سورة يس - تفسير السعدي | |
| | |
" يس " | |
" يس " , سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة | |
| البقرة. | |
" والقرآن الحكيم " | |
يقسم الله تعالى بالقرآن المحكم بما فيه من الأحكام والحكم والحجج, | |
" إنك لمن المرسلين " | |
إنك -يا محمد- لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده, | |
" على صراط مستقيم " | |
على طريق مستقيم معتدل, وهو الإسلام. | |
" تنزيل العزيز الرحيم " | |
هذا القرآن تنزيل العزيز في انتقامه من أهل | |
| الكفر والمعاصي, الرحيم بمن تاب من عباده وعمل صالحا. | |
" لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " | |
أنزلناه عليك -يا محمد- لتحذر به قوما لم | |
| ينذر آباؤهم الأقربون من قبلك, وهم العرب, فهؤلاء القوم ساهون عن الإيمان | |
| والاستقامة على العمل الصالح. | |
| وكل أمة ينقطع عنها الإنذار تقع في الغفلة, وفي هذا دليل على وجوب الدعوة والتذكير | |
| على العلماء بالله وشرعه; لإيقاظ المسلمين من غفلتهم. | |
" لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " | |
لقد وجب العذاب على أكثر هؤلاء الكافرين, | |
| بعد أن غرض عليهم الحق فرفضوه, فهم لا يصدقون بالله ولا برسوله, ولا يحملون بشرعه. | |
" إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون " | |
إنا جعلنا هؤلاء الكفار الذين عرض عليهم | |
| الحق فردوه, وأصروا على الكفر وعدم الإيمان, كمن جعل في أعناقهم أغلال, فجمعت | |
| أيديهم مع أعناقهم تحت أذقانهم, فاضطروا إلى رفع رؤوسهم إلى السماء, فهم مغلولون | |
| عن كل خير, لا يبصرون الحق ولا يهتدون إليه. | |
" وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا | |
| يبصرون " | |
وجعلنا من أمام الكافرين سدا ومن ورائهم | |
| سدا, فهم بمنزلة من سد طريقه من بين يديه ومن خلفه, فأعمينا أبصارهم; بسبب كفرهم | |
| واستكبارهم, فهم لا يبصرون رشدا, ولا يهتدون. | |
| وكل من قابل دعوة الإسلام بالإعراض والعناد, فهو حقيق بهذا العقاب. | |
" وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " | |
يستوي عند هؤلاء الكفار المعاندين تحذيرك | |
| لهم -يا محمد- وعدم تحذيرك, فهم لا يصدقون ولا يعملون. | |
" إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر | |
| كريم " | |
إنما ينفع تحذيرك من آمن بالقرآن, واتبع ما فيه من أحكام الله, وخاف | |
| الرحمن, حيث لا يراه أحد إلا الله, فبشره بمغفرة من الله لذنوبه, وثواب منه في | |
| الآخرة على أعماله الصالحة, وهو دخوله الجنة. | |
" إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في | |
| إمام مبين " | |
إنا نحن نحيي الأموات جميعا ببعثهم يوم القيامة, ونكتب ما عملوا من | |
| الخير والشر, وآثارهم التي كانوا سببا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير, كالولد | |
| الصالح, والعلم النافع, والصدقة الجارية, ومن شر, كالشرك والعصيان, وكل شيء | |
| أحصيناه في كتاب واضح هو أم الكتب, وإليه مرجعها, وهو اللوح المحفوظ. | |
| فعلى العاقل محاسبة نفسه; ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته. | |
" واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون " | |
واضرب -يا محمد- لمشركي فومك الرادين لدعوتك | |
| مثلا يعتبرون به, وهو قصة أهل القرية, حين ذهب إليهم المرسلون, | |
" إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم | |
| مرسلون " | |
إذ أرسلنا إليهم رسولين لدعوتهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة غيره, | |
| فكذب أهل القرية الرسولين, فعززناهما وقويناهما برسول ثالث, فقال الثلاثة لأهل | |
| القرية: إنا إليكم -أيها القوم- مرسلون. | |
" قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم | |
| إلا تكذبون " | |
قال أهل القرية للمرسلين: ما أنتم إلا أناس | |
| مثلنا؟ وما أنزل الرحمن شيئا من الوحي, وما أنتم -أيها الرسل- إلا تكذبون. | |
" قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " | |
قال المرسلون مؤكدين: ربنا الذي أرسلنا يعلم إنا إليكم لمرسلون, | |
" وما علينا إلا البلاغ المبين " | |
وما علينا إلا تبليغ الرسالة بوضرح, ولا نملك هدايتكم, فالهداية بيد | |
| الله وحده. | |
" قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب | |
| أليم " | |
قال أهل القرية: إنا تشاءمنا بكم, لئن لم | |
| تكفوا عن دعوتكم لنا لنقتلنكم رميا بالحجارة, وليصيبنكم منا عذاب أليم موجع. | |
" قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون " | |
قال المرسلون: شؤمكم وأعمالكم من الشرك | |
| والشر معكم ومردودة عليكم, أإن وعظتم بما فيه خيركم تشاءمتم وتوعدتمونا بالرجم | |
| والتعذيب؟ بل أنتم فوم عادتكم الإسراف في العصيان والتكذيب. | |
" وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين | |
| " | |
وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم أن أهل القرية | |
| هموا بقتل الرسل أو تعذيبهم), قال: يا قوم اتبعوا المرسلين إليكم من الله, | |
" اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون " | |
اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أموالا على إبلاغ الرسالة, وهم مهتدون | |
| فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده. | |
| وفي هذا بيان فضل من سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. | |
" وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون " | |
وأي شيء يمنعني من أن أعبد الله الذي خلقني, | |
| وإليه تصيرون جميعا؟ | |
" أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا | |
| ولا ينقذون " | |
أأعبد من دون الله آلهة أخرى لا تملك من الأمر شيئا, إن يردني الرحمن | |
| بسوء فهذه الآلهة لا تملك دفع ذلك ولا منعه, ولا تستطيع إنقاذي مما أنا فيه؟ | |
" إني إذا لفي ضلال مبين " | |
إني إن فعلت ذلك لفي خطأ واضح ظاهر. | |
" إني آمنت بربكم فاسمعون " | |
إني آمنت بربكم فاستمعوا إلى ما قلته لكم, وأطيعوني بالإيمان. | |
| فلما قال ذلك وثب إليه قومه وقتلوه, فأدخله الله الجنة. | |
" قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون " | |
قيل له بعد قتله: ادخل الجنة, إكراما له. | |
" بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " | |
قال وهو في النعيم والكرامة: يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي وإكرامه | |
| إياي; بسبب إيماني بالله وصبري على طاعته, واتباع رسله حتى قتلت, فيؤمنوا بالله | |
| فيدخلوا الجنة مثلي. | |
" وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين | |
| " | |
وما احتاج الأمر إلى إنزال جند من السماء لعذابهم بعد قتلهم الرجل الناصح | |
| لهم وتكذيبهم رسلهم, فهم أضعف من ذلك وأهون, وما كنا منزلين الملائكة على الأمم | |
| إذا أهلكناهم, بل نبعث عليهم عذابا يدمرهم. | |
" إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون " | |
ما كان هلاكهم إلا بصيحة واحدة, فإذا هم ميتون لم تبق منهم باقية. | |
" يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون | |
| " | |
يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا | |
| عاينوا العذاب, ما يأتيهم من رسول من الله تعالى إلا كانوا به يستهزئون ويسخرون. | |
" ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون | |
| " | |
ألم ير هؤلاء المستهزئون ويعتبروا بمن فبلهم | |
| من القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون إلى هذه الدينا؟ | |
" وإن كل لما جميع لدينا محضرون " | |
وما كل هذه القرون التي أهلكناها وغيرهم, | |
| إلا محضرون جميعا عندنا يوم القيامة للحساب والجزاء. | |
" وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون | |
| " | |
ودلالة لهؤلاء المشركين على قدرة الله على البعث والنشور: هذه الأرض | |
| الميتة التي لا نبات فيها, أحييناها بإنزال الماء, وأخرجنا منها أنواع النبات مما | |
| يأكل الناس والأنعام, ومن أحيا الأرض بالنبات أحيا الخلق بعد الممات. | |
" وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون " | |
وجعلنا في هذه الأرض بساتين من نخيل وأعناب, وفجرنا فيها من عيون | |
| المياه ما يسقيها. | |
" ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون " | |
كل ذلك; ليأكل العباد من ثمره, وما ذلك إلا من رحمة الله بهم لا بسعيهم | |
| ولا بكدهم, ولا بحولهم وبقوتهم, أفلا يشكرون الله على ما أنعم به عليهم من هذه | |
| النعم التي لا تعد ولا تحصى؟ | |
" سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا | |
| يعلمون " | |
تنزه الله العظيم الذي خلق الأصناف جميعها من أنواع نبات الأرض, ومن | |
| أنفسهم ذكورا وإناثا, ومما لا يعلمون من مخلوقات لله الأخرى. | |
| قد انفرد سبحانه بالخلق, فلا ينبغي أن يشرك به غيره. | |
" وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون " | |
وعلامة لهم دالة على توحيد الله وكمال | |
| قدرته: هذا الليل ننزع منه النهار, فإذا الناس مظلمون. | |
" والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " | |
وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها, قدره الله لها لا تتعداه ولا تقصر | |
| عنه, ذلك تقدير العزيز الذي لا يغالب, العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء. | |
" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " | |
والقمر آية في خلقه, قدرناه منازل كل ليلة, يبدأ هلالا ضئيلا حتى يكمل | |
| قمرا مستديرا, ثم يرجع ضئيلا مثل عذق النخلة المتقوس في الرقة والانحناء والصفرة, | |
| لقدمه ويبسه. | |
" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في | |
| فلك يسبحون " | |
لكل من الشمس والقمر والليل والنهار وقت | |
| قدره الله له لا يتعداه, فلا يمكن للشمس أن تلحق القمر فتمحو نوره, أو تغير مجراه, | |
| ولا يمكن لليل أن يسبق النهار, فيدخل عليه قبل انقضاء وقته, وكل من الشمس والقمر | |
| والكواكب في فلك يجرون. | |
" وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون " | |
ودليل لهم وبرهان على أن الله وحده المستحق للعبادة, المنعم بالنعم, | |
| أنا حملنا من نجا من ولد آدم في سفينة نوح المملوءة بأجناس المخلوفات; لاستمرار | |
| الحياة بعد الطوفان. | |
" وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " | |
وخلقنا لهؤلاء المشركين وغيرهم مثل سفينة نوح من السفن وغيرها من | |
| المراكب التي يركبونها ونبلغهم أوطانهم. | |
" وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون " | |
وإن لا نغرقهم, فلا يجدون مغيثا لهم من | |
| غرقهم, ولا هم يخلصون من الغرق. | |
" إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين " | |
إلا أن نرحمهم فننجيهم ونمتعهم إلى أجل, لعلهم يرجعون ويستدركون ما | |
| فرطوا فيه. | |
" وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون | |
| " | |
وإذا قيل للمشركين: احذروا أمر الآخرة | |
| وأهوالها وأحوال الدنيا وعقابها; رجاء رحمة الله لكم, أعرضوا, ولم يجيبوا إلى ذلك. | |
" وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " | |
وما تجيء هؤلاء المشركين من علامة واضحة من | |
| عند ربهم, لتهديهم للحق, وتبين لهم صدق الرسول, إلا أعرضوا عنها, ولم ينتفعوا بها. | |
" وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين | |
| آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين " | |
وإذا قيل للكافرين: أنفقوا من الرزق الذي من | |
| به الله عليكم, قالوا للمؤمنين محتجين: أنطعم من لو شاء الله أطعمه؟ ما أتسم -أيها | |
| المؤمنون- إلا في ذهاب واضح عن الحق, إذ تأمروننا بذلك. | |
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " | |
ولقول هؤلاء الكفار على وجه التكذيب | |
| والاستعجال: متى يكون البعث إن كنتم صادقين فيما تقولونه عنه؟ | |
" ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون " | |
ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم إلا نفخة | |
| الفزع عند قيام الساعة, تأخذهم فجأة, وهم يختصمون في شؤون حياتهم. | |
" فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " | |
فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في (القرن) أن يوصوا أحدا بشيء, | |
| ولا يستطيعون الرجوع إلى أهلهم, بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم. | |
" ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " | |
ونفخ في (القرن) النفخة الثانية, فترد | |
| أرواحهم إلى أجسادهم, فإذا هم من قبورهم يخرجون إلى ربهم سراعا. | |
" قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق | |
| المرسلون " | |
قال المكذبون بالبعث نادمين: يا هلاكنا من | |
| أخرجنا من قبورنا؟ فيجابون ويقال لهم: هذا ما وعد به الرحمن, وأخبر عنه المرسلون | |
| الصادقون. | |
" إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون " | |
ما كان البعث من القبور إلا نتيجة نفخة | |
| واحدة في (القرن), فإذا جميع الخلق لدينا ماثلون للحساب والجزاء. | |
" فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " | |
في ذلك اليوم يتم الحساب بالعدل, فلا تظلم نفس شيئا بنقص حسناتها أو | |
| زيادة سيئاتها, ولا تجزون إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا. | |
" إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون " | |
إن أهل الجنة في ذلك اليوم مشغولون عن غيرهم بأنواع النعيم التي | |
| يتفكهون بها. | |
" هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون " | |
هم وأزواجهم متنعمون بالجلوس على الأسرة المزينة, تحت الظلال الوارفة. | |
" لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون " | |
لهم في الجنة أنواع الفواكه اللذيذة, ولهم كل ما يطلبون من أنواع | |
| النعيم | |
" سلام قولا من رب رحيم " | |
ولهم نعيم أخر أكبر حين يكلمهم ربهم, الرحيم | |
| بهم بالسلام عليهم. | |
| وعند ذلك تحصل لهم السلامة التامة من جميع الوجوه. | |
" وامتازوا اليوم أيها المجرمون " | |
ويقال للكفار في ذلك اليوم: تميزوا عن المؤمنين, وانفصلوا عنهم. | |
" ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو | |
| مبين " | |
ويقول الله لهم توبيخا وتذكيرا: ألم أوصكم على ألسنة رسلي أن لا تعبدوا | |
| الشيطان ولا تطيعوه؟ إنه لكم عدو ظاهر العداوة. | |
" وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم " | |
وأمرتكم بعبادتي وحدي, فعبادتي وطاعتي | |
| ومعصية الشيطان هي الدين القويم الموصل لمرضاتي وجناتي. | |
" ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون " | |
ولقد أضل الشيطان عن الحق منكم خلقا كثيرا, أفما كان لكم عقل -أيها | |
| المشركون- ينهاكم عن اتباعه؟ | |
" هذه جهنم التي كنتم توعدون " | |
هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله وتكذيبكم | |
| رسله. | |
" اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون " | |
ادخلوها اليوم وقاسوا حرها; بسبب كفركم. | |
" اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا | |
| يكسبون " | |
اليوم نطبع على أفواه المشركين فلا ينطقون, وتكلمنا أيديهم بما بطشت | |
| به, وتشهد أرجلهم بما سعت إليه في الدنيا: وكسبت من الآثام. | |
" ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون " | |
ولو نشاء لطمسنا على أعينهم بأن نذهب أبصارهم, كما ختمنا على أفواههم, | |
| فبادروا إلى الصراط ليجوزوه, فكيف يتحقق لهم ذلك وقد طمست أبصارهم؟ | |
" ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون | |
| " | |
ولو شئنا لغيرنا خلقهم وأقعدناهم في أماكنهم, فلا يستطيعون أن يمضوا | |
| أمامهم, ولا يرجعوا وراءهم. | |
" ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون " | |
ومن نطل عمره حتى يهرم نعده إلى الحالة التي ابتدأ منها حالة ضعف العقل | |
| وضعف الجسد, أفلا يعقلون أن من فعل مثل هذا بهم قادر على بعثهم؟ | |
" وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين " | |
وما علمنا محمدا الشعر, وما ينبغي له أن | |
| يكون شاعرا, ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب, وقرآن مبين | |
| لأحكامه وحكمه ومواعظه; | |
" لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " | |
لينذر من كان حي القلب مستنير البصيرة, ويحق العذاب على الكافرين | |
| بالله; لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة. | |
" أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون | |
| " | |
أو لم ير الخلق أنا خلقنا لأجلهم أنعاما ذللناها لهم, فهم مالكون | |
| أمرها؟ | |
" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " | |
وسخرناها لهم, فمنها ما يركبون في الأسفار, ويحملون عليها الأثقال, | |
| ومنها ما يأكلون. | |
" ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون " | |
ولهم فيها منافع أخرى ينتفعون بها, كالانتفاع بأصوافها وأوبارها | |
| وأشعارها أثاثا ولباسا, وغير ذلك, ويشربون ألبانها, أفلا يشكرون الله الذي أنعم | |
| عليهم بهذه النعم, ويخلصون له العبادة؟ | |
" واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون " | |
واتخذ المشركون من دون الله الهة يعبدونها; طمعا في نصرها لهم وإنقاذهم | |
| من عذاب الله. | |
" لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون " | |
لا تستطيع تلك الآلهة نصر عابديها ولا أنفسهم ينصرون, والمشركون | |
| وآلهتهم جميعا محضرون في العذاب, متبرئ بعضهم من بعض. | |
" فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون " | |
فلا يحرنك -يا محمد- كفرهم بالله وتكذيبهم لك واستهزاؤهم بك; إنا نعلم | |
| ما يخفون, وما يظهرون, وسنجازيهم على ذلك. | |
" أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين " | |
أو لم ير الإنسان المنكر للبعث ابتداء خلقه | |
| فيستدل به على معاده, أنا خلقناه من نطفة مرت بأطوار حتى كبر, فإذا هو كثير الخصام | |
| واضح الجدال؟ | |
" وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " | |
وضرب لنا المنكر للبعث مثلا لا ينبغي ضربه, وهو قياس قدرة الخالق بقدرة | |
| المخلوق, ونسي ابتداء خلقه, قال: من يحيي العظام البالية المتفتتة؟ | |
" قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " | |
قل له: يحييها الذي خلقها أول مرة, وهو | |
| بجميع خلقه عليم, لا يخفى عليه شيء. | |
" الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " | |
الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر الرطب نارا | |
| محرقة, فإذا أنتم من الشجر توقدون النار, فهو القادر على إخراج الضد من الضد. | |
| وفي ذلك دليل على وحدانية الله وكمال قدرته, ومن ذلك إخراج الموتى من قبورهم | |
| أحياء. | |
" أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى | |
| وهو الخلاق العليم " | |
أوليس الذي خلق السموات والأرض وما فيهما بقادر على أن يخلق مثلهم, | |
| فيعيدهم كما بدأهم؟ بلى, إنه قادر على ذلك, وهو الخلاق لجميع المخلوقات, العليم | |
| بكل ما خلق ويخلق, لا يخفى عليه شيء. | |
" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " | |
إنما أمره سبحانه وتعالى إذا أراد شيئا أن يقول له: " | |
| كن " فيكون, ومن ذلك الإماتة والإحياء, والبعث والنشور. | |
" فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون " | |
فتنزه الله تعالى وتقدس عن العجز والشرك, فهو المالك لكل شيء, المتصرف | |
| في شؤون خلقه بلا منازع أو ممانع, وقد ظهرت دلائل قدرته, وتمام نعمته, وإليه | |
| ترجعون للحساب والجزاء. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً