سورة الشورى - تفسير السعدي | |
| | |
" حم " | |
(حم عسق) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. | |
" كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " | |
كما أنزل الله إليك- يا محمد- هذا القرآن أنزل الكتب والصحف على | |
| الأنبياء من قبلك , وهو العزيز في انتقامه , الحكيم في أقواله وأفعاله. | |
" له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم " | |
لله وحده ما في السموات وما في الأرض , وهو | |
| العلي بذاته وقدره وقهره , العظيم الذي له العظمة والكبرياء. | |
" تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم | |
| ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم " | |
تكاد السموات بتشققن , كل واحدة فوق التي تليها , من عظمة الرحمن | |
| وجلاله تبارك وتعالى, والملائكة يسبحون بحمد ربهم, وينزهونه عما لا يليق به , | |
| ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أمل الإيمان به. | |
| ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده, الرحيم بهم. | |
" والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم | |
| بوكيل " | |
والذين اتخذوا غير الله آلهة من دونه يتولونها, ويعبدونها , الله تعالى | |
| يحفظ عليهم أفعالهم؟ ليجازيهم بها يوم القيامة , وما أنت- يا محمد- بالوكيل عليهم | |
| بحفظ أعمالهم, إنما أنت منذر, فعليك البلاغ وعلينا الحساب. | |
" وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر | |
| يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير " | |
وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك | |
| قرآنا عربيا, لتنذر أهل " مكة " ومن حولها من | |
| سائر الناس , وتنذر عذاب يوم الجمع , وهو يوم القيامة, لا شك في مجيئه. | |
| الناس فيه فريقان: فريق في الجنة, وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله | |
| محمد صلى الله عليه وسلم , ومنهم فريق في النار المستعرة, وهم الذين كفروا بالله, | |
| وخالفوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. | |
" ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته | |
| والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير " | |
ولو شاء الله أن يجمع خلقه على الهدى | |
| ويجعلهم على ملة واحدة مهتدية لفعل, ولكنه أراد أن يدخل في رحمته من يشاء من خواص | |
| خلقه. | |
| والظالمون أنفسهم بالشرك ما لهم من , ولي يتولى أمورهم يوم القيامة , ولا نصير | |
| ينصرهم من عقاب الله تعالى. | |
" أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو | |
| على كل شيء قدير " | |
بل اتخذ هؤلاء المشركون أولياء من دون الله | |
| يتولونهم, فالله وحده هو الولي يتولاه عبده بالعبادة والطاعة , ويتولى عباده | |
| المؤمنين بإخراجهم من الظلمات إلى النور وإعانتهم في جميع أمورهم, وهو يحيي الموتى | |
| عند البعث , وهو على كل شيء قدير, لا يعجزه شيء . | |
" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه | |
| توكلت وإليه أنيب " | |
وما اختلفتم فيه- أيها الناس- من شيء من أمور دينكم, فالحكم فيه مرده | |
| إلى الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. | |
| ذلكم الله ربي وربكم , عليه وحده توكلت في أموري , وإليه أرجع في جميع شؤوني. | |
" فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام | |
| أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " | |
الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض بقدرته ومشيئته وحكمته, جعل | |
| لكم من أنفسكم أزواجا, لتسكنوا إليها, وجعل لكم من الأنعام أزواجا ذكورا وإناثا, | |
| يكثركم بسببه بالتوالد, ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته, لا في ذاته | |
| ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؟ لأن أسماءه كلها حسنى, وصفاته صفات | |
| كمال وعظمة, وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك , وهو السميع | |
| البصير, لا يخفى عليه من أعمال خلقه وأقوالهم شيء, وسيجازيهم على ذلك. | |
" له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل | |
| شيء عليم " | |
له سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض , | |
| وبيده مفاتيح الرحمة, والأرزاق , يوسع رزقه على من يشاء من عباد. | |
| ويضيقه على من يشاء, إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء من أمور | |
| خلقه. | |
" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا | |
| به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما | |
| تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب " | |
شرع الله لكم- أيها الناس- من الدين الذي أوحيناه إليك- يا محمد , وهو | |
| الإسلام- ما وصى به نوحا أن يعمله ويبلغه, وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى | |
| (هؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل) أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة الله | |
| وعبادته دون من سواه , ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتكم به, عظم على المشركين ما | |
| تدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له, الله يصطفي للتوحيد من يشاء بن خلقه | |
| , ويوفق للعمل بطاعته من يرجع إليه. | |
" وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة | |
| سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه | |
| مريب " | |
وما تفرق المشركون بالله في أديانهم فصاروا | |
| شيعا وأحزابا إلا من بعدما جاءهم العلم وقامت الحجة عليهم, وما حملهم على ذلك إلا | |
| البغي والعناد, ولولا كلمة سبقت من ربك- يا محمد- بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى | |
| وهو يوم القيامة, لقضي بينهم بتعجيل عذاب الكافرين منهم. | |
| فإن الذين أورثوا التوراة والإنجيل من بعد هؤلاء المختلفين في الحق لفي شك من | |
| الدين والإيمان موقع في الريبة والاختلاف المذموم. | |
" فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل | |
| الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة | |
| بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير " | |
فإلى ذلك الدين القيم الذي شرعه الله | |
| للأنبياء ووصاهم به, فادع- يا محمد- عباد الله, واستقم كما أمرك الله , ولا تتبع | |
| أهواء الذين شكوا في الحق وانحرفوا عن الدين, وقل: صدقت بجميع الكتب المنزلة من | |
| السماء على الأنبياء, وأمرني ربي أن أعدل بينكم في الحكم, الله ربنا وربكم , لنا | |
| ثواب أعمالنا الصالحة, ولكم جزاء أعمالكم السيئة, لا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم | |
| بعدما تبين الحق, الله يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة, فيقضي بيننا بالحق فيما | |
| اختلفنا فيه, وإليه المرجع والمآب, فيجازي كلا بما يستحق. | |
" والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند | |
| ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد " | |
والذين يخاصمون في دين الله الذي أرسلت به | |
| محمدا صلى الله عليه وسلم , من بعد ما استجاب الناس له وأسلموا, حجتهم وخصومتهم | |
| باطلة ذاهبة عند ربهم, وعليهم من الله غضب في الدنيا, ولهم في الأخرة عذاب شديد, | |
| وهو النار. | |
" الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة | |
| قريب " | |
الله الذي أنزل القرآن وسائر الكتب المنزلة | |
| بالصدق, وأنزل الميزان وهو العدل؟ ليحكم بين الناس بالإنصاف. | |
| وأي شيء يدريك, ويعلمك لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب؟ | |
" يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها | |
| ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد " | |
يستعجل بمجيء الساعه الذين لا يؤمنون بها؟ | |
| تهكما واستهزاء , والذين آمنوا بها خائفون من قيامها, ويعلمون أنها الحق الذي لا | |
| شك فيه. | |
| ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة لفي ضلال بعيد عن الحق. | |
" الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز " | |
الله لطيف بعباده , يوسع الرزق على من يشاء, ويضيقه على من يشاء وفق | |
| حكمته سبحانه, وهو القوي الذي له القوة كلها, العزيز في انتقامه من أهل معاصيه. | |
" من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا | |
| نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " | |
من كان يريد بعمله ثواب الآخرة فأدى حقوق الله وأنفق في الدعوة إلى | |
| الدين , نزد له في عمله الحسن , فنضاعف له ثواب الجنة إلى عشر أمثالها إلى ما شاء | |
| الله من الزيادة, ومن كان يريد بعمله الدنيا وحدها , نؤته منها ما قسمناه له, وليس | |
| له في الآخرة شيء من الثواب. | |
" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة | |
| الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم " | |
بل ألهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم, أتدعوا لهم من | |
| الدين والشرك ما لم يأذن به الله؟ ولولا قضاء الله وقدره بإمهالهم, وأن لا يعجل | |
| لهم العذاب في الدنيا, لقضي بينهم بتعجيل العذاب لهم. | |
| وإن الكافرين بالله لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع. | |
" ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا | |
| وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير | |
| " | |
ترى- يا محمد- الكافرين يوم القيامة خائفين من عقاب الله على ما كسبوا | |
| في الدنيا من أعمال خبيثة , والعذاب نازل بهم , وهم ذائقوه لا محالة والذين آمنوا | |
| بالله وأطاعوه في بساتين الجنات وقصورها ونعيم الآخرة , لهم ما تشتهيه أنفسهم عند | |
| ربهم, ذلك الذي أعطاه الله لهم من الفضل والكرامة هو الفضل الذي لا يوصف , ولا | |
| تهتدي إليه العقول. | |
" ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا | |
| أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله | |
| غفور شكور " | |
ذلك الذي أخبرتكم به- أيها الناس- من النعيم | |
| والكرامة في الآخرة هو البشرى التي يبشر الله بها عباده الذين آمنوا به في الدنيا | |
| وأطاعوه قل- يا محمد- للذين يشكون في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم على ما | |
| أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به عوضا من أموالكم, إلا أن تودوني في قرابتي | |
| منكم, وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم. | |
| ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدا إن الله غفور لذنوب عباده, شكور لحسناتهم | |
| وطاعتهم إياه. | |
" أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح | |
| الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور " | |
بل أيقول هؤلاء المشركون: اختلق محمد الكذب على الله, فجاء بالذي يتلوه | |
| علينا اختلاقا من عند نفسه؟ فإن يشأ الله يطبع على قلبك- يا محمد- لو فعلت ذلك. | |
| ويذهب الله الباطل فيمحقه , ويحق الحق بكلماته التي لا تتبدل ولا تتغير , وبوعده | |
| الصادق الذي لا يتخلف. | |
| إن الله عليم بما في قلوب العباد , لا يخفى عليه شيء منه. | |
" وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما | |
| تفعلون " | |
والله سبحانه وتعالى هو الذي يقبل التوبة عن عباده إذا رجعوا إلى توحيد | |
| الله وطاعته , ويعفو عن السيئات , ويعلم ما تصنعون من خير وشر , لا يخفى عليه شيء | |
| من ذلك , وهو مجازيكم به. | |
" ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون | |
| لهم عذاب شديد " | |
ويستجيب الذين آمنوا بالله ورسوله لربهم لما دعاهم إليه وينقادون له , | |
| ويزيدهم من فضله توفيقا ومضاعفة في الأجر والثواب. | |
| والكافرون بالله ورسوله لهم يوم القيامة عذاب شديد موجع مؤلم. | |
" ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما | |
| يشاء إنه بعباده خبير بصير " | |
ولو بسط الله الرزق لعباده فوسعه عليهم , لبغوا في الأرض أشرا وبطرا , | |
| ولطغى بعضهم على بعض , ولكن الله ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم. | |
| إنه بعباده خبير بما يصلحهم, بصير بتدبيرهم وتصريف أحوالهم. | |
" وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي | |
| الحميد " | |
والله وحده هو الذي ينزل المطر من السماء , فيغيثهم به من بعد ما يئسوا | |
| من نزوله , وينشر رحمته في خلقه, فيعمهم بالغيث , وهو الولي الذي يتولى عباده | |
| بإحسانه وفضله, الحميد في ولاية وتدبيره. | |
" ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على | |
| جمعهم إذا يشاء قدير " | |
ومن آياته الدالة على عظمته وقدرته وسلطانه, خلق السموات والأرض على | |
| غير مثال سابق , وما نشر فيهما من أصناف الدواب , وهو على جمع الخلق بعد موتهم | |
| لموقف القيامة إذا يشاء قدير, لا يتعذر عليه شيء. | |
" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " | |
وما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في دينكم | |
| ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام , ويعفو لكم ربكم عن كثير من السيئات , فلا | |
| يؤاخذكم بها. | |
" وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير | |
| " | |
وما أنتم- أيها الناس- بمعجزين قدرة الله عليكم , ولا فائتيه, وما لكم | |
| من دون الله من ولي يتولى أموركم , فيوصل لكم المنافع , ولا نصير يدفع عنكم | |
| المضار. | |
" ومن آياته الجواري في البحر كالأعلام " | |
ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة, سلطانه القاهر السفن العظيمة | |
| كالجبال تجري في البحر | |
" إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل | |
| صبار شكور " | |
إن يشاء الله الذي أجرى هذه السفن في البحر | |
| يسكن الريح, فتسبق السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري , إن في جري هذه السفن | |
| ووقوفها في البحر بقدرة الله لعظات وحججا بينة على قدرة الله لكل صبار على طاعة | |
| الله, شكور لنعمه وأفضاله. | |
" أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير " | |
أو يهلك السفن بالغرق بسبب ذنوب أهلها , ويعف عن كثير من الذنوب فلا | |
| يعاقب عليها | |
" ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص " | |
ويعلم الذين يجادلون بالباطل في آياتنا | |
| الدالة على توحيدنا, ما لهم من محيد ولا ملجأ من عقاب الله, إذا عاقبهم على ذنوبهم | |
| وكفرهم به. | |
" فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى | |
| للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " | |
فما أوتيتم- أيها الناس- من شيء من المال أو البنين وغير ذلك فهو متاع | |
| لكم في الحياة الدنيا, سرعان ما يزول , وما عند الله تعالى من نعيم الجنة المقيم | |
| خير وأبقى للذين آمنوا بالله ورسله, وعلى ربهم يتوكلون | |
" والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون | |
| " | |
والذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه , وما فحش وقبح من أنواع المعاصي | |
| , وإذا ما غضبوا على من أساء إليهم هم يغفرون الإساءة , ويصفحون عن عقوبة المسيء | |
| طلبا لثواب الله تعالى وعفوه , وهذا من محاسن الأخلاق. | |
" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما | |
| رزقناهم ينفقون " | |
والذين استجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده وطاعته, وأقاموا الصلاة | |
| المفروضة بحدودها في أوقاتها, وإذا أرادوا أمرا تشاوروا فيه , ومما أعطيناهم من | |
| الأموال يتصدقون في سبيل الله, ويؤدون ما فرض الله عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة | |
| ونفقة وغير ذلك من وجوه الإنفاق. | |
" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون " | |
والذين إذا أصابهم الظلم هم ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا, | |
| وإن صبروا ففي عاقبة صبرهم خير كثير. | |
" وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب | |
| الظالمين " | |
وجزاء سيئة المسيء عقوبته بينة مثلها من غير قلادة, فمن عفا عن المسيء, | |
| وترك عقابه, وأصلح الود بينه وبين المعفو عنه ابتغاء وجه الله , فأجر عفوه ذلك على | |
| الله إن الله لا يحب الظالمين الذين يبدؤون بالعدوان على الناس , ويسيئون إليهم. | |
" ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " | |
ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه له فأولئك | |
| ما عليهم من مؤاخذة. | |
" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق | |
| أولئك لهم عذاب أليم " | |
إنما المؤاخذة على الذين يتعدون على الناس ظلما وعدوانا, ويتجاوزون | |
| الحد الذي أباحه لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه , فيفسدون في الأرض بغير الحق, | |
| أولئك لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع. | |
" ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " | |
ولمن صبر على الأذى وستر السيئة, إن ذلك من عزائم الأمور المشكورة | |
| والأفعال الحميدة التي أمر الله بها , ورتب لها ثوابا جريلا وثناء حميدا. | |
" ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا | |
| العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل " | |
ومن يضلله الله عن الرشاد بسبب ظلمه فليس له من ناصر يهديه سبيل الرشاد. | |
| وترى- يا محمد- الكافرين بالله يوم القيامة - حين رأوا العذاب- يقولون لربهم: هل | |
| لنا من سبيل إلى الرجوع إلى الدنيا؟ لنعمل بطاعتك؟ فلا يجابون إلى ذلك. | |
" وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال | |
| الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين | |
| في عذاب مقيم " | |
وترى- يا محمد- هؤلاء الظالمين يعرضون على النار خاضعين متذللين ينظرون | |
| إلى النار من طرف قليل ضعيف من الخوف والهوان وقال الذين آمنوا بالله ورسوله في | |
| الجنة, لما عاينوا ما حل بالكفار من خسران: إن الخاسرين حقا هم الذين خسروا أنفسهم | |
| وأهليهم يوم القيامة بدخول النار ألا إن الظالمين- يوم القيامة- في عذاب دائم, لا | |
| ينقطع عنهم, ولا يزول. | |
" وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما | |
| له من سبيل " | |
وما كان لهؤلاء الكافرين حين يعذبهم الله يوم القيامة من أعوان ونصراء | |
| ينصرونهم من عذاب الله ومن يضلله الله بسبب كفره وظلمه, فما له من طريق يصل به إلى | |
| الحق في الدنيا , وإلى الجنة في الآخرة؟ لأنه قد سدت عليه طرق النجاة, فالهداية | |
| والإضلال بيده سبحانه وتعالى دون سواه. | |
" استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من | |
| ملجإ يومئذ وما لكم من نكير " | |
استجيبوا لربكم- أيها الكافرون- بالإيمان | |
| والطاعة من قبل أن يأتي يوم القيامة, الذي لا يمكن رده, ما لكم من ملجأ يومئذ | |
| ينجيكم من العذاب , ولا مكان يستركم , وتتنكرون فيه. | |
| وفي الآية دليل على ذم التسويف , وفيها الأمر بالمبادرة إلى كل عمل صالح يعرض | |
| للعبد, فإن للتأخير آفات وموانع. | |
" فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا | |
| إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان | |
| كفور " | |
فإن أعرض هؤلاء المشركون- يا محمد- عن | |
| الإيمان بالله فما أرسلناك عليهم حافظا لأعمالهم حتى تحاسبهم عليها , ما عليك إلا | |
| البلاغ وإنا إذا أعطينا الإنسان منا رحمة من غنى وسعة في المال وغير ذلك , فرح وسر | |
| , وإن تصبهم مصيبة من فقر ومرض وغير ذلك بسبب ما قدمته أيديهم من معاصي الله, فإن | |
| الإنسان جحود يعدد المصائب, وينسى النعم. | |
" لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب | |
| لمن يشاء الذكور " | |
لله سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض وما فيهما, يخلق ما يشاء من | |
| الخلق, يهب لمن يشاء من عباده إناثا لا ذكور معهن , ويهب لمن يشاء الذكور لا إناث | |
| معهم . | |
" أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير | |
| " | |
ويعطي سبحانه وتعالى لمن يشاء من الناس | |
| الذكر والأنثى, ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له, إنه عليم بما يخلق, قدير على خلق | |
| ما يشاء, لا يعجزه شيء أراد خلقه. | |
" وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل | |
| رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم " | |
وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه الله إلا وحيا يوحيه الله إليه , | |
| أو يكلمه من وراء حجاب , كما كلم سبحانه موسى عليه السلام, أو يرسل رسولا, كما | |
| ينزل جبريل عليه السلام إلى المرسل إليه, فيوحي بإذن ربه لا بمجرد هواه ما يشاء | |
| الله إيحاءه , إنه تعالى علي بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله, قد قهر كل شيء ودانت | |
| له المخلوتات , حكيم في تدبير أمور خلقه. | |
| وفي الآية إثبات صفة الكلام لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله وعظيم سلطانه. | |
" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا | |
| الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم | |
| " | |
وكما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك- يا محمد- أوحينا إليك قرآنا من | |
| عندنا , ما كنت تدري قبله ما الكتب السابقة ولا الإيمان ولا الشرائع الإلهية؟ ولكن | |
| جعلنا القرآن ضياء للناس نهدي به من نشاء من عبادنا إلى الصراط المستقيم. | |
| وإنك- يا محمد- لتدل وترشد بإذن الله إلى صراط مستقيم- وهو الإسلام- | |
" صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله | |
| تصير الأمور " | |
صراط الله الذي له ملك جميع ما في السموات وما في الأرض؟ لا شريك له في | |
| ذلك ألا إلى الله- أيها الناس- ترجع جميع أموركم من الخير والشر, فيجازي كلا | |
| بعمله: إن خيرا فخير , وإن شرا فشر. | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً