: " أَقْبِلْ " يقتضي الأمر بإقباله, | |
ويجب عليه الامتثال. <br> | |
ولكن قد يكون إقباله, وهو لم يزل في الأمر المخوف, فقال: " | |
وَلَا تَخَفْ " أمر له بشيئين, إقباله, وأن لا يكون في قلبه خوف. <br> | |
ولكن يبقى احتمال, وهو أنه, قد يقبل وهو غير خائف, ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن | |
من المكروه, فلذلك قال: " إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ " فحينئذ | |
اندفع المحذور من جميع الوجوه. <br> | |
فأقبل موسى عليه السلام, غير خائف, ولا مرعوب, بل مطمئنا, واثقا بخبر ربه, قد | |
ازداد إيمانه, وتم يقينه. <br> | |
فهذه آية, أراه اللّه إياها, قبل ذهابه إلى فرعون, ليكون على يقين تام, فيكون أجرا | |
له, وأقوى وأصلب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من | |
الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين " </h1> | |
<p>ثم أراه الآية الأخرى فقال: " | |
اسْلُكْ يَدَكَ " أي: أدخلها " فِي جَيْبِكَ | |
تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " فسلكها وأخرجها, كما ذكر | |
اللّه تعالى. <br> | |
" وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ " أي | |
ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك ليزول عنك الرهب والخوف. <br> | |
" فَذَانِكَ " أي: انقلاب العصا حية, وخروج اليد | |
بيضاء من غير سوء. <br> | |
" بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ " أي: حجتان قاطعتان | |
من اللّه. <br> | |
" إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا | |
فَاسِقِينَ " فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم, بل لا بد من | |
الآيات الباهرة, إن نفعت. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون " </h1> | |
<p>" | |
قَالَ " موسى عليه السلام, معتذرا من ربه, وسائلا | |
له المعونة على ما حمله, وذاكرا له الموانع, التي فيه, ليزيل ربه ما يحذره منها. <br> | |
" رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا " أي: " فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ | |
مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا ءا " أي: معاونا ومساعدا " يُصَدِّقُنِي " فإنه مع تضافر الأخبار, يقوى الحق " إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما | |
بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " </h1> | |
<p>فأجابه اللّه إلى سؤاله فقال: " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ " أي: نعاونك به | |
ونقويك. <br> | |
ثم أزال عنه محذور القتل, فقال: " وَنَجْعَلُ لَكُمَا | |
سُلْطَانًا " أي: تسلطا, وتمكنا من الدعوة, بالحجة, والهيبة الإلهية | |
من عدوهما " فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا " . <br> | |
وذلك بسبب آياتنا, وما دلت عليه من الحق, وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها. <br> | |
فهي التي بها حصل لكما السلطان, واندفع بها عنكم, كيد عدوكم, وصارت لكم أبلغ من | |
الجنود, أولي الْعَدَدِ والْعُدَدِ. <br> | |
" أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ " وهذا | |
وعد لموسى في ذلك الوقت, وهو وحده فريد, وقد رجع إلى بلده, بعد ما كان شريدا. <br> | |
فلم تزل الأحوال تتطور, والأمور تنتقل, حتى أنجز له موعوده, ومكنه من العباد | |
والبلاد, وصار له ولأتباعه, الغلبة والظهور. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما | |
سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " </h1> | |
<p>فذهب موسى برسالة ربه " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى | |
بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ " واضحات الدلالة على ما قال لهم, ليس فيها | |
قصور, ولا خفاء. <br> | |
" قَالُوا " على وجه الظلم, والعلو, والعناد " مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى " كما قال فرعون | |
في تلك الحال, التي ظهر فيها الحق, واستعلى على الباطل, واضمحل الباطل, وخضع له | |
الرؤساء العارفون حقائق الأمور " إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ | |
الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ " (هذا, وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ | |
من المكر والخداع والكيد, ما قصه اللّه علينا وقد علم " مَا | |
أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " ولكن | |
الشقاء غالب. <br> | |
" وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ | |
" وقد كذبوا في ذلك, فإن اللّه أرسل يوسف, قبل موسى كما قال تعالى " وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا | |
زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ | |
يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ | |
مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة | |
الدار إنه لا يفلح الظالمون " </h1> | |
<p>" | |
وَقَالَ مُوسَى " حين زعموا أن الذي جاءهم به | |
سحر وضلال, وأن م |