سورة السجدة - تفسير السعدي | |
| | |
" الم " | |
" آلم " سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة | |
| البقرة. | |
" تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين " | |
هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه | |
| وسلم لا شك أنه منزل من عند الله, رب الخلائق أجمعين. | |
" أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من | |
| نذير من قبلك لعلهم يهتدون " | |
بل أيقول المشركون: اختلق محمد صلى الله عليه وسلم القرآن؟ كذبوا, بل | |
| هو الحق الثابت المنزل عليك -يا محمد- من ربك; لتنذر به أناسا لم يأتهم نذير من | |
| قبلك, لعلهم يهتدون, فيعرفوا الحق ويؤمنوا به ويؤثروه, ويؤمنوا بك. | |
" الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى | |
| على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون " | |
الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام لحكمة يعلمها, | |
| وهو قادر أن يخلقها بكلمة (كن) فتكون, ثم استوى سبحانه وتعالى -أي علا وارتفع- على | |
| عرشه استواء يليق بجلاله, لا يكيف, ولا يشبه باستواء المخلوقين. | |
| ليس لكم -أيها الناس- من ولي يلي أموركم, أو شفيع يشفع لكم عند الله; لتنجوا من | |
| عذابه, أفلا تتعظون وتتفكرون -أيها الناس-, فتفردوا الله يالألوهية وتخلصوا له | |
| العبادة؟ | |
" يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره | |
| ألف سنة مما تعدون " | |
سدبر الله تعالى أمر المخلوقات من السماء إلى الأرض, ثم يصعد ذلك الأمر | |
| والتدبير إلى الله في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي تعدونها. | |
" ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم " | |
ذلك الخالق المدبر لشؤون العالمين, عالم بكل ما يغيب عن الأبصار, مما | |
| تكنه الصدور وتخفيه النفوس, وعالم بما شاهدته الأبصار, وهو القوي الظاهر الذي لا | |
| يغالب, الرحيم بعباده المؤمنين. | |
" الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين " | |
الله الذي أحكم خلق كل شيء, وبدأ خلق الإنسان, وهو آدم عليه السلام من | |
| طين. | |
" ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " | |
ثم جعل ذرية آدم متناسلة من نطفة ضعيفة رقيقة مهينة. | |
" ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة | |
| قليلا ما تشكرون " | |
ثم أتم خلق الإنسان وأبدعه, وأحسن خلقته, ونفخ فيه من روحه بإرسال | |
| الملك له; لينفخ فيه الروح, وجعل لكم -أيها الناس- نعمة السمع والأبصار يميز بها | |
| بين الأصوات والألوان والذرات والأشخاص, ونعمة العقل يميز بها بين الخير والشر | |
| والنافع والضار. | |
| قليلا ما تشكرون ربكم على ما أنعم به عليكم. | |
" وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم | |
| كافرون " | |
وقال المشركون بالله المكذبون بالبعث: إذا صارت لحومنا وعظامنا ترابا | |
| في الأرض أنبعث خلقا جديدا؟ يستبعدون ذلك غير طالبين الوصول إلى الحق, وإنما هو | |
| منهم ظلم وعناد; لأنهم بلقاء ربهم -يوم القيامة- كافرون. | |
" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون " | |
قل -يا محمد- لهؤلاء المشركين: يتوفاكم ملك | |
| الموت الذي وكل بكم, فيقبض أرواحكم إذا انتهت آجالكم, ولن تتأخروا لحظة واحدة, ثم | |
| تردون إلى ربكم, فيجازيكم على جميع أعمالكم: إن خيرا فخير وإن شرا فشر. | |
" ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا | |
| فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " | |
ولو ترى -أيها الخاطب- إذ المجرمون الذين أنكروا البعث قد خفضوا رؤوسهم | |
| عند ربهم من الحياء والخجل والخزي والعار قائلين: ربنا أبصرنا قبائحنا, وسمعنا منك | |
| تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنبا, وقد تبنا إليك, فارجعنا إلى الدنيا لنعمل | |
| فيها بطاعتك, إنا قد أيقنا الآن ما كنا به في الدنيا مكذبين من وحدانيتك, وأنك | |
| تبعث من في القبور. | |
| ولو رأيت -أيها الخاطب- ذلك كله, لرأيت أمرا عظيما, وخطبا جسيما. | |
" ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من | |
| الجنة والناس أجمعين " | |
ولو شئنا لآتينا هؤلاء المشركين بالله رشدهم وتوفيقهم للإيمان, ولكن حق | |
| القول مني ووجب لأملأن جهنم من أهل الكفر والمعاصي, من الجنة والناس أجمعين; وذلك | |
| لاختيارهم الضلالة على الهدى. | |
" فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد | |
| بما كنتم تعملون " | |
يقال لهؤلاء المشركين -عند دخولهم النار-: | |
| فذوقوا العذاب; بسبب غفلتكم عن الآخرة وانغماسكم في لذائذ الدنيا, إنا تركناكم | |
| اليوم في العذاب, وذوقوا عذاب جهنم الذي لا ينقطع; بما كنتم تعملون في الدنيا من | |
| الكفر بالله ومعاصيه. | |
" إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد | |
| ربهم وهم لا يستكبرون " | |
إنما يصدق بآيات القرآن ويعمل بها الذين إذا | |
| وعظوا بها أو تليت عليهم سجدوا لربهم خاشعين مطيعين, وسبحوا الله في سجودهم بحمده, | |
| وهم لا يستكبرون عن السجود والتسبيح له, وعبادته وحده لا شريك له. | |
" تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم | |
| ينفقون " | |
ترتفع جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله عن فراش النوم, يتهجدون | |
| لربهم في صلاة الليل, يدعون ربهم خوفا من العذاب وطمعا في الثواب, ومما رزقناهم | |
| ينفقون في طاعه الله وفي سبيله. | |
" فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون | |
| " | |
فلا تعلم نفس ما ادخر الله لهؤلاء المؤمنين | |
| مما تقربه العين, وينشرح له الصدر; جزاء لهم على أعمالهم الصالحة. | |
" أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " | |
أفمن كان مطيعا لله ورسوله مصدقا بوعده | |
| ووعيده, مثل من كفر بالله ورسله وكذب باليوم الآخر؟ لا يستوون عند الله. | |
" أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما | |
| كانوا يعملون " | |
أما الذين آمنوا بالله وعملوا بما أمروا به | |
| فجزاؤهم جنات يأوون إليها, ويقيمون في نعيمها ضيافة لهم; جزاء لهم بما كانوا | |
| يعملون في الدنيا بطاعته. | |
" وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها | |
| أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون " | |
وأما الذين خرجوا عن طاعة الله وعملوا بمعاصيه فمستقرهم جهنم, كلما | |
| أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها, وقيل لهم -توبيخا وتقريعا-: ذوقوا عذاب النار | |
| الذي كنتم به تكذبون في الدنيا. | |
" ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون | |
| " | |
ولنذيقن هؤلاء الفاسقين المكذبين من العذاب الأدنى من البلاء والمحن | |
| والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة, حيث يعذبون في نار جهنم; لعلهم | |
| يرجعون ويتوبون من ذنوبهم. | |
" ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين | |
| منتقمون " | |
ولا أحد أشد ظلما لنفسه ممن وعظ بدلائل الله, ثم أعرض عن ذلك كله, فلم | |
| يتعظ بمواعظه, ولكنه استكبر عنها, إنا من المجرمين الذين أعرضوا عن آيات الله وحججه, | |
| ولم ينتفعوا بها, منتقمون. | |
" ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى | |
| لبني إسرائيل " | |
ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك القرآن | |
| يا محمد, فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة الإسراء والمعراج, وجعلنا التوراة هداية | |
| لبني إسرائيل, تدعوهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم. | |
" وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون | |
| " | |
وجعلنا من بني إسرائيل هداة ودعاة إلى | |
| الخير, يأتم بهم الناس, ويدعونهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده وطاعته, وإنما | |
| نالوا هذه الدرجة العالية حين صبروا على أوامر الله, وترك زواجره, والدعوة إليه, | |
| وتحمل الأذى في سبيله, وكانوا بآيات الله وحججه يوقنون. | |
" إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون | |
| " | |
إن ربك -يا محمد- يقضي بين المؤمنين | |
| والكافرين من بني إسرائيل وغيرهم يوم القيامة بالعدل فيما اختلفوا فيه من أمور | |
| الدين, ويجازي كل إنسان بعمله بإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. | |
" أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن | |
| في ذلك لآيات أفلا يسمعون " | |
أو لم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول: كم أهلكنا من قبلهم من الأم | |
| السابقة يمشون في مساكنهم, فيشاهدونها عيانا كقوم هود وصالح ولوط؟ إن في ذلك لآيات | |
| وعظات يستدل بها على صدق الرسل التي جاءتهم, وبطلان ما هم عليه من الشرك, أفلا | |
| يسمع هؤلاء المكذبون بالرسل مواعظ الله وحججه, فينتفعون بها؟ | |
" أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل | |
| منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون " | |
أو لم ير المكذبون بالبعث بعد الموت أننا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة | |
| الغليظة التي لا نبات فيها, فنخرج به زرعا مختلفا ألوانه تأكل منه أنعامهم, وتتغذى | |
| به أبدانهم فيعيشون به؟ أفلا يرون هذه النعم بأعينهم, فيعلموا أن الله الذي فعل | |
| ذلك قادر على إحياء الأموات ونشرهم من قبورهم؟ | |
" ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين " | |
يستعجل هؤلاء المشركون بالله العذاب, فيقولون: متى هذا الحكم الذي يقضي | |
| بيننا وبينكم بتعذيبنا على زعمكم إن كنتم صادقين في دعواكم؟ | |
" قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون " | |
قل لهم -يا محمد-: يوم القضاء الذي يقع فيه | |
| عقابكم, وتعاينون فيه الموت لا ينفع الكفار إيمانهم, ولا هم يؤخرون للتوبة | |
| والمراجعة. | |
" فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون " | |
فأعرض -يا محمد- عن هؤلاء المشركين, ولا | |
| تبال بتكذيبهم, وانتظر ما الله صانع بهم, إنهم منتظرون ومتربصون بكم دوائر السوء. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً