سورة غافر - تفسير السعدي | |
| | |
" حم " | |
(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. | |
" تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " | |
تنزيل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه | |
| وسلم من عند الله- عز وجل- العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق, العليم بكل شيء. | |
" غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو | |
| إليه المصير " | |
غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من | |
| التائبين, شديد العقاب على من تجرأ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى | |
| صاحب الإنعام والتفضل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه | |
| مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق. | |
" ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في | |
| البلاد " | |
ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله, ويقابلها بالباطل | |
| إلا الجاحدون الذين جحدوا توحيده, فلا يغررك- يا محمد- ترددهم في البلاد بأنواع | |
| التجارات والمكاسب, ونعيم الدنيا وزهرتها. | |
" كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم | |
| ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب " | |
كذبت قبل هؤلاء الكفار قوم نوح ومن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها | |
| على الرسل كعاد وثمود, حيث عزموا على إيذائهم وتجمعوا عليهم بالتعذيب أو القتل, | |
| وهمت كل أمة من هذه الأمم المكذبة برسولهم ليقلوه, وخاصموا بالباطل؟ ليبطلوا | |
| بجدالهم الحق فعاقبتهم, فكيف كان عقابي إياهم عبرة للخلق, وعظة لمن يأتي بعدهم؟ | |
" وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار " | |
وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذبت | |
| رسلها, حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار. | |
" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به | |
| ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا | |
| سبيلك وقهم عذاب الجحيم " | |
الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومن | |
| حول العرش ممن يحف به منهم, ينزهون الله عن كل نقص, ويحمدونه بما هو أهل له, | |
| ويؤمنون به حق الإيمان, ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين, قائلين: ربنا وسعت كل | |
| شيء رحمة وعلما, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي, وسلكوا الطريق الذي أمرتهم | |
| أن يسلكوه وهو الإسلام, وجنبهم عذاب النار وأهوالها. | |
" ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم | |
| وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم " | |
ربنا وادخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم, ومن صلح بالإيمان والعمل | |
| الصالح من أبائهم وأزواجهم وأولادهم. | |
| إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم في تدبيره وصنعه | |
" وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز | |
| العظيم " | |
واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم, فلا تؤاخذهم بها, ومن تصرف عنه السيئات | |
| يوم الحساب فقد رحمته, وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك, وذلك هو الظفر العظيم الذي | |
| لا فوز مثله. | |
" إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون | |
| إلى الإيمان فتكفرون " | |
إن الجاحدين بالله عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم, يمقتون أنفسهم | |
| أشد المقت, وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لمقت الله لكم في الدنيا- حين طلب منكم | |
| الإيمان به واتباع رسله, فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن, بعد أن أدركتم أنكم | |
| تستحقون سخط الله وعذابه. | |
" قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل | |
| إلى خروج من سبيل " | |
فال الكافرون: ربنا أمتنا مرتين: حين كنا في بطون أمهاتنا نطفا قبل نفخ | |
| الروح, وحين انقضى أجلنا في الحياة الدنيا, وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا, يوم | |
| ولدنا, ويوم بعثنا من قبورنا, فنحن الآن نقر بأخطائنا السابقة؟ فهل لنا من طريق | |
| نخرج به من النار, وتعيدنا به إلى الدنيا؟ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا | |
| الاعتراف. | |
" ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم | |
| لله العلي الكبير " | |
ذلكم العذاب الذي لكم- أيها الكافرون- بسبب | |
| أنكم كنتم إذا دعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به, وإن يجعل لله شريك | |
| تصدقوا بذلك, وتعملوا به فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه, العادل الذي لا | |
| يجور, يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء, لا إله إلا هو الذي | |
| له العلو المطلق, وله الكبرياء والعظمة. | |
" هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من | |
| ينيب " | |
هو الذي يظهر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة | |
| الدالة على كمال خالقها ومبدعها, وينزل لكم من الماء مطرا ترزقون به, وما يتذكر | |
| بهذه الآيات إلا من يرجع إلى طاعة الله, ويخلص له العبادة. | |
" فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " | |
فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة | |
| والدعاء, وخالفوا المشركين في مسلكهم, ولو أغضبهم ذلك, فلا تبالوا بهم. | |
" رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده | |
| لينذر يوم التلاق " | |
إن الله هو العلي الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعا باين به مخلوقاته, | |
| وارتفع به قدره, وهو صاحب العرش العظيم, ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي | |
| إليهم الوحي الذي يحيون به, فيكونون على بصيرة من أمرهم؟ لتخوف الرسل عباد الله, | |
| وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون. | |
" يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله | |
| الواحد القهار " | |
يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا | |
| يخفى على الله منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: | |
| لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, | |
| القهار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته. | |
" اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب | |
| " | |
اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من | |
| خير وشر, لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته. | |
| إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب, فلا تستبطئوا ذلك اليوم؟ فإنه قريب. | |
" وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين | |
| من حميم ولا شفيع يطاع " | |
وحذر- يا محمد- الناس من يوم القيامة | |
| القريب, وإن استبعدوه, إذ قلوب العباد من مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم, | |
| فتعلقت بحلوقهم, وهم ممتلئون غما وحزنا. | |
| ما للظالمين من قريب ولا صاحب, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم, فيستجاب له. | |
" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " | |
يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات, وما يضمره الإنسان في | |
| نفسه من خير أو شر. | |
" والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله | |
| هو السميع البصير " | |
والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه, والذين يعبدون من | |
| دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؟ لعجزهم عن ذلك. | |
| إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم, البصير بأفعالكم وأعمالكم. | |
" أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من | |
| قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من | |
| الله من واق " | |
أولم يسر في الأرض هؤلاء المكذبون برسالتك | |
| يا محمد, فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشا, وأبقى | |
| في الأرض أثارا, فلم تنفعهم شدة قواهم وظم أجسامهم, فأخذهم الله بعقوبته بسبب | |
| كفرهم واكتسابهم الآثام, وما كان لهم من عذاب الله من واق يقيهم منه, فيدفعه عنهم. | |
" ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه | |
| قوي شديد العقاب " | |
ذلك العذاب الذي حل بالمكذبين السابقين, كان | |
| بسبب موقفهم من رسل الله الذين جاؤوا بالدلائل القاطعة على صدق دعواهم, فكفروا | |
| بهم, وكذبوهم, فأخذهم الله بعقابه, إنه سبحانه قوي لا يغلبه أحد, شديد العقاب لمن | |
| كفر به وعصاه. | |
" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين " | |
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أرسل به, وحجة | |
| واضحة بينة على صدقه في دعوته, وبطلان ما كان عليه من أرسل إليهم. | |
" إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب " | |
إلى فرعون ملك مصرا, وهامان, وزيره, وقارون صاحب الأموال والكنوز, | |
| فأنكروا رسالته واستكبروا, وقالوا عنه: إنه ساحر كذاب, فكيف يزعم أنه أرسل للناس | |
| رسولا؟ | |
" فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه | |
| واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال " | |
فلما جاء مؤسى فرعون وهامان وقارون بالمعجزات الظاهرة من عندنا, لم | |
| يكتفوا بمعارضتها وإنكارها, بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه, واستبقوا | |
| نساءهم للخدمة والاسترتاق. | |
| وما تدبير أهل الكفر إلا في ذهاب وهلاك. | |
" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم | |
| أو أن يظهر في الأرض الفساد " | |
وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى, ليدع ربه الذي يزعم أنه | |
| أرسله إلينا, فيمنعه منا, إني أخاف أن يبدل دينكم الذي أنتم عليه, أو أن يظهر في | |
| أرض " مصر " الفساد. | |
" وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب | |
| " | |
وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت بربي وربكم- أيها القوم- من كل | |
| مستكبر عن توحيد الله وطاعته, لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه. | |
" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول | |
| ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم | |
| بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " | |
وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون, يكتم إيمانه منكرا على قومه: كيف | |
| تستحلون قتل رجل لا جرم له عندكم إلا أن يقول ربي الله, وقد جاءكم بالبراهين | |
| القاطعة من ربكم على صدق ما يقول؟ فإن يك موسى كاذبا فإن وبال كذبه عائد عليه | |
| وحده, وإن يك صادقا لحقكم بعض الذي يتوعدكم به, إن الله لا يوفق للحق من هو متجاوز | |
| للحد, بترك الحق, والإقبال على الباطل, كذاب بنسبته ما أسرف فيه إلى الله. | |
" يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله | |
| إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " | |
يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في الأرض | |
| على بني إسرائيل, فمن يدفع عنا عذاب الله إن حل بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبا: ما | |
| أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا, وما | |
| أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب. | |
" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب " | |
وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون, وملئه واعظا ومحذرا: إني أخاف | |
| عليكم إن قتلتم موسى, مثل يوم الأحزاب الذين تحزبوا على أنبيائهم. | |
" مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما | |
| للعباد " | |
مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود ومن جاء بعدهم | |
| في الكفر والتكذيب, أهلكهم الله بسبب ذلك. | |
| وما الله سبحانه يريد ظلما للعباد, فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه تعالى الله عن الظلم | |
| والنقص علوا كبيرا. | |
" ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " | |
ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم ينادي فيه | |
| بعض الناس بعضا; من هول الموقف يوم القيامة. | |
" يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له | |
| من هاد " | |
يوم تولون ذاهبين هاربين, ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم. | |
| ومن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده, فما له من هاد يهديه إلى الحق والصواب. | |
" ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به | |
| حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب | |
| " | |
ولقد أرسل الله إليكم النبي الكريم يوسف بن | |
| يعقوب عليهما السلام من قبل موسى, بالدلائل الواضحة على صدقه, وأمركم بعبادة الله | |
| وحده لا شريك له, فما زلتم مرتابين مما جاءكم به في حياته, حتى إذا مات ازداد شككم | |
| وشرككم, وقلتم : إن الله لن يرسل من بعده رسولا, مثل ذلك الضلال يضل الله كل | |
| متجاوز للحق, شاك في وحدانية الله تعالى, فلا يوفقه إلى الهدى والرشاد. | |
" الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله | |
| وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " | |
الذين يخاصمون في أيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة | |
| مقبولة, كبر ذلك الجدال مقتا عند الله وعند الذين آمنوا, كما ختم بالضلال وحجب عن | |
| الهدى قلوب هؤلاء المخاصمين, يختم الله على قلب كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, | |
| جبار بكثرة ظلمه وعدوانه. | |
" وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب " | |
وقال فرعون مكذبا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم | |
| له: يا هامان إبن لي بناء عظيما; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلني إليها, | |
" أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين | |
| لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " | |
فأنظر إلى إله موسى بنفسي, وإني لأظن موسى كاذبا في دعواه أن لنا ربا, | |
| وأنه فوق السموات, وهكذا زين لفرعون عمله السيء فرآه حسنا, وصد عن سبيل الحق؟ بسبب | |
| الباطل الذي زين له, وما احتيال فرعون وتدبيره لإيهام الناس أنه محق, وموسى مبطل | |
| إلا في خسار وبوار, لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة. | |
" وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد " | |
وقال الذي آمن معيدا نصيحته لقومه : يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد | |
| والصواب. | |
" يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار | |
| " | |
يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعم | |
| الناس فيها قليلا, ثم تنقطع وتزول, فينبغي ألا تركنوا إليها, وإن الدار الآخرة بما | |
| فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي تستقرون فيها, فينبغي لكم أن تؤثروها, | |
| وتعملوا لها العمل الصالح الذي يسعدكم فيها. | |
" من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى | |
| وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " | |
من عصى الله في حياته وانحرف عن طريق الهدى, فلا يجزى في الآخرة إلا | |
| عقابا يساوي معصيته, ومن أطاع الله وعمل صالحا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, | |
| ذكرا كان أو أنثى, وهو مؤمن بالله موحد له, فأولئك يدخلون الجنة, يرزقهم الله فيها | |
| من ثمارها ونعيمها ولذاتها بغير حساب. | |
" ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار " | |
ويا قوم كيف أدعوكم إلى الإيمان بالله واتباع رسوله موسى, وهي دعوة | |
| تنتهي بكم إلى الجنة والبعد عن أهوال النار, وأنتم تدعونني إلى عمل يؤدي إلى عذاب | |
| الله وعقوبته في النار؟ | |
" تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى | |
| العزيز الغفار " | |
تدعونني لأكفر بالله, وأشرك به ما ليس لي به علم أنه يستحق العبادة من | |
| دونه- وهذا من أكبر الذنوب وأقبحها- وأنا أدعوكم إلى الطريق الموصل إلى الله | |
| العزيز في انتقامه, الغفار لمن تاب إليه بعد معصيته. | |
" لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة | |
| وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار " | |
حقا أن ما تدعونني إلى الاعتقاد به لا يستحق | |
| الدعوة إليه, ولا يلجأ إليه في الدنيا ولا في الآخرة لعجزه ونقصه, واعلموا أن مصير | |
| الخلائق كلها إلى الله سبحانه, وهو يجازي كل عامل بعمله, وأن الذين تعدوا حدوده | |
| بالمعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار. | |
" فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد | |
| " | |
فلما نصحهم ولم يطيعوه قال لهم: فستذكرون أني نصحت لكم وذكرتكم, وصوت | |
| تندمون حيث لا ينفع الندم, وألجأ إلى الله, وأعتصم به, وأتوكل عليه. | |
| إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد, وما يستحقونه من جزاء, لا يخفى عليه | |
| شيء منها. | |
" فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب " | |
فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المزمن الموفق | |
| عقوبات مكر فرعون وآله, وحل بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم. | |
" النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل | |
| فرعون أشد العذاب " | |
لقد أصابهم الغرق أولا, وملكوا, ثم يعذبون | |
| في قبورهم حيث النار, يعرضون عيها صباحا ومساء إلى وقت الحساب, ويوم تقوم الساعة | |
| أدخلوا آل فرعون النار؟ جزاء ما اقترفوه من أعمال السوء وهذه الآية أصل في إثبات | |
| عذاب القبر. | |
" وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم | |
| تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار " | |
وإذ يتخاصم أهل النار, ويعاتب بعضهم بعضا, فجتبي الأتباع المقلدون على | |
| رؤسائهم المستكبرين الذين أضلوهم, وزينوا لهم طريق الشقاء, قائلين لهم: هل أنتم | |
| مغنون عنا نصيبا من النار بتحملكم قسطا من عذابنا؟ | |
" قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد | |
| " | |
قال الرؤساء المتكبرون مبينين عجزهم: لا نتحمل عنكم شيئا من عذاب | |
| النار, وكلنا فيها, لا خلاص لنا منها, إن الله قد قسم بيننا العذاب بقدر ما يستحق | |
| كل منا بقضائه العادل. | |
" وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من | |
| العذاب " | |
وقال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء | |
| لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما واحدا من العذاب؟ كي تحصل لنا بعض الراحة. | |
" قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا | |
| وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " | |
قال خزنة جهنم لهم توبيخا: هذا الدعاء لا ينفعكم في شيء, أولم تأتكم | |
| رسلكم بالحجج الواضحة من الله فكذبتموهم؟ فاعترف الجاحدون بذلك وقالوا: بلى فتبرأ | |
| خزنة جهنم منهم وقالوا: نحن لا ندعو لكم, ولا نشفع فيكم, فادعوا أنتم, ولكن هذا | |
| الدعاء لا يغني شيئا؟ لأنكم كافرون وما دعاء الكافرين إلا في ضياع لا يقبل, ولا | |
| يستجاب. | |
" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم | |
| الأشهاد " | |
إنا لننصر رسلنا ومن تبعهم من المؤمنين, | |
| ونؤيدهم على من آذاهم في حياتهم الدنيا, ويوم القيامة, يوم تشهد فيه الملائكة | |
| والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذبت رسلها, فتشهد بأن الرسل قد بلغوا رسالات | |
| ربهم, وأن الأمم كذبتهم. | |
" يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار | |
| " | |
يوم الحساب لا ينتفع الجاحدون الذين تعدوا | |
| حدود الله بما يقدمونه من عذر لتكذيبهم رسل الله, ولهم الطرد من رحمة الله, ولهم | |
| الدار السيئة في الآخرة, وهي النار. | |
" ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب " | |
ولقد آتينا موسى ما يهدي إلى الحق من | |
| التوراة والمعجزات, وجعلنا بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفا عن سلف, | |
" هدى وذكرى لأولي الألباب " | |
هادية إلى سبيل الرشاد, وموعظة لأصحاب العقول السليمة. | |
" فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي | |
| والإبكار " | |
فاصبر- يا محمد- على أذى المشركين, فقد وعدناك بإعلاء كلمتك, ووعدنا حق | |
| لا يتخلف, واستغفر لذنبك, ودم على تنزيه ربك عما لا يليق به, في آخر النهار وأوله. | |
" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم | |
| إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير " | |
إن الذين يخاصمون في آيات الله ودلائل قدرته, ويخلطون الدلائل الواضحة | |
| بالباطل من غير أن تكون لديهم حجة بينة, ما في صدور هؤلاء إلا كبر يحملهم على | |
| تكذيبك, وحسد منهم على الفضل الذي خصك الله به, ما هم ببالغيه, فاعتصم بالله من | |
| شرهم؟ إنه هو السميع لأقوالهم, البصير بأفعالهم. | |
" لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا | |
| يعلمون " | |
لخلق الله السموات والأرض أكبر من خلق الناس | |
| وإعادتهم بعد موتهم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله. | |
" وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا | |
| المسيء قليلا ما تتذكرون " | |
وما يستوي الأعمى والبصير, وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يهتدون بهدي | |
| الله ويقزون بوحدانيته, والجاحدون الذين يغضبونه وينكرون دلائله البينة. | |
| قليلا ما تذكرون- أيها الناس- حجج الله, فتعتبرون, وتتعظون بها. | |
" إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " | |
إن الساعة لآتية لا شك فيها, فأيقنوا | |
| بمجيئها, كما أخبرت بذلك الرسل, ولكن أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها, ولا يعملون | |
| لها. | |
" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي | |
| سيدخلون جهنم داخرين " | |
وقال ربكم- أيها العباد-: ادعوني وحدي وخصوني بالعبادة أستجب لكم, إن | |
| الذين يتكبرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية, سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين. | |
" الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو | |
| فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " | |
الله وحده هو الذي جعل لكم الليل؟ لتسكنوا | |
| فيه, وتحققوا راحتكم, والنهار مضيئا؟ لتصرفوا فيه أمور معاشكم إن الله لذو فضل | |
| عظيم على الناس, ولكن أكثرهم لا يشكرون له بالطاعة وإخلاص العبادة. | |
" ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون " | |
الذي أنعم عليكم بهذه النعم إنما هو ربكم الذي أوجد الأشياء كلها, لا | |
| إله يستحق العبادة غيره, فكيف تعدلون عن الإيمان به, وتعبدون غيره من الأوثان, بعد | |
| أن تبينت لكم دلائله؟ | |
" كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون " | |
كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه وكذبتم | |
| به, يصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بآيات الله يجحدون . | |
" الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم | |
| ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين " | |
الله الذي جعل لكم الأرض, لتستقروا فيها, | |
| ويسر لكم الإقامه عليها, وجعل السماء سقفا للأرض, وبث فيها من العلامات الهادية, | |
| وخلقكم في أكمل هيئة وأحسن تقويم, وأنعم عليكم بحلال الرزق ولذيذ المطاعم | |
| والمشارب, ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو ربكم, فتكاثر خيره وفضله وبركته, | |
| وتنزه عما لا يليق به, وهو رب الخلائق أجمعين. | |
" هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب | |
| العالمين " | |
هو الله سبحانه الحي الذي له الحياة الكاملة التامة لا إله غيره, | |
| فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده, مخلصين له دينكم وطاعتكم. | |
| فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين. | |
" قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات | |
| من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين " | |
قل- يا محمد- لمشركي قومك: إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله, | |
| لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي, وأمرني أن أضع وأنقاد بالطاعة التامة له, | |
| سبحانه رب العالمين. | |
" هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم | |
| لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم | |
| تعقلون " | |
هو الله الذي خلق أباكم آدم من تراب, ثم أوجدكم من المني بقدرته, وبعد | |
| ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ, ثم تجري عليكم أطوار متعددة في الأرحام, إلى أن | |
| تولدوا أطفالا صغارا, ثم تقوى بنيتكم إلى أن تصيروا شيوخا, ومنكم من يموت قبل ذلك, | |
| ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم, ولعلكم تعقلون حجج | |
| الله عليكم بذلك, تتدبرون آياته, فتعرفون أنه لا إله غيره يفعل ذلك, وأنه الذي لا | |
| تنبغي العبادة إلا له. | |
" هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون | |
| " | |
هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة, فإذا | |
| قضى أمرا فإنما يقول له: " كن " , فيكون, لا راد | |
| لقضائه. | |
" ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون " | |
ألا تعجب- يا محمد- من هؤلاء المكذبين بآيات الله يخاصمون فيها, وهي | |
| واضحة الدلالة على توحيد الله وقدرته, كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإلى أي شيء | |
| يذهبون بعد البيان التام؟ | |
" الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون " | |
هؤلاء المشركون الذين كذبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله | |
| على رسله لهداية الناس, فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم | |
" إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون " | |
حين تجعل الأغلال في أعناقهم, والسلاسل في أرجلهم, وتسحبهم زبانية | |
| العذاب | |
" في الحميم ثم في النار يسجرون " | |
في الماء الحار الذي اشتد غليانه وحره, ثم في نار جهنم يوقد بهم. | |
" ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون " | |
ثم قيل لهم توبيخا, وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم | |
| تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم, لينقذوكم من هذا البلاء الذي | |
| حل بكم إن استطاعوا, | |
" من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك | |
| يضل الله الكافرين " | |
قال المكذبون: غابوا عن عيوننا, فلم ينفعونا | |
| بشيء, ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم, وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا | |
| تساوي شيئا, كما أضل الله هؤلاء الذين ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا | |
| من دون الله, يضل الله الكافرين به. | |
" ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون | |
| " | |
ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا | |
| من غفلة, حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام, وبما أنتم عليه من | |
| الأشر والبطر والبغي على عباد الله. | |
" ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " | |
ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم | |
| بالله ومعصيتكم له خالدين فيها, فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله. | |
" فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك | |
| فإلينا يرجعون " | |
فاصبر يا محمد, وامض في طريق الدعوة, إن وعد | |
| الله حق, وسينجز لك ما وعدك, فإما نرينك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من | |
| العذاب, أو نتوفينك قبل أن يحل نلك بهم, فعلينا مصيرهم يوم القيامة, وسنذيقهم | |
| العذاب الشديد بما كانوا يكفرون. | |
" ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص | |
| & أكثر المصاحف تفاعلاً |