سورة سبأ - تفسير السعدي | |
| | |
" الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد | |
| في الآخرة وهو الحكيم الخبير " | |
الثناء | |
| الجمبل والشكر الكامل لله وحده الذي له ملك ما في السموات وما في الأرض, وله | |
| الثناء التام في الآخرة, وهو الحكيم في فعله, الخبير بشؤون خلقه. | |
" يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما | |
| يعرج فيها وهو الرحيم الغفور " | |
يعلم كل ما يدخل في الأرض من قطرات الماء, وما يخرج منها من النبات | |
| والمعادن والمياه, وما ينزل من السماء من الأمطار والملائكة والكتب, وما يصعد | |
| إليها من الملائكة وأفعال الخلق. | |
| وهو الرحيم بعباده فلا يعاجل عصاتهم بالعقوبة, الغفور لذنوب التائبين إليه | |
| المتوكلين عليه. | |
" وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم | |
| الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر | |
| إلا في كتاب مبين " | |
وقال الكافرون المنكرون للبعث: لا تأتينا القيامة, قل لهم -يا محمد-: | |
| بلى وربي لتأتينكم, ولكن لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى الله علام الغيوب, الذي لا | |
| يغيب عنه وزن نملة صغيرة في السموات والأرض, ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا هو | |
| مسطور في كتاب واضح, وهو اللوح المحفوظ; | |
" ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم | |
| " | |
ليثيب الذين صدقوا بالله, واتبعوا رسوله, وعملوا الصالحات. | |
| أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم, وهو الجنة. | |
" والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم | |
| " | |
والذين سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب | |
| رسله وإبطال إياتنا مشاقين الله مغالبين أمره, أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده ألما. | |
" ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي | |
| إلى صراط العزيز الحميد " | |
ويعلم الذين أعطوا العلم أن القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق, | |
| ويرشد إلى طريق الله, العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع, بل قهر كل شيء وغلبه, | |
| المحمود في أقواله وأفعاله وشرعه. | |
" ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي | |
| إلى صراط العزيز الحميد " | |
ويعلم الذين أعطوا العلم أن القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق, ويرشد | |
| إلى طريق الله, العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع, بل قهر كل شيء وغلبه, المحمود في | |
| أقواله وأفعاله وشرعه. | |
" أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في | |
| العذاب والضلال البعيد " | |
هذا الرجل أختلق على الله كذبا أم به جنون, | |
| فهو يتكلم بما لا يدري؟ ليس الأمر كما قال الكفار, بل محمد أصدق الصادقين. | |
| والذين لا يصدقون بالبعث ولا يعملون من أجله في العذاب الدائم في الآخرة, والضلال | |
| البعيد عن الصواب في الدنيا. | |
" أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ | |
| نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب " | |
أفلم ير هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون | |
| بالآخرة عظيم قدرة الله فيما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض مما يبهر | |
| العقول, وأنهما قد أحاطتا بهم؟ إن نشأ نخسف بهم الأرض, كما فعلنا بقارون, أو ننزل | |
| عليهم قطعا من العذاب, كما فعلنا بقوم شعيب, فقد أمطرت السماء عليهم نارا | |
| فأحرقتهم. | |
| إن في ذلك الذي ذكرنا من قدرتنا لدلالة ظاهرة لكل عبد راجع إلى ربه بالتوبة, ومقر | |
| له بتوحيده, ومخلص له في العبادة. | |
" ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له | |
| الحديد " | |
ولقد أتينا داود نبوة, وكتابا وعلما, وقلنا | |
| للجبال والطير: سبحي معه, وألنا له الحديد, فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء. | |
" أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون | |
| بصير " | |
أن اعمل دروعا تامات واسعات وقدر المسامير | |
| في حلق الدروع, فلا تعمل الحلقة صغيرة فتضعف, فلا تقوى الدروع على الدفاع, ولا | |
| تجعلها كبيرة فتثقل على لابسها, واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة الله, إني بما | |
| تعملون بصير لا يخفى علي شيء منها. | |
" ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن | |
| الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير " | |
وسخرنا لسليمان الريح تجري صن أول النهار إلى انتصافه مسيرة شهر, ومن | |
| منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد, وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء, | |
| يعمل به ما يشاء, وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه, ومن يعدل منهم عن | |
| أمرنا الذي أمرنا به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة. | |
" يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور | |
| راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " | |
يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة, وصور من نحاس وزجاج, | |
| وقصاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء, وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها | |
| لعظمهن, وقلنا يا آل داود: اعملوا شكرا لله على ما أعطاكم, وذلك بطاعته وامتثال | |
| أمره, وقليل من عبادي من يشكر الله كثيرا, وكان داود وآله من القليل. | |
" فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل | |
| منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين | |
| " | |
فلما قضينا على سليمان بالموت ما دل الجن على موته إلا الأرضة تأكل | |
| عصاه التي كان متكئا عليها, فوقع سليمان على الأرض, عند ذلك علمت الجن أنهم لو | |
| كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذل والعمل الشاق لسليمان. | |
| ظنا منهم أنه من الأحياء. | |
| وفي الآية إبطال لاعتقاد بعض الناس أن الجن يعلمون الغيب; إذ لو كانوا يعلمون | |
| الغيب لعلموا وفاة سليمان عليه السلام, ولما أقاموا في العذاب المهين. | |
" لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق | |
| ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور " | |
لقد كان لقبيلة سبأ بـ(اليمن) في مسكنهم دلالة على قدرتنا: بستانان عن | |
| يمين وشمال, كلوا من رزق ربكم, واشكروا له نعمه عليكم; فإن بلدتكم كريمة التربة | |
| حسنة الهواء, وربكم غفور لكم. | |
" فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي | |
| أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل " | |
فاعرضوا عن أمر الله وشكره وكذبوا الرسل, فأرسلنا عليهم السيل الجارف | |
| الشديد الذي خرب السد وأغرق البساتين, وبدلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتي أكل | |
| خمط, وهو الثمر المر الكريه الطعم, وأثل وهو شجر شبيه بالطرفاء لا ثمر له, وقليل | |
| من شجر النبق كثير الشوك. | |
" ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور " | |
ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهم, وعدم شكرهم نعم الله, وما نعاقب | |
| بهذا العقاب الشديد إلا الجحود المبالغ في الكفر, يجازي بفعله مثلا بمثل. | |
" وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا | |
| فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين " | |
وجعلنا بين أهل (سبا) -وهم (باليمن)- والقرى | |
| التي باركنا فيها -وهي (الشام)- مدنا متصلة يرى بعضها من بعض, وجعلنا السير فيها | |
| سيرا مقدرا من منزل إلى منزل لا مشقة فيه, وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى في أي | |
| وقت شئتم من ليل أو نهار, آمنين لا تخافون عدوا, رلا جوعا ولا عطشا. | |
" فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث | |
| ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " | |
فبطغيانهم ملوا الراحة والأمن ورغد العيش, وقالوا: ربنا اجعل قرانا | |
| متباعدة; ليبعد سفرنا بينها, فلا نجد قرى عامرة في طريقنا, وظلموا أنفسهم بكفرهم | |
| فأهلكناهم, وجعلناهم عبرا وأحاديث لمن يأتي بعدهم, وفرقناهم كل تفريق وخربت | |
| بلادهم, إن فيما حل (بسبأ) لعبرة لكل صبار على المكاره والشدائد, شكور لنعم الله | |
| تعالى. | |
" ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين " | |
ولقد ظن إبليس ظنا غير يقين أنه سيضل بني آدم, وأنهم سيطيعونه في معصية | |
| الله, فصدق ظنه عليهم, فأطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقا من المؤمنين بالله, فإنهم | |
| ثبتوا على طاعة الله. | |
" وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو | |
| منها في شك وربك على كل شيء حفيظ " | |
وما كان لإبليس على هؤلاء الكفار من قهر على الكفر, ولكن حكمة الله | |
| اقتضت تسويله لبني آدم; لنعلم من يصدق بالبعث والثواب والعقاب ممن هو في شك من | |
| ذلك. | |
| وربك على كل شيء حفيظ, يحفظه ويجازي عليه. | |
" قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات | |
| ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير " | |
قل -يا محمد- للمشركين: ادعوا الذين | |
| زعمتموهم شركاء لله فعبدتموهم من دونه من الأصنام والملائكة والبشر, واقصدوهم في | |
| حوائجكم, فإنهم لن يجيبوكم, فهم لا يملكون وزن نملة صغيرة في السموات ولا في الأرض, | |
| وليس لهم شركة فيهما, وليس لله من هؤلاء المشركين معين على خلق شيء, بل الله | |
| -سبحانه وتعالى- هو المتفرد بالإيجاد, فهو الذي يعبد وحده, ولا يستحق العبادة أحد | |
| سواه. | |
" ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم | |
| قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير " | |
ولا تنفع شفاعة الشافع عند الله تعالى إلا لمن أذن له. | |
| ومن عظيم قدرة الله عز وجل أنه إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السموات كلامه | |
| أرعدوا من الهيبة, حتى يلحقهم مثل الغشي, فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم | |
| بعضا: ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: قال الحق, وهو العلي بذاته وقهره وعلو قدره, | |
| الكبير على كل شيء. | |
" قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى | |
| هدى أو في ضلال مبين " | |
قل -يا محمد- للمشركين: من يرزقكم من | |
| السموات بالمطر, ومن الأرض بالنبات والمعادن وغير ذلك؟ فإنهم لا بد أن يقروا بأنه | |
| الله, وإن لم تقروا بذلك فقل لهم: الله هو الرزاق, وإن أحد الفريقين منا ومنكم | |
| لعلي هدى متمكن منه, أو في ضلال بين منغمس فيه. | |
" قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون " | |
قل: لا تسألون عن ذنوبنا, ولا نسأل عن أعمالكم; لأننا بريئون منكم ومن | |
| كفركم. | |
" قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم | |
| " | |
قل: ربنا يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة, ثم يقضي بيننا بالعدل, وهو | |
| الفتاح الحاكم بين خلقه, العليم بما ينبغي أن يقضى به, وبأحوال خلقه, لا تخفى عليه | |
| خافية. | |
" قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم | |
| " | |
قل: أروني بالحجة والدليل الذين ألحقتموهم | |
| بالله وجعلتموهم شركاء له في العبادة, هل خلقوا شيئا؟ ليس الأمر كما وصفوا, بل هو | |
| المعبود بحق الذي لا شريك له, العزيز في انتقامه ممن أشرك به الحكيم في أقواله | |
| وأفعاله وتدبير أمور خلقه. | |
" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا | |
| يعلمون " | |
وما أرسلناك -يا محمد- إلا للناس أجمعين | |
| مبشرا بثواب الله, ومنذرا عقابه, ولكن أكثر الناس لا يعلمون الحق, فهم معرضون عنه. | |
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " | |
ويقول هؤلاء المشركون مستهزئين: متى هذا | |
| الوعد الذي تعدوننا أن يجمعنا الله فيه, ثم يقضي بيننا, إن كنتم صادقين فيما | |
| تعدوننا به؟ | |
" قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون " | |
قل لهم -يا محمد-: لكم ميعاد هو آتيكم لا محالة, وهو ميعاد يوم | |
| القيامة, لا تستأخرون عنه ساعة للتوبة, ولا تستقدمون ساعة قبله للعذاب. | |
| فاحذروا ذلك اليوم, وأعدوا له عدته. | |
" وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو | |
| ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا | |
| للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين " | |
وقال الذين كفروا: لن نصدق بهذا القرآن ولا بالذي تقدمه من التوراة | |
| والإنجيل والزبور, فقد كذبوا بجميع كتب الله. | |
| ولو ترى -يا محمد- إذ الظالمون محبوسون عند ربهم للحساب, يتراجعون الكلام فيما | |
| بينهم, كل يلقي بالعتاب على الآخر, لرأيت شيئا فظيعا, يقول المستضعفون للذين | |
| استكبروا -وهم القادة والرؤساء الضالون المضلون-: لولا أنتم أضللتمونا عن الهدى | |
| لكنا مؤمنين بالله ورسوله. | |
" قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد | |
| إذ جاءكم بل كنتم مجرمين " | |
قال الرؤساء للذين استضعفوا: أنحن منعناكم | |
| من الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين إذ دخلتم في الكفر بإرادتكم مختارين. | |
" وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ | |
| تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا | |
| الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " | |
وقال المستضعفون لرؤسائهم في الضلال: بل | |
| تدبيركم الشر لنا في الليل والنهار هو الذي أوقعنا في التهلكة, فكنتم تطلبون منا | |
| أن نكفر بالله, ونجعل له شركاء في العبادة, وأسر كل من الفريقين الحسرة حين رأوا | |
| العذاب الذي أعد لهم, وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا, لا يعاقبون بهذا | |
| العقاب إلا بسبب كفرهم بالله وعملهم السيئات في الدنيا. | |
| وفي الآية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلال وأئمة الطغبان. | |
" وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به | |
| كافرون " | |
وما أرسلنا في قرية من رسول يدعو الى توحيد الله وإفراده بالعبادة, إلا | |
| قال المنغمسون في اللذات والشهوات من أهلها: إنا بالذي جئتم به -أيها الرسل- | |
| جاحدون. | |
" وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " | |
وقالوا: نحن أكثر منكم أموالا وأولادا, | |
| والله لم يعطنا هذه النعم إلا لرضاه عنا, وما نحن بمعذبين في الدنيا ولا في | |
| الآخرة. | |
" قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون | |
| " | |
قل لهم -يا محمد-: إن ربي يوسع الرزق في | |
| الدنيا لمن يشاء من عباده, ويضيق على من يشاء, لا لمحبة ولا لبغض, ولكن يفعل ذلك | |
| اختبارا, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك اختبار لعباده; لأنهم لا يتأملون. | |
" وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل | |
| صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون " | |
وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم | |
| عندنا قربى, وترفع درجاتكم, لكن من آمن بالله وعمل صالحا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من | |
| الحسنات, فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة, وهم في أعالي الجنة | |
| آمنون من العذاب والموت والأحزان. | |
" والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون " | |
والذين يسعون في إبطال حججنا, ويصدون عن | |
| سبيل الله مشاقين مغالبين, هؤلاء في عذاب جهنم يوم القيامة, تحضرهم الزبانية, فلا | |
| يخرجون منها. | |
" قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من | |
| شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " | |
قل -يا محمد- لهؤلاء المغترين بالأموال | |
| والأولاد: إن ربي يوسع الرزق على من يشاء من عباده, ويضيفه على من يشاء; لحكمة | |
| يعلمها, ومهما أعطيتم من شيء فيما أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل, وفي | |
| الآخرة بالثواب, وهو -سبحانه- خير الرازقين, فاطلبوا الرزق منه وحده, واسعوا في | |
| الأسباب التي أمركم بها. | |
" ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون | |
| " | |
واذكر -يا محمد- يوم يحشر الله المشركين والمعبودين من دونه من | |
| الملائكة, ثم يقول للملائكة على وجه التوبيخ لمن عبدهم: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون | |
| من دوننا؟ | |
" قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم | |
| بهم مؤمنون " | |
قالت الملائكة: ننزهك يا ألله عن أن يكون لك شريك في العبادة, أنت | |
| ولينا الذي نطيعه ونعبده وحده, بل كان هؤلاء يعبدون الشياطين, أكثرهم بهم مصدقون | |
| ومطيعون. | |
" فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا | |
| ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون " | |
ففي يوم الحشر لا يملك المعبودون للعابدين | |
| نفعا ولا ضرا, ونقول للذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي: ذوقوا عذاب النار التي | |
| كنتم بها تكذبون. | |
" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن | |
| يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما | |
| جاءهم إن هذا إلا سحر مبين " | |
وإذا تتلى على كفار (مكة) آيات الله واضحات قالوا: ما محمد إلا رجل | |
| يرغب أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم, وقالوا: ما هذا القرآن | |
| الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا كذب مختلق, جئت به من عند نفسك, وليس من عند الله, | |
| وقال الكفار عن القرآن لما جاءهم: ما هذا إلا سحر واضح. | |
" وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير | |
| " | |
وما أنزلنا على الكفار من كتب يقرؤونها قبل القرآن فتدلهم على ما | |
| يزعمون من أن ما جاءهم به محمد سحر, وما أرسلنا إليهم قبلك -يا محمد- من رسول | |
| ينذرهم بأسنا. | |
" وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي | |
| فكيف كان نكير " | |
وكذب الذين من قبلهم كعاد وثمود رسلنا, وما | |
| بلغ أهل (مكة) عشر ما آتينا الأمم السابقة من القوة, وكثرة المال, وطول العمر وغير | |
| ذلك من النعم, فكذبوا رسلي فيما جاؤوهم به فأهلكناهم, فانظر -يا محمد- كيف كان | |
| إنكاري عليهم وعقوبتي إياهم؟ | |
" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما | |
| بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد " | |
قل -يا محمد- لهؤلاء المكذبين المعاندين: إنما أنصح لكم بخصلة واحدة أن | |
| تنهضوا في طاعة الله اثنين اثنين وواحدا واحدا, ثم تتفكروا في حال صاحبكم رسول | |
| الله صلى الله عليه وسلم وفيما نسب إليه, فما به من جنون, وما هو الا مخوف لكم, | |
| ونذير من عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها. | |
" قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل | |
| شيء شهيد " | |
قل -يا محمد- للكفار: ما سألتكم على الخير | |
| الذي جئتكم به من أجر فهو لكم, ما أجري الذي أنتظره إلا على الله المطلع على | |
| أعمالي وأعمالكم, لا يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع, كل بما يستحقه. | |
" قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب " | |
قل -يا محمد- لمن أنكر التوحيد ورسالة الإسلام: إن ربي يقذف الباطل | |
| بحجج من الحق, فيفضحه ويهلكه, والله علام الغيوب, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا | |
| في السماء. | |
" قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " | |
قل -يا محمد-: جاء الحق والشرع العظيم من | |
| الله, وذهب الباطل, واضمحل سلطانه, فلم يبق للباطل شيء يبدؤه ويعيده. | |
" قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي | |
| إنه سميع قريب " | |
قل: إن ملت عن الحق فإثم ضلالي على نفسي, وإن استقمت عليه فبوحي الله | |
| الذي يوحيه إلي, إن ربي سميع لما أقول لكم, قريب ممن دعا وسأله. | |
" ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب " | |
ولو ترى -يا محمد- إذ فزع الكفار حين معاينتهم عذاب الله, لرأيت أمرا | |
| عظيما, فلا نجاة لهم ولا مهرب, وأخذوا إلى النار من موضع قريب التناول. | |
" وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " | |
وقال الكفار -عندما رأوا العذاب في الآخرة-: | |
| آمنا بالله وكتبه ورسله, وكيف لهم تناول الإيمان في الآخرة ووصولهم له من مكان | |
| بعيد؟ قد حيل بينهم وبينه, فمكانه الدنيا, وقد كفروا فيها. | |
" وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد " | |
وقد كفروا بالحق في الدنيا, وكذبوا الرسل, ويرمون بالظن من جهة بعيدة | |
| عن إصابة الحق, ليس لهم فيها مستند لظنهم الباطل, فلا سبيل لإصابتهم الحق, كما لا | |
| سبيل للرامي إلى إصابة الغرض من مكان بعيد. | |
" وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا | |
| في شك مريب " | |
وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة | |
| والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا, كما فعل الله بأمثالهم من كفرة الأمم السابقة, إنهم | |
| كانوا في الدنيا في شك من أمر الرسل والبعث والحساب, محدث للريبة والقلق, فلذلك لم | |
| يؤمنوا. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً