سورة الدخان - تفسير السعدي | |
| | |
" حم " | |
" حم " سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة | |
| البقرة. | |
" والكتاب المبين " | |
أقسم الله تعالى بالقرآن الواضح لفظا ومعنى | |
| . | |
" إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين " | |
إنا أنزلناه في ليلة القدر المباركة كثيرة | |
| الخيرات, وهي في رمضان. | |
| إنا كنا منذرين الناس بما ينفعهم ويضرهم, وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب, لتقوم | |
| حجة الله على عباده. | |
" فيها يفرق كل أمر حكيم " | |
فيها يقضى ويفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة من الملائكة كل أمر محكم | |
| من الآجال والأرزاق في تلك السنة, وغير ذلك مما يكون فيها إلى آخرها, لا يبدل ولا | |
| يغير. | |
" أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين " | |
هذا الأمر الحكيم أمر من عندنا, فجميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما | |
| يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه إنا كنا مرسلين إلى الناس الرسل محمدا ومن قبله. | |
" رحمة من ربك إنه هو السميع العليم " | |
رحمة من ربك- يا محمد- بالمرسل إليهم إنه هو | |
| السميع يسمع جميع الأصوات, العليم بجميع أمور خلقه الظاهرة والباطنة. | |
" رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين " | |
خالق السموات والأرض وما بينهما من الأشياء | |
| كلها, إن كنتم موقنين بذلك فاعلموا أن رب المخلوقات هو إلهها الحق . | |
" لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين " | |
لا إله يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له, يحيي ويميت, ربكم ورب | |
| أبائكم الأولين, فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضر ولا نفع. | |
" بل هم في شك يلعبون " | |
بل هؤلاء المشركون في شك من الحق, فهم يلهون ويلعبون, ولا يصدقون به. | |
" فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين " | |
فانتظر- يا محمد- بهؤلاء المشركين يوم تأتي السماء بدخان مبين واضح | |
" يغشى الناس هذا عذاب أليم " | |
يعم الناس, ويقال لهم: هذا عذاب مؤلم موجع, | |
" ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " | |
ثم يقولون سائلين رفعه وكشفه عنهم: ربنا | |
| اكشف عنا العذاب, فإن كشفته عنا فإنا مؤمنون بك. | |
" أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين " | |
كيف يكون لهم التذكر بالاتعاظ بعد نزول | |
| العذاب بهم, وقد جامعهم رسول مبين, وهو محمد عليه الصلاة والسلام, | |
" ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون " | |
ثم أعرضوا عنه وقالوا: علمه بشر أو الكهنة أو الشياطين, هو مجنون وليس | |
| برسول؟ | |
" إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " | |
سنرفع عنكم العذاب قليلا, وسترون أنكم تعودون إلى ما كنتم فيه من الكفر | |
| والضلال والتكذيب. | |
" يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون " | |
يوم نعذب جميع الكفار العذاب الأكبر يوم القيامة وهو يوم انتقامنا | |
| منهم. | |
" ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم " | |
ولقد اختبرنا وابتلينا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون, وجاءهم رسول | |
| كريم, وهو موسى عليه السلام, فكذبوه فهلكوا, فهكذا نفعل بأعدائك يا محمد, إن لم | |
| يؤمنوا. | |
" أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين " | |
وقال لهم موسى: أن سلموا إلي عباد الله من بني إسرائيل وأرسلوهم معي | |
| ليعبدوا الله وحده لا شريك له, إني لكم رسول أمين على وحيه برسالته. | |
" وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين " | |
وألا تتكبروا على الله بتكذيب رسله, إني آتيكم ببرهان واضح على صدق | |
| رسالتي, | |
" وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون " | |
إني استجرت بالله ربي وربكم أن تقتلوني رجما بالحجارة, | |
" وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون " | |
إن لم تصدقوني على ما جئتكم به فخلوا سبيلي, وكفوا عن أذاي. | |
" فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون " | |
فدعا موسى ربه- حين كذبه فرعون وقومه ولم يؤمنوا به- قائلا: إن هؤلاء | |
| قوم مشركون بالله كافرون. | |
" فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون " | |
فأسر- يا موسى- بعبادي- الذين صدقوك, وآمنوا بك, واتبعوك, دون الذين | |
| كذبوك منهم- ليلا, إنكم متبعون من فرعون وجنوده فتنجون, ويغرق فرعون وجنوده. | |
" واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون " | |
واترك البحر كما هو على حالته التي كان | |
| عليها حين سلكته, ساكنا غير مضطرب, إن فرعون وجنوده مغرقون في البحر. | |
" كم تركوا من جنات وعيون " | |
كم ترك فرعون وقومه بعد مهلكهم وإغراق الله إياهم من بساتين وجنات | |
| ناضرة, وعيون من الماء جارية, | |
" وزروع ومقام كريم " | |
وزروع ومنازل جميلة, | |
" ونعمة كانوا فيها فاكهين " | |
وعيشة كانوا فيها متنعمين مترفين. | |
" كذلك وأورثناها قوما آخرين " | |
مثل ذلك العقاب يعاقب الله من كذب وبدل نعمة الله كفرا, وأورثنا تلك | |
| النعم من بعد فرعون وقومه قوما آخرين خلفوهم من بني إسرائيل. | |
" فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " | |
فما بكت السماء والأرض حزنا على فرعون | |
| وقومه, وما كانوا مؤخرين عن العقوبة التي حلت بهم. | |
" ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين " | |
ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المذل لهم | |
| بقتل أبنائهم واستخدام نسائهم. | |
" من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين " | |
من فرعون, إنه كان جبارا من المشركين, مسرفا في العلو والتكبر على عباد | |
| الله. | |
" ولقد اخترناهم على علم على العالمين " | |
ولقد اصطفينا بني إسرائيل على علم منا بهم على عالمي زمانهم. | |
" وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين " | |
وأتيناهم من المعجزات على يد موسى ما فيه ابتلاؤهم واختبارهم رخاء | |
| وشدة. | |
" إن هؤلاء ليقولون " | |
إن هؤلاء المشركين من قومك- يا محمد- ليقولون: | |
" إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين " | |
ما هي إلا موتتا التي نموتها, وهي الموتة | |
| الأولى والأخيرة, وما نحن بعد مماتنا بمبعوثين للحساب والثواب والعقاب. | |
" فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين " | |
ويقولون أيضا: فأت- يا محمد أنت ومن معك- | |
| بآبائنا الذين قد ماتوا, إن كنتم صادقين في أن الله يبعث من في القبور أحياء. | |
" أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين | |
| " | |
أهولاء المشركون خير أم قوم تبع الحميري والذين من قبلهم من الأمم | |
| الكافرة بربها؟ أهلكناهم لإجرامهم وكفرهم, ليس هؤلاء المشركون بخير من أولئكم | |
| فنصفح عنهم, ولا نهلكهم, وهم بالله كافرون. | |
" وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين " | |
وما خلقنا السموات والأرض وبينهما لعبا, | |
" ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون " | |
وما خلقناهما إلا بالحق الذي هو سنة الله في خلقه بتدبيره, ولكن أكثر | |
| هؤلاء المشركين لا يعلمون ذلك, فلهذا لم يتفكروا فيهما; لأنهم لا يرجون ثوابا ولا | |
| يخافون عقابا. | |
" إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين " | |
إن يوم القضاء بين الخلق بما قدموا في | |
| دنياهم من خير أو شر هو ميقاتهم أجمعين. | |
" يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون " | |
يوم لا يدفع صاحب عن صاحبه شيئا؟ ولا ينصر بعضهم بعضا, | |
" إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم " | |
إلا من رحم الله من المؤمنين, فإنه قد يقع | |
| له عند ربه بعد إذن الله له إن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه, الرحيم | |
| بأوليائه وأهل طاعته. | |
" إن شجرة الزقوم " | |
إن شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم, | |
" طعام الأثيم " | |
ثمرها طعام صاحب الآثام الكثيرة, وأكبر الآثام الشرك بالله. | |
" كالمهل يغلي في البطون " | |
ثمر شجرة الزقوم كالمعدن المذاب يغلي في | |
| بطون المشركين, | |
" كغلي الحميم " | |
كغلي الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة. | |
" خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم " | |
خذوا هذا الأثيم الفاجر فادفعوه, وسوقوه | |
| بعنف إلى وسط الجحيم يوم القيامة. | |
" ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم " | |
ثم صبوا فوق رأس هذا الأثيم الماء الذي تناهت شدة حرارته, فلا يفارقه | |
| العذاب. | |
" ذق إنك أنت العزيز الكريم " | |
يقال لهذا الأثيم السقي: ذق هذا العذاب الذي تعذب به اليوم, إنك أنت | |
| العزيز في قومك, الكريم عليهم. | |
| وفي هذا تهكم به وتوبيخ له. | |
" إن هذا ما كنتم به تمترون " | |
إن هذا العذاب الي تعذبون به اليوم هو العذاب الذي كنتم تشكون فيه في | |
| الدنيا, ولا توقنون به | |
" إن المتقين في مقام أمين " | |
إن الذين اتقوا الله بامتثال أوامره, | |
| واجتناب نواهيه في الدنيا في موضع إقامة آمنين من الآفات والأحزان وغير ذلك. | |
" في جنات وعيون " | |
في جنات وعيون جارية. | |
" يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين " | |
يلبسون ما رق من الديباج وما غلظ منه, يقابل | |
| بعضهم بعضا بالوجوه, ولا ينظر بعضهم في قفا بعض, يدور بهم مجلسهم حيث داروا. | |
" كذلك وزوجناهم بحور عين " | |
كما أعطينا هؤلاء المتقين في الأخرة من الكرامة بإدخالهم الجنات | |
| وإلباسهم فيها السندس والاستبرق, كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم بالحسان من النساء | |
| واسعات الأعين جميلاتها. | |
" يدعون فيها بكل فاكهة آمنين " | |
يطلب هؤلاء المتقون في الجنة كل نوع من | |
| فواكه الجنة اشتهوه, آمنين من انقطاع ذلك عنهم وفنائه. | |
" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم | |
| " | |
لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد | |
| الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا, ووقى الله هؤلاء التقين عذاب الجحيم. | |
" فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم " | |
تفضلا وإحسانا منه سبحانه وتعالى, هذا الذي | |
| أعطيناه المتقين في الآخرة من الكرامات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده | |
" فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون " | |
فإنما سهلنا لفظ القرآن ومعناه بلغتك يا | |
| محمد; لعلهم يتعظي وينزجرون. | |
" فارتقب إنهم مرتقبون " | |
فانتظر- يا محمد- ما وعدتك من النصر على هؤلاء المشركين بالله, وما يحل | |
| بهم من العقاب, إنهم منتظرون موتك وقهرك, سيعلمون لمن تكون النصرة والظفر وعلو | |
| الكلمة في الدنيا والآخرة, إنها لك- يا محمد- ولمن اتبعك من المؤمنين | |
| |
أكثر المصاحف تفاعلاً