<div class="wrapper" style="padding:10px;"> | |
<h1 class="title">سورة العنكبوت - تفسير السعدي</h1> | |
| |
<div class=Section1 dir=RTL> | |
<p><h1>" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " </h1></p> | |
<p>يخبر تعالى, عن | |
تمام حكمته, وأن حكمته, لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه | |
الإيمان, أن يبقوا في حالة, يسلمون فيها من الفتن والمحن, ولا يعرض لهم, ما يشوش | |
عليهم إيمانهم وفروعه. <br> | |
فإنهم لو كان الأمر كذلك, لم يتميز الصادق من الكاذب, والحق من المبطل, ولكن سنته | |
تعالى وعادته في الأولين, وفي هذه الأمه, أن يبتليهم بالسراء والضراء, والعسر | |
واليسر, والمنشط والمكره, والغنى والفقر, وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان, | |
ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل, ونحو ذلك من الفتن, التي ترجع كلها, إلى فتنة | |
الشبهات المعارضة للعقيدة, والشهوات المعارضة للإرادة. <br> | |
فمن كان عند ورود الشبهات, يثبت إيمانه ولا يتزلزل, ويدفعها بما معه من الحق. <br> | |
وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب, أو الصارفة عن ما أمر | |
اللّه به ورسوله, يعمل بمقتضى الإيمان, ويجاهد شهوته, دل ذلك على صدق إيمانه | |
وصحته. <br> | |
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه, شكا وريبا, وعند اعتراض الشهوات, تصرفه | |
إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات, دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. <br> | |
والناس في هذا المقام: درجات, لا يحصيها إلا اللّه, فمستقل ومستكثر. <br> | |
فنسأل اللّه تعالى, أن يثبتنا بالقول الثابت, في الحياة الدنيا وفي الآخرة, وأن | |
يثبت قلوبنا على دينه. <br> | |
فالابتلاء والامتحان للنفوس, بمنزلة الكير, يخرج خبثها, وطيبها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون " </h1> | |
<p>أي: أحسب الذين همهم, فعل السيئات, وارتكاب الجنايات, أن أعمالهم | |
ستهمل, وأن اللّه سيغفل عنهم, أو يفوتونه, فلذلك أقدموا عليها, وسهل عليهم عملها؟. | |
<br> | |
" سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " أي: ساء حكمهم, فإنه | |
حكم جائر, لتضمنه إنكار قدرة اللّه وحكمته, وأن لديهم قدرة, يمتنعون بها من عقاب | |
اللّه, وهم أضعف شيء وأعجزه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم | |
" </h1> | |
<p>يعني: يا أيها الحب لربه المشتاق لقربه ولقائه, المسارع في مرضاته, | |
أبشر بقرب لقاء الحبيب, فإنه آت, وكل ما هو آت, قريب. <br> | |
فتزود للقائه, وسر نحوه, مستصحبا الرجاء, مؤملا الوصول إليه. <br> | |
ولكن, ما كل من يَدَّعِي يُعْطَى بدعواه, ولا كل من تمنى, يعطى ما تمناه, فإن | |
اللّه سميع للأصوات, عليم بالنيات. <br> | |
فمن كان صادقا في ذلك, أناله ما يرجو, ومن كان كاذبا, لم تنفعه دعواه. <br> | |
وهو العليم بمن يصلح لحبه, ومن لا يصلح. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين " </h1> | |
<p>" | |
وَمَنْ جَاهَدَ " نفسه وشيطانه, وعدوه | |
الكافر, " فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ " لأن | |
نفعه, راجع إليه, وثمرته, عائدة إليه. <br> | |
و " إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " لم | |
يأمرهم به, لينتفع به, ولا نهاهم عما نهاهم عنه, بُخْلًا منه عليهم. <br> | |
وقد علم أن الأوامر والنواهي, يحتاج المكلف فيها, إلى جهاد, لأن نفسه, تتثاقل | |
بطبعها, عن الخير, وشيطانه ينهاه عنه, وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه, كما | |
ينبغي. <br> | |
وكل هذه, معارضات, تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم | |
أحسن الذي كانوا يعملون " </h1> | |
<p>يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح, سيكفر اللّه | |
عنهم سيئاتهم, لأن الحسنات يذهبن السيئات. <br> | |
" وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ | |
" وهي أعمال الخير, من واجبات, ومستحبات, فهي أحسن ما يعمل العبد, | |
لأنه يعمل المباحات أيضا, وغيرها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به | |
علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " </h1> | |
<p>أي: وأمرنا الإنسان, ووصيناه بوالديه حسنا, أي: ببرهما, الإحسان | |
إليهما, بالقول والعمل, وأن يحافظ على ذلك, ولا يعقهما, ويسيء إليها, في قوله | |
وعمله. <br> | |
" وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ | |
عِلْمٌ " , وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه, وهذا تعظيم لأمر الشرك. <br> | |
" فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ | |
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " فأجازيكم بأعمالكم. <br> | |
فبروا والديكم وقدموا طاعتهما, إلا على طاعة اللّه ورسوله, فإنها مقدمة على كل | |
شيء. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين " </h1> | |
<p>أي: من آمن باللّه, وعمل صالحا, فإن اللّه | |
وعده, أن يدخله الجنة في جملة عباد اللّه الصالحين, مى النبيين, والصديقين, | |
والشهداء, والصالحين, كل على حسب درجته, ومرتبته عند اللّه. <br> | |
فالإيمان الصحيح, والعمل الصالح, عنوان على سعادة صاحبه, وأنه من أهل الرحمن, ومن | |
الصالحين من عباد اللّه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس | |
كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور | |
العالمين " </h1> | |
<p>لما ذكر تعالى, أنه لا بد أن يمتحن من | |
ادَّعى الإيمان, ليظهر الصادق من الكاذب, بيَّن تعالى, أن من الناس فريقا, لا صبر | |
لهم على المحن, ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: " وَمِنَ | |
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ " بضرب, | |
أو أخذ مال, أو تعيير, ليرتد عن دينه, وليراجع الباطل. <br> | |
" جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ " أي: | |
يجعلها صادَّة له عن الإيمان, والثبات عليه, كما أن العذاب صادٌّ عما هو سببه. <br> | |
" وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا | |
كُنَّا مَعَكُمْ " , لأنه موافق للهوى, فهذا الصنف من الناس من الذين | |
قال اللّه فيهم,: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ | |
عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ | |
فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ | |
الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " . <br> | |
" أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ | |
الْعَالَمِينَ " حيث أخبركم بهذا الفريق, الذي حاله كما وصف لكم, | |
فتعرفون بذلك, كمال علمه, وسعة حكمته. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين " </h1> | |
<p>" وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ | |
الْمُنَافِقِينَ " أي: فلذلك قَدَّرَ مِحَنًا | |
وابتلاء, ليظهر علمه فيهم, فيجازيهم بما ظهر منهم, لا بما يعلمه بمجرده, لأنهم قد | |
يحتجون على اللّه, أنهم لو اْبتُلُوا, لَثَبتُوا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما | |
هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون " </h1> | |
<p>يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم, وفي ضمن ذلك, | |
تحذير المؤمنين, من الاغترار بهم, والوقوع في مكرهم فقال: " | |
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا " فاتركوا | |
دينكم أو بعضه, واتبعونا في ديننا, فإننا نضمن لكم الأمر " | |
وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " . <br> | |
وهذا الأمر ليس بأيديهم, فلهذا قال: " وَمَا هُمْ | |
بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ " لا قليل ولا كثير. <br> | |
فهذا التحمل, ولو رضي به صاحبه, فإنه لا يفيد شيئا, فإن الحق للّه واللّه تعالى, | |
لم يمكن العبد من التصرف في حقه, إلا بأمره وحكمه, وحكمه " | |
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " . <br> | |
ولما كان قوله " وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ | |
مِنْ شَيْءٍ " قد يتوهم منه أيضا, أن الكفار الداعين إلى كفرهم - | |
ونحوهم ممن دعا إلى باطله - ليس عليهم إلا ذنبهم, الذي ارتكبوه, دون الذنب الذي | |
فعله غيرهم, ولو كانوا متسببين فيه, قال محترزا عن هذا الوهم: " | |
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ " </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما | |
كانوا يفترون " </h1> | |
<p>" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ " أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها " وَأَثْقَالًا مَعَ | |
أَثْقَالِهِمْ " وهي الذنوب التي حصلت بسببهم, ومن جرائهم. <br> | |
فالذنب الذي فعله التابع, لكل من التابع والمتبوع, حصة منه حصلت هذا لأنه فعله | |
وباشره. <br> | |
والمتبوع, لأنه تسبب في فعله ودعا إليه. <br> | |
كما أن الحسنة إذا فعلها التابع, له أجرها بالمباشرة وللداعي, أجره بالتسبب. <br> | |
" وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا | |
يَفْتَرُونَ " من الشر وتزيينه, وقولهم " | |
وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما | |
فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, عن حكمه وحكمته, في عقوبات | |
الأمم المكذبة, وأن اللّه أرسل عبده ورسوله, نوحا عليه السلام, إلى قومه, يدعوهم | |
إلى التوحيد, وإفراد اللّه بالعبادة, والنهي عن الأنداد, والأصنام. <br> | |
" فَلَبِثَ فِيهِمْ " نبيا داعيا " | |
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " , وهو لا يَنِي بدعوتهم, ولا | |
يفتر في نصحهم, يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا, فلم يرشدوا, ولا اهتدوا. <br> | |
بلى استمروا على كفرهم وطغيانهم, حتى دعا عليهم نبيهم نوح, عليه الصلاة والسلام مع | |
شدة صبره, وحلمه, واحتماله فقال: " رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى | |
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " . <br> | |
" فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ " أي: الماء الذي نزل | |
من السماء بكثرة, ونبع من الأرض بشدة " وَهُمْ ظَالِمُونَ | |
" مستحقون العذاب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين " </h1> | |
<p>" فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ " الذين ركبوا معه, أهله ومن آمن به. <br> | |
" وَجَعَلْنَاهَا " أي: السفينة, أو قصة نوح " آيَةً لِلْعَالَمِينَ " يعتبرون بها, على أن من كذب | |
الرسل, آخر أمره, الهلاك, وأن المؤمنين, سيجعل اللّه لهم, من كل هم فرجا, ومن كل | |
ضيق, مخرجا. <br> | |
وجعل اللّه أيضا السفينة, أي: جنسها آية للعالمين, يعتبرون بها رحمة ربهم, الذي | |
قيض لهم أسبابها, ويسر لهم أمرها, وجعلها تحملهم, وتحمل متاعهم, من محل إلى محل, | |
ومن قطر إلى قطر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم | |
تعلمون " </h1> | |
<p>يذكر تعالى, أنه أرسل خليله, إبراهيم عليه السلام إلى قومه, يدعوهم إلى | |
الله. <br> | |
فقال لهم: " اعْبُدُوا اللَّهَ " أي: وحِّدوه, | |
وأخلصوا له العبادة, وامتثلوا ما أمركم به. <br> | |
" وَاتَّقُوهُ " أن يغضب عليكم, فيعذبكم, وذلك | |
بترك ما يغضبه من المعاصي. <br> | |
" ذَلِكُمْ " أي: عبادة الله وتقواه " خَيْرٌ لَكُمْ " من ترك ذلك. <br> | |
وهذا من باب إطلاق " أفعل التفضيل " بما ليس في | |
الطرف الآخر منه شيء. <br> | |
فإن ترك عبادة الله, وترك تقواه, لا خير فيه بوجه, وإنما كانت عبادة الله وتقواه, | |
خيرا للناس, لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته, في الدنيا والآخرة, إلا بذلك. <br> | |
وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة, فإنه من آثار عبادة الله وتقواه. <br> | |
" إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ذلك, فاعلموا | |
الأمور, وانظروا, ما هو أولى بالإيثار. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون | |
من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه | |
ترجعون " </h1> | |
<p>فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه, نهاهم عن | |
عبادة الأصنام, وبيَّن لهم نقصها, وعدم استحقاقها للعبودية فقال: " | |
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " | |
تنحتونها, وتخلقونها بأيديكم, وتخلقون لها أسماء الآلهة, وتختلقون الكذب, | |
بالأمر بعبادتها, والتمسك بذلك. <br> | |
" إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " في | |
نقصه, وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته. <br> | |
" لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا " فكأنه قيل: | |
قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة, لا تملك نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة | |
ولا نشورا, وأن من هذا وصفه, لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة, من | |
العبادة والتأله. <br> | |
والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه, وتسأله حوائجها. <br> | |
فقال - حاثا لهم على من يستحق العبادة - " فَابْتَغُوا عِنْدَ | |
اللَّهِ الرِّزْقَ " فإنه هو الميسر له, المقدر, المجيب لدعوة من دعاه | |
لمصالح دينه ودنياه. <br> | |
" وَاعْبُدُوهُ " وحده, لا شريك له, لكونه الكامل | |
النافع, الضار, المتفرد بالتدبير. <br> | |
" وَاشْكُرُوا لَهُ " وحده, لكون جميع ما وصل | |
ويصل إلى الخلق, من النعم, فمنه. <br> | |
وجميع ما اندفع, ويندفع من النقم عنهم, فهو الدافع لها. <br> | |
" إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازيكم على ما عملتم, | |
وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم. <br> | |
فاحذروا القدوم عليه, وأنتم على شرككم, وارغبوا فيما يقربكم إليه, ويثيبكم - عند | |
القدوم - عليه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير | |
" </h1> | |
<p>" | |
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ " يوم القيامة " إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ | |
" . <br> | |
كما قال تعالى: " وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ | |
يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة | |
الآخرة إن الله على كل شيء قدير " </h1> | |
<p>" قُلْ " لهم, إن حصل | |
معهم ريب وشك في الابتداء: " سِيرُوا فِي الْأَرْضِ " بأبدانكم | |
وقلوبكم " فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ " فإنكم | |
ستجدون أمما من الآدميين, لا تزال توجد شيئا فشيئا, وتجدون النبات والأشجار, كيف | |
تحدث, وقتا بعد وقت, وتجدون السحاب والرياح ونحوها, مستمرة في تجددها. <br> | |
بل الخلق دائما, في بدء وإعادة. <br> | |
فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى - النوم - وقد هجم عليهم الليل بظلامه, فسكنت منهم | |
الحركات, وانقطعت منهم الأصوات, وصاروا في فرشهم ومأواهم, كالميتين. <br> | |
ثم إنهم لم يزالوا على ذلك, طول ليلهم, حتى تنفلق الأصباح, فانتبهوا من رقدتهم, | |
وبعثوا من موتتهم, قائلين " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما | |
أماتنا وإليه النشور " . <br> | |
ولهذا قال: " ثُمَّ اللَّهُ " بعد الإعارة " يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ " وهي النشأة لا | |
تقبل موتا, ولا نوما, وإنما هو الخلود والدوام, في إحدى الدارين. <br> | |
" إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فقدرته | |
تعالى, لا يعجزها شيء, وكما قدر بها على ابتداء الخلق, فقدرته على الإعادة, من باب | |
أولى وأحرى. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون " </h1> | |
<p>" يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ " أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي, وهو: إثابة الطائعين, ورحمتهم, وتعذيب | |
العاصين والتنكيل بهم. <br> | |
" وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ " أي: ترجعون إلى | |
الدار, التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته. <br> | |
فاكتسبوا في هذ الدار, ما هو من أسباب رحمته من الطاعات. <br> | |
وابتعدوا عن أسباب عذابه, وهي المعاصي. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله | |
من ولي ولا نصير " </h1> | |
<p>" | |
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ " أي: يا هؤلاء المكذبين, المتجرئين على المعاصي, لا تحسبوا أنه مغفول | |
عنكم, أو أنكم معجزون للّه في الأرض, ولا في السماء. <br> | |
فلا تغرنكم قدرتكم, وما زينت لكم أنفسكم, وخدعتكم, من النجاة من عذاب الله فلستم | |
بمعجزين الله, في جميع أقطار العالم. <br> | |
" وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ " يتولاكم, | |
فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم. <br> | |
" وَلَا نَصِيرٍ " ينصركم, فيدفع عنكم المكاره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك | |
لهم عذاب أليم " </h1> | |
<p>يخبر تعالى, من هم الذين زال عنهم الخير, | |
وحصل لهم الشر. <br> | |
وأنهم الذين كفروا به وبرسله, وبما جاءوهم به, وكذبوا بلقاء اللّه. <br> | |
فليس عندهم, إلا الدنيا, فلذلك أقدموا, على ما أقدموا عليه, من الشرك والمعاصي, | |
لأنه ليس في قلوبهم, ما يخوفهم من عاقبة ذلك, ولهذا قال: " | |
أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي " أي: فلذلك لم يعلموا سببا واحدا, | |
يحصلون به الرحمة. <br> | |
وإلا, فلو طمعوا في رحمته, لعملوا لذلك أعمالا. <br> | |
والإياس من رحمة اللّه, من أعظم المحاذير, وهو نوعان. <br> | |
إياس الكفار منها, وتركهم كل سبب يقربهم منها. <br> | |
وإياس العصاة, بسبب كثرة جناياتهم, أو حشتهم, فملكت قلوبهم, فأحدث لها الإياس. <br> | |
" وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: مؤلم | |
موجع. <br> | |
وكأن هذه الآيات, معترضات, بين كلام إبراهيم لقومه, وردهم عليه, واللّه أعلم بذلك. | |
</p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من | |
النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " </h1> | |
<p>أي: فما كان مجاوبة قوم إبراهيم لإبراهيم, | |
حين دعاهم إلى ربه, قبول دعوته, والاهتداء بنصحه, ورؤية نعمة اللّه عليهم بإرساله | |
إليهم. <br> | |
وإنما كان مجاوبتهم له, شر مجاوبة. <br> | |
" قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ " أشنع | |
القتلات, وهم أناس مقتدرون, لهم السلطان, فألقوه في النار " | |
فَأَنْجَاهُ اللَّهُ " منها. <br> | |
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " فيعلمون | |
صحة ما جاءت به الرسل, وبِرَّهُمْ ونصحهم, وبطلان قول من خالفهم, وناقضهم, وأن | |
المعارضين للرسل, كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا, على التكذيب. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة | |
الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من | |
ناصرين " </h1> | |
<p>" | |
وَقَالَ " لهم إبراهيم في جملة ما قاله, من | |
نصحه: " إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا | |
مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " . <br> | |
أي: غاية ذلك, مودة في الدنيا ستنقطع وتضمحل. <br> | |
" ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ | |
وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا " أي: يتبرأ كل من العابدين | |
والمعبودين, من الآخر " وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا | |
لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " . <br> | |
فكيف تتعلقون بمن يعلم أنه سيتبرأ, من عابديه, ويلعنهم؟. <br> | |
وأن " وَمَأْوَاكُمُ " جميعا, العابدين | |
والمعبودين " النَّارَ " . <br> | |
وليس أحد, ينصركم من عذاب اللّه, ولا يدفع عنهم عقابه. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم | |
" </h1> | |
<p>أي لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام, | |
يدعو قومه, وهم مستمرون على عنادهم. <br> | |
إلا أنه آمن له بدعوته, لوط, الذي نبأءه اللّه, وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره. <br> | |
" وَقَالَ " إبراهيم, حيى رأى أن دعوة قومه لا | |
تفيدهم شيئا: " إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي " أي: | |
هاجر أرض السوء, ومهاجر إلى الأرض المباركة, وهي الشام. <br> | |
" إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ " أي: الذي له القوة, | |
وهو يقدر على هدايتكم. <br> | |
ولكنه " حَكِيمٌ " ما اقتضت حكمته ذلك. <br> | |
ولما اعتزلهم وفارقهم, وهم بحالهم, لم يذكر اللّه عنهم, أنه أهلكهم بعذاب. <br> | |
بل ذكر اعتزاله إياهم, وهجرته من بين أظهرهم. <br> | |
فأما ما يذكر في الإسرائيليات, أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض, فشرب | |
دماءهم, وأكل لحومهم, وأتلفهم عن آخرهم, فهذا يتوقف الجزم به, على الدليل الشرعي, | |
ولم يوجد. <br> | |
فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب, لذكره, كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة. <br> | |
ولكن هل من أسرار ذلك, أن الخليل عليه السلام, من أرحم الخلق, وأفضلهم, وأحلمهم, | |
وأجلهم, فلم يدع على قومه, كما دعا غيره, ولم يكن اللّه ليجري عليهم بسببه, عذابا | |
عاما؟. <br> | |
ومما يدل على ذلك, أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط, وجادلهم, ودافع عنهم, وهم | |
ليسوا قومه, واللّه أعلم بالحال. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه | |
أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " </h1> | |
<p>" | |
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ " أي: | |
بعد ما هاجر إلى الشام " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ | |
النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ " . <br> | |
فلم يأت بعده نبي, إلا من ذريته, ولا نزل كتاب, إلا على ذريته, حتى ختموا بابنه, | |
محمد صلى اللّه عليه وسلم, وعليهم أجمعين. <br> | |
وهذا من أعظم المناقب والمفاخر, أن تكون مواد الهداية والرحمة, والسعادة, والفلاح, | |
والفوز, في ذريَّته, وعلى أيديهم, اهتدى المهتدون, وآمن المؤمنون, وصلح الصالحون: " وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا " من الزوجة | |
الجميلة, فائقة الجمال, والرزق الواسع, والأولاد, الذين بهم قرت عينه, ومعرفة | |
اللّه ومحبته, والإنابة إليه. <br> | |
" وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " بل | |
وهو, ومحمد صلى اللّه عليه وسلم, أفضل الصالحين على الإطلاق, وأعلاهم منزلة, فجمع | |
اللّه له, بين سعادة الدنيا والآخرة. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من | |
العالمين " </h1> | |
<p>تقدم أن لوطا عليه السلام, آمن لإبراهيم, | |
وصار من المهتدين به. <br> | |
وقد ذكروا, أنه ليس من ذرية إبراهيم, وإنما هو ابن أخي إبراهيم. <br> | |
ققوله تعالى: " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ | |
وَالْكِتَابَ " وإن كان عاما, فلا يناقض كون لوط, نبيا رسولا, وهو ليس | |
من ذريته, لأن الآية, جيء بها, لسياق المدح والثناء, على الخليل, وقد أخبر أن | |
لوطا, اهتدى على يديه, ومن اهتدى على يديه أكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة إلى | |
فضيلة الهادي, واللّه أعلم. <br> | |
فأرسل اللّه لوطا إلى قومه, وكانوا مع شركهم, قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور, | |
وقطع السبيل, وفشو المنكرات, في مجالسهم. <br> | |
فنصحهم لوط, عن هذه الأمور, وبيَّن لهم, قبائحها في نفسها, وما تئول إليه من | |
العقوبة البليغة, فلم يرعووا, ولم يذكروا. <br> | |
" فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا | |
بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " . <br> | |
فأيس منهم نبيهم, وعلم استحقاقهم العذاب, وجزع من شدة تكذيبهم له, فدعا عليهم و " قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ " فاستجاب | |
اللّه دعاءه, فأرسل الملائكة لإهلاكهم. <br> | |
فمروا بإبراهيم قبل ذلك, وبشروه بإسحق, ومن وراء إسحق يعقوب. <br> | |
ثم سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط. <br> | |
فجعل يراجعهم, ويقول " إِنَّ فِيهَا لُوطًا " . <br> | |
فقالوا له: " لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ | |
كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ " ثم مضوا حتى أتوا لوطا. <br> | |
فساءه مجيئهم, وضاق بهم ذرعا, بحيث إنه لم يعرفهم, وظن أنهم من جملة الضيوف, أبناء | |
السبيل, فخاف عليهم من قومه, فقالوا له: " لَا تَخَفْ وَلَا | |
تَحْزَنْ " وأخبروه أنهم رسل اللّه. <br> | |
" إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ | |
مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا | |
" أي: عذابا " مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا | |
يَفْسُقُونَ " فأمروه أن يسري بأهله ليلا. <br> | |
فلما أصبحوا, قلب اللّه عليهم ديارهم, فجعل عاليها سافلها, وأمطر عليهم حجارة من | |
سجيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم, فصاروا سَمَرًا من الأسمار, وعبرة من العبر. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون " </h1> | |
<p>" | |
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: تركنا من ديار قوم لوط, آثارا بينة لقوم يعقلون العبر بقلوبهم, | |
فينتفعون بها. <br> | |
كما قال تعالى: " وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ | |
مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم | |
الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين " </h1> | |
<p>أي وأرسلنا " وَإِلَى | |
مَدْيَنَ " القبيلة المعروفة المشهورة " | |
أَخَاهُمْ شُعَيْبًا " الذي أمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له, | |
والإيمان بالبعث ورجائه, والعمل له, ونهاهم عن الإفساد في الأرض, ببخس المكاييل | |
والموازين, والسعي بقطع الطرق. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " </h1> | |
<p>" فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ " أي عذاب اللّه " فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ | |
جَاثِمِينَ " . </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم | |
فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين " </h1> | |
<p>أي: وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود, وقد علمت | |
قصتهم, وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم, وآثارهم, التي بانوا عنها. <br> | |
وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات, المفيدة للبصيرة فكذبوهم, وجادلوهم. <br> | |
" وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ " حتى | |
ظنوا أنها أفضل, مما جاءتهم به الرسل. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في | |
الأرض وما كانوا سابقين " </h1> | |
<p>وكذلك قارون, وفرعون, وهامان, حين بعث اللّه | |
إليهم موسى ابن عمران; بالآيات البينات; والبراهين الساطعات, فلم ينقادوا, | |
واستكبروا في الأرض, على عباد اللّه, فأذلوهم, وعلى الحق, فردوه, فلم يقدروا على | |
النجاء, حين نزلت بهم العقوبة. <br> | |
" وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ " اللّه, ولا فائتين, | |
بل سلموا واستسلموا. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته | |
الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا | |
أنفسهم يظلمون " </h1> | |
<p>" فَكُلَا " من هؤلاء | |
الأمم المكذبة " أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ " على | |
قدره, وبعقوبة مناسبة له. <br> | |
" فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا " أي: | |
عذابا يحصبهم, كقوم عاد, حين أرسل اللّه عليهم الريح العقيم, و " | |
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى | |
الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ " . | |
<br> | |
" وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ " كقوم | |
صالح, " وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ " كقارون. | |
<br> | |
" وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا " كفرعون وهامان, | |
وجنودهما. <br> | |
" وَمَا كَانَ اللَّهُ " أي: ما ينبغي ولا يليق | |
به " لِيَظْلِمَهُمْ " لكمال عدله, وغناه التام, | |
عن جميع الخلق " وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ | |
" منعوها حقها, الذي هي بصدده, فإنها مخلوقة لعبادة اللّه وحده. <br> | |
فهؤلاء, وضعوها في غير موضعها, وشغلوها, بالشهوات والمعاصي, فضروها غاية الضرر, من | |
حيث ظنوا, أنهم ينفعونها. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا | |
وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " </h1> | |
<p>هذا مثل ضربه اللّه, لمن عبد معه غيره, يقصد به التعزز والتَّقَوِّي; | |
والنفع; وأن الأمر بخلاف مقصوده; فإن مثله; كمثل العنكبوت; اتخذت بيتا, يقيها من | |
الحر, والبرد, والآفات. <br> | |
" وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ " أي: أضعفها | |
وأوهاها " لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ " . <br> | |
فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة, وبيتها, من أضعف البيوت فما ازدادت باتخاذه, إلا | |
ضعفا. <br> | |
كذلك هؤلاء, الذين يتخذون من دونه أولياء, فقراء, عاجزون, من جميع الوجوه. <br> | |
وحين اتخذوا الأولياء من دونه, يتعززون بهم, ويستنصرونهم, ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم, | |
ووهنا إلى وهنهم. <br> | |
فإن اتكلوا عليهم, في كثير من مصالحهم, وألقوها عليهم, تخلوا هم عنها. <br> | |
على أن أولئك سيقومون بها. <br> | |
فخذلوهم, فلم يحصلوا منهم على طائل, ولا أنالوهم من معونتهم, أقل نائل. <br> | |
فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم, حالهم, وحال من اتخذوهم, لم يتخذوهم, ولتبرأوا | |
منهم, ولتولوا الرب القادر الرحيم, الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه, كفاه مئونة | |
دينه ودنياه, وازداد قوة إلى قوته, في قلبه وبدنه وحاله وأعماله. <br> | |
ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين, ارتقى من هذا, إلى ما هو أبلغ منه, وأنها ليست | |
بشيء, بل هي مجرد أسماء سموها, وظنون اعتقدوها. <br> | |
وعند التحقيق, يتبين للعاقل بطلانها وعدمها, ولهذا قال: </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم " | |
</h1> | |
<p>" إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ | |
شَيْءٍ " أي: إنه تعالى يعلم - وهو عالم | |
الغيب والشهادة - أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا, ولا إلها له حقيقة, | |
كقوله تعالى " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا | |
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " . | |
<br> | |
وقوله " وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ | |
اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ " . <br> | |
" وَهُوَ الْعَزِيزُ " الذي له القوة جميعا, الذي | |
قهر بها جميع الخلق. <br> | |
" الْحَكِيمُ " الذي يضع الأشياء مواضعها, الذي | |
أحسن كل شيء خلقه, وأتقن ما أمره. </p> | |
<h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " </h1> | |
<p>" | |
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ " أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونها من الطرق الموضحة للعلوم, لأنها | |
تقرب الأمور المعقولة, بالأمور المحسوسة, فيتضح المعنى المطلوب بسببها, فهي مصلحة | |
لعموم الناس. <br> | |
ولكن " وَمَا يَعْقِلُهَا " بفهمها وتدبرها, وتطبيقها | |
على ما ضربت له, وعقلها في القلب. <br> | |
" إِلَّا الْعَالِمُونَ " أي: إلا أهل العلم | |
ا |